في خطوة تعكس تعقيدات العلاقة بين السياسة والتكنولوجيا، كشفت تقارير حديثة عن أن البيت الأبيض تدخّل بشكل مباشر لإعادة إدراج Grok، روبوت الدردشة المطور من شركة xAI المملوكة لإيلون ماسك، ضمن قائمة موردي الذكاء الاصطناعي المعتمدين لدى إدارة الخدمات العامة الأمريكية (GSA). 

يأتي ذلك رغم الخلافات التي ظهرت مؤخرًا بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإيلون ماسك، وأيضًا على الرغم من الجدل الكبير المحيط بأداء تقنيات xAI.

بحسب ما أوردته مجلة Wired، أظهرت وثائق مسربة أن قيادة إدارة الخدمات العامة تلقت توجيهات واضحة من البيت الأبيض لإدراج Grok 3 وGrok 4 ضمن منصة GSA Advantage، وهو السوق الإلكتروني الرسمي الذي تستخدمه الوكالات الحكومية لشراء المنتجات والخدمات.

 وكتب جوش جرونباوم، مفوض دائرة المشتريات الفيدرالية، في رسالة داخلية: "يجب على Grok/xAI العودة إلى الجدول الزمني في أسرع وقت ممكن وفقًا للبيت الأبيض".

تدخل مباشر من البيت الأبيض

تكشف هذه الخطوة عن مدى إصرار الإدارة الأمريكية على إبقاء تقنيات xAI ضمن منظومة الذكاء الاصطناعي الحكومية، حتى وإن كانت الشركة لم تُدرج في سلسلة الموافقات الرسمية الصادرة في أغسطس، والتي شملت أسماء كبرى مثل OpenAI وGoogle وAnthropic.

 وقد استعانت إدارة الخدمات العامة بشركة Carahsoft، وهي واحدة من أكبر المقاولين الحكوميين التي تعيد بيع التقنيات، لتسريع إدراج منتجات xAI في العقود الفيدرالية، وبالفعل، عُدّل عقد Carahsoft هذا الأسبوع ليشمل تقنيات xAI، لتصبح متاحة للشراء الفوري من جانب الوكالات الأمريكية.

لم يخلُ مسار Grok من الجدل. ففي يوليو الماضي، أعلنت xAI عن نسخة مخصصة للوكالات الحكومية من روبوتها الذكي، وكان من المتوقع أن تحصل على موافقة سريعة من GSA، إلا أن الأمور تعقدت بعد ظهور سلوكيات غير متوقعة من النموذج، حيث تورط في نشر دعاية نازية وخطابات معادية للسامية، واصفًا نفسه بـ "MechaHitler". هذا الانحراف المفاجئ أثار موجة من الانتقادات والتساؤلات حول جاهزية روبوتات الدردشة للاستخدام الحكومي.

كما جاء هذا الجدل بالتزامن مع خلاف علني بين ترامب وماسك حول مشروع قانون الإنفاق الرئاسي، وهو ما دفع بعض المراقبين للاعتقاد أن البيت الأبيض قد يتراجع عن دعم xAI. لكن التطورات الأخيرة تشير إلى أن القرار تغيّر بشكل مفاجئ لصالح إدراج Grok من جديد.

من اللافت أن هذه الخطوة تأتي في وقت تشهد فيه السوق الفيدرالية منافسة محتدمة بين الشركات الكبرى لتقديم نماذجها للوكالات الحكومية. فقد بدأت OpenAI وAnthropic مؤخرًا في تقديم خدماتها مقابل دولار واحد فقط، في محاولة لتسريع تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي في المؤسسات الرسمية، وحتى الآن، لم يُكشف عن أسعار xAI أو ما إذا كانت ستقدم حوافز مشابهة، لكنها تحتفظ بعقد ضخم بقيمة 200 مليون دولار مع وزارة الدفاع الأمريكية لتطوير تطبيقات خاصة بالذكاء الاصطناعي داخل البنتاغون.

### مخاوف متزايدة من "هلوسة الذكاء الاصطناعي"

رغم المكاسب المتوقعة من استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، إلا أن المخاوف بشأن موثوقيتها تتزايد، فقد واجهت عدة شركات اتهامات بأن أنظمتها تُظهر "هلوسة" أو تنتج معلومات خاطئة وخطيرة، وعلى سبيل المثال، تواجه OpenAI حاليًا دعوى قضائية بتهمة القتل الخطأ، بعدما زُعم أن ChatGPT ساهم في دفع مراهق إلى الانتحار من خلال محادثات مطوّلة حول أفكار قاتلة.

 بين السياسة والتقنية: مستقبل غامض لـ Grok

إدراج Grok مجددًا على قائمة موردي إدارة الخدمات العامة يفتح الباب أمام نقاش واسع حول حدود العلاقة بين الشركات التقنية العملاقة وصانعي القرار السياسي في الولايات المتحدة، فبينما تسعى الحكومة إلى مواكبة التطور السريع في مجال الذكاء الاصطناعي، تثير مثل هذه القرارات تساؤلات حول معايير الأمان والشفافية التي تُحدد أهلية هذه الأنظمة للاستخدام الرسمي.

في المحصلة، يظل مستقبل Grok داخل الوكالات الحكومية الأمريكية مرهونًا بمدى قدرة xAI على تحسين أداء أنظمتها وضمان أمانها، وسط سباق عالمي محموم للسيطرة على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: البيت الأبيض الذكاء الاصطناعي دونالد ترامب إيلون ماسك إدارة الخدمات العامة الذکاء الاصطناعی البیت الأبیض

إقرأ أيضاً:

رجل برتقالي في البيت الأبيض

سنحاول أن نبين أنَّ ترامب جمع خصائص الشخصيات الأمريكية النمطية والكوميدية والخارقة بما فيها سوبرمان.

ظهر كائن خيالي في مجلات مارفل الأمريكية الهزلية هي الرجل "الأخضر"، وله اسم آخر هو "هَلْك"، وانتشر تاليا في أفلام الأنيمي والكومكيس، وشاع لاحقا في السينما والمسلسلات الأمريكية. الأمريكيون يعشقون الشخصيات الخارقة، والمسوخ، وسرعة الإنجاز، أما أغرب الشخصيات الخارقة في المخيلة الأمريكية على الإطلاق فهو الرجل الناري، وهو أيضا برتقالي اللون مثل ترامب الذي يشبه شعره اللهب والشعلة والفتيل.

الرجل البرتقالي -عفوا الأخضر- رجل يتحول إلى مسخ، إلى كائن عملاق، وخارق عند الغضب، إذ تتضخم خلاياه عند انتشار الأدرينالين في جسمه. رأى صانعو الشخصية لتوفير عنصر الإقناع في القصة، أن هَلْك كان فيزيائيا اخترع أشعة في المخبر، عرض لها فغيرت خلاياه. أمر يشبه أسطورة أخيل الإغريقية.

تشتهر الشخصية الأمريكية بالفردانية والمنافسة (المنافسة وصف لطيف وأبلغ منها وصفُ المصارعة حتى البقاء)، ومعلوم للكافة حبّ الأمريكيين للمصارعة والملاكمة التي ينظمون لها المسابقات، ويجعلون لها الجوائز والشرف، والمصارعة اليابانية السومو أقل عنفا. ولا تخلو الأفلام الرومانسية الأمريكية من ملاكمات، وجرائم، وإن معظم أبطال أمريكا تعرضوا إلى أذى الأب السكّير في صباهم مثل الرجل الأخضر، لهذا ولدت عقدة أوديب النفسية في الغرب، وتطورت حتى غدت بدهية وحقيقة مثل شروق الشمس من الشرق، أما اليابانيون فلا يعرفونها ويسخرون منها.

إن صاحبنا الناري الأورانجي غضوب مثل معظم الشخصيات الأمريكية التي تهوى السرعة في الإنجاز. الأمريكي غاضب بطبعه، وشتّام، في حين أن الأخلاق العربية تحض على التأني والحلم والصبر، وقد طالب الرئيسان السابق بايدن واللاحق ترامب نتنياهو بإنجاز "المهمة" بسرعة في غزة، فالتعاطف يزداد مع غزة في الكوكب. وكان استخدام القنبلة النووية في اليابان طلبا للسرعة والحسم، لكن جيش الدفاع الاسرائيلي اصطدم بعزيمة الشعب الفلسطيني الصبور في غزة.

والحال أنَّ الرجل البرتقالي الذي تعرض لأشعة الشهرة والمجد في مخابر واستوديوهات الميديا، فهو إعلامي سابق، جعلته "هلكا" غاضبا، ومن الغريب أنَّ رئيس أقوى دولة في العالم أصبح صائد جوائز، وصائد الجوائز شخصية هزلية أمريكية سينمائية نمطية، تؤكد ذلك كثرة المقلدين لشخصيته الكوميدية، بسبب طريقته في الحديث والتصرف. وتبين الإحصاءات أنَّ الكتب التي أُلّفت عنه هي أكثر من الكتب التي ألفت عن أي رئيس أمريكي، حتى جاوزت ثلاثة آلاف مؤلف، فهي مكتبة كاملة، ويحب كاتب السطور أن يسميه خازن النيران، أو بواب النار الساعي إلى جائزة نوبل للسلام، فقد هدد مرات بفتح أبواب الجحيم على غزة، وللجحيم طبقات، وللنار درجات.

ومن المفارقات والعجائب أن بوّاب النيران البرتقالي الذي يدّعي إحلال السلام في سبعة حروب في أشهره الأولى من الحكم -وهي كذبة صدقها حتى أن رئيس ألبانيا تهكم عليه في فيديو شهير- قد صدق أنه سوبرمان، وهو يسعى حثيثا إلى جائزة نوبل، بل ويشكو إلى الزائرين للبيت الأبيض والدموع في صوته؛ إعراض لجنة الجائزة عنه وعدم ترشيحه لها، أو عدم نيله لها حتى الآن. ومن المعلوم أن شخصية صائد الجوائز واحدة من أشهر شخصيات أفلام الأكشن والويسترن الأمريكية، ها قد عاد صائد الجوائز إلى الحياة من السينما. لقد أخفق الرجل في إحلال السلام بين أوكرانيا وروسيا وملَّ من الخصمين، وكان قد وعد بالسلام بينهما خلال ثلاثة أيام. السلام أصعب من الحرب بكثير.

ومن طرائف رويبضة أمريكا الأخيرة أنه حال إعلان حماس قبولها بخطته التي سيفسدها نتنياهو حسب تقديرات المختصين، وبينهم إيهود باراك، أنزلها على صفحته، وهذا من الطرافة، وليس من الحصافة، إذ إن حماس جماعة إرهابية في العرف الأمريكي، كأنها شهادة تقدير لتلميذ في الفصل والمدرسة، أو شهادة تقدير من حماس للرئيس الأمريكي أو ترشيح منها له لجائزة نوبل للسلام الثكلى من دونه، وسبحان من جعل رئيس أعظم دولة، يخدم حماس في هذه الدعاية، كما كانت الحكومة الإسرائيلية تفعل مع الشيخ أحمد ياسين. وكانت إسرائيل قد أسرت أحمد ياسين وهو رجل عاجز ومشلول، فوضعت ساقه اليمنى على ساقه اليسرى، وصورته أجمل صورة، حتى تقنع العالم بالإرهابي المتغطرس، فلا يعقل أن يكون مشلول لا يتحرك فيه سوى لسانه؛ إرهابيا! ولا أعرف لِمَ لم تضع إسرائيل في فم أحمد ياسين سيجارا كوبيا، أو لم تسلحه بمسدس كاوبوي، وتضع في حضنه هرة، فزعماء المافيات يحبون الهررة.

كان ترامب موضوعا كوميديا لكثير من الفنانين، وبرم به الأمريكيون في ولايته الأولى، لكن سخطهم على بايدن العجوز، "النعسان" كما وصفه ترامب، جعلهم يفضلونه عليه القوي الفاتك، ففاز مرة ثانية بالرئاسة، لكنه لم يقنع برئاسة أقوى دولة في العالم، ويريد نوبل للسلام، فهي إهانة لأمريكا إن لم ينلها، حتى ذكّرنا بشخصية زينهم في مسرحية الزعيم وقد كُلف بأداء دور الزعيم لشبهه به، فيطلب عشرة جنيه من نائب الرئيس أجرة مقدم أتعاب!

أمريكا شريرة بطبعها ونشأتها، وقد خاضت حروبا كثيرة، السبب هو القوة العظيمة، والقوة من غير أخلاق أو دين أو وازع يغري بالبغي.

انتصرت أمريكا في الحروب قبل الحرب العالمية الثانية، مثل الحرب الثورية الأمريكية (1775-1783) ضد بريطانيا، والحرب المكسيكية الأمريكية (1846-1848)، والحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865)، والحرب الإسبانية الأمريكية (1898)، والحرب العالمية الأولى (1917-1918)، والحرب العالمية الثانية (1941-1945)، ثم بدأت تخسر الحروب أو لا تنتصر فيها، كما في حرب الخليج الأولى (1991)، وحرب فيتنام (1955-1975)، وحرب كوريا (1950-1953)؛ نتيجة غير حاسمة، وغزوة خليج الخنازير (1961)، وحرب أفغانستان (2001-2021)، وحرب العراق الثانية (2003-2011)، فقد انتهت معظمها بإخفاق، لكن فائض قوتها الإعلامية والمالية جعل خروجها من أفغانستان أشبه بالنصر منه بالهزيمة، وها هو ذا رئيسها يهدد أفغانستان التي خرجت منها مكسورة بإعادة قاعدة باغرام الجوية لأمريكا. أمريكا بلا تاريخ، لذلك فهي تكرهه، وهي أيضا بلا ذاكرة، وتنسى بسرعة.

هلْك في سيرته الذاتية يتحول أحيانا إلى ألوان أخرى مثل الرمادي، وله نقطة ضعف هي معدن اسمه الكادمنتيوم. لسان ترامب هو نقطة ضعفه، وليس شعره، فهو ليس شمشون الجبار، وميلاني ليست دليلة، والمرء بأصغريه.

x.com/OmarImaromar

مقالات مشابهة

  • «الإمارات للإفتاء الشرعي»: استثمار تقنيات الذكاء الاصطناعي في إخراج الزكاة
  • شركة النفط بعدن تنظم ورشة عمل حول «توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في الإدارة»
  • البيت الأبيض يبرم اتفاقًا مع إيلون ماسك لتوريد نماذج Grok للحكومة الأمريكية
  • الذكاء الاصطناعي يدخل عهدًا جديدًا.. من الدردشة إلى إنتاج الفيديو التوليدي
  • البيت الأبيض: جميع الأطراف وافقوا على خطة ترامب لإنهاء الحرب في غزة
  • " الأسهم الأمريكية " تفتح على ارتفاع بدعم الذكاء الاصطناعي
  • رجل برتقالي في البيت الأبيض
  • وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية تحذر من إساءة استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي
  • مكافحة الجرائم الإلكترونية تجدّد تحذيراتها المتواترة حول تقنيات الذكاء الاصطناعي الحديثة / فيديو
  • عاجل | مكافحة الجرائم الإلكترونية تجدّد تحذيراتها المتواترة حول تقنيات الذكاء الاصطناعي الحديثة