حين تصبح الموهبة سياسة دولة لا صدفة حظ!
تاريخ النشر: 19th, October 2025 GMT
لم تعد التنمية في العصر الحديث تُقاس بما تملكه الدول من ثروات مادية، بل بما تمتلكه من عقول قادرة على الابتكار والإبداع.
فالدول التي أدركت مبكرًا قيمة الإنسان الموهوب، وضعت له أنظمة إدارية متكاملة تكتشف طاقته منذ الصغر، وتوفر له البيئة التي تتيح له النمو والمشاركة في صناعة المستقبل.
ففي كثير من الدول المتقدمة، أصبح الاهتمام بالمواهب سياسة دولة لا مجرد مبادرات مؤقتة.
تبدأ العملية من التعليم؛ حيث تُرصد القدرات الإبداعية في المدارس من خلال مسابقات وطنية وبرامج متخصصة، كما في فنلندا واليابان، حيث تتاح للطلاب المتميزين مسارات تعليمية مرنة تتيح لهم تطوير مشروعاتهم التقنية أو العلمية مبكرًا.
أما في الجامعات، فتتحول الأفكار إلى فرص استثمار حقيقية من خلال الحاضنات والمسرّعات.
في الولايات المتحدة مثلًا، تستثمر جامعات كبرى مثل MIT وStanford في مشروعات الطلبة، وتربطهم مباشرة بسوق العمل والمستثمرين.
وفي كوريا الجنوبية وسنغافورة، تتكامل مؤسسات الدولة والقطاع الخاص لتوفير منح تمويلية، ومراكز بحثية، ومساحات عمل مشتركة للشباب الموهوبين، بما يضمن تحويل الأفكار إلى منتجات قابلة للتطبيق والتصدير.
وتُدار هذه المنظومات بقدر عالٍ من الشفافية والعدالة، حيث تُمنح الفرص بناءً على الكفاءة لا العلاقات. فأنظمة التقييم في كندا وألمانيا مثلًا، تعتمد على قياس الأداء والإبداع بشكل دوري، مما يخلق بيئة تنافسية عادلة تفرز الأفضل وتدعم التطوير المستمر.
وهناك نماذج نجاح عالمية
فقد نجحت سنغافورة في تحويل محدودية مواردها إلى نقطة قوة عبر “هيئة التطوير الاقتصادي” التي تربط التعليم بسوق العمل، فغدت مركزًا عالميًا للابتكار.
أما كوريا الجنوبية فقد وضعت برامج وطنية مثل Creative Korea لدعم المبدعين الشباب، فحققت طفرة صناعية وتكنولوجية جعلتها ضمن أقوى الاقتصادات عالميًا.
وفي المنطقة العربية، برزت الإمارات العربية المتحدة كمثال ملهم، إذ أنشأت وزارات متخصصة مثل وزارة الذكاء الاصطناعي ومؤسسات مثل مؤسسة دبي للمستقبل لتكون منصات حقيقية لاستقطاب المواهب وصناعة الفرص.
والسوال هو :كيف يمكن تطبيق ذلك في مصر؟
مصر تمتلك قاعدة بشرية ضخمة من العقول الشابة المبدعة، لكنها بحاجة إلى منظومة مؤسسية تُحوّل الإبداع إلى قيمة اقتصادية.
ولتحقيق ذلك، يمكن السير في عدة مسارات متوازية:
• إنشاء مراكز وطنية لاكتشاف ورعاية المواهب، تربط الشباب بالمستثمرين والهيئات التنفيذية.
• تحفيز القطاع الخاص على رعاية الأفكار الابتكارية من خلال إعفاءات ضريبية ودعم حكومي منظم.
• إعادة هيكلة نظام إدارة الكفاءات داخل المؤسسات الحكومية، لضمان أن الترقي والمكافأة تقوم على الأداء الحقيقي لا الأقدمية.
• تعزيز الشراكة بين الجامعات وسوق العمل، وربط الأبحاث بمشروعات الدولة وخططها التنموية.
وتبقي كلمة..
إن بناء مستقبل قائم علىالإبداع ليس ترفًا، بل ضرورة وجودية في عالم يتسارع نحو المعرفة والتكنولوجيا.
وإذا أرادت مصر أن تحجز لنفسها مكانًا متقدمًا في هذا السباق، فعليها أن تتحول من مرحلة “اكتشاف المواهب” إلى مرحلة “تمكين المواهب”، عبر إدارة رشيدة، وتمويل مستدام، وثقافة مؤسسية تؤمن أن العقول المبدعة هي الثروة الحقيقية للأوطان.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: رانيا هاشم الدول الابتكار والإبداع
إقرأ أيضاً:
نيويورك تايمز: عندما تصبح الحرب لعبة يديرها الذكاء الاصطناعي
في تقييم معمّق للمشهد العسكري العالمي، يحذر مجلس تحرير صحيفة نيويورك تايمز من أن العالم مقبل على مرحلة جديدة تتقاطع فيها تقنيات الذكاء الاصطناعي والهندسة البيولوجية والروبوتات المتقدمة وأنظمة الأسلحة ذاتية التشغيل لتعيد رسم حدود الأمن القومي.
ويفتتح المجلس مقاله بمشهد لافت من اجتماع عُقد في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 بين الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ. فبعد انتهاء الغداء، شوهد أحد مرافقي شي وهو يرش جميع الأسطح التي لمسها الزعيم الصيني، حتى بقايا الحلوى.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2هآرتس تستعرض قائمة الأسلحة الأميركية لدى إسرائيلlist 2 of 2صحف عالمية: أكثر من 40 ألف فلسطيني بغزة يعانون من إصابات بالغةend of listواستنتج المسؤولون الأميركيون الذين شاهدوا ما حدث أن الغرض من ذلك كان إزالة أي أثر للحمض النووي للرئيس الصيني، في خطوة فهمها المسؤولون الأميركيون على أنها تعكس قناعة بكين بأن خصومها قد يحاولون جمع مادته الجينية وتطوير مرض يستهدفه شخصيا.
وقال أحد الحاضرين: "هذه هي الطريقة التي يفكرون بها، وهي أنه يمكن تصنيع مرض لا يصيب إلا شخصا واحدا".
تعميق الشك والخوف
بالنسبة للمسؤولين الأميركيين الذين حضروا ذلك اللقاء، كانت هذه اللحظة بمثابة "خاتمة رصينة" للقمة، حيث تسلّط الضوء على أنه حتى مع استمرار الدبلوماسية، فإن وتيرة التغيير التكنولوجي تعمق الشك والخوف بين الجانبين، وتعيد تشكيل الجغرافيا السياسية.
فمنذ عصور الحروب التي تطورت من العربات إلى القوس والنشّاب وصولا إلى القنبلة النووية، بقي التطور العسكري مرتبطا بالاكتشاف العلمي.
أسرع تقدم في التاريخ
يؤكد المقال أن البشرية تشهد حاليا ما قد يكون "أسرع تقدم في التسلح على الإطلاق". فالحرب الحديثة تتطور بسرعة تتجاوز المعدلات التقليدية.
ويشير الخبراء إلى العديد من التقنيات الناشئة المرعبة، فهناك الآن أسراب من الطائرات المسيّرة القادرة على العمل في تناغم لرصد الأهداف والقضاء عليها دون تدخل بشري، وأسلحة سيبرانية متقدمة تشلّ حركة القوات المسلحة وتُغلق شبكات الكهرباء وتدمر البُنى الحيوية لدولٍ بأكملها، وأسلحة بيولوجية يصممها الذكاء الاصطناعي لاستهداف أشخاص ذوي بصمة جينية محددة.
إعلانبعض هذه التقنيات لا يزال في طور النظرية، لكنّ كثيرا منها يقترب سريعا من الاستخدام العملي. فالذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وعلم الأحياء التركيبي بدأت تعيد تعريف آليات الحرب نفسها.
وبينما تتفوق الولايات المتحدة في بعض المجالات، لا سيما في الذكاء الاصطناعي بفضل ريادة قطاعها الخاص، فإن الصين وروسيا تستثمران بكثافة في الجامعات والمختبرات والمنشآت العسكرية لدمج الاكتشافات الجديدة مباشرة في جيوشهما.
مسؤول سابق في البنتاغون أعرب عن اعتقاده أن السرعة التي تتطور بها الحروب ستتجاوز قريبا قدرة البشر على السيطرة عليها
دعوة إلى تحول جوهريولمواكبة سباق التسلح بين الدول في القرن الحالي، ينصح مجلس تحرير الصحيفة الحكومة الأميركية، أن تُظهر "إرادة سياسية وتنسيقا وطنيا بين القطاعين العام والخاص والمؤسسات البحثية". وهذا-في رأيه- يستلزم تحولا جوهريا في نهج وزارة الحرب (البنتاغون)، وتوسيع مبادرات تمويل البحث العلمي، وإشراك القطاع الصناعي الخاص في المهمة.
ويقارن المجلس هذا الوضع بما حدث في الحرب العالمية الثانية، عندما سبقت العلوم الأميركية نظيرتها الألمانية في تطوير السلاح الذري، وفازت بالحرب بفضل التعاون بين المسؤولين الحكوميين الأميركيين والباحثين الأكاديميين والشركات الخاصة.
وتعتبر الحاجة إلى هذا التعاون ماسّة، خاصة في الذكاء الاصطناعي، نظرا لأن هذه التكنولوجيا ذات الآثار العميقة على الأمن القومي قد طوّرها القطاع الخاص في المقام الأول، وليس الحكومة.
والأهم من ذلك، يحث مجلس التحرير على أن يخضع هذا التعاون لإشراف صارم من الكونغرس والمحاكم لضمان أنه يخدم المصلحة العامة، وليس مصلحة أي شركة أو إدارة واحدة.
برنامج مافنويستعرض المقال أمثلة على التحول الجاري داخل الجيش الأميركي، حيث تقود وكالة الاستخبارات الجغرافيا المكانية الوطنية، جهود تطوير نظام الاستهداف العسكري بالذكاء الاصطناعي المعروف باسم برنامج "مافن".
ويُجمع هذا البرنامج كميات هائلة من البيانات من الأقمار الصناعية وطائرات التجسس بكفاءة ويحللها، ويحدد مواقع راجمات الصواريخ وتشكيلات الجنود والسفن، ويضع علامات على المواقع المحظور استهدافها مثل المستشفيات.
وتقول صحيفة نيويورك تايمز، إن برنامج "مافن" ساعد في توجبه ضربات أميركية في العراق وسوريا واليمن، وفي عمليات أوكرانية ضد روسيا.
وقد دفع هذا النهج الذي يعتمد على البرمجيات في الحروب، البنتاغون إلى الاعتماد بشكل كبير على القطاع الخاص وفي طليعته شركات مثل "بالانتير" و "أندرويل".
منافسة شرسةفي الوقت ذاته، يحقق خصوم أميركا تقدما سريعا خاصا بهم. فقد نشرت الصين لقطات فيديو لما يبدو أنه اختبار لطائرة روبوتية مرافقة. كما تستخدم روسيا تكنولوجيا رخيصة وفعالة، مثل المسيرة الروسية " في تو يو" (V2U) التي استولت عليها القوات الأوكرانية، والتي يمكنها تعقّب الأهداف والانقضاض عليها دون أي توجيه بشري، رغم أنها مكوّنة من قطع تجارية بسيطة.
غير أن مجلس تحرير نيويورك تايمز يحذر من أن اعتماد الولايات المتحدة على أنظمة "فائقة التطور" يجعلها أكثر هشاشة أمام الهجمات السيبرانية والتشويش وتعطيل الأقمار الصناعية، وهي مجالات تركز عليها الصين بشدة.
ويستشهد المقال في هذا السياق بتصريح لروبرت وورك، نائب وزير الدفاع الأميركي السابق، الذي قال فيه إن "كل نظام اتصالات لدينا تغطيه أجهزة تشويش صينية… ويسأل قائدهم: كيف أحطم الشبكة القتالية الأميركية؟".
التهديد الأخطرلكن التهديد الأخطر -بحسب المقال- يتمثل في تلاقي الذكاء الاصطناعي مع البيولوجيا. فقد حذرت شركتا "أوبن إيه آي" و "أنثروبيك" من أن الذكاء الاصطناعي قد يُمكّن أفرادا عاديين من تصميم مسببات أمراض فتاكة. وقد أظهر طلاب من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا مدى سهولة ذلك عندما استخدموا روبوتات محادثة لإعداد وصفات لأربعة فيروسات وبائية خلال ساعة واحدة فقط.
إعلانودعا مجلس تحرير نيويورك تايمز واشنطن إلى قيادة الابتكار ووضع القيود بصياغة معاهدات للحد من انتشار الأسلحة الذاتية التشغيل، وتشديد الرقابة على المواد البيولوجية، وإعادة الاستثمار طويل الأمد في الجامعات، وفرض رقابة على تصدير الشرائح المتقدمة للذكاء الاصطناعي.
وقد أعرب مسؤول سابق في البنتاغون عن اعتقاده أن السرعة التي تتطور بها الحروب "ستتجاوز قريبا قدرة البشر على السيطرة عليها". ولمنع ذلك، تنصح الصحيفة أميركا بأن تربح سباق الأسلحة الذاتية وفي الوقت نفسه تقود العالم نحو السيطرة عليها.