أطياف
صباح محمد الحسن
طيف أول:
ليت الحلم يومًا يحكي عن البُعد الرابع، وعن الصراخ الذي لا صوت له.
الحلم أو الحبر!!
ويبدو أن رئيس الوزراء، الدكتور كامل إدريس، لم ينجح في اجتياز اختبار القيادة التنفيذية على رأس مجلس الوزراء، إذ بات وجوده في المنصب أقرب إلى الغياب، دون أثر ملموس يُميّز حضوره، أو يُبرر استمراره.
ففي زيارته للمملكة العربية السعودية، أكد إدريس أن الدول الحليفة للفريق أول عبد الفتاح البرهان قد رفعت يدها عن دعمه، بل واستكثرت عليه حتى احترام رئيس الوزراء الذي اختير لتمثيل الحكومة بقرار منه. وعاد إدريس إلى بورتسودان، دون أن يلتقي قادة الحكم في المملكة، في مشهد يعكس فتورًا دبلوماسيًا واضحًا، ويطرح تساؤلات حول مدى الاعتراف الإقليمي بشرعية الحكومة التي يمثلها.
وفي الأمم المتحدة، تحدث إدريس عن نفسه كرئيس وزراء مستقل يمثل الحكومة المدنية، وكأنه ينفي سيطرة السلطة الانقلابية على القرار، وهو تصريح أثار جدلًا واسعًا،
وفي زيارته لإريتريا، ظهر في موقف احتفائي إلى جانب الرئيس أسياس أفورقي، وهتف له وكأنه أحد أفراد حاشيته، في مشهد أثار استياءً وسط أنصاره قبل معارضيه، وفتح الباب أمام اتهامات بالارتهان السياسي، لا سيما أن أفورقي يُعد من أكثر القادة السلطويين في المنطقة، ويتربع على الحكم بالبندقية.
ثلاث رحلات خارجية لم تُسهم في تعزيز صورة الحكومة، بل أضرت بسمعة الوطن، الذي لا يليق به أن يكون تابعًا أو مرتهنًا لأي دولة خارجية، مهما بلغت مكانتها أو حجم دعمها.
فالهتاف لرئيس دولة ذات سجل استبدادي لا يمكن تفسيره إلا كإشارة على أن العمالة السياسية قد تدفع المسؤول إلى تجاوز موقعه القيادي، ونسيان أنه يمثل دولة ذات سيادة.
وفي ذات السياق، تأتي ممارسة العمالة على طريقتهم، حين خلع إعلام الفلول رداء الحرب الذي يرتديه منذ اليوم الأول عندما سُخِّر كأداة دعائية تُجيد صياغة الروايات الزائفة، وتُغيّب الحقائق، وتُحوّل المعتدي إلى ضحية، وتُصور كل رأي مخالف على أنه خيانة أو تهديد للأمن القومي، حيث قدّم هذا الإعلام الحرب كضرورة وطنية وأخلاقية، متجاهلًا تماما آثارها الكارثية على المدنيين والبنية التحتية.
لكن يبدو أن هذا الإعلام قد استيقظ فجأة من غيبوبته، بعد أن تجاوز عدد الضحايا المدنيين 150 ألفًا، ونزح الملايين، ودُمّرت الخرطوم، وسُلبت هويتها، وتهاوى اقتصادها، وتفككت بنيتها التحتية، وتعرضت مواردها للنهب. استيقظ، واستدعى ضميره بعد “خراب سوبا”، وبدأ يبحث عن منابر للسلام، لكن المفارقة أنه لم يبحث عن منابر وطنية، بل اتجه نحو الخارج “أرض العمالة” ذاتها التي طالما اتهم الإعلام الثوري والمدني بالارتهان إليها، وكان يسخر من إطلالة دعاة السلام من نوافذ خارجية.
وبعد تسعة وعشرين شهرًا من الحرب، بدأ إعلام الحرب يتحدث عن أهمية السلام، مما يطرح تساؤلات جوهرية: هل تحقق النصر العسكري؟
وهل تم القضاء على التمرد؟
هل عاد أحمد هارون رابحا من عملية “الكسح والمسح”
ما الذي تحقق فعليًا منذ أن بدأ هذا الإعلام دعوته إلى الحرب، وقبلها حين عادى حكومة الثورة، وصفّق للانقلاب
كم من الأموال أنفقتها الحكومة على إعلامها الذي بات يجهر بمعاصيه المهنية عبر الأسافير، وينبش لحم بعضه البعض، بعد أن مارست القيادات الإسلامية العسكرية سياسة “الخيار والفقوس” في توزيع المنح والهبات والعطايا!!
وما الذي حدث حتى يُسلّط الإعلام الكيزاني سهامه على الفريق عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش، ورئيس الوزراء كامل إدريس؟ أليس البرهان هو القائد الذي طُلب من الناس طاعته ظالمًا أو مظلومًا.
أليس إدريس هو الرئيس المدني الذي اختير، ووُعد المواطن عبر الإعلام بأنه سيحقق إنجازًا باهرًا؟ أم آن الأوان لتبديل المواقف.
أم أن الإعلام الذي يشهد هذا التحول يعيش أزمة هوية سياسية، ويعكس اضطرابًا في البوصلة الوطنية.
أفيدونا أيها الوطنيون!!
طيف أخير
ارتفاع عدد الضحايا بمدينة الفاشر يكذب يوميًا ادعاءات حكومة تأسيس بأنها جاءت لتبسط السلام في دارفور، وتحقق للمواطن سبل العيش الكريم حرب الكذبات ما زالت مستمرة، والضحية هو المواطن.
الوسومصباح محمد الحسنالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: صباح محمد الحسن
إقرأ أيضاً:
صالح الجعفراوي صوت غزة الذي صمت برصاص الغدر
غزة- اغتال رصاص الغدر -مساء أمس الأحد- صوتا من أصوات الحقيقة في غزة، فقد استشهد الصحفي والناشط البارز صالح الجعفراوي خلال تغطيته آثار الدمار الذي خلّفه الاحتلال الإسرائيلي في حي تل الهوى جنوبي مدينة غزة، فبينما كان يوثق بكاميرته مشاهد الخراب في شارع 8، باغته عملاء متعاونون مع الاحتلال وأطلقوا عليه النار مباشرة، فأردوه شهيدا على الفور.
كان صالح (27 عاما) قد نذر نفسه لنقل معاناة شعبه منذ بدء العدوان على القطاع، ورفض مغادرته رغم التهديدات المتكررة بحقه، والتحريض الإسرائيلي المستمر ضده، خاصة من الناطق باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي.
ولم تثنه المخاطر عن أداء رسالته الإعلامية، بل زادته إصرارا على أن يكون في الصفوف الأمامية، يوثق وينشر ويكشف.
تفاصيل استشهاد الصحفي #صالح_الجعفراوي#المسائية #الجزيرة_مباشر pic.twitter.com/GQl0tCftBp
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) October 12, 2025
صوت الناستقول ابنة عمه الصحفية صبا الجعفراوي للجزيرة نت إن "صالح لم يكن مجرد صحفي، كان صوت الناس، ومرآة وجعهم، بالأمس فقط كان يصوّر آثار القصف قرب منزله، وكأنه يشعر أن مهمته لم تكتمل بعد"، وتضيف "كان يذهب إلى أخطر الأماكن فور القصف يلقي بنفسه داخل النار، فقط ليُظهر للعالم ما يحدث في غزة".
وتكمل "عرف عنه منذ صغره الشجاعة والإقدام، لم يكن يخاف الموت ولم يرضَ يوما بالحياد، كان يقول دائما إن الصورة قد تكون أقوى من الرصاص، وإن العالم يحتاج لمن يصور الحقيقة كما هي بلا تزييف".
درس صالح -وفقا لها- الصحافة والإعلام في الجامعة الاسلامية بغزة وحصل على درجة البكالوريوس، وهو أيضا حافظ للقرآن كاملا مما ساعده في أن تكون لغته العربية قوية.
وتضيف الجعفراوي "قبل أن يصبح معروفا، تنبأت له بأنه سيصبح صحفيا مشهورا لأنه كان يحمل صفات الإعلامي المميز، كان ينشر جرائم الاحتلال ومعاناة الناس على منصاته على شبكات التواصل الاجتماعي، لكن للأسف كانت شركة ميتا تغلقهم بشكل دائم حتى تمنعه من إيصال الحقيقة للناس".
إعلانوذكرت أن الاحتلال كان دائم التحريض ضده، وخاصة الناطق باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي.
#شاهد| آخر ما نشره الصحفي صالح الجعفراوي، قبيل إعدامه غدرًا برصاص عصابة خارجة عن القانون، جنوب بمدينة غزة. pic.twitter.com/ikCmve35ab
— المركز الفلسطيني للإعلام (@PalinfoAr) October 12, 2025
وجه إنسانيإلى جانب عمله الصحفي، برز الشهيد صالح الجعفراوي كوجه إنساني نشط في العمل الخيري، وشارك في عشرات المبادرات لمساعدة النازحين والمكلومين.
وكان من أهم من ساهموا في توزيع المساعدات خلال الحرب، كما شارك في حملة ضخمة لإعادة بناء مستشفى للأطفال في غزة، تمكنت من جمع 10 ملايين دولار في وقت قياسي، وكان له دور بارز في عيد الأضحى الأخير، حين ساهم في تقديم أكبر عدد من الأضاحي على مستوى القطاع رغم ظروف الحرب والحصار.
يقول صديقه الصحفي أيمن الهسي مراسل قناة الجزيرة مباشر "صالح لم يكن مجرد إعلامي، بل كان مؤسسة إعلامية تمشي على الأرض، غطى مجازر الاحتلال كما حدث في مدرسة الجرجاوي، وحين رأى الأطفال يحترقون أحياء، أجهش بالبكاء، وترك الكاميرا ليشارك في انتشال الشهداء، لم يكن محايدا في وجه القتل، بل كان إنسانا أولا، وإعلاميا يرفض التواطؤ".
ويضيف الهسي "رفض صالح مغادرة غزة وبقي فيها رغم خطر الموت الذي يتهدده، وسبق أن حصل على الكثير من العروض حتى يخرج لكنه رفض وكان صوته هو صوت الشعب".
شجاع وموهوبلم يكن الشهيد الجعفراوي إعلاميا فحسب، بل كان أيضا حافظا للقرآن ومنشدا موهوبا ورث صوته الجميل عن والده، وخلال الحرب، اعتاد أن يرفع المعنويات بأناشيده وآخرها كانت أغنيته الشعبية "قوية يا غزة"، التي بث فيها رسالة صمود وعزة وسط الركام.
عرفه الناس أول مرة في مسيرات العودة عام 2018، حين برز كإعلامي شاب ميداني يمتلك حسا صحفيا عاليا وقدرة على الوصول إلى قلب الحدث، وغطى الأحداث من الخطوط الأمامية، وأُصيب أكثر من مرة، لكنه واصل المسير.
وحول هذا يقول الصحفي وائل أبو محسن "منذ 2018 علمنا أن صالح سيكون له شأن، شجاعته كانت تفوق سنه، كان مميزا في تغطية مسيرات العودة، وكذلك في تغطية هذه الحرب، وجمع أكثر من 10 ملايين متابع على إنستغرام، وصل إلى العالمية، وأوصل صورة غزة كما لم يفعل أحد".
وعقب وقف إطلاق النار، لم يتوقف الشهيد صالح عن أداء رسالته، فخرج لتوثيق ما خلفه الاحتلال في القطاع وكأن الرسالة لم تنتهِ بعد، وبينما كان يصور في تل الهوى، باغته رصاص الغدر في صدره، ليرتقي شهيدا، تاركا خلفه كاميرته وصوته ودموع شعب كامل فقد أحد أبنائه الأوفياء.