عربي21:
2025-12-12@16:22:06 GMT

الإعجاب أولا ثم الفتوى: ظاهرة مشايخ التيك توك

تاريخ النشر: 25th, October 2025 GMT

يفتح المستخدم تطبيق تيك توك بحثا عن لحظة تسلية سريعة، يمرر إصبعه على الشاشة بلا وعي كامل، فإذا بمقطع لشيخ يرتدي عمامة أنيقة وجلبابا مكويا ولحية كذلك، يتحدث بنبرة حاسمة عن حكم شرعي معقد في أقل من 60 ثانية. لا سياق، لا تفصيل، لا مراجع، فقط فتوى سريعة، ومؤثرات بصرية جذابة، وموسيقى خلفية خفيفة. يضغط المستخدم على زر الإعجاب، يشارك المقطع، ثم يمرر بسرعة نحو فيديو راقص أو وصفة طعام.

هكذا، في أقل من دقيقة، يكون قد "تلقى" درسا دينيا، تفاعل معه، ونسيه تقريبا، كل ذلك دون أن يغادر أريكته.

هذا ليس مشهدا استثنائيا، بل صار جزءا من اليومي الرقمي لملايين المستخدمين. والسؤال الذي يطرح نفسه ليس فقط: كيف وصلنا إلى هنا؟ بل الأهم: ماذا يحدث للدين حين يُختزل إلى "محتوى"، وللداعية حين يتحول إلى "مؤثر"؟

من المنبر إلى المنصة.. اقتصاد الانتباه يعيد صياغة الدين

تراجعت المؤسسات الدينية التقليدية عن لعب دورها كوسيط مرجعي، وانحسر حضور الدرس المسجدي المطوّل، وتضاءل تأثير البرامج التلفزيونية الدينية أمام زحف المنصات الرقمية. في هذا الفراغ، برزت فئة جديدة من الدعاة، لا تنتظر اعترافا مؤسسيا، ولا تخضع لمسار تعليمي تقليدي، بل تستمد شرعيتها من شيء واحد: عدد المتابعين.

برزت فئة جديدة من الدعاة، لا تنتظر اعترافا مؤسسيا، ولا تخضع لمسار تعليمي تقليدي، بل تستمد شرعيتها من شيء واحد: عدد المتابعين
هنا، لم يعد الشيخ صوتا هادئا في درس مسجدي، ولا وجها مألوفا في برنامج متلفز، بل صار صورة سريعة، ونبرة محسوبة، ومقطعا لا يتجاوز الدقيقة، يندرج بين مقطع ترفيهي وآخر موسيقي. لا تُقدَّم الموعظة بتأنٍ أو منهجية، بل تُقذف كعبارة سريعة، أو فتوى مجتزأة، ضمن إيقاع منصات مثل "تيك توك"، حيث تحكم الخوارزميات مسار الرسالة، وتُقاس السلطة بعدد المشاهدات لا بعمق الإحالة أو أصالة المرجع.

ليست المسألة إذن مسألة أدوات فقط؛ بل هي مسألة اقتصاد سياسي للرؤية. المنصات الرقمية لا تكتفي بنقل الخطاب، بل تعيد إنتاج شروط إمكانه. تفرض إيقاعا، وطولا محددا، ونبرة معينة، وشكلا من التفاعل يُقاس بالثانية. وتحت هذا الضغط، تتغير آليات إنتاج الفتوى والوعظ: من السرد المطوّل إلى الجملة المركزة، من النقاش إلى الإلقاء، من الاحتجاج إلى التهييج. وهو ما يغيّر مضمون الدين نفسه، لا طريقته فقط، ويعيد تعريفه كأداة شعورية أو هوية رقمية، لا كمجال للفهم والتزكية والتراكم.

يتضافر ذلك مع تحولات في البنية النفسية للتلقي، فالمستخدم اليوم لا ينتظر المعرفة، بل يبحث عن الشعور: الطمأنينة اللحظية، الإجابة السريعة، أو حتى الانبهار من قدرة المتحدث على التعبير الخاطف. إنه لا يصغي ليسائل أو يتأمل، بل ليشعر بأنه تلقّى ما يشبه الحقيقة، دون أن يكلّف نفسه اختبارها. وهنا يظهر أثر ما يسميه باحثو السلوكيات بميكانيزمات "الإشباع السريع"، حيث تتراجع الحاجة إلى البناء المعرفي لصالح الرغبة في الإحساس الفوري بالوضوح، وهو وضوح خادع، يُصنع بأسلوب تقديم لا بمضمون راسخ.

تحت هذه الشروط، يصبح الكلام الديني خاضعا لمنطق لا يعترف بالعمق إلا إذا كان قابلا للتحويل إلى "لحظة"، ولا يعترف بالحجة إلا إذا كانت قابلة للاستهلاك العاطفي الفوري. وهكذا تُستبدل "المشروعية" بـ"الشعبية"، ويغدو التفاعل بديلا عن الثقة. يتحول الداعية من ناقل لموروث إلى مؤثر رقمي، يصوغ صورته وخطابه بما يناسب طبيعة المنصة، لا بالضرورة بما يناسب مقاصد العلم أو شروط الفهم.

الدعاة الجدد.. شراكة واعية مع التفاهة

والأخطر من ذلك، أن جزءا لا يُستهان به من الدعاة أنفسهم لم يعودوا ضحايا سلبيين لهذا المنطق، بل أضحوا شركاء واعين فيه. لقد حصلت مصالحة ضمنية بين بعضهم وبين التفاهة، تُبرَّر باسم "الوصول إلى الجمهور" أو "مواكبة العصر"، لكنها في جوهرها استسلام لإغراء الشهرة السريعة.

يكتشف هؤلاء الدعاة أن السطحية "تشتغل"، أنها تحقق الأرقام، وتصنع الحضور، وتوفر رأس المال الرمزي الذي تمنحه المنصة. لا ينتجون محتوى سطحيا لأنهم لا يعرفون أفضل منه، بل لأنهم أدركوا قواعد اللعبة: الفتوى المثيرة للجدل تنتشر أسرع من الموعظة المتأنية، العنوان الصادم يجلب مشاهدات أكثر من التحليل المتزن، والمقطع القصير المشحون عاطفيا يحقق تفاعلا أكبر من الشرح المنهجي.

وبذلك، ينقلب الداعية من منتِج للمعنى إلى صانع محتوى، ومن حامل رسالة إلى مدير علامة تجارية شخصية. وفي هذا الانقلاب، لا تُختزَل الرسالة فحسب، بل تُفرَغ من ثقلها، وتُعاد صياغتها بما يتوافق مع منطق الترند والتفاعل الفوري.

يصبح المشهد الديني الرقمي سوقا مفتوحا للخطابات الفردية، كلٌّ منها يقدّم نفسه بوصفه "الحقيقي"، ويجد في المنصات الرقمية ساحة لتكثيف حضوره. وهو ما يجعل هذا المشهد مشبعا بالخطابات المتنافسة، المتناقضة أحيانا، والتي لا يحتكم حضورها إلى معيار علمي أو معرفي، بل إلى مدى قابليتها للانتشار. المرجعية نفسها أصبحت منتجا متغيرا، تحدده رغبة الجمهور لا سوية المحتوى.

في هذا السياق، تبدو السلطة الدينية وكأنها تفقد مركزيتها التاريخية، إذ لم يعد الاعتراف بها يمر عبر مؤسسات أو مسارات تعليمية، بل يُمنح افتراضيا وفق منطق المتابعة والإعجاب والمشاركة. وهو ما ينسجم مع تحولات أوسع في بنية السلطة المعاصرة، حيث يتراجع الشكل الهرمي لمصلحة أشكال مسطحة من التأثير، تنتجها أدوات الوصول، لا عمق المضمون.

التدين المجزأ.. حين يصبح الدين قائمة تشغيل عشوائي

على مستوى التلقي، ينتج هذا السياق ما يمكن وصفه بـ"التدين المجزأ". يقتبس الفرد فتوى من هنا، وحكمة من هناك، ويجمعها في تصور خاص به، لا يستند إلى مرجعية متماسكة، بل إلى خليط من المقاطع والعبارات والشخصيات المتعددة، التي لا يجمعها إطار منهجي مشترك.

المفارقة أن هذا الشكل الجديد من التديّن لا يقتصر على جمهور جديد أو جمهور غير متعلم، بل يمتد حتى إلى شرائح لها خلفية دينية أو معرفية، لكنها غدت تعيش داخل مناخ رقمي لا يسمح بالتأني، ويُغري بالسهولة. وهذا ما يفسر انتشار أنماط من الفهم الديني الملتبس، الذي يجمع بين الجرأة في الإفتاء، والضبابية في المفاهيم.

فأمام الكم الهائل من المقاطع والمقولات، تتآكل القدرة على التمييز، وتضعف الحاجة إلى التحليل، ليحلّ محلها نوع من التلقي العاطفي، الذي يكتفي بالانطباع، وينصرف بسرعة نحو المقطع التالي. وهو ما يتوافق مع ما تشير إليه دراسات الهوية المعاصرة، من أن الأفراد في السياقات الرقمية يعيدون تشكيل هوياتهم استهلاكيا، لا بنائيا؛ أي أنهم يختارون ما يناسب حاجاتهم اللحظية، لا ما ينسجم بالضرورة مع نسق معرفي أو أخلاقي متكامل.

ما لم ندرك أن الخطاب الديني الرقمي ليس مجرد "نسخة أخرى" من الخطاب التقليدي، بل هو شيء آخر تماما، يُنتَج بشروط مختلفة، ويُستهلَك بطرق مختلفة، ويُعيد تشكيل المعنى الديني نفسه بطريقة مختلفة، فإننا سنظل عاجزين عن التعامل مع هذا الواقع، لا بالنقد الفعّال، ولا بالبديل المقنع
لكن الإشكال لا يكمن في سطحية المحتوى وحدها، بل في أثره التراكمي على التصورات الدينية ذاتها. فعبر التكرار، تبدأ بعض الأفكار المختزلة في الترسّخ، وتغدو بديهيات لا تُساءل. تتشكل بذلك صور نمطية عن الحلال والحرام، عن "الداعية المثالي"، عن شكل الخطاب المقبول، دون أن تمر هذه التصورات بمرحلة مراجعة أو نقاش. وهكذا، يُعاد تشكيل الخيال الديني للأفراد بطريقة بصرية، سريعة، عاطفية، لا تخلو من التناقضات، لكنها تبدو مقنعة داخل منطق المنصة.

إن ظاهرة مشايخ التيك توك ليست مجرد تعبير عن انتقال الدعوة إلى أدوات جديدة، بل هي أعراض لتبدل في شروط القول الديني نفسه: في من ينتجه، ولمَن يُنتج، وكيف يُستهلك. إنها انعكاس لعصر لم يعد يهتم كثيرا بالمرجعية، بقدر ما ينشغل بإيقاع الظهور، وإدارة الانتباه، وترتيب الأولويات الشعورية.

فهذا التحول لا يعيد تشكيل الشيخ فحسب، بل يعيد تشكيل التدين نفسه. ولا يكفي أن نرثي ما كان، أو أن ندين ما أصبح. المطلوب هو فهم آليات هذا التحول، وشروط مقاومته، أو على الأقل: شروط إنتاج بديل لا يذوب في منطق المنصة، ولا ينعزل عنها تماما.

فالمعركة ليست بين "الأصالة" و"المعاصرة"، بل بين أشكال مختلفة من الحضور: بعضها يحفظ للمعنى كثافته، وبعضها يحوّله إلى ضجيج، وما لم ندرك أن الخطاب الديني الرقمي ليس مجرد "نسخة أخرى" من الخطاب التقليدي، بل هو شيء آخر تماما، يُنتَج بشروط مختلفة، ويُستهلَك بطرق مختلفة، ويُعيد تشكيل المعنى الديني نفسه بطريقة مختلفة، فإننا سنظل عاجزين عن التعامل مع هذا الواقع، لا بالنقد الفعّال، ولا بالبديل المقنع.

ربما المطلوب اليوم ليس استعادة ما كان، بل اختراع ما ينبغي أن يكون: خطاب يستثمر الأدوات دون أن يستسلم لمنطقها، ويصل إلى الجمهور دون أن يذوب في ذائقته، ويحفظ للمعنى وزنه دون أن يحوّله إلى وعظ ثقيل لا يُطاق. والسؤال الذي يبقى معلقا: هل ما زال ذلك ممكنا؟

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء تيك توك الدين أصالة المعاصرة الدعوة الدين الدعوة أصالة معاصرة تيك توك قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء سياسة سياسة مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة دون أن وهو ما

إقرأ أيضاً:

ما وراء الكواليس!

 

 

مدرين المكتومية

عادةً ما تُتداول كلمة "الكواليس" وهي فرنسية الأصل مقتبسة من لغة المسرح، والتي تعني الأماكن التي يتجهز فيها الممثلون قبل العرض المسرحي ولا يراها الجمهور، وتُستدعى الكلمة للإشارة إلى ما يجري إعداده من جهود لا يراها العامة من النَّاس، وربما تكون خافية عليهم، وهي ليست سلبية بالضرورة، لكن عادةً ما يستخدمها الكثيرون للحديث عن الأمور الخفية في عوالم السياسة والإعلام وغيرها!

وفي خضم التحولات المُتسارعة من حولنا، سواء الناتجة عن تأثيرات عالمية خارجية أو ظروف داخلية وطنية، تقف قطاعات الدولة كافةً أمام مسؤولية كبرى تتمثل في تعزيز جهود التنمية والمبادرات المختلفة والعمل على توسيع نطاق المشاريع الاقتصادية والاستثمارية والتجارية والاجتماعية التي تمس حياة المواطن بشكل مُباشر بحيث يؤثر عليه ويتأثر به.

العمل الحكومي اليوم يمضي على أكثر من مسار؛ بدءًا من تحسين البنية الأساسية إلى دعم القطاعات الواعدة وصولًا إلى خلق بيئة اقتصادية أكثر قدرة على استيعاب الطاقات والطموحات الوطنية المتنامية. وهذه الجهود التي قد لا تظهر للمواطن إلّا أنها تمثل القاعدة الأساسية والصلبة التي يُبنى عليها المستقبل، والتي تُشكل طموح وطن بأكمله، وهو ما يعد أيضًا امتدادًا لرؤية واضحة تهدف إلى الارتقاء بجودة الحياة وتعمل بشكل دائماً لدعم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي بكافة جوانبه.

لكن كما نعلم أن الجهود الحثيثة والمستمرة لا تقوم على فعل آني عابر، وإنما هي نتيجة عمل تراكمي طويل يرتكز في أساسه على التخطيط والتقييم والعمل على استثمار الطاقات الوطنية القادرة على صياغة مسار تنموي متماسك، خاصةً وأنَّ المشاريع الكبرى لا تولد من قرار واحد؛ بل من منظومة متكاملة تبدأ بوضع السياسات وتستمر بمتابعة تنفيذها، وتقوم على تحديد مكامن القوة والضعف من ثم إعادة توجيه المسار كلما دعت الحاجة إلى ذلك. وهذا يعني أن ما يجري خلف المشهد "ما وراء الكواليس" هو الجانب الأعمق والأثقل في رحلة البناء والتشييد، غير أنَّ كل جهد حكومي وعمل مؤسسي مهما كان ضخمًا لن يكتمل أثره ما لم يصل إلى المواطن بشكل واضح ومقنع، عبر آليات إعلامية وترويجية تواكب الحدث والتطورات المتسارعة.

وبين ما يُنجَز على أرض الواقع وما يشعر به الناس، ثمة فجوة صريحة وواضحة تتسع يجب الاعتراف بها، فكثير من المشاريع مؤثرة بالفعل في حياة المواطن، إلّا أن ضعف عرضها وتقديمها للمجتمع وغياب الخطاب المؤسسي يجعلها تبدو باهتة وبلا جدوى، لأنها لا تملك القدرة على ملامسة هموم المواطن اليومية. والمواطن حين لا يرى انعكاسًا مباشرًا لهذه الجهود على حياته ومعيشته هو وعائلته، وحين تغيب عنه آليات استيضاح سياقها أو فهم أهدافها، فإنَّه يصبح أقل قدرة على تقديرها، وقد يرى أنه "غير معني" أو أن هذه المشاريع ليست له ولا تُلبي احتياجاته؛ بل ويصل بالبعض الأمر اعتقادهم أنهم خارج دائرة الاهتمام، حتى وان كان كل ذلك يتم وينفذ استثمارًا في مستقبله!

وتزداد هذه الفجوة حين تتكالب "مُنغصات الحياة" على المواطن؛ حيث يشعر بضغوط شديدة، اقتصادية واجتماعية، لا يمكنه تخطِّيها أو تجاوزها؛ فالإحباطات الاقتصادية والضغوط المعيشة وتحديات سوق العمل، كلها عوامل قد تجعل الفرد محاصرًا بشعور الخذلان، فيبحث عن جهة يُلقي عليها شعوره السلبي من إخفاق أو تعثر، وغالبا ما تكون الحكومة هي الطرف الأكثر حضورًا أمامه في هذا المشهد، ومع هذا التشابك يغيب التوازن في الحكم على الإنجازات والنجاحات وترتفع في المقابل أصوات العتاب واللوم، وبين هذا وذاك تضيع الرؤية الكاملة بين توقعات متسارعة وواقع مُعقَّد.

وبعد هذا كله.. فإنَّ السؤال الذي يفرض نفسه: ما الذي نحتاجه إذن لردم المسافة الفاصلة بين المواطن والحكومة؟

الإجابة واضحة وبسيطة؛ إذ إن أول خطوة تتمثل في تبنّي خطاب مؤسسي فاعل قادر على مخاطبة الناس بلغة سهلة وبسيطة وواضحة، لغة تستهويه وتعكس تطلعاته، وتُقدَّم من خلالها المعلومة في وقتها، وتُشرح فيها القرارات وأسبابها ونتائجها المتوقعة، بطريقة تشعر المواطن أنه شريك حقيقي في الخطط والاستراتيجيات التي تنفذها الجهات المختلفة. وهذا الخطاب يجب أن يعترف بالتحديات كما يُبرز النجاحات؛ حيث إنَّ غياب هذا الخطاب أحد أبرز أسباب اتساع فجوة الثقة؛ لأنه يحرم المجتمع من فَهم الصورة الكاملة والحقيقية.

وبجانب الخطاب المؤسسي، ثمَّة خطوة ثانية من خلال تعزيز الشفافية في عرض النتائج والبيانات والمراحل التنفيذية للمشاريع، حتى يشعر المواطن بأنَّه شريك في عملية البناء لا مجرد مُتلقٍ لنتائجها فقط. وثالث هذه الخطوات هو الاقتراب من الواقع اليومي للناس، عبر سياسات أكثر تلامسًا لاحتياجاتهم العملية والشعور بهم بطريقة قريبة جدًا، وإشراكهم في صنع القرار من خلال إيجاد قنوات استماع فعّالة وحقيقية وليست شكلية فقط.

وكما نعلم جميعًا أن بناء الجسور بين الحكومة والمواطن ليست مهمة علاقات عامة، وليست سهلة كذلك، مع اختلاف فئات المجتمع وطبيعتهم وبيئاتهم؛ بل إنها تمثل الأساس لاستدامة أي تنمية؛ فحين يُدرك المواطن ما يجري وراء الكواليس ويثق بأن صوته مسموع ورأيه محل تقدير واهتمام، وأن التحديات مشتركة، يُصبح الطريق نحو تحقيق الحلم أكثر وضوحًا ويُسرًا، وأكثر قدرة على جمع الطرفين في مشروع وطني واحد.

إنها رسالة مفتوحة للجميع، لأن يكون المواطن في صلب الاهتمام والرعاية، ليس فقط من خلال تقديم الخدمات، فهذا واجب أصيل على المؤسسات، ولكن أيضًا عبر سياسات إعلامية صريحة وخطاب مؤسسي شفّاف وملامسة صادقة لمشكلات المواطن، عندئِذٍ ستزداد الصلابة المجتمعية وتكون قادرة على صد التحديات، لا سيما الخارجية منها، بجانب التكاتف والإخلاص في جهود بناء وطننا العزيز الأبيّ.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • ضبط أعداد من المتسولين بفئات وأعمار سنية مختلفة وتحويلهم إلى النيابة المختصة
  • جامعة المنصورة تختتم فعاليات الموسم الثالث للتعاون مع الأزهر الشريف وتكرّم مشايخ منطقة الوعظ بالدقهلية
  • الحريري يحيي ذكرى اغتيال جبران تويني واللواء فرنسوا الحاج: الدولة أولاً
  • من 6 أشهر إلى سنتين.. لماذا عدلت المحكمة حبس التيك توكر أم سجدة
  • الكفاءة والشفافية أولاً.. تشكيل لجنة موسعة لاختيار مدير إدارة تعليمية بالقليوبية
  • بعد غد.. «الإنشاد الديني» تقدم باقة من الأناشيد والابتهالات في حفل على مسرح الجمهورية
  • فيديوهات وأرباح قادتهم للسجن.. أم سجدة تلحق بهدير عبدالرزاق وسوزي بسبب التيك توك
  • بالصور.. الجيش يوقف 45 شخصًا من جنسيات مختلفة
  • ذكرى رحيل كروان الإذاعة المصرية والإنشاد الديني الشيخ طه الفشني
  • ما وراء الكواليس!