من 5 بيوت إلى 200 ألف مسلم.. حكاية الجالية الإسلامية في كالغاري الكندية
تاريخ النشر: 15th, October 2025 GMT
كالغاري- يُعد أكتوبر/تشرين الأول من كل عام مناسبة خاصة في كندا، إذ يُحتفى فيه بـ"شهر التاريخ الإسلامي الكندي" الذي أُطلق رسميا عام 2007، بهدف تسليط الضوء على الإرث الغني والمساهمات البارزة للمجتمعات المسلمة في البلاد، وتعزيز الوعي بالتنوع الثقافي والديني الذي أسهم في بناء المجتمع الكندي الحديث.
وفي مدينة كالغاري بمقاطعة ألبرتا، تروي الجالية المسلمة قصة رحلة طويلة بدأت بـ5 عائلات عربية في خمسينيات القرن الماضي، وتحولت عبر العقود إلى مجتمع متنوع يضم اليوم أكثر من 200 ألف مسلم من مختلف الجنسيات والأعراق.
في بدايات متواضعة وسط ثقافة ومجتمع جديد، يجلس الحاج محمد حيمور (أبو رفاعي)، المولود عام 1929 وأحد أوائل المهاجرين العرب إلى كالغاري، في غرفة معيشة دافئة تتزين جدرانها بصور قديمة بالأبيض والأسود. هناك يستعيد ذكرياته الأولى منذ وصوله من لبنان عام 1952، تحيط به زوجته وأقاربه وأصدقاؤه الذين عاشوا تلك البدايات بكل تفاصيلها.
يقول الحاج محمد حيمور للجزيرة نت، وهو يقلب بين صوره القديمة بابتسامة حنين: "وصلتُ إلى كندا وفي جيبي ألف ليرة لبنانية فقط -أي ما يعادل 400 دولار أميركي في ذلك الوقت- اقترضتها من خال والدي. سكنت بداية عند خالتي، وبدأت العمل فورا في الزراعة وأعمال أخرى، فالسوق كان متعطشا للأيدي العاملة".
وبعد سنوات، تزوج أبو رفاعي وأسّس عائلة من 5 أبناء، وأصبح اليوم جدّا لـ5 أحفاد. يجتمع بهم في منزله ليروي لهم حكاية الرحلة الأولى إلى كندا، حين لم تكن في كالغاري سوى 5 منازل لعائلات مسلمة من أصول لبنانية. وكانت المحافظة على الهوية الدينية والثقافية تحديا كبيرا، إذ لم يكن هناك مساجد ولا مراكز دينية ولا حتى مطاعم تقدم الطعام الحلال.
يستعيد ذكرياته قائلا بابتسامة: "كنا نحتفل بالأعياد في بيوت بعضنا البعض، نصلي جماعة ونتقاسم الحلوى والكعك والمعمول. كانت طقوسا بسيطة لكنها منحتنا القوة للاستمرار".
مع تزايد أعداد العائلات العربية، اجتمع 24 رجلا عام 1958 لتأسيس أول جمعية إسلامية في كالغاري. وتم استئجار مقر متواضع وتشكيل مجلس إدارة كان أبو رفاعي نائبا لرئيسه. ووفقا للائحة التي وُضعت آنذاك، كان على الأعضاء المؤسسين دفع 100 دولار كندي شهريا دعما للجمعية، بينما تلتزم كل عائلة أخرى بدفع 3 دولارات شهرية.
إعلاندعمت نساء الجالية الجمعية من خلال تنظيم موائد طعام في المناسبات الدينية والاجتماعية، وذهب ريعها إلى تمويل أنشطة الجمعية. وتركزت أهداف الجمعية على تعزيز التعليم الديني لأبناء الجالية، ونشر الفهم الصحيح للإسلام، وتيسير الاندماج في المجتمع الكندي مع الحفاظ على القيم الأصيلة.
يقول أبو رفاعي بفخر: "في عام 1960 اشترينا كنيسة صغيرة وقديمة في حي فورست لون جنوب شرق المدينة بمبلغ 15 ألف دولار كندي، ودفعنا أول قسط قيمته 3 آلاف دولار، ثم حولناها إلى مسجد صغير. كان ذلك إنجازا كبيرا في تلك الأيام".
وتحول المسجد إلى مركز للصلاة والتعليم والنشاطات الاجتماعية، وأصبح نواة الحياة الإسلامية في كالغاري. واستمر في خدمة الجالية 12 عاما قبل أن يُبنى مسجد أكبر. وبجانب المسجد، تأسست عام 1968 أول مدرسة صغيرة تضم 20 طالبا فقط، كانت تفتح أبوابها كل يوم أحد لمدة ساعتين لتعليم اللغة العربية وأصول الدين للأطفال.
بهذه الخطوات المتواضعة، بدأت الجالية المسلمة في كالغاري ترسم ملامح وجودها المستدام في كندا، واضعة أساس مجتمع متماسك جمع بين التمسك بالهوية والانفتاح على المجتمع الجديد.
وبحلول عام 1976، بدأت الجالية المسلمة تنمو بوصول عائلات جديدة من دول عربية مختلفة، فقررت الجمعية الإسلامية جمع التبرعات لتأسيس أول مسجد كبير في كالغاري، وهو "مسجد السوثت ويست"، الذي افتتح أبوابه عام 1978 وهو منارة للإسلام حتى يومنا هذا.
"كان يوما تاريخيا،" يقول أبو رفاعي وهو ينظر إلى صورة قديمة للمسجد (أبيض وأسود) "لأول مرة نصلي صلاة الجماعة بعدد كبير، والمسجد كان له دور مركزي في دعم الجالية والنهوض بها، وجرى تخصيص الطابق السفلي لتوفير فضاء لتعليم الأطفال أساسيات الدين واللغة العربية يومي السبت والأحد".
صدمة اللغة والبيئة الجديدةمن جانبه، يصف أحمد عساف (لبناني الأصل)، الذي وصل إلى كندا عام 1956 وعمره 12 عاما، صعوبة البدايات للجزيرة نت قائلا: "كل شيء كان غريبا، لم أكن أجيد الإنجليزية وشعرت كأنني في نفق مظلم تركت المدرسة في الـ15 لأساعد والدي في إعالة العائلة الكبيرة المكونة من 7 ذكور و3 إناث".
ويضيف: "كنا نحرص على التحدث بالعربية في المنزل، لكن المدارس كانت مليئة بثقافات مختلفة، لذلك كنا نصطحب أبناءنا كل يوم أحد إلى الجامعة لتعلم العربية، حتى افتتحنا مدرسة في الطابق السفلي للمسجد عام 1978".
ويتابع عساف: "عندما أصبح الجميع يعمل اشترينا بيتا، وتزوجت وأنجبت 3 أبناء و3 بنات ولدي الآن 21 حفيدا"، واصفا تجربته في كندا بعد 69 عاما بالناجحة ويرويها دائما أمام أحفاده ليزرع فيهم بذور الصبر والعمل الدؤوب، محذرا إياهم من الاستسلام أمام الصعاب.
رغم الصعوبات، سعى المسلمون في كالغاري منذ البداية إلى بناء علاقات إيجابية مع المجتمع المحلي من خلال العمل في قطاعات البناء والتجارة، والمشاركة في الفعاليات الخيرية والرياضية والوطنية.
ويقول الحاضرون في منزل أبو رفاعي، إن تلك الجهود البسيطة أرست أسس الاندماج لاحقا، وجعلت من الجالية المسلمة جزءا فاعلا في النسيج المجتمعي الكندي متعدد الثقافات، وفي ذات الوقت يحافظون على هويتهم وثقافتهم الأصلية ويتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل.
وشهدت المدينة في السبعينيات والثمانينيات موجات هجرة جديدة، خاصة مع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، ما أدى إلى اتساع رقعة الجالية وتنوعها ثقافيا وجغرافيا من دول عربية وإسلامية مختلفة خاصة من مصر وسوريا وفلسطين وباكستان والهند، ومن ثم توالت في العقد الأول من القرن الـ21 جاليات من بنغلاديش والصومال وأفغانستان والسودان، وفقا لتقديرات المتحدثين.
أزمات جديدة للجيل الثانينجاح الحاج، المولود في كالغاري عام 1957، يمثل الجيل الثاني من المسلمين الكنديين، يصف هويته بأنها "مزيج فريد"، مضيفا "أنا كندي 100%، لكن ثقافتي العربية واللبنانية وديني جزء مني لا ينفصل".
ويروي أن المهاجرين الأوائل عاشوا في وسط المدينة بجوار حديقة "ستامبيد"، وكان لكل جالية لقب شعبي بين الكنديين، فاللبنانيون مثلا كانوا يُعرفون بـ"رعاة الجمال".
ويسترسل: "في بداية عمري كان المجتمع بنسبة 99% من الكنديين (أصحاب البشرة البيضاء) كنت أذهب إلى المدرسة وجميع الطلاب كانوا من لون واحد إلا أنا كنت من ذوي البشرة السمراء، وكان لديهم فضول لمعرفة المزيد عن أصولنا وتاريخنا ومن أين ننحدر".
وفي سؤاله عن حياته العملية آنذاك، قال إن والده كان من مؤسسي الجمعية الإسلامية، وعندما بلغت سن الـ24 عملت مع والدي بالجمعية في مساعدة القادمين الجدد وتسهيل مهامهم في الترجمة أمام مؤسسات الهجرة واستصدار المستندات الرسمية وغيرها من الخدمات اللوجيستية.
ويرى نجاح الحاج -عضو إدارة المجلس الإسلامي في كالغاري- أن تجربتهم كجاليات عربية مسلمة، نجحت في الاندماج بالمجتمع الكندي من خلال مؤسساتهم الإسلامية التي تقدم الدعم للجميع، و"أصبح لدينا أطباء ومعلمون ومهندسون وغيرهم من شتى المجالات في القطاعات الحكومية، وأعضاء برلمان عرب ووزراء في الحكومات الإقليمية والفدرالية، هذا كله نجاح يحسب لنا".
في نهاية الزيارة، ينظر أبو رفاعي إلى صور عائلته القديمة ويقول بابتسامة يغمرها الفخر "كل هذا بدأ بحلم صغير، تقاسمناه معا بحلوه ومرّه، واليوم أصبحنا جزءا من هذا الوطن".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات الجالیة المسلمة المجتمع الکندی فی کالغاری
إقرأ أيضاً:
أبو مسلم: منتخب مصر قدم أداءً مميزًا في التصفيات.. ولا يوجد منتخبات صغيرة بإفريقيا
أثنى أحمد أبو مسلم، لاعب النادي الأهلي و منتخب مصر السابق، على أداء منتخب مصر في تصفيات كأس العالم 2026 وتأهله إلى المونديال.
وقال أبو مسلم، خلال لقاء مع الإعلامي محمد طارق أضا، خلال برنامج «الماتش»، عبر قناة صدى البلد، «أهنئ الكابتن حسام حسن على التأهل إلى كأس العالم»، معتبرًا أن ذلك جاء نتيجة جهد مبذول من الجهاز الفني لمنتخب مصر.
وأشار أبو مسلم إلى أنه لا يوجد في أفريقيا الآن منتخبات صغيرة، مضيفًا أن منتخب مصر حقق الهدف المطلوب وقدم أداءً مميزًا في التصفيات.
وفي سياق آخر، انتقد أبو مسلم التخطيط في الكرة المصرية في التعامل مع منتخبات الفئات العمرية في مصر مقارنةً بما يحدث في المغرب.
وقال أبو مسلم: «الكرة المغربية أسست مدارس في المراحل العمرية والكرة المغربية في حتة تانية واعتمدوا على الدراسة ومفيش محسوبية ومجاملات لتولي تدريب المنتخبات».
وأردف قائلًا: «المغرب بالأمس يتأهل إلى نصف نهائي كأس العالم للشباب في البطولة التي ودّع فيها منتخب مصر من دور المجموعات.. إحنا بعيد جدًا في التخطيط».