كشف الباحث المتخصص في شؤون الآثار اليمنية، عبدالله محسن، عبر صفحته على فيسبوك، عن عرض أربع تحف أثرية من الدولة الرسولية في متحف المتروبوليتان للفنون بنيويورك، ضمن أكثر من أربعين تحفة أثرية فنية تحمل شعار الدولة الرسولية في اليمن، وهو الوردة ذات الخمس بتلات. وأشار محسن إلى أن هذه التحف تجسد فترة تاريخية ذهبية شهدت توحيد اليمن وإطلاق أكبر عملية تنمية في البلاد بعد أفول نجم الدولة الرسولية.

متحف المتروبوليتان، أحد أكبر المتاحف العالمية، يضم أكثر من ثلاثة ملايين قطعة أثرية من حضارات كوكب الأرض، ويستقطب سنويًا أكثر من خمسة ملايين زائر، ما يجعل عرض هذه التحف فرصة استثنائية للتعريف بالحضارة اليمنية ورسائلها الثقافية والفنية للعالم.

التحفة الأولى: إناء وضوء معدني من عصر الملك المجاهد علي بن المؤيد داود

يعود هذا الإناء المعدني المصنوع من النحاس والمطعم بمركب فضي وأسود إلى تعز في القرن الرابع عشر الميلادي، ويحمل نقوشًا بالخط العربي من الداخل والخارج تتضمن ألقاب الملك ورسائل مدح وتمجيد. تزينه أيضًا وردية خماسية البتلات، شعار الدولة الرسولية، وأزهار اللوتس. عرض الإناء لأول مرة في جامعة شيكاغو ضمن معرض "الأزرق والأبيض: الخزف الصيني وتأثيره على العالم الغربي"، ثم في المتحف اليهودي بنيويورك عام 1997.

التحفة الثانية: صينية السلطان المؤيد داود بن يوسف

صُنعت هذه الصينية الكبيرة من النحاس والمطعم بالفضة لتستخدم في تقديم الطعام، وتحوي نقوشًا معقدة تضم الأبراج الاثني عشر والكواكب السبعة، إضافة إلى مشاهد صيد وفروسية، وحدود زخرفية تتضمن حيوانات متنوعة مثل الأسد والفهد ووحيد القرن. تحمل الصينية اسم السلطان وألقابه، وتتخللها وردات خماسية البتلات لتأكيد هوية الدولة الرسولية.

التحفة الثالثة: أسطرلاب السلطان الأشرف عمر بن المظفر يوسف

هذا الأسطرلاب النادر، المصنوع من النحاس والمطعم بالفضة، يعتبر مثالًا فريدًا موثقًا جيدًا على مستوى العلوم في اليمن الرسولي. يعود تأريخه إلى قبل سنوات قليلة من صعود عمر بن يوسف للعرش، وقد درس الباحث ديفيد أ. كينج القطعة وأكد أهميتها العلمية، إذ يربطها بنصوص معاصرة حول صناعة الأسطرلاب والبوصلة الشمسية والمزولات، وهي شهادة على مهارة السلطان العلمية ودوره في تطوير المعرفة الفلكية.

التحفة الرابعة: موقد محمول للشواء للسلطان الملك المظفر شمس الدين يوسف بن عمر

صُنع هذا الموقد النحاسي مع مقابض على شكل رؤوس أسود ورؤوس تنين، وهو مزين بنقوش ضخمة وزهرة خماسية البتلات، شعار الأسرة الرسولية. تمثل التفاصيل الهندسية والزخرفية على الموقد المستوى العالي للحرفية والفن، إضافة إلى الدور السياسي والثقافي للسلطان المظفر الذي شهدت فترة حكمه استقرارًا وازدهارًا في اليمن.

ويؤكد عبدالله محسن أن عرض هذه التحف في متحف عالمي مثل المتروبوليتان يعكس الاهتمام العالمي بالحضارة اليمنية ويتيح للباحثين والزوار فرصة الاطلاع على عظمة الدولة الرسولية وإنجازاتها الفنية والعلمية التي أسهمت في تشكيل تاريخ اليمن.

المصدر: نيوزيمن

إقرأ أيضاً:

صهاريج عدن.. حكاية حضارة أمة أدركت نعمة الماء وقيمته في مواجهة تحديات الزمن

يمانيون/محسن علي
على سفوح جبل شمسان الشاهق، وفي قلب مدينة كريتر التاريخية بمحافظة عدن جنوبي اليمن (الخاضعة حاليا تحت سيطرة الفصائل المسلحة الموالية لدويلة الإمارات)، تقف “صهاريج الطويلة” كشاهد صامت على عبقرية هندسية يمنية فريدة تمتد جذورها لآلاف السنين، ونظام متكامل لإدارة الموارد المائية وحماية المدينة من الكوارث الطبيعية، مما يجعلها واحدة من أروع الأعمال المعمارية المائية في العالم، وتحفة فنية منقوشة في الصخر، تروي حكاية حضارة أمة أدركت قيمة الماء ونعمته في مواجهة تحديات الزمن وضرورة التكيف مع بيئة قاسية.

جدل النشأة وعبقرية البناء
يحيط الغموض بتاريخ بناء صهاريج عدن، حيث تتعدد آراء المؤرخين والباحثين تشير بعض التقديرات إلى أن تاريخها يعود إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد، في عهد مملكة سبأ، بينما ترجح دراسات أخرى أن من شيدها هم الحميريون، وهناك من يرى أنها نتاج تطور عبر مراحل زمنية متلاحقة، بدءًا من العصور القديمة مرورًا بالعصر الإسلامي، ورغم غياب النقوش التي تحدد تاريخًا دقيقًا، يتفق الجميع على أن هذه المنظومة هي نتاج تراكم معرفي وهندسي فريد.

خطط عبقرية لأهداف استراتيجية
تقع الصهاريج في وادي الطويلة، وهي منحوتة في الصخور البركانية الصلدة لجبل شمسان، أو مبنية بالحجارة والجص المقاوم للماء، وقد صُممت بطريقة عبقرية تضمن تجميع مياه الأمطار الغزيرة التي تهطل على الجبل، وتوجيهها عبر سلسلة من القنوات والسدود إلى الصهاريج المتتابعة.

 

وظيفة مزدوجة الحماية والتخزين
تكمن العبقرية الهندسية لصهاريج عدن في وظيفتها المزدوجة والحيوية للمدينة، فكانت تعد المصدر الرئيسي لتزويد سكان عدن بالمياه العذبة للشرب والزراعة، وكذلك لتزويد السفن العابرة في الميناء، خاصة في مدينة عانت تاريخيًا من شح المصادر المائية،
والأهم من ذلك، أنها كانت تعمل كمنظومة دفاعية لحماية مدينة كريتر من السيول الجارفة التي تتدفق من جبل شمسان، فبدلاً من أن تجتاح السيول المدينة وتدمرها، كانت الصهاريج تستقبلها وتخفف من اندفاعها وتخزنها، مما يجنب المدينة كوارث دمار الفيضانات الطبيعية.

 

الأرقام تتحدث.. السعة والترميم الحديث
تشير التقديرات التاريخية إلى أن العدد الأصلي للصهاريج كان يتراوح بين 50 إلى 55 صهريجاً، لكن معظمها طُمر أو أصابه الخراب والأضرار عبر العصور،  أما الصهاريج القائمة والمكتملة حالياً، فيبلغ عددها نحو 18 صهريجاً، بسعة تخزين إجمالية تصل إلى حوالي 20 مليون جالون (ما يعادل تقريباً 75,700 متر مكعب، و90مليون لتر ).
وبعد أن اندثرت الصهاريج وأصبحت مطمورة بالكامل تقريبًا، أعيد اكتشافها بشكل كبير من قبل الغزو والاحتلال البريطاني لمدينة عدن عام 1856م، يؤكد بعض المؤرخين أن التعديلات التي تمت حينها من قبل مهندسين بريطانيين تحت مزاعم الترميم غيرت من وظيفتها الأساسية كمصارف لتوجيه المياه إلى خزانات لتجميعها.

 

مخاطر البناء العشوائي والبسط
وبينما تؤكد التقارير والأخبار المتداولة أن صهاريج عدن تواجه خطر الانهيار ليس بفعل القذائف، بل بفعل معاول الإهمال والبناء العشوائي منذ العام 2015م، تشير بعض المصادر إلى أن عمليات البسط والتجريف تتم بشكل علني على أيدي قيادات وعناصر مدعومة من قبل متنفذين يتبعون ما يسمى بالمجلس الانتقالي الممول من دويلة الاحتلال الإماراتي، مما يعيق محاولة أي جهود للحماية والترميم جراء الاعتداءات من المتنفذين، وقد أثارت ظاهرة الإهمال والبناء العشوائي حفيظة المواطنين والمثقفين، مما أدى إلى إطلاق نداءات وبيانات لإنقاذ الموقع من التدمير الممنهج لهذا المعلم الأثري.

 

 بين القيمة التراثية وتحديات الواقع
على الرغم من صمودها لآلاف السنين ومن أبرز المعالم التاريخية والأثرية والسياحية في اليمن، تواجه الصهاريج اليوم عدة تحديات خطيرة تهدد بقاءها ووظائفها على رأس ذلك: الإهمال وغياب الصيانة وتراكم النفايات والأوساخ، مما يهدد بانسداد قنوات التصريف ويؤثر على سلامة المنشآت التاريخية التي لم تخضع لترميم شامل منذ عقود،  بالإضافة إلى انتشار البناء والتوسع العمراني غير المنظم في محيطها، إلا أن التهديد الأكبر الذي واجهته بعد عام 2015 تمثل في الإهمال المتعمد من قبل حكومة الفنادق وأدواتهم واستمرار التعديات العشوائية التي تفاقمت حتى اليوم.

واقع صهاريج عدن اليوم تعد صورة مصغرة لتحديات الحفاظ على التراث في مناطق الغزو والاحتلال، فبعد أن صمدت المنظومة الهندسية لآلاف السنين في وجه الطبيعة، أصبحت مهددة بالزوال بسبب الإهمال والفوضى العمرانية والدمار المتعمد منذ أن جثم تحالف العدوان في السيطرة العسكرية الميدانية عليها تحت مزاعم التحرير، وكذلك يفعلون.

#صهاريج_عدن#معالم_تاريخية_وأثرية_يمنية

مقالات مشابهة

  • خطيب الأوقاف: من أعظم نعم الله على الإنسان أن خلق له الوقت والزمن
  • روائع النغم بصوت ريم كمال في معهد الموسيقى
  • خالد الجندي: قصة صبر النبي نوح عبر الزمن تحمل عبرة عظيمة
  • خالد الجندي: قصة صبر نوح عليه السلام عبر الزمن تحمل عبرة عظيمة
  • صهاريج عدن.. حكاية حضارة أمة أدركت نعمة الماء وقيمته في مواجهة تحديات الزمن
  • عاجل: حزب البعث في اليمن يتهم المجلس الانتقالي بتنفيذ انقلاب مسلح في حضرموت والمهرة ويطالب بإعادة القوات إلى مواقعها
  • نيويورك تايمز: مخيمات تنظيم الدولة في صحراء سوريا قنابل موقوتة
  • الأوبرا المصرية تُشعل ليل القاهرة بسهرة خالدة من روائع جارة القمر فيروز
  • "الجامعة الوطنية" تستعرض إرث الدولة البوسعيدية ومسيرة النهضة العمانية
  • د. منال إمام تكتب: الإنسان المصري.. حالة فريدة عبر الزمن