لماذا يحرص الاحتلال على إزالة صور الشهداء في نابلس؟
تاريخ النشر: 4th, September 2025 GMT
نابلس- زائر البلدة القديمة في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، لا يرى فقط الحجارة العتيقة والطراز العثماني العريق، بل تستوقفه صور الشهداء التي تملأ الجدران، والجداريات التي توثق أسماء العشرات ممن ارتقوا داخل البلدة دفاعا عن حجارتها.
فالحجارة هنا تروي حكاية انتفاضتين، وعشرات العمليات العسكرية، وليس انتهاء بشهداء "عرين الأسود" مجموعات المقاومة المسلحة التي نشطت بين عامي 2022 و2023 في أزقة البلدة القديمة.
في المخيال الجمعي الفلسطيني، لا تقف صور الشهداء عند حدود الذكرى العائلية أو التوثيق الشخصي، بل تتحول إلى أيقونات للمقاومة والذاكرة، فكل صورة معلّقة على جدار هي شهادة حيّة على استمرارية الكفاح، ورسالة بأن الغائب حاضر بروحه وقضيته.
تقول هدى جرار، والدة الشهيد إبراهيم النابلسي، أحد أبرز رموز مجموعة "عرين الأسود" للجزيرة نت "عندما أمشي في البلدة القديمة أو في أي مكان وأرى صورة إبراهيم، أقول الحمد لله، إبراهيم ما زال معنا، وشهداؤنا جميعهم أحياء" وتضيف "أنا ما دفنت إبراهيم، بل زرعته في الأرض مثل الزيتونة، وهذا الزرع أثمر، وسنحصد منه النصر إن شاء الله".
وبالنسبة لأهالي نابلس وسكان البلدة القديمة، لا تمثل هذه الصور مجرد ملامح لأبناء رحلوا، بل وعدا بالوفاء لدمائهم وتجسيدا لمعاني التضحية والكرامة، ولهذا تتحول الصور إلى ميدان مواجهة مفتوحة مع الاحتلال، الذي يدرك معنى بقائها.
تؤكد جرار "الاحتلال يخاف من صور الشهداء لأنه يعرف أن الشهداء فكرة، والفكرة لا تموت، الفكرة تُزرع في الأرض وتنمو، ومنها سيأتي جيل التحرير والنصر إن شاء الله".
في كل اقتحام للبلدة القديمة، لا يكتفي جنود الاحتلال بدهم البيوت أو استهداف الأحياء، بل يوجّهون بنادقهم نحو صور الشهداء المعلّقة على الجدران، يطلقون الرصاص على الوجوه المرسومة بالدهان، ويمزّقون الملصقات، وفي زوايا الأزقة، ما زالت آثار الرصاص محفورة على صور الشهداء، شاهدة على هذا الاستهداف الممنهج للذاكرة.
إعلانهناك عند باب الساحة، وبالقرب من برج الساعة الذي يتوسط المكان، حيث اعتاد الشهيد إبراهيم النابلسي الجلوس والتُقطت له صور عديدة، كانت معلّقة صورة كبيرة له، لكن في أحد الاقتحامات الأخيرة أزالها جنود الاحتلال، كما مزّقوا عشرات الصور الأخرى المنتشرة في أزقة البلدة القديمة.
تعلق جرار على ذلك بالقول "عندما يزيل الاحتلال صور الشهداء، فهذا دليل على أن شهداءنا أحياء وأثرهم باق، وما زالوا يرعبون العدو. هم يأتون بالجنود والطائرات المسيّرة فقط ليمسحوا صور شهداء، وهذا وحده يؤكد أن أطياف الشهداء ما زالت تقاتل وتخيفهم".
محاولة طمس الهوية
يشرح الأكاديمي والباحث في الذاكرة والهوية الفلسطينية عقل صلاح أن إسرائيل تعمل بشكل ممنهج لمحاربة كل ما يرمز للشهداء، سواء الصور أو النصب التذكارية، كونها جزءا من "حرب مسعورة" ضد الثقافة الوطنية الفلسطينية وكل ما يمت للأصل والذاكرة، بهدف محوها.
ويشير صلاح إلى أن هذه السياسة لم تبدأ بعد السابع من أكتوبر، بل سبقتها بسنوات طويلة، فقد سبق أن استهدفت جداريات وصورا مماثلة في مدن وقرى عديدة، منها الجدارية المرسومة على جدار مدرسة البنات في قرية برقة شمال نابلس، التي كان الجيش يطلق النار عليها في كل اقتحام، حتى بقيت محفّرة بالرصاص.
"وهذا دليل على أن معركتهم ضد الرموز الوطنية ليست إلا انتقامًا من الشهداء، ومحاولة لطمس الذاكرة الفلسطينية" يقول صلاح، ويضيف أن إسرائيل تبرر هذه الأفعال بالقول إن هؤلاء "أيديهم ملطخة بالدماء" -على حد وصفها- وبالتالي تسعى لمحاربتهم أحياء وأمواتا.
ويعقب قائلا إن "محاربة الصور والنصب لا تقتصر على الشارع، بل تمتد إلى السينما والفنون، وحتى منع بعض الأفلام التي تتناول الشهداء، الهدف النهائي هو طمس الهوية الفلسطينية وإحلال هوية استعمارية جديدة مكانها".
يرى صلاح أن صور الشهداء والنصب التذكارية تحمل معاني أساسية تجعلها مصدر خطر دائم على الاحتلال "فهي تضفي شرعية على المقاومة، وتخلّد الأفكار النضالية، وتحوّل الشهداء إلى نماذج يُحتذى بها، مما يمنح الفعل المقاوم شرعية مستمرة".
ويضيف أن هذه الصور تخلق تضامنًا وتعبئة شعبية، إذ تذكّر الناس بالمهام المقدسة التي استشهد الشهداء من أجلها: التحرير والخلاص من الاحتلال، "وهذا التضامن الشعبي هو ما تخشاه إسرائيل" كما يقول.
ويؤكد أن صور الشهداء "تمثل مصدر إلهام للتنظيمات والحركات السياسية، إذ تحرّض الناس على المقاومة وتشكل أداة قوية في فترات الانتفاضات وأوقات التصعيد، بما يعزز الاستقلالية الوطنية ويحرض على الفعل الجهادي".
ويلفت كذلك إلى أن تخليد الشهداء عبر الصور يسهل عملية التواصل الفكري بين الأجيال، ويجعل من الرموز نقطة التقاء موحدة ومقدسة للشعب الفلسطيني، معتبرا أن "صورة واحدة لشهيد قد تختصر تاريخ الثورة وحركاتها".
ويختم صلاح بقوله إن "رؤية صورة شهيد تثير مشاعر الوفاء والاحترام، وتدفع الشباب إلى الاقتداء بهم والسير على خطاهم، هذا الجانب العاطفي هو ما تخشاه إسرائيل، لأنه يولد جيلا جديدا يتطلع للشهادة والمقاومة".
إعلانلهذا، يرى الباحث أن إسرائيل تحارب كل الرموز الوطنية، سواء الصور، أو الأعلام، أو الأسماء، وحتى الزيتون والحجر، في محاولة لإحلال ثقافة استعمارية بديلة، على أنقاض الثقافة الوطنية الفلسطينية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات البلدة القدیمة صور الشهداء
إقرأ أيضاً:
هذه حصيلة عامين من الشهداء والمصابين في حرب الإبادة على غزة
قالت وزارة الصحة في غزة، الثلاثاء، في بيان توثيقي بمناسبة مرور عامين على العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ الثامن من تشرين الأول/أكتوبر 2023، إن جيش الاحتلال الإسرائيلي قتل خلال حرب الإبادة الجماعية 67 ألفا و173 فلسطينيا، بينهم 20 ألفا و179 طفلا، وذلك ضمن إحصائية شاملة توثق حصيلة الشهداء منذ بدء العدوان.
وأوضحت الوزارة أن من بين شهداء الحرب 10 آلاف و427 سيدة، و4 آلاف و813 مسنا، وألفا و701 من الكوادر الطبية، مشيرة إلى أن عدد الجرحى والمصابين خلال العامين بلغ 169 ألفا و780 فلسطينيا.
وبينت وزارة الصحة أن المنظومة الصحية في القطاع تعرضت خلال الحرب لضربات وُصفت بـ"القاسمة والقاتلة"، أدت إلى تدمير البنية التحتية ومقومات الخدمة الصحية الأساسية، مؤكدة أن قوات الاحتلال قتلت 1701 من أفراد الطواقم الطبية، واعتقلت 362 آخرين في ظروف قاسية اتسمت بالتغييب القسري والحرمان من الحقوق الإنسانية.
وحول سياسة التجويع التي تواصلها حكومة الاحتلال، ذكرت الوزارة أن مستويات المجاعة في قطاع غزة "تفاقمت إلى حدود خطيرة" وفق التصنيفات الأممية، مشيرة إلى أن حصيلة اشهداء بسبب سوء التغذية ارتفعت حتى الأحد إلى 460 شخصا، بينهم 154 طفلا، بينما يعاني 51 ألفا و196 طفلا دون سن الخامسة من سوء تغذية حاد.
وأضاف البيان أن الحرب المستمرة تسببت بنحو 4900 حالة بتر وإعاقة، يحتاج أصحابها إلى أدوات مساندة وبرامج تأهيل طويلة الأمد، موضحة أن الإغلاق الإسرائيلي المشدد لمعابر القطاع حرم 18 ألف مريض من السفر للعلاج، من بينهم 5 آلاف و580 طفلا.
وأكدت الوزارة أن توقف الإمدادات الطبية وعرقلة وصولها إلى المستشفيات أديا إلى ارتفاع نسبة الأصناف الصفرية من الأدوية إلى 55 بالمئة، ومن المستهلكات الطبية إلى 66 بالمئة، ومن المستلزمات المخبرية إلى 68 بالمئة.
وأشارت إلى أن الدمار الذي طال المرافق الصحية أدى إلى خروج 25 مستشفى عن الخدمة من أصل 38، فيما لا تزال 13 مستشفى تعمل جزئيا وفي ظروف صعبة، كما دمر جيش الاحتلال الإسرائيلي 103 مراكز للرعاية الصحية الأولية من أصل 157 مركزا، ولم يتبق سوى 54 مركزا تعمل بشكل جزئي.
كما أفادت الوزارة بأن جيش الاحتلال دمرت 25 محطة توليد أكسجين من أصل 35 في القطاع، و61 مولدا كهربائيا من أصل 110، جراء استهدافها المباشر للمؤسسات الصحية، مشيرة إلى أن حرب الإبادة خلفت أيضا 9 آلاف و500 مفقود.