تعرف إلى خارطة التوغلات الإسرائيلية داخل سوريا منذ سقوط نظام الأسد
تاريخ النشر: 22nd, November 2025 GMT
بالتزامن مع سقوط نظام بشار الأسد، اندفعت قوات الاحتلال الإسرائيلية لعبور خط وقف إطلاق النار في الجولان المحتل، لتتقدم داخل مواقع عسكرية في الجنوب السوري، مسجلة أول اختراق بري واسع منذ انتهاء حرب تشرين الأول/أكتوبر عام 1973.
ورصدت منظمة مراقبة حقوق الإنسان السورية نحو 200 عملية توغل إسرائيلية في جنوب سوريا منذ أواخر 2024 وحتى منتصف تشرين الأول/أكتوبر 2025، بينها ما يقرب من 130 عملية توغل بري نفذتها قوات المشاة والمدرعات.
عمليات "سهم باشان"
وأطلقت حكومة الاحتلال على عمليات التوغل اسم "سهم باشان"، بعد سقوط نظام المخلوع بشار الأسد، التي هدفت إلى الاستيلاء على المنطقة العازلة، إذ سيطرت خلالها قوات الاحتلال الإسرائيلية على كامل تلك المنطقة، ثم تابعت توسعها نحو بلدة خان أرنبة، إلى جانب تنفيذ توغلات داخل العمق السوري في مناطق منها حرفه ونوى وغيرها.
واتجهت قوات الاحتلال لاحقا شمالا نحو جبل الشيخ الذي يبلغ ارتفاعه نحو 2800 متر، ما منحها قدرة مراقبة واسعة على الحدود السورية اللبنانية، وبفعل هذا التقدم تمكنت من ربط نقاط سيطرتها بين القنيطرة وجبل الشيخ.
ومن وقت لآخر، تنفذ "إسرائيل" عمليات برية وجوية داخل العمق السوري، بينما تشير التفاهمات المطروحة إلى احتمالية انسحابها مقابل إنشاء منطقة عازلة جديدة تمتد من ريف دمشق إلى ريف درعا، إلى جانب فرض منطقة حظر جوي أوسع.
توسع السيطرة الإسرائيلية
سجلت مناطق الجنوب السوري توسعا إسرائيليا متصاعدا خلال فترة مختلفة، إذ كشف المركز العربي لدراسات سوريا المعاصرة في إحصائية نشرها بتاريخ 24 شباط/فبراير 2025 أن "المساحة الكلية التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية المباشرة أو النفوذ تجاوزت 460 كيلومترا مربعا".
وأوضح المركز في تقريره أن "جيش الاحتلال الإسرائيلي فرض السيطرة على 303 كيلومتر مربع إضافي داخل سوريا خلال الأسبوع الأول من العمليات"، وهي أرقام معتمدة حتى نهاية شباط/ فبراير 2025، فيما اتسعت هذه المساحات لاحقا مع استمرار التوغل الإسرائيلي داخل الأراضي السورية.
وقدم محللون، بحسب الأناضول، قراءة تفيد بأن تصرفات دولة الاحتلال، بما في ذلك إلغاء اتفاق فك الاشتباك لعام 1974 والسيطرة على مرتفعات الجولان السورية، تأتي ضمن استراتيجية "أكبر وأكثر شرا".
كما أعلنت سلطات الاحتلال الإسرائيلية في 9 كانون الثاني/يناير 2025 أنها ستبقي وجودها العسكري داخل منطقة تحكم بعمق 15 كيلومترا، مع "منطقة نفوذ" أوسع تصل إلى 60 كيلومترا داخل سوريا.
لكن هذا الإطار تغير سريعا، إذ كشفت وسائل إعلامية في 21 أيار/مايو 2025 أن "قوات الاحتلال الإسرائيلية تقدمت حوالي 25 كيلومترا من دمشق، مما خلق وضعا مشابها لاحتلال الجولان".
وأظهرت خريطة صادرة عن مركز جسور للدراسات ومحدثة لغاية حزيران/يونيو 2025 اتساع رقعة التوغل الإسرائيلي في الجنوب السوري، إذ عكست انتشارا ميدانيا يمتد من مثلث الحدود السورية اللبنانية وصولا إلى غرب درعا.
كما أظهرت تجاوز قوات الاحتلال الإسرائيلية للمنطقة العازلة المنصوص عليها في اتفاق فصل القوات لعام 1974، وتوغلها نحو تجمعات محاذية مثل خان أرنبة وجبا وبريقة، في توسع يتجاوز نطاق الجولان.
وكشفت كذلك وصول التوغل الإسرائيلي إلى محيط بلدات غربي درعا قرب حوض اليرموك، بما يعكس اتساع النشاط العسكري داخل الأراضي السورية.
الانتهاكات الميدانية
في الحميدية، الواقعة ضمن المنطقة منزوعة السلاح الخاضعة لرقابة الأمم المتحدة على امتداد "خط الفصل"، أقدمت القوات الإسرائيلية في 16 حزيران/ يونيو على هدم ما لا يقل عن 12 مبنى، الأمر الذي تسبب بتهجير عائلات سورية تقطن داخل المنطقة.
وكان جنود الاحتلال قد طردوا السكان في كانون الأول/ ديسمبر 2024 يوم سقوط نظام الأسد، وأخبروهم لاحقا بأن عمليات التهجير والهدم ضرورية لوجود منشأة عسكرية حديثة قرب المنطقة.
وفي جباتا الخشب، شيدت القوات الإسرائيلية منشأة عسكرية أخرى، وبدأت بتجريف مساحات واسعة من الأراضي، شملت محمية غابات يزيد عمرها على قرن، كما أكد السكان أن القوات منعتهم من الوصول إلى أراضيهم الزراعية ومراعيهم.
القنيطرة وريف درعا
تركزت التوغلات الإسرائيلية على القرى المحاذية للجولان المحتل داخل محافظة القنيطرة، وامتدت أيضا إلى ريف درعا الغربي بشكل محدود، وشهدت عدة بلدات في القنيطرة وجودا ميدانيا إسرائيليا مؤقتا خلال عامي 2024 و2025، من بينها بريقة، بئر عجم، رويحينة، زبيدة الغربية والشرقية، عين الزيوان، أبو قبيس، أم باطنة، وجبا.
وفي درعا، سجلت مصادر محلية توغلات إسرائيلية في القرى القريبة من حوض اليرموك غرب المحافظة، وفي مارس/آذار 2025 ظهرت تقارير عن عملية إنزال إسرائيلية على الحدود الإدارية بين درعا والقنيطرة، حيث توغلت قوة في محيط خربة صيصون غرب درعا.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، أفادت وكالة سانا الرسمية بأن دورية للاحتلال الإسرائيلي توغلت حتى أطراف قرية معرية غرب درعا، وذلك بالتوازي مع تحركات مشابهة في ريف القنيطرة.
وبرغم محدودية هذا التغلغل داخل درعا، إلا أنه أظهر استعداد دولة الاحتلال لتوسيع نشاطها والوصول إلى عمق أكبر داخل الأراضي السورية.
235 كيلومتر مربع من المنطقة العازلة وجبل الشيخ
وتبلغ مساحة المنطقة العازلة التي أسسها اتفاق الفصل لعام 1974 نحو 235 كيلومترا مربعا، وتمتد قرابة 75 كيلومترا من قمة جبل الشيخ شمال الجولان إلى جنوبه، بعرض يتراوح بين مئات الأمتار و14 كيلومترا، ولم تكتف قوات الاحتلال بحدود هذه المنطقة، بل واصلت توسعها خارجها.
وفي 13 كانون الأول/ديسمبر 2024، أعلن وزير الحرب الإسرائيلي أن "القوات الإسرائيلية تسيطر على قمة جبل الشيخ، التي عادت للإشراف الإسرائيلي بعد 51 سنة".
وبين أن هذا الموقع يحظى بـ"أهمية أمنية جوهرية" نظرا لموقعه الحساس وقدرته الواسعة على الإشراف والمراقبة.
وتقع قمة جبل الشيخ على الحدود بين سوريا ولبنان، وبالقرب منها قاعدة أممية داخل المنطقة العازلة، فيما تبعد هضبة الجولان نحو 60 كيلومترا جنوب غربي دمشق.
وقدمت البيانات الرسمية السورية، في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، حصيلة تشير إلى أن "جيش الاحتلال الإسرائيلي قد نفذ أكثر من 1000 غارة جوية على سوريا، إضافة إلى أكثر من 400 عملية توغل برية عابرة للحدود نحو المحافظات الجنوبية منذ كانون الأول/ديسمبر 2024".
اتفاق فك الاشتباك
وتعرف الحدود القديمة بين سوريا ودولة الاحتلال باتفاق فك الاشتباك لعام 1974 الذي جاء عقب حرب تشرين/أكتوبر، واستمر العمل به خمسة عقود.
ونص الاتفاق على سيطرة دولة الاحتلال على غربي الخط باستثناء القنيطرة، مقابل سيطرة سوريا على شرقيه، فيما أصبحت المنطقة الفاصلة منطقة عازلة تديرها قوات الأمم المتحدة.
واستمرت هذه القوات في مراقبة المنطقة حتى سقوط نظام الأسد، ومع بداية هذا السقوط أعلنت حكومة الاحتلال في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024 إلغاء الاتفاقية بدعوى انسحاب الجيش السوري.
"حماية الدروز".. مسوغ سياسي وعسكري
ركز الاحتلال إعلاميا على حماية الأقلية الدرزية كجزء من تبرير تدخلها العسكري، إذ تضم داخل حدودها نحو 120 ألف درزي يخدم العديد منهم في جيش الاحتلال، ولها امتدادات عائلية ودينية مع دروز السويداء، وكرر نتنياهو تعهداته "بحماية أبناء الطائفة الدرزية" في سوريا، مؤكدا أن إسرائيل "لن تتسامح مع أي تهديد" يطال قرى الدروز جنوب البلاد.
وخلف هذا العنوان نفذت دولة الاحتلال ضربات جوية واحتلت أراضي سورية قالت إنها لمنع اعتداءات تستهدف الدروز، كما طالبت خلال المفاوضات بفتح ممر إنساني إلى السويداء لإيصال المساعدات، وهو مطلب اعتبرته دمشق ذريعة لخرق السيادة، ويشير طرحه إلى سعي الاحتلال لإضفاء بعد طائفي على تحركاتها العسكرية إلى جانب البعد الأمني.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية الإسرائيلية سوريا نتنياهو سوريا إسرائيل غزة نتنياهو أخبار المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قوات الاحتلال الإسرائیلیة المنطقة العازلة دولة الاحتلال کانون الأول جبل الشیخ سقوط نظام دیسمبر 2024
إقرأ أيضاً:
إخوان سوريا يطرحون وثيقة العيش المشترك.. رؤية شاملة لمرحلة ما بعد الأسد
أصدرت جماعة الإخوان المسلمين في سورية وثيقة تحمل عنوان "وثيقة العيش المشترك في سورية"، قدّمت فيها رؤيتها لما تسميه أسس بناء دولة سورية جديدة قائمة على التعددية، والاعتراف المتبادل، وسيادة القانون.
وجاءت الوثيقة، التي حصلت "عربي21" على نصها الكامل، كاستجابة لسياق معقد يمر به المجتمع السوري بعد عقود من الاستبداد وصراعات دامية خلّفت انقسامات حادة بين مكونات البلاد، محاولة إعادة صياغة عقد اجتماعي جديد يضمن التماسك الوطني ويمنع تكرار المآسي التي عاشها السوريون خلال العقود الستة الماضية.
أولاً ـ رؤية تنطلق من قراءة للواقع السوري بعد سقوط النظام
تبدأ الوثيقة بتشخيص الواقع السوري بوصفه مجتمعاً أنهكته الانتهاكات والحروب والتمييز، مشيرة إلى أن انتهاء حكم الأسد يفتح الباب أمام مرحلة تأسيسية تتطلب مقاربات جديدة للعلاقة بين مكونات المجتمع السوري. وتؤكد الجماعة أن سورية بحكم موقعها الجغرافي وتنوعها الديني والعرقي لطالما شكلت نموذجاً للتعايش، وأن الدساتير الحديثة حافظت تاريخياً على خصوصيات المكونات الدينية في مجالي العبادة والأحوال الشخصية، بينما جعلت بقية المساحات مشتركة بين جميع السوريين.
وتحذر الوثيقة من "خطاب غير بنّاء" بدأ يطفو على السطح في السنوات الأخيرة، معتبرة أن استمرار هذا الخطاب يهدد بإعادة إنتاج الانقسام والتوتر والانتقام، إن لم يتدخل العقلاء عبر مبادرات جادة للتهدئة وترميم النسيج الاجتماعي.
ثانياً ـ الأسس الشرعية للعيش المشترك
وضعت الجماعة رؤيتها للعيش المشترك على أسس شرعية مستمدة من القرآن الكريم، معتبرة أن التنوع سنة كونية، وأن الأصل في علاقة الإنسان بالإنسان هو التعارف والعدل والاحترام المتبادل. وتستشهد الوثيقة بآيات تدعو إلى البر والقسط مع غير المسلمين، وتطالب باعتماد العدالة معياراً وحيداً في التعامل مع الجميع دون تمييز.
وتبرز الوثيقة أن الأخلاق في الإسلام مطلقة وغير مرتبطة بالدين أو الانتماء، وأن إقامة العدل ومراعاة التعاقدات الاجتماعية هي جوهر بناء مجتمع سليم، مؤكدة أن صحيفة المدينة تقدم نموذجاً لدستور تعاقدي يضمن التعايش ويحدّ من احتمالات الصراع.
كما تؤكد الجماعة أن التعاون بين مكونات المجتمع شرط لا غنى عنه لتحقيق مصالح الجميع، وأن الخلافات لا ينبغي أن تُدار بمنطق الغلبة، بل بالتحاور وتحديد المساحات الوطنية المشتركة بوضوح.
ثالثاً ـ أدوار الدولة في مرحلة ما بعد الاستبداد
تؤكد الوثيقة على مسؤولية الدولة المركزية في توفير إطار قانوني يحمي الحقوق والحريات، ويضمن الأمن، ويمنع الاعتداء على قيم المجتمع بحجة الحرية الشخصية. ودعت إلى إطلاق مبادرات للسلم الأهلي، وبناء شراكات فاعلة مع المجتمع المدني، واعتماد مناهج تعليمية تعزز القيم المشتركة وتغرس مبادئ الاحترام والتنوع في أذهان الأجيال الجديدة.
وتشدد على ضرورة تعزيز اللامركزية في اتخاذ القرارات، خصوصاً على مستوى الإدارات المحلية، باعتبارها الأقدر على تشخيص احتياجات مجتمعاتها ومعالجة التوترات الطارئة.
رابعاً ـ المجتمع المدني ودوره المركزي في إعادة بناء الهوية
تمنح الوثيقة وزناً كبيراً لمنظمات المجتمع المدني، معتبرة أن بناء الهوية الوطنية الجامعة لا يمكن أن يُترك للدولة وحدها. وتشجع هذه المنظمات على إطلاق حوارات وطنية، وبرامج تثقيفية، ومبادرات إعلامية وثقافية تعيد ترميم الثقة بين السوريين وتحد من ثقافة العزلة والانغلاق.
وتعطي الوثيقة دوراً خاصاً للمنظمات في مواجهة الخطابات التي تؤجج الكراهية والعصبية، مؤكدة أن المجتمع السوري لن يستقر إلا بترسيخ قيم المحبة والتعاون والتكافل بين جميع مكوناته.
خامساً ـ معايير حاكمة لرؤية سورية الجديدة
تحدد الجماعة مجموعة معايير تراها أساساً لبناء الدولة السورية الحديثة، أبرزها:
ـ دولة ديمقراطية تعددية قائمة على المواطنة وفصل السلطات.
ـ تجريم خطاب الكراهية والتحريض.
ـ حماية حرية الاعتقاد والحرية الدينية للجميع.
ـ انتخابات حرة ونزيهة تمنح حق المشاركة السياسية للجميع دون إقصاء.
ـ سيادة القانون، وإنهاء المحاكم الاستثنائية.
ـ جيش وطني خارج السياسة، سلاحه بيد الدولة فقط.
ـ تمكين المرأة والشباب.
ـ مساواة السوريين في الكرامة والحقوق دون تمييز.
ـ مكافحة الفساد والظلم، وضمان العدالة الانتقالية.
وتقدم هذه البنود تصوراً قانونياً وسياسياً واضحاً، يسعى إلى تنظيم العلاقة بين الدولة والمجتمع على أسس تعاقدية، بما يحول دون عودة الاستبداد أو هيمنة طرف على آخر.
سادساً ـ خاتمة تحذّر من الانتكاسات وتدعو إلى شراكة وطنية واسعة
تختتم الوثيقة بدعوة صريحة إلى تجاوز إرث الماضي، والتحرر من الأحكام المسبقة التي تراكمت خلال عقود الصراع، مؤكدة أن مسؤولية بناء العيش المشترك تقع على جميع السوريين دون استثناء. وتشير إلى أن المرحلة المقبلة ستكون مليئة بالتعقيدات، وأن التحديات تتطلب روحية إصلاحية متواصلة، لا مجرد شعارات عاطفية.
وتؤكد الجماعة أن سورية لن تنهض إلا بتكاتف جميع مكوناتها، واعتماد القوانين التي تضمن الحقوق والحريات، والالتزام بسلوك حضاري يرفض التعصب والاستعلاء ويعيد للسوريين ثقتهم بالدولة وبأنفسهم.
ماذا يعني هذا التحرك؟
تأتي الوثيقة في لحظة حساسة تحاول فيها القوى السورية إعادة تشكيل مشهد سياسي جديد بعد انتهاء حقبة الأسد، ما يجعل إعلان الإخوان المسلمين هذه الرؤية محاولة لتقديم أنفسهم كقوة مسؤولة ومساهِمة في صياغة سورية المستقبل، بعيداً عن الاستقطابات القديمة.
كما تمثل الوثيقة محاولة لتبديد المخاوف التي تلاحق الجماعة منذ عقود، من خلال تقديم خطاب يرتكز على المواطنة والجماعة الوطنية الجامعة، لا على الطابع الأيديولوجي أو الديني الضيق.
في الوقت نفسه، تبدو الوثيقة خطوة استباقية تهدف إلى ضمان مكان للجماعة في أي عملية دستورية أو سياسية قادمة، من خلال تأكيد التزامها بالديمقراطية والعيش المشترك والعدالة الانتقالية.
ومع ذلك، تبقى الأسئلة مطروحة حول قدرة الجماعة على تحويل هذه الرؤية النظرية إلى ممارسات واقعية، وإلى أي مدى ستنال الوثيقة قبول المكونات السورية الأخرى في ظل مخاوف متبادلة وتاريخ معقد من الصراع والدم.
لكن المؤكد أن الوثيقة، بكل ما تحمله من خطاب تصالحي وتعاقدي، تشير إلى إدراك متزايد لدى الجماعة بأن سورية الجديدة لن تبنى بالغلبة أو الإقصاء، بل بالحوار والشراكة والتفاهم بين الجميع.
وتكتسب هذه الوثيقة دلالات إضافية بالنظر إلى توقيت إصدارها، إذ تأتي بعد أسابيع من تصريح لافت لمستشار الرئيس السوري للشؤون الإعلامية، موفق زيدان، دعا فيه جماعة الإخوان المسلمين إلى حلّ نفسها والاندماج في الواقع السياسي الجديد لسورية.
كما تُطرح الوثيقة في لحظة لم يكتمل فيها بعد شكل المشهد السياسي، حيث ما زالت ملامح القوانين المنظمة للعمل الحزبي قيد النقاش، وسط بيئة إقليمية ودولية تتسم بقدر كبير من التحفظ ـ وربما الرفض ـ تجاه جماعة الإخوان. وهو ما يجعل الوثيقة، وفق مراقبين، محاولة من الجماعة لإعادة تعريف دورها وموقعها في سورية ما بعد الأسد، في سياق لا يبدو مهيأً بالكامل لعودتها إلى الحياة السياسية، لكنه مفتوح على احتمالات تتشكل مع ولادة النظام الجديد.