مزاعم ترامب حول الشريعة تغذي حربا ثقافية عالمية آخذة في الاتساع
تاريخ النشر: 6th, October 2025 GMT
في خطاب ألقاه أمام الأمم المتحدة في أواخر أيلول/ سبتمبر 2025، اتهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لندن بـ"التوجه نحو تطبيق الشريعة"، ووصف عمدة المدينة صادق خان بأنه "عمدة سيئ للغاية". كما صعّد ترامب من حدة انتقاداته للمرشح الأوفر حظا لمنصب عمدة نيويورك، زهران ممداني، مصورا إياه كشخصية راديكالية ستقوض القانون والنظام.
ماذا قيل ومتى؟
استقطب خطاب ترامب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة اهتماما عالميا، وضمن استعراضه لموضوعات السياسة الخارجية أدرج ملاحظة لاذعة وموجهة مفادها أن لندن "تتجه نحو تطبيق الشريعة". جاء هجومه على صادق خان استمرارا لعداء شخصي يمتد لسنوات، ويعود تاريخه إلى خلافات حول قرارات حظر السفر التي فرضها ترامب في ولايته الأولى وانتقادات خان لخطابه. وعلى الساحة السياسية الأمريكية، استهدف ترامب؛ زهران ممداني طوال سباق رئاسة بلدية نيويورك لعام 2025، حيث ربطه بالسياسات الراديكالية وألمح إلى أنه يشكل خطرا على الطابع الثقافي للمدينة.
منحت منصة الأمم المتحدة خطاب ترامب هذا حضورا استثنائيا، ففي محفل دولي مخصص للدبلوماسية، اختار ترامب تكرار ادعاء متجذر في سياسات الهوية الداخلية. وكان الأثر المترتب على ذلك هو عولمة سردية الخوف الثقافي التي تلقى صدى لدى شرائح من قاعدته السياسية
الحقيقة القانونية والمؤسسية
إن الادعاء بأن عمدة مدينة يمكنه فرض الشريعة الإسلامية في مدينة غربية ينهار تماما أمام أي تدقيق جاد. في المملكة المتحدة، يرتكز النظام القانوني على السيادة البرلمانية والقانون العلماني. ورغم وجود مجالس للشريعة تعمل بشكل غير رسمي للتوسط في النزاعات الأسرية داخل الجاليات المسلمة، إلا أنها لا تملك أي قوة قانونية ملزمة، حيث تحتفظ المحاكم المدنية بسلطتها الكاملة. أما في الولايات المتحدة، فإن مبدأ الفصل الدستوري بين الكنيسة والدولة يمنع تبني أي تشريع ديني كقانون بلدي أو فيدرالي. وعليه، لا يملك عمدة نيويورك أي صلاحية قانونية لإدراج الشريعة في الأطر التشريعية. وقد خلص مدققو الحقائق باستمرار إلى عدم وجود أي دليل على أن خان أو ممداني قد اقترحا مثل هذه الإجراءات.
السير الذاتية والسجلات السياسية
يُعرف صادق خان، عمدة لندن للولاية الثالثة، بإصلاحاته في قطاع النقل، ومبادراته للإسكان، وتدابيره البيئية. وخلافاته مع ترامب قديمة؛ فخلال فترة رئاسة ترامب، انتقد خان علنا حظر السفر الأمريكي الذي استهدف الدول ذات الأغلبية المسلمة، ورد ترامب بالتشكيك في كفاءة خان وملاءمته للمنصب. ويعد اتهام "الشريعة" هو الشكل الأكثر تطرفا في هذا الخصام المستمر.
أما زهران ممداني، فهو في بداية مسيرته السياسية على مستوى المدينة. بنى ممداني، وهو نجل مهاجرين هنديين من أوغندا، برنامجه الانتخابي حول توفير الإسكان الميسور، وتسهيل الوصول إلى وسائل النقل العام، والضرائب التصاعدية. سياساته علمانية بحتة، وتتركز في القضايا الاقتصادية والاجتماعية لا الهوية الدينية. يراه مؤيدوه صوتا جديدا للمجتمعات المهمشة، بينما يصوره خصومه كشخصية راديكالية خطيرة.
لماذا يكتسب هذا الادعاء أهمية سياسية؟
إن تأطير الخصوم السياسيين كمتعاطفين مع الشريعة ليس بالأمر الجديد. فقد ظهر هذا التكتيك في السياسة الأمريكية على الأقل منذ الجدل الذي دار حول ترشح باراك أوباما، حين انتشرت نظريات المؤامرة حول ديانته. يعمل هذا الأسلوب كإشارة ثقافية تربط الخصوم بالغربة، وبتهديد مزعوم للحريات العلمانية. وفي بريطانيا، انتشرت اتهامات مماثلة حول سياسيين مسلمين، لكنها نادرا ما تحظى بزخم في الخطاب العام السائد.
لقد منحت منصة الأمم المتحدة خطاب ترامب هذا حضورا استثنائيا، ففي محفل دولي مخصص للدبلوماسية، اختار ترامب تكرار ادعاء متجذر في سياسات الهوية الداخلية. وكان الأثر المترتب على ذلك هو عولمة سردية الخوف الثقافي التي تلقى صدى لدى شرائح من قاعدته السياسية.
ردود الفعل الفورية والمعارضة
كان رد الفعل السياسي سريعا. فقد رفض رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر تصريحات ترامب واصفا إياها بـ"الهراء"، ومؤكدا أن القانون البريطاني علماني وليس معرضا لخطر الاستبدال. من جانبه، رفض خان الاتهام ووصفه بأنه معادٍ للإسلام "إسلاموفوبي" وإهانة لسكان لندن الذين يقدرون التعددية. وفي الولايات المتحدة، أشار ممداني وحلفاؤه إلى أن تصريحات ترامب لا يدعمها أي دليل وتهدف فقط إلى تأجيج الانقسام. كما حذرت جماعات الحقوق المدنية من أن مثل هذا الخطاب يمكن أن يعرض الجاليات المسلمة للخطر عبر إضفاء الشرعية على الشك والعداء.
تدقيق الادعاء الأساسي
التحقق المستقل من الادعاء أمر مباشر وبسيط: لا يوجد أي مقترح في بلدية لندن لاستبدال القانون الإنجليزي بالشريعة، فإدارة خان تعمل ضمن الأطر الوطنية. وبالمثل، فإن وثائق سياسات ممداني المنشورة تتعلق بالإيجارات والأجور والخدمات العامة، وليس الدين. إن غياب الأدلة يشير إلى أن هذه المزاعم هي مجرد خطاب سياسي وليست حقائق. وهذا النمط -دون تقديم براهين- يؤكد الطبيعة السياسية المحضة للهجوم.
التداعيات الأوسع
غالبا ما تطغى الادعاءات المثيرة على النقاشات السياسية الجوهرية. فقد هيمنت تغطية تصريحات ترامب على العناوين الرئيسة، بينما تراجعت النقاشات حول الإسكان والنقل والحوكمة
هناك عدة عواقب يجب أخذها في الاعتبار:
* العلاقات الدولية: باستهدافه عمدة عاصمة حليفة رئيسية في الأمم المتحدة، خاطر ترامب بتوتير العلاقات مع المملكة المتحدة. وقد اضطر المسؤولون البريطانيون إلى الرد علنا، مما صرف الانتباه عن الأجندات الدبلوماسية المشتركة.
* الاستقطاب المحلي: يعمّق اتهام "الشريعة" الانقسامات داخل السياسة الأمريكية. وهذا من شأنه أن يعزز جاذبية ترامب بين الناخبين الذين يعطون الأولوية للهوية الثقافية، ولكنه يعمل على تنفير آخرين يعتبرونه تمييزا.
* المخاوف الأمنية: يحذر المحللون من أن الربط المتكرر بين القادة المسلمين والتطرف يمكن أن يزيد من التهديدات الموجهة ضدهم، فالساسة مثل خان وممداني يواجهون بالفعل مخاطر أمنية متزايدة.
* البيئة الإعلامية: غالبا ما تطغى الادعاءات المثيرة على النقاشات السياسية الجوهرية. فقد هيمنت تغطية تصريحات ترامب على العناوين الرئيسة، بينما تراجعت النقاشات حول الإسكان والنقل والحوكمة.
إن الادعاء بأن لندن أو نيويورك تتجه نحو تطبيق الشريعة تحت قيادة مسؤولين منتخبين محددين هو ادعاء لا أساس له من الصحة، فهو لا يستند إلى أي أساس قانوني أو سياسي أو إداري. ومع ذلك، يحمل هذا الادعاء وزنا سياسيا، ليس لأنه حقيقي، بل لأنه يلقى صدى لدى المخاوف الثقافية. وعندما يتم التعبير عن مثل هذا الخطاب على المسرح العالمي، فإنه يهدد كلا من التماسك الداخلي وحسن النية على الساحة الدولية.
إن المهمة الملقاة على عاتق الإعلام والقادة السياسيين والمواطنين هي فصل الحقيقة عن الخيال. عند تقييم المرشحين للمناصب، فإن الأسئلة ذات الصلة تتعلق بسجلاتهم وسياساتهم والحدود الدستورية التي يعملون ضمنها. إن تحويل الانتخابات إلى استفتاءات حول تهديدات دينية متخيلة يقوض المساءلة الديمقراطية. الحقائق، لا الخوف، هي ما يجب أن تحدد التنافس على القيادة في كل من لندن ونيويورك.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء ترامب صادق خان امريكا اسلام إسلاموفوبيا ترامب صادق خان قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مدونات قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة مقالات صحافة سياسة سياسة اقتصاد مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأمم المتحدة تصریحات ترامب
إقرأ أيضاً:
ترامب يحذر: استمرار التصعيد في أوكرانيا قد يؤدي لـ«حرب عالمية ثالثة»
أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الجمعة، أنه وجّه تحذيرات حازمة في الأيام الأخيرة لجهة لم يحددها بشأن استمرار التصعيد في مسار تسوية الوضع في أوكرانيا، محذرًا من أن استمرار التصعيد قد يفتح الطريق أمام حرب عالمية ثالثة.
وأشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال فعالية في البيت الأبيض إلى أن الولايات المتحدة لا تتأثر مباشرة بما يجري إلا إذا خرجت التطورات عن السيطرة، وأن مثل هذه الأزمات تنتهي عادة بصراعات كبرى.
وأضاف أنه سبق أن حذر من أن استمرار النهج الحالي قد يقود إلى حرب عالمية ثالثة، مؤكدًا أن واشنطن لا ترغب في بلوغ هذا المسار.
ورغم التحذير، لم يوضح الرئيس الأمريكي الجهة التي قصدها في سياق الصراع العالمي الدائر حول أوكرانيا، لكنه أكد اعتقاده أن الولايات المتحدة كانت قريبة جدًا من التوصل إلى صفقة مع روسيا وقريبة جدًا من التوصل إلى صفقة مع أوكرانيا، مشددًا على أن واشنطن ترغب في تسوية النزاع لكنها ليست طرفًا فيه بل تشارك في المفاوضات، بينما تسعى أوكرانيا وأوروبا إلى إشراك الإدارة الأمريكية في حل الأزمة.
وأشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى أنه ناقش تسوية أوكرانيا بصراحة مع قادة فرنسا وبريطانيا وألمانيا، وطلب ممارسة ضغط على الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، مؤكدًا ضرورة تقييم الواقع بطريقة واقعية.
وأوضح أن آخر مكالمة هاتفية جرت مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كانت يوم السادس عشر من أكتوبر، وهي الثامنة منذ بداية العام، فيما أعلن الكرملين في ديسمبر عدم وجود خطط لعقد محادثات جديدة.
وفي سياق متصل، استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الثاني من ديسمبر المبعوث الرئاسي الأمريكي ستيف ويتكوف، صهر الرئيس الأمريكي ومؤسس شركة أفينيتي بارتنرز، لمناقشة خطة التسوية الأمريكية لأوكرانيا، حيث قسّم الجانب الأمريكي النقاط السبع والعشرين إلى أربع حزم مقترحًا مناقشتها بصورة منفصلة.
وتواصل القوات المسلحة الروسية منذ الرابع والعشرين من فبراير 2022 تنفيذ العملية العسكرية الخاصة لحماية إقليم دونباس، وانضمت بعد ذلك جمهوريتا دونيتسك ولوغانسك ومقاطعتا خيرسون وزابوروجييه إلى روسيا، لتصبح مهمة القوات الروسية تحرير كامل أراضي هذه المناطق إضافة إلى أهداف تشمل نزع سلاح أوكرانيا وضمان حيادها والقضاء على النازية وتقديم المسؤولين عن الجرائم إلى العدالة.
وردًا على ذلك، فرضت الدول الغربية عقوبات اقتصادية ومالية مشددة على روسيا وقدمت دعمًا عسكريًا بمليارات الدولارات للجانب الأوكراني.
مجلس الاتحاد الأوروبي يوافق على تخصيص 2.3 مليار يورو كدفعة دورية لأوكرانيا
وافق مجلس الاتحاد الأوروبي على تخصيص الشريحة السادسة من المساعدات المالية لأوكرانيا، بقيمة 2.3 مليار يورو، ضمن صندوق دعم أوكرانيا.
وجاء في بيان صادر عن المجلس: “وافق مجلس الاتحاد الأوروبي على تخصيص الشريحة السادسة لكييف، والبالغة 2.3 مليار يورو من صندوق دعم أوكرانيا”. وأشار البيان إلى أن المبلغ سيتم تسليمه قريبًا للجانب الأوكراني.
وأضاف البيان أن هذه الأموال تأتي ضمن برنامج المساعدة المالية الكلية للاتحاد الأوروبي لأوكرانيا، والبالغة قيمته 50 مليار يورو، مقابل الإصلاحات التي تمت الموافقة عليها في عام 2024.
آخر تحديث: 12 ديسمبر 2025 - 15:47