أمن الحاكم وسلامته.. القضية المحورية عربيا
تاريخ النشر: 2nd, November 2025 GMT
في البلدان الاستبدادية لا يوجد حاكم معني بقضية التنمية في بلاده، أو مهتم بقضايا التعليم والصحة أو معنيا بقضايا الشباب، أو منشغل بالمخاطر التي تحيط ببلاده من قبل دول الجوار الجغرافي، فالقضية الرئيسة لديه هي الحفاظ على أمنه وسلامته من قِبل من يرى أنهم متربصون به، سواء كانوا تيارات سياسية أو اجتماعية. ومن هنا فإن أمن الحاكم وسلامته تصبح هي القضية المحورية لنظام الحكم، والتي لا تسبقها قضية أخرى في الأهمية مهما كانت أهميتها المجتمعية.
ولأنه لا توجد دولة عربية تنعم بالديمقراطية والحريات، فإن خشية الحاكم من محاسبة الشعب له على استبداده وفساده في حالة التخلص من نظامه تجعله دائما في خوف وقلق واضطراب، خشية أن يتعرض لنفس المصير الذي تعرض له حكام طغاة مثل تشاوسيسكو في رومانيا، أو القذافي في ليبيا أو صدام حسين في العراق، وغيرهم، ولهذا يزيد من التركيز على قضية حمايته الشخصية وحماية أفراد أسرته، فيتم تسخير موارد البلاد لتلك القضية على حساب ما عداها من قضايا مجتمعية أيا كانت أهميتها.
وها هي بيانات صندوق النقد العربي تشير إلى نصيب نفقات الأمن والدفاع من إجمالي الإنفاق الجاري في موازنات بعض الدول العربية عام 2023، حيث بلغ النصيب النسبي لنفقات الأمن والدفاع 33 في المائة من نفقات موازنة كل من الأردن والسعودية، و30 في المائة من موازنة البحرين، و24 في المائة من نفقات موازنة العراق، وفي عام 2022 بلغت النسبة 26 في المائة بموازنة السلطة الفلسطينية، وفي عام 2021 بلغ النصيب 23 في المائة في موريتانيا، ولم تذكر البيانات النصيب في غالب الدول العربية.
بيانات إنفاق أقل من الحقيقة
وحتى تلك النسب التي قد يراها البعض مرتفعة بالمقارنة بما يتم تخصيصه للإنفاق على التعليم والصحة ودعم الطبقات الفقيرة، فإنها جميعا مشكوك في صحتها، لأنها لا تشمل كامل مخصصات الأمن والدفاع، وهي الجهات التي لها موازنات خاصة بها وشركات تابعة لها، وتلك النسب المذكورة تخص ما يُخصص لها من الموازنات الحكومية فقط، بخلاف ما لديها من موارد ذاتية، كما أن تلك النسب لا تشمل المخصصات السرية لجهات الأمن والدفاع، والاحتياطيات المخصصة لها في الموازنات والتي لا تظهر في البيانات الرسمية، وكذلك لا تُظهر البيانات ما يتم تخصيصه لشراء المعدات والأسلحة لجهات الأمن الداخلي والدفاع، خاصة مع تعدد الأجهزة المعنية بأمن الحاكم وسلامته، سواء الجهات الشرطية أو الجهات الدفاعية، من أمن رئاسي أو ملكي أو أميري أو حرس جمهوري، وأجهزة مخابرات، وجهات مكافحة الشغب، والإغداق على تلك الأجهزة وعلى أفرادها من تدريب عالي المستوى من خلال خبراء أجانب، والاستعانة بمعدات متطورة وأسلحة وطائرات لدى أجهزة أمن الحاكم قد تفوق في تقدمها التكنولوجي ما لدى الجيش النظامي لتلك الدولة من أجهزة ومعدات وتقنيات، مع حصول العاملين في تلك الجهات الرئاسية أو الملكية على أجور ومكافآت سخية بشكل دائم.
وهكذا تصبح الأولوية الرئيسة لدى وزارات المالية في تلك البلدان تدبير النفقات اللازمة لأجهزة أمن الحاكم وسلامته، على حساب بنود الإنفاق الأخرى في الموازنة أيا كانت أهميتها المجتمعية، ومهما تطلب الأمر من زيادة الديون الداخلية والخارجية ومهما كانت نسبة العجز في الموازنة، حتى لو تطلب الأمر فرض المزيد من الضرائب والرسوم لتدبير نفقات أمن الحاكم وسلامته، خلال إقامته في المقار الرئاسية أو الملكية المتعددة في الداخل، وما تتطلبه تلك المقار من وسائل الترف اللائقة بالحاكم وأسرته، أو خلال جولاته الخارجية أو استجمامه أو علاجه في الخارج، وما تتطلبه من إجراءات إضافية للأمن والحماية.
ويتصل بأمن الحاكم الإغداق على وسائل الإعلام الداخلية والخارجية، لتحسين صورة الحاكم وتبرير قراراته مهما كان شذوذها، والدفاع المستمر عن تصرفاته الداخلية والخارجية، والتوسع في الإنفاق على التقنيات الحديثة لتلك الأجهزة الإعلامية، وضمان وصولها لأكبر عدد ممكن من المتابعين فنيا، والتحكم في مضمون تلك الوسائل؛ كأن يتم استبعاد أية تغطية لحركات الشباب مثلما حدث في بنغلاديش أو نيبال أو المغرب أو مدغشقر وغيرها، بحيث لا يتم ترك أية مساحة أمل في إمكانية التغيير، مع استمرار نشر أخبار اعتقال المعارضين والمخالفين للنظام ومصادرة أموالهم وممتلكاتهم، لنشر الخوف والفزع بين أفراد المجتمع ومنع الخروج على الحاكم وأتباعه.
والإغداق على العاملين في تلك الأجهزة الإعلامية يتم بصور مختلفة؛ تصل إلى منحهم أراضي من الدولة بأسعار رمزية، أو منحهم وحدات سكنية فاخرة بأثمان تقل كثيرا عن القيم الحقيقية لها، واصطحابهم الدائم للحاكم في جولاته الداخلية والخارجية مع التكفل بنفقات سفرهم وإقامتهم في الفنادق الفاخرة.
وعلى الجانب الآخر؛ يتم التشهير بمن يشذ منهم عن الطريق المرسوم له، بنشر مقاطع جنسية له أو نشر ما يتعلق بفساده المالي وثروته الطائلة، أو ما يتعلق بالحياة الخاصة لأفراد أسرته.
كما يتصل بأمن الحاكم تدجين قطاعات وزارة الأوقاف بما يتبعها من مساجد وما يتم فيها من دروس وخطب، لتدور في فلك خدمة الحاكم وتبرير تصرفاته؛ خاصة التي قد لا تجد قبولا شعبيا، وإشغال جمهور المساجد بقضايا فرعية تبتعد عن القضايا المجتمعية الأكثر أهمية.
ونفس الأمر يتم تكراره في وزارة الشباب والرياضية وفي الجامعات؛ بإشغال الشباب بأمور بعيدة عن القضايا المجتمعية، وافتتاح مراكز التدريب السياسي لتكوين الكوادر الشابة المؤيدة لنظام الحكم والتي تتبنى خطابه السياسي، إلى جانب قيام الأجهزة المختصة بالترفيه بالتوسع في إقامة الحفلات الماجنة، وتيسير سبل الوصول إلى المواقع الإباحية، أو سهولة الوصول إلى أماكن بيع المخدرات والتعاطي.
برلمانات صورية وأحزاب مصطنعة
ويتطلب أمن الحاكم أيضا إيجاد البرلمانات الصورية التي تمرر القوانين التي يريدها الحاكم، والتي تتنازل عن دورها التشريعي للحاكم، وتعطل دورها الرقابي على أعمال الحكومة.
كما يحتاج الأمر إلى إيجاد أحزاب سياسية شكلية تؤيد قرارات الحاكم بشكل دائم، ولجان نقابات عمالية ومهنية مُطيعة، ليتم حشدهم في الانتخابات العامة لإضفاء صورة مصطنعة عن وجود انتخابات وإقبال للناخبين على اللجان الانتخابية، مما يساعد على تمرير نسب المشاركة العالية فث الانتخابات التي تعلنها الجهات الحكومية المشرفة على الانتخابات.
وعلى الجانب الآخر يتم اعتقال المعارضين والتنكيل بهم داخل السجون، وبصور تعذيب بشع تفضحه تقارير المنظمات العربية المعنية بحقوق الإنسان سنويا، ومنعهم من حقوقهم الطبيعية في الزيارة الدورية من قبل أُسرهم، واستمرار حبسهم بدون أحكام قضائية، وحتى من تم حبسهم بأحكام قضائية وقضوا مدد حبسهم، يستمر حبسهم بإدخالهم في قضايا جديدة مصطنعة. وهذا لتخويف أفراد المجتمع من الاقتراب من التعرض بالنقد للحاكم وحاشيته ولو على مواقع التواصل الاجتماعي، بحيث تُحدث العقوبات التي لحقت بمن انتقدوا الأوضاع السياسية أو الاجتماعية على مواقع التواصل؛ أثرها المجتمعي، الذي يجعل التفكير في الاحتجاج أو التظاهر أمرا مستبعدا بشكل كامل.
وهكذا يمتد أمن الحاكم وسلامته إلى ضرورة وجود جهاز قضائي خادم لأجهزة أمن الحاكم، بما يتطلبه ذلك من إغداق ومكافآت ومزايا نقدية وعينية، كما يتطلب إنفاقا على الانتخابات الصورية التي تحتاج لإشراف من أجهزة المحليات ونفقات للحراسة والأمن والانتقال، ونفقات للرشاوى الانتخابية. وإذا كانت بعض الأنظمة تستعين برجال أعمال لدفع تكلفة تلك الرشاوى الانتخابية، فإنه يتم تعويض هؤلاء من خلال ما يحصلون عليه من تراخيص وأراض وتسهيلات مصرفية وغير ذلك من صور الفساد الحكومي.
التعاون الاستخباراتي وأثره الاقتصادي والسياسي
والأخطر من كل ما سبق أن أمن الحاكم يتصل دائما بالتنسيق مع أجهزة المخابرات في الدول الأخرى، ومن هنا يتم التساهل مع دول تلك الدول في منح تراخيص البحث عن النفط والغاز الطبيعي والمعادن بشروط ميسرة، ومنحها أولوية في الاستثمار في القطاعات الحيوية، وكذلك زيادة معدلات استيراد السلع والخدمات منها، وإيداع احتياطيات المصارف المركزية لديها، واتباع نفس مواقفها السياسية دوليا.
وهكذا، ينعكس السعي لتحقيق أمن الحاكم على القرارات الاقتصادية والعسكرية والسياسية الخارجية، حيث تكون لتلك الدول الأولوية كمصادر لاستيراد السلع الاستراتيجية والأسلحة، حتى يصبح القرار الاقتصادي والعسكري والسياسي في البلاد مرهونا بتحكمها، وهو ما لا يجد الحاكم فيه غضاضة، طالما أن تلك الدول تدعم تحقيق أمنه الشخصي وسلامته.
x.com/mamdouh_alwaly
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه الاستبدادية عربية حكام الفساد استبداد فساد امن عرب حكام مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الداخلیة والخارجیة الأمن والدفاع فی المائة تلک الدول
إقرأ أيضاً: