معركة استرجاع الملايين إلى الخزينة!
تاريخ النشر: 25th, October 2025 GMT
د. محمد بن عوض المشيخي **
الفساد مرض سرطاني قاتل يأكل الأخضر واليابس من ثروات الأوطان ويحرم الأجيال الصاعدة من الحياة الكريمة كالتعليم والصحة وفرص العمل؛ بل وحتى الأمن والأمان ويقتل الآمال والطموحات المجتمع، وإذا تغلغل الفساد في حكومة أو مؤسسة ما، فإنه كفيل بتدميرها من الداخل والقضاء عليها وتحويلها إلى منظومة فاشلة بكل المقاييس، ويصبح السقوط إلى الهاوية مجرد مسألة وقت.
وكم من دول فاشلة في عالمنا أسقطتها المجاملات لعدد قليل من المُتنفِّذين الذين وفَّرت لهم الحماية وتمَّ غض النظر عن تجاوزاتهم وتطاولهم على المال العام، ونتج عن ذلك الطوفان الذي أغرق الجميع؛ فهناك دروس وعبر كثيرة لأنظمة ظالمة في كثير من دولنا النامية، تمارس وتطبق حكمها بالحديد والنار والاستبداد؛ فالفوضى الخلاقة لها أسبابها المعروفة ما يعرف بثالوث الفقر والجهل والاضطهاد، وكذلك طغيان بعض النخب المُتسلِّطة والتي غايتها في هذه الحياة انفرادها بالثروات دون غيرها كالقصور المنيفة والقرارات المصيرية للمجتمع.
ومن حسن الطالع أن نجد في بلدنا العزيز عُمان إرادة سياسية صادقة وقوية من أعلى هرم السلطة؛ إذ أصبح شغلها الشاغل وواجبها الوطني هو محاربة من تُسوِّل له نفسه العبث بالمال العام ومقدرات الوطن، فقد أكد رائد ومُنظِّر النهضة المتجددة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه- في أكثر من مناسبة، عزمه الأكيد على قطع دابر الفساد والمفسدين، خاصة الذين يرون أنفسهم فوق القانون، مهما كبرت مناصبهم ونفوذهم، وذلك انطلاقًا من مبادئ الشفافية والنزاهة والحوكمة التي تُكرِّس دولة المؤسسات والقانون. ولعل إقرار الذمة المالية للمعنيين في مختلف أجهزة الدولة ووزارتها وذلك بتقديم ما يعرف بالكشف عن الأرصدة المالية والممتلكات الأخرى عند التعيين لأول مرة؛ لهي خطوة متقدمة لتمكين جهاز الرقابة المالية والإدارية من المتابعة الدقيقة والمستمرة، بهدف معرفة تضخم ثروات كبار المسؤولين في الدولة ومحاسبتهم وتحويلهم إلى الجهات القضائية، إذ تطلب الأمر ذلك.
وفي كل عام ينتظر الجميع بفارغ الصبر جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة الذي يصدر صفحات مشرقة بعنوان: "تقرير المجتمع" يكشف فيه بالأدلة والبراهين تجاوزات الذين تجرأوا وامتدت أيديهم لنهب أموال الدولة، من خلال استغلال نفوذهم ومراكزهم الوظيفية لتحقيق المكاسب والغنائم لأغراضهم الشخصية، حتى ولو كان ذلك على حساب مصلحة الوطن العليا، في بيئة يغيب فيها الوازع الديني والأخلاقي والضمير الحي الذي يفترض أن يُعبِّر عن النزاهة والقيم، وقبل ذلك كله عدم الانزلاق لهاوية خيانة الوطن الذي أعطاهم الثقة، وخذلان من اختارهم لحمل الأمانة لخدمة المجتمع الذي يتوقع من أبنائه المخلصين المحافظة على مكتسبات الوطن وحماية المال العام، وبذلك تعود الملايين المنهوبة مجددًا لخزينة الدولة لإنفاقها على التنمية المستدامة.
والسؤال المطروح الآن: ما المُبرّرات التي قادتهم دون غيرهم للوصول لتلك المناصب العامة؟ والخلاصات التي وصلنا إليها حول التجاوزات التي تتضاعف كل سنة في وزارات وشركات معينة سببها التعيينات غير الموفقة التي يعتمدها ويوقع عليها المسؤول الأعلى في كل وحدة حكومية، والذي يُفترض أن يحاسب حتى ولو كانت تلك التجاوزات لا دخل له فيها مباشرة، انطلاقًا مما يُعرف بالمسؤولية الجماعية أو التضامنية، التي تُطبَّق في مختلف دول العالم التي تحارب الفساد، فلا يُحاسب فقط الرئيس التنفيذي والمدير العام؛ بل أيضًا من اختار وأشرف على هؤلاء مُباشرةً.
الكل في سلطتنا الحبيبة يُثمِّن تميُّز ونجاح جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة، والذي أثبتت الأيام أن منتسبيه مخلصون لهذا الوطن، ويعملون بجهود مضاعفة لمحاصرة المفسدين في الأرض، وهم أقرب إلى جنود مجهولين غايتهم الأولى رفع راية الوطن عاليةً خفّاقةً بين الأمم، متشبثين بتحقيق وطن خالٍ من التلوث يحتضن جميع أفراده وينطلقون من مبدأ مقدس مفاده "لا مكان لمن خان أمانة الوطن بيننا".
وفي الختام.. يجب أن يُدرك الجميع أنه لا يمكن الانتصار على هذه الآفة الخطرة التي اسمها الفساد إلّا بإدراك السبب الحقيقي الذي يجعله ينتشر على نطاق واسع؛ بل ويتضاعف كل سنة في العديد من الوزارات والهيئات الحكومية، وكذلك الشركات التي تملكها الدولة وتسهم فيها بنصيب الأسد من الأسهم. الخلل الحقيقي في اعتقادي الشخصي هو في اختيار الصف الأول والثاني من المسؤولين للمناصب العامة؛ حيث أثبتت الأيام أن المحسوبية هي السائدة وليست الكفاءة في بعض التعيينات الحكومية، من هنا نأمل أن يُعاد النظر في المعايير التي تُطبَّق في الوقت الحالي من أجل تحقيق العدالة والشفافية من خلال وضع الشخص المناسب في المكان المناسب.
الحوكمة والنزاهة لا يمكن لهما أن يتحققا بأي حال من الأحوال بجرة قلم أو حُسن النية بالمسؤولين وصُنَّاع القرار في أي بلد من بلدان العالم؛ بل نحتاج إلى تأسيس قواعد صلبة ومنهجية واضحة، تقوم بالدرجة الأولى على التدقيق في اختيار قيادات نزيهة وأمينة وتحمل ضميرًا حيًّا ووازعًا دينيًا قويًا، وأن تتمتع كذلك بكفاءات علمية رفيعة، ونظرة ثاقبة في التخطيط، والتنفيذ السليم للخطط والمشاريع، فقد حان الوقت للبُعد عن المحسوبية والعلاقات الشخصية التي كانت سائدة في تولى المناصب التنفيذية التي تُشرف على التنفيذ وصرف أموال الدولة، فقد أصبح ذلك من الضروريات التي يجب الوقوف عليها والتخلص منها في هذه المرحلة التي تشهد حراكًا وطنيًا لبناء وطن شامخ بنهضته المتجددة التي يقودها ربان حكيم اسمه يتردد على كل لسان في هذا البلد العزيز؛ السلطان هيثم صاحب العزيمة القوية الذي يقود سفينة الوطن بحكمة واقتدار إلي بَر الأمان.
** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
وزير المالية: النمو يتجاوز التوقعات ويسجل ٤,٤٪ بأداء قوى للتصنيع والسياحة والاتصالات
أكد أحمد كجوك وزير المالية، أن معدل النمو الاقتصادي بمصر يتجاوز التوقعات ويسجل ٤,٤٪ بأداء قوى للتصنيع والسياحة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، موضحًا أن القطاع الخاص يقود الاستثمارات فى مصر بمعدل نمو ٧٣٪ خلال العام المالي الماضي.
قال كجوك، فى لقاء افتراضي مع عدد كبير من المستثمرين نظمته شركة «FIM Partners» المتخصصة فى إدارة استثمارات الأسواق الناشئة والواعدة، إن الاقتصاد المصرى بدأ فى استعادة ثقة المستثمرين، وأصبح وجهة استثمارية جاذبة بفرص تنافسية متنوعة، لافتًا إلى أن الإصلاحات الاقتصادية والمالية انعكست فى فائض أولى ٣,٦٪ من الناتج.. وهو أعلى من المستهدف رغم التحديات، وخفض دين أجهزة الموازنة للناتج بنسبة ١٠٪ خلال عامين، وكذلك خفض الدين الخارجي للموازنة بنحو ٤ مليارات دولار.
أضاف أن الإيرادات الضريبية زادت خلال العام المالي الماضي ٣٥٪ دون ضرائب أو أعباء جديدة بسبب النشاط الاقتصادي وبدء توسيع القاعدة الضريبية بشراكة الثقة، مشيرًا إلى أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة تقفز إلى نحو ١٢,٢ مليار دولار خلال العام المالي الماضي وتتميز بالتنوع الكبير فى القطاعات.
أكد أن تحويلات المصريين بالخارج ارتفعت ٦٦٪ لتصل إلى ٣٦ مليار دولار، وصافي الأصول الأجنبية تحسن، وارتفع لمستويات جيدة، ومعدلات التضخم تتراجع بقوة، وبدأنا خفض الفائدة مؤخرًا، موضحًا أننا نعمل على تحويل جزء كبير من ودائع الدول العربية ومديونية بعض الدول الأخرى إلى استثمارات لخفض المديونية بشكل مؤثر.
قال إن المؤشرات الأولية لنتائج الربع الأول من العام المالى الحالي، تعكس استمرار التحسن الكبير وجنى ثمار الإصلاحات المالية والاقتصادية، لافتًا إلى أن الفائض الأولي يزيد على ١٧٠ مليار جنيه، والمديونية الحكومية مستمرة فى التراجع.
أضاف أن نظرة الأسواق ومؤسسات التصنيف الدولية بدأت تتغير بشكل إيجابي، وتعطي صورة أكثر شمولاً للاقتصاد المصرى.