علماء يعدّلون نظرية أينشتاين للجاذبية ويحذفون الطاقة المظلمة
تاريخ النشر: 22nd, October 2025 GMT
منذ أكثر من عقدين، يعرف العلماء أن الكون لا يتوسع فحسب، بل يتوسع في تسارع، أي أن المجرات تبتعد عن بعضها بعضا بسرعة تتزايد بمرور الزمن.
التفسير السائد له، كان وجود قوة غامضة تسمى الطاقة المظلمة، يُعتقد أنها تشكل نحو 70% من محتوى الكون وتدفعه إلى التمدد المستمر.
لفهم الفكرة، تخيل أنك ألقيت صخرة صغيرة إلى أعلى، ستتباطأ كلما ارتفعت ثم تنزل إليك، لكن ماذا لو لاحظت أنها كلما ارتفعت مبتعدة منك أسرعت؟
هنا ستتصور أن هناك شيئا مخفيا يدفعها.
لكن فريقًا من الباحثين، من مركز تكنولوجيا الفضاء والجاذبية الدقيقة في جامعة بريمن بألمانيا، وجامعة ترانسلفانيا في رومانيا، قدم أخيرا تفسيرا مختلفا تماما لتوسع الكون المتسارع، وهو تفسير لا يحتاج إلى طاقة مظلمة على الإطلاق، بحسب الدراسة التي نشرت في دورية "جورنال أوف كوسمولوجي آند أستروبارتكلز".
يعتمد النموذج الجديد على نوع خاص من الهندسة الرياضية يُعرف باسم "هندسة فينسر"، وهي أوسع وأكثر مرونة من الهندسة التي تستخدمها النظرية النسبية العامة لأينشتاين.
عندما نقول "هندسة الزمكان" أو "هندسة فينسر"، فنحن نقصد القواعد الرياضية التي تحدد كيف تقاس المسافات، والزوايا، والانحناءات بين النقاط في الفضاء. بمعنى آخر، "الهندسة" هنا هي اللغة التي تصف شكل الكون وكيفية انحنائه أو تمدده.
ما هندسة فينسر؟في النسبية العامة، ينحني الزمكان (النسيج الذي يربط المكان والزمن) بسبب الكتلة والطاقة، فإذا وضعت نجما ثقيلا على نسيج الزمكان الكوني، سيتسبب في انحنائه، مثلما تضع كرة حديدية ثقيلة على وسادة أو فراش السرير.
أما فينسر، فيوسع تلك الفكرة، حيث يسمح بأن تكون درجة الانحناء متغيّرة حسب الاتجاه أو الحركة، أي أن الزمكان قد لا يكون "متماثلاً" في كل الاتجاهات كما نظن.
إعلانظهرت هندسة فينسر في أواخر القرن التاسع عشر كامتداد لهندسة ريمان التي تُعد أساس النسبية العامة. اقترحها الرياضي الألماني بول فينسر عام 1918 في أطروحته الدكتوراه، حين حاول وصف الفضاءات التي لا تكون فيها المسافات متجانسة في جميع الاتجاهات.
على مدى القرن العشرين، ظلت هندسة فينسر أداة رياضية بحتة، لكنها عادت إلى الواجهة في العقود الأخيرة بفضل فيزيائيين يسعون إلى تعديل نظرية النسبية العامة لتفسير ظواهر كونية، مثل تسارع تمدد الكون أو عدم تماثل الجاذبية.
باستخدام هذه الهندسة المعدلة، أعاد الفريق صياغة معادلات أينشتاين الكونية في صورة جديدة سموها "معادلات فينسر فريدمان"، وعندما طبقوها على الكون، وجدوا أن هذه المعادلات تتنبأ تلقائيا بتسارع توسع الكون، حتى من دون إضافة أي طاقة مظلمة.
يمثل هذا النموذج الجديد تحدّيا واضحا للنموذج القياسي للكون (لامدا سي دي إم) الذي يعتمد على وجود طاقة مظلمة، كما أنه يوسّع فهمنا الحالي للجاذبية الكونية، ويمكن أن يساعد على الربط بين النسبية العامة وميكانيكا الكم، لأن هندسة فينسر تُستخدم أحيانًا في نماذج الجسيمات الأساسية أيضًا.
لكن على الجانب الآخر، فهذا النموذج لا يزال نظرية رياضية تحتاج إلى تأكيد بالمشاهدات الفلكية، ومن ثم فهناك حاجة لمقارنة تنبؤات هندسة فينسر ببيانات تلسكوب جيمس ويب، ومرصد فيرا روبين، وقياسات الخلفية الكونية الميكروية.
إذا طابقت النتائج الواقع، فقد نكون أمام تحول جذري في فهمنا للكون، يشبه الثورة التي أحدثها أينشتاين عام 1915.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات النسبیة العامة
إقرأ أيضاً:
علماء يوقظون ميكروبات نائمة منذ 40 ألف سنة
في إنجاز علمي مثير للقلق، تمكن فريق أميركي -بقيادة باحثين من قسم العلوم الجيولوجية بجامعة كولورادو بولدر- من إعادة إحياء ميكروبات كانت مجمدة داخل التربة الجليدية في ألاسكا منذ نحو 40 ألف عام، لتستيقظ من سباتها الطويل وتبدأ في النشاط من جديد.
ولم تكن هذه الكائنات ميتة لكنها كانت في حالة سبات أو كمون طويل داخل التربة المجمدة، مع قدرة على العودة للنشاط عند توفر ظروف ملائمة (مثل إذابة الجليد، وتوافر الماء، ودرجة حرارة مرتفعة نسبيًا).
والسبات هو توقّف مؤقت أو شبه كامل للأنشطة الحيوية مثل التنفس، والانقسام الخلوي، والنمو، وهو يحدث عندما تكون الظروف الخارجية غير مناسبة للحياة، مثل البرد الشديد، أو نقص الغذاء، أو الجفاف. ولا يفقد الكائن الحياة، بل يدخل في وضع "الطوارئ" ليحافظ على نفسه حتى تتحسن البيئة.
ويسلط هذا الاكتشاف -الذي نشر في دورية "جورنال أوف جيوفيزيكال ريسيرش: جيوساينسز"- الضوء على خطر غير متوقع من ذوبان الجليد الدائم في القطب الشمالي، إذ يمكن لهذه الميكروبات القديمة أن تطلق غازات دفيئة تُسهم في تسريع وتيرة الاحتباس الحراري العالمي.
ولفهم ما فعله الباحثون، تخيل أن الأرض تمتلك "ثلاجة عملاقة" تحفظ في أعماقها بقايا نباتات وحيوانات وميكروبات منذ العصور الجليدية القديمة. وتعرف هذه الثلاجة باسم "البرمافروست" وهي طبقة من التربة أو الصخور المجمدة بشكل دائم منذ آلاف السنين في مناطق مثل ألاسكا وسيبيريا.
وكان الباحثون يخشون ذوبان هذه الطبقة إذا طال الصيف في القطب الشمالي وازدادت حرارة الأرض. وكانوا يرون أنه مع ذوبانها، يمكن أن تستيقظ ميكروبات نائمة منذ عشرات الآلاف من السنين، وتبدأ في التغذي على المواد العضوية المجمدة منذ آلاف السنين، وتنتج غازات دفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان بما يؤدي إلى تسريع وتيرة الاحترار العالمي.
إعلانولإثبات إمكانية حدوث هذا السيناريو، جمع الباحثون بقيادة تريستان كارو عينات من نفق الأبحاث في فيربانكس بألاسكا، والذي يمتد 15 مترا تحت الأرض داخل "البرمافروست" ويحتفظ بآثار من عصر البليستوسين (عصر جيولوجي بدأ قبل نحو 2.58 مليون سنة وانتهى قبل حوالي 11700 سنة) بما في ذلك عظام الماموث والبيسون.
وفي المختبر، عرض الباحثون هذه العينات لدرجات حرارة تحاكي صيف ألاسكا الحالي والمستقبلي، ليراقبوا ما إذا كانت الميكروبات القديمة ستعود إلى النشاط.
وبالفعل، بعد 6 أشهر من التجارب، أظهرت الميكروبات نشاطا ملحوظا، وبدأت في تشكيل طبقات لزجة تُعرف بالأغشية الحيوية، مما يؤكد أنها لم تمت بل كانت في سبات طويل، ومع عودتها إلى النشاط، بدأت هذه الكائنات الدقيقة في إنتاج مركبات عضوية وغازات دفيئة.
ويحذر العلماء من أن هذه الظاهرة قد تُطلق كميات هائلة من الكربون، إذ تحتوي التربة المتجمدة في شمال الأرض على ضعف كمية الكربون الموجودة حاليا في الغلاف الجوي.
وإذا استيقظت هذه الميكروبات على نطاق واسع، فقد تدخل الأرض في حلقة مفرغة من الاحترار المتسارع، حيث يؤدي مزيد من الذوبان إلى مزيد من انبعاث الغازات، ومن ثم مزيد من الذوبان.
ويقول تريستان كارو، الباحث الرئيسي بالدراسة في تصريح حصلت الجزيرة نت على نسخة منه "لقد درسنا عينة واحدة فقط من ألاسكا، لكن هناك مساحات شاسعة من البرمافروست تمتد عبر سيبيريا ومناطق أخرى من العالم".
ويضيف "لا نعرف بعد كيف ستتفاعل كل تلك الميكروبات مع ارتفاع الحرارة، لكن المؤكد أن الأرض بدأت تفتح باب ثلاجتها القديمة والعواقب قد تكون كارثية".