انتهت الأزمة الطارئة بين جماعة "الغرباء" الجهادية في ريف إدلب الشمالي، والحكومة السورية، باتفاق بين الطرفين، عقب توتر دام أيام، تخلله إطلاق نار، وقصف على المخيم الذي يحوي المقاتلون وعائلاتهم.

الأزمة التي حدثت بسبب قضية حضانة طفلة، كانت والدتها قد اتهمت المجموعة المسيطرة على المخيم بقيادة عمر أومسين "ديابي، باختطافها، انتهت بالاتفاق على تحويل الملف إلى القضاء الشرعي في وزارة العدل.



وبرز اسم عمر أومسين بشكل كبير خلال الأيام الماضي، تزامنا مع التوتر الذي شهده مخيم الفردان أو ما يعرف بـ"مخيم الفرنسيين" في مدينة حارم شمالي إدلب، علما أن التوتر انتهى باتفاق وقف إطلاق نار، ووقف تجييش إعلامي، أعقب جلسة حضرها أومسين، و"أبو عبدو طعوم" ممثلا عن الحكومة السورية، فيما حضر طرف ثالث يمثل المقاتلين الأجانب، بقيادة "أبو أنس طاجيك"، و"عبدالعزيز أوزبك".
تم اليوم عقد جلسة في مخيم الفرنسيين بحضور ممثل وزارة الدفاع أبو عبدو طعوم، وقائد الفرقة ٨٤ ابو محمد تركستان، وممثل الأخوة الفرنسيين عمر اوسين و عدد من المهاجرين.

و تم الإتفاق على وقف التصعيد و إحالة الأمر الى القضاء الشرعي في وزارة العدل لإتخاذ الإجرائات المناسبة في القضية.… https://t.co/fJHaAA5lai — مراسل الأمن الداخلي (@murasil_amniun) October 23, 2025

نشأة صاخبة في نيس
وُلد عمر أومسين (أو عمر ديابي) عام 1976 في دكار لأب سنغالي وأم فرنسية من أصول أفريقية، وانتقل طفلاً مع عائلته إلى حي لارْيان (L’Ariane) في مدينة نيس جنوب فرنسا، وهو حي فقير تحكمه العصابات الصغيرة.

هناك في لاريان، كوّن أومسين سمعته في التسعينيات كشخصية قوية، ببنية جسدية ضخمة، ولغة خطابية حادة، ودخل السجن عدة مرات بتهم السطو المسلح والاتهام بالمشاركة في القتل.

في عام 2003، زعمت وسائل إعلام فرنسية أن أومسين شارك في سطو جريء على متجر مجوهرات في موناكو، لتبدأ بعدها مرحلة تحوله الأيديولوجي في السجن.

ووفق تقارير فرنسية، بدأ أومسين يتبنى الفكر السلفي أثناء فترات سجنه، قبل أن يخرج بمظهر "المتدين التائب".

المطعم والفيديوهات بعد خروجه من السجن، افتتح أومسين مطعماً صغيراً للوجبات السريعة في نيس شاركه فيه أحد أصدقائه. هذا المكان تحول تدريجياً إلى مركز للدعوة والتجنيد، حيث كان يستقطب شباب الحي بتقديم السندويتشات المجانية ومباريات ألعاب الفيديو، ولاحقا بدأ بإقناعهم بالهجرة إلى "أرض الجهاد" في سوريا.

وفق شهادة أقاربه، كان أومسين شخصية تحظى بشعبية كبيرة في منطقته، ما جعله قدوة للشباب اليافعين، حيث كان الرجل الذي يبلغ اليوم نحو 49 سنة، يحثهم على الالتزام، ويحذرهم من "الضياع والغفلة".

لم يكتف أومسين بالتجنيد المباشر، بل أطلق منذ عام 2012 سلسلة من الفيديوهات الدعائية تحت اسم "19HH" – وهو اختصار يُعتقد أنه يشير إلى 19 منفذاً لهجمات 11 سبتمبر. هذه الفيديوهات التي انتشرت على يوتيوب وموقع "ديلي موشن" قُدمت على شكل "أفلام وثائقية"، تمزج بين مؤثرات هوليوودية وموسيقى عربية ومقاطع من أفلام مثل Matrix و2012، في قالب موجه لشباب اعتادوا على ثقافة ألعاب الفيديو.

أومسين الذي كان يقضي ما يقارب من 12 ساعة يوميا في إنتاج هذه الفيديوهات، ركز على قضايا العقيدة والجهاد والسياسة الدولية.

ووفق تقرير لمركز الوقاية من الانحرافات الدينية في باريس، كانت سلسلة 19HH هي "المدخل الأساسي" لعملية الاستقطاب الذاتي عبر الإنترنت التي دفعت مئات الفرنسيين للالتحاق بسوريا. ويُعد أومسين المخرج والكاتب والراوي لهذه المقاطع، حيث كان يُطلّ غالباً بصوته فقط أو بوجه مطموس.


أمير لا مقاتل
وصل أومسين إلى سوريا عام 2013، وانضم إلى صفوف جبهة النصرة المبايعة لتنظيم القاعدة. لكن وجود مجموعة من الفرنسيين حوله، سرعان ما دفعه إلى الاستقلال عن النصرة، وتأسيس جماعة "الغرباء"، التي أصبح أميرها على الفور.

قاتلت الجماعة ضد قوات نظام بشار الأسد في جبال اللاذقية وشاركت في معارك إدلب وجسر الشغور، وحلب ومعركة حماة.

وأعلن أومسين مرارا أن مجموعته لم ولن تدخل في أي اقتتال داخلي، فهي لم تشارك في المعارك ضد تنظيم الدولة "داعش"، ولا ضد بعض فصائل "الجيش الحر" التي كانت "جبهة النصرة" قد دخلت في اشتباكات عنيفة معها.

وقال أومسين في فيديو سابق "نحن لا نطبّق الشريعة بالسيف، بل بالعلم والتعليم. نعلّم الناس دينهم حتى يحبّوه، ثم هم من سيطلبون العدل بأنفسهم".

في آب/ أغسطس 2015، انتشر على نطاق واسع خبر مقتل عمر أومسين في غارة جوية، لكن لاحقاً تبيّن أن الأمر كان خدعة إعلامية متقنة أومسين نفسه من يقف خلفها، إذ استخدمها للتمويه على سفره للعلاج في الخارج. وقد زاد هذا من صورته الأسطورية بين أتباعه الذين رأوا فيه "القائد الذي لا يُهزم".

مجتمع مغلق وقوانين صارمة
بعد عدة تنقلات في أول ثلاثة أعوام من وصوله، قرر عمر أومسين إنشاء مجتمع خاص يضم عشرات المقاتلين الفرنسيين (بعضهم من أصول عربية) وبلجيكيين (ناطقين بالفرنسية) إضافة إلى عائلاتهم في منطقة حارم شمالي إدلب. والهدف من ذلك هو تأمين استمرارية طويلة الأمد، حيث انضم لاحقا إلى هذا المخيم عدد كبير من أقارب أومسين، وهو ما دفع عمّته المقيمة في فرنسا للتعبير عن حزنها الشديد للشعور بالوحشة الذي تسبب به هجرة جل أبنائها وأحفادها إلى سوريا للالتحاق بأومسين.

أمر أومسين رجاله بإقامة جدار عال حول المخيم، وجهزوه بكاميرات مراقبة وحساسات إنذار ضد أي محاولة تسلل، في وقت جرى تنظيم الدخول والخروج وفق نظام أمني محكم. أما داخل الأسوار، فتسود قواعد انضباط اجتماعي وديني تشمل تفاصيل الحياة اليومية، من الالتزام بالصلاة الجماعية إلى أسلوب التعامل بين العائلات.




وضعت إدارة المخيم نظام عقوبات داخلي: تبدأ الإنذارات من التنبيه العلني، وقد تصل إلى منع العضو من القتال في الجبهات، وهي عقوبة رمزية خطيرة في بيئة تقدّس الجهاد. وتُطبّق هذه الإجراءات على المخالفات الاجتماعية والدينية على حد سواء، مثل الغياب المتكرر عن الصلاة أو إظهار التمرد على المسؤولين.

السعي للستقلال المالي
تقوم الحياة الاقتصادية داخل المخيم على صندوق مشترك يموّله الأعضاء من غنائم القتال والمساعدات. هذا الصندوق يغطي النفقات اليومية، ويوفر منحاً شهرية للعائلات لضمان استقلالها المالي. كما ساهم في حفر بئر ماء لتأمين الاكتفاء الذاتي في المياه، وتمويل عيادة صغيرة تقدم الفحوصات والعلاج الأساسي.

تحولت مشاريع البناء إلى نشاط جماعي، حيث شارك الرجال في تشييد بيوت دائمة بدل الخيام، في مشهد يعكس إصرار الجماعة على الاستقرار في إدلب بوصفها "أرض مشروع طويل الأمد"، لا محطة مؤقتة في حرب عابرة.

يظهر أومسين في التسجيلات الحديثة كمهندسٍ ومديرٍ مشاريع ومفتي في آن واحد. فهو يشرف على أعمال البناء بنفسه، يقود صلاة الجمعة، ويعقد عقود الزواج، ويشرف على حفلات العقيقة للمواليد الجدد.


النظام الداخلي ينص على أن كل فرد في المخيم هو "جندي في سبيل الله" يخضع لقوانين الجماعة المستمدة من الشريعة كما يراها أومسين. رغم صرامة النظام، يقدّم المخيم صورة "مدنية" على نحو لافت، إذ توجد فيه مدرسة قرآنية صغيرة، وورش نجارة وحدادة، ومجالس شورى مصغّرة لإدارة الشؤون اليومية، إضافة إلى ملعب كرة قدم.



الصراع مع "تحرير الشام"
في أيلول/ سبتمبر 2020، أعلنت "هيئة تحرير الشام" اعتقال عمر أومسين، متهمة إياه بـ"إقامة إدارة مستقلة" داخل مناطقها، تشمل مسائل الزواج والطلاق والمعاملات المدنية، كما جرى اعتقال نجله وليد معه حينها.

ردت جماعة الغرباء حينها بإصدار مرئي أكدت فيه استقلالها، مشددة على أن نظامها "نابع من الشورى ومن الكتاب والسنة". استمر اعتقاله حتى كانون الثاني/ يناير 2022 حين أُفرج عنه بشروط لم تُعلن، وفق مصادر فرنسية أكدت أن الهيئة فرضت عليه قيوداً داخلية مقابل السماح له بالبقاء في إدلب. بعد الإفراج، عاد أومسين للنشاط الإعلامي عبر سلسلة تسجيلات بعنوان “تفنيد”، هدفها تبرئة الجماعة من تهمة "الداعشية" وقطع الطريق أمام أي مبرر للهجوم عليها.

وفي الأزمة الأخيرة مع القوات الحكومية، استطاع أومسين كسب تعاطف مجموعات جهادية أخرى مثل الأوزبك، الذين قدموا بالعشرات إلى مخيم الفرنسيين، للتعبير عن التضامن معهم، رغم الاختلاف في وجهات النظر الأخرى.
تمرد عدد من المهاجرين الاجانب الشيشان والاوزبك والتركستانيين ضد عناصر الأمن العام التابع لحكومة الجولاني
وقيامهم بالتوجه الى مخيم الجهاديين الفرنسيين في حارم ليناصروهم لمواجهة الأمن العام المكلف باقتحام مخيم الفرنسيين pic.twitter.com/vLG1NIW6kh — Majd (@majdsyrien) October 22, 2025

إلا أن تسجيلات صوتية مسربة انتشرت مؤخرا، أظهرت أن أومسين كان يمارس التعذيب حتى ضد بعض النساء في المخيم كإجراء عقابي. مثل جلده سيدة 10 جلدات، بسبب مشاركتها في تهريب أطفال خارج المخيم.
???????? تسريب خاص

حصلنا على تسجيلٍ صوتيّ مدته ساعة للاجتماع الذي عقده المدعو "عمر أومسين" داخل مخيم حارم، من أجل تطبيق عقوبة جلد سيدة ساعدت أخرى على استرجاع أطفالها، دون إذنه.

في بداية الاجتماع يقدّم نفسه كوليّ أمر المخيم وأميره الذي يجب على الجميع طاعته، قبل أن يستعرض "أدلة… pic.twitter.com/X3uI27wvlq — ⭕️ مَـلَأ (@malaearabi) October 23, 2025


المجنّد الأكبر في التاريخ
يصف خبراء مكافحة الإرهاب في باريس أومسين بأنه "جهادي إلكتروني مهووس"، جمع بين الدعاية الحديثة والكاريزما القديمة للعصابات. وبحسب جان شارل بريسار، مدير مركز تحليل الإرهاب الفرنسي، فإن أومسين "أكبر مُجنِّد في تاريخ فرنسا الحديث"، ومسؤول بشكل مباشر عن مغادرة مئات الشبان إلى سوريا بين 2012 و2015.

وكان أومسين هو نفسه من تواصل مع قناة "فرانس 2" عام 2015، حيث حضر أحد الصحفيين وعايش الزعيم الجهادي لثلاثة أيام، نقل فيها واقع "مخيم الفرنسيين" للإعلام الفرنسي.


ولم يجد أومسين حرجا في توثيق التدريبات العسكرية للنساء في المخيم، إضافة إلى ردوده المثيرة على أمهات المقاتلين الشبان لديه، حيث طالبهن بالكف عن توجيه اللوم عليه في التغرير بأبنائهن، قائلا إن الأهالي هؤلاء يريدون أن يبقى أبناءهم في حياة الصخب، والمخدرات، والخمور، بدلا من أن يأتوا لـ"الجهاد".

ويعد أومسين من أبرز المطلوبين في فرنسا، رغم أنه لم يُتهم بشكل مباشر بأي هجوم حدث في البلاد طيلة السنوات الماضية. علما أن أومسين قال إنه يتبنى فكرة استهداف المسيئين للإسلام شخصيا، وليس التفجيرات في الأماكن العامة.



المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية ديابي فرنسا سوريا تحرير الشام سوريا فرنسا تحرير الشام ديابي عمر اومسين المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مخیم الفرنسیین

إقرأ أيضاً:

«بلدية أبوظبي» تدعو شركات المقاولات للالتزام باشتراطات الأسوار المؤقتة

هالة الخياط (أبوظبي)

أخبار ذات صلة الإمارات تؤكد رفع مستوى استجابتها الإنسانية في غزة «الموارد البشرية» تناقش توحيد تاريخ الإقامة وعقد العمل

دعت بلدية مدينة أبوظبي، شركات المقاولات والعاملين في المواقع الإنشائية، إلى الالتزام بالاشتراطات والمعايير المعتمدة لتركيب الأسوار المؤقتة حول المشاريع قيد الإنشاء، مؤكدةً أن الهدف من هذه الاشتراطات هو حماية سلامة العاملين وأفراد المجتمع، والحفاظ على المظهر الجمالي والحضاري للمدينة.
وحذّرت البلدية من أن أي إهمال في تنفيذ الأسوار المؤقتة وفق المواصفات المعتمدة، قد يشكّل خطراً على السلامة العامة، ويؤدي إلى اتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين، مشددة على ضرورة صيانة الأسوار بشكل دوري، وضمان تناسقها مع محيطها العمراني، والتقيد بمتطلبات السلامة.
وفي هذا الإطار، أطلقت بلدية مدينة أبوظبي حملة توعوية وتفتيشية موحدة شملت مناطق متعددة في مدينة أبوظبي وضواحيها، بهدف رفع الوعي بأهمية إنشاء أسوار مؤقتة آمنة وذات مظهر متناسق، والتأكد من التزام الشركات المنفذة بمعايير السلامة والمظهر العام.
وتتضمن الحملة زيارات ميدانية مكثّفة للمواقع الإنشائية والأبنية قيد الإنشاء، وتنظيم ورش عمل توعوية للعاملين والمشرفين في تلك المواقع، إلى جانب نشر مواد توعوية عبر قنوات التواصل الاجتماعي الخاصة بالبلدية.
وأكدت البلدية أن هذه الجهود تأتي ضمن استراتيجيتها الرامية إلى تعزيز ثقافة السلامة العامة، والحد من الممارسات العشوائية في محيط المشاريع الإنشائية، وحماية المارة من الأخطار المحتملة الناجمة عن الأسوار غير المطابقة للمعايير. كما شددت على أن فرق التفتيش الميداني ستواصل تنفيذ حملات دورية لرصد المخالفات واتخاذ الإجراءات اللازمة بحق غير الملتزمين.
وجددت بلدية مدينة أبوظبي دعوتها لجميع شركات المقاولات، إلى التعاون الكامل والالتزام بالتعليمات والاشتراطات المنظمة لعمليات البناء، بما يسهم في تعزيز المظهر الحضاري للمدينة وضمان بيئة عمل آمنة ومستدامة.

مقالات مشابهة

  • «بلدية أبوظبي» تدعو شركات المقاولات للالتزام باشتراطات الأسوار المؤقتة
  • ما خلفيات المواجهات بين القوات السورية والجهاديين الفرنسيين في إدلب؟
  • مشاركة عُمانية في فعاليات المخيم الكشفي العالمي على الهواء والإنترنت
  • سوريا.. الأمن الداخلي يكشف سبب عملية "مخيم الفرنسيين"
  • توترات في مخيم الفرنسيين شمال سوريا والأمن يتدخل
  • اشتباكات داخل مخيم في إدلب.. ومسؤول أمني سوري: متزعم جماعة مسلحة يرفض تسليم نفسه
  • سوريا.. الأمن الداخلي يكشف سبب عملية "مخيم الفرنسيين"
  • الأمن السوري يحاصر مجموعة مسلحة في مخيم بريف إدلب
  • الداخلية السورية تكشف تفاصيل الاشتباكات المسلحة في مخيم إدلب