الشهيد …حكاية الخلود في ذاكرة الوطن
تاريخ النشر: 6th, November 2025 GMT
في كل وطن تروى فيه حكايات المجد، يطل وجه الشهيد كفجر لا يأفل وكقنديلٍ يبدد عتمة الدروب حين يشتد الليل.
ليس الشهيد رقما في سجل الحرب ولا صورة مؤطرة على جدار تكسوها الذكريات، بل هو النبض الذي يسري في شرايين الأرض والضمير الذي لا يهدأ في ذاكرة الأجيال. هو الحاضر الغائب الذي يسكن الوجدان فتنبض الأوطان باسمه وتزهر الحقول من دمه.
الشهيد يولد مرتين، مرة من رحم الأم ومرة من رحم الوطن. في لحظة الفداء لا يسمع ضجيج المدافع ولا يخشى الموت، بل يرى في عيون رفاقه الحياة تتجلى في أبهى معانيها. يقدم جسده جسراً يعبر عليه الآخرون إلى بر الأمان ويترك خلفه دمعا حارا ممزوجا بفخر عظيم. هو الذي فهم أن العبور إلى الخلود لا يكون إلا عبر باب التضحية وأن المجد الحقيقي يكتب بالدم لا بالحبر.
حين يشتد العصف وتضيق الأزمنة يصبح الشهيد المعنى الأصدق للانتماء. هو الذي آمن أن الأرض لا تصان بالكلمات ولا تحمى بالشعارات، بل بالفعل وبالدم الطاهر الذي يخط على التراب حروف الكرامة. لذلك، حين نذكره لا نرثيه بل نحتفي به كما يحتفى بالشمس حين تشرق بعد ليل طويل. لقد علمنا أن الوطن ليس حدودا ترسم على الخرائط بل أم تتنفس من صدور أبنائها وأن الحرية لا تمنح بل تنتزع والكرامة لا تشترى بل تصان بالتضحيات.
تمر الأعوام وتتبدل الوجوه لكن ملامح الشهداء تبقى ثابتة في ذاكرة الوطن كالنجم في سمائه. في كل بيت لهم صورة وفي كل شارع اسم وفي كل قلب دعاء. الأمهات يربين أبناءهن على قصصهم والمعلمون يزرعون سيرهم في عقول الطلبة وكأن الوطن بأسره يردد: من مات لأجلي حي في إلى الأبد.
دماؤهم لا تجف بل تتحول إلى نهر يسقي شجرة العزة فتثمر أمنا وعدلاً وكرامة ومن ذلك النهر تولد الأوطان الحقيقية تلك التي تشيّد في القلوب لا على الورق.
وحين نكتب عن الشهيد فإننا لا نستعيد ماضيا انقضى بل نرسم ملامح مستقبل يبنى بدماء الطهر والإيمان. ذكراه ليست مرثية تتلى، بل نشيد يغنى في كل صباح ووعد أن تظل رايته خفاقة ما دام في الأمة نبض وفي القلب وطن.
سلام على من وهبوا أرواحهم لتبقى الحياة أجمل وسلام على من عبروا إلى الخلود ليعلمونا أن الموت في سبيل الحق حياة.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
لعنة الفراعنة بين الأسطورة والعلم .. حكاية بدأت من جدار مقبرة توت عنخ آمون
بعد مرور أكثر من قرن على اكتشاف مقبرة الملك الشاب توت عنخ آمون ، ما زال الغموض يحيط بما عرف باسم «لعنة الفراعنة» التي حيرت العالم منذ عام 1922، حين نقشت على جدران المقبرة العبارة الشهيرة: «سيضرب الموت بجناحيه السامين كل من يعكر صفو الملك».
تلك الجملة كانت الشرارة التي أطلقت واحدة من أكثر الأساطير تداولا في تاريخ علم الآثار، بعدما ارتبطت بوفاة عدد من أعضاء البعثة المشاركة في فتح المقبرة.
لكن الأثري الطيب غريب محمود، مدير عام معابد الكرنك سابقا، يؤكد أن القصة لا تمت للغموض بصلة، قائلا إن ما يعرف بلعنة الفراعنة ليس سوى خرافة ولدت من تداخل العلم بالجهل، وأن التفسيرات المنطقية وراء تلك الوفيات أقرب إلى الواقع العلمي.
يقول “غريب” إن بعض المقابر كانت تضم مواد عضوية وأطعمة تحللت عبر آلاف السنين، ما أدى إلى تكوين أنواع من البكتيريا والفطريات السامة التي تنشط بمجرد تعرضها للهواء، فتسبب أمراضا حادة والتهابات قد تؤدي إلى الوفاة ومن هنا نشأت فكرة «اللعنة» بعد أن ربط الناس بين تلك الوفيات وبين الأسطورة القديمة.
ويضيف أن أدوات وطرق التنقيب في عشرينيات القرن الماضي لم تكن تعرف مفاهيم التعقيم أو التهوية، فكان فتح المقابر يتم بشكل مباشر، ما أدى إلى استنشاق الغازات السامة مثل الأمونيا وكبريتيد الهيدروجين والفورمالدهيد، وهي غازات كفيلة بإحداث تسمم خطير أو فشل في الجهاز التنفسي.
ويرى “غريب” أن توالي الوفيات الغامضة بعد فتح المقبرة عزز الاعتقاد بوجود قوى خفية تحرس ملوك مصر في العالم الآخر، إلا أن الدراسات الحديثة أثبتت أن الأمر يتعلق بتفاعلات بيولوجية وكيميائية طبيعية داخل المقابر المغلقة وليس بلعنة خارقة للطبيعة.
أما عن الملك توت عنخ آمون نفسه، فيوضح “غريب” أن حياته القصيرة كانت مليئة بالأسرار، فقد تولى الحكم وهو طفل وتوفي في التاسعة عشرة من عمره بعد نحو تسع سنوات من الجلوس على العرش.
وتشير الفحوص الحديثة إلى إصابته بالملاريا وأنيميا حادة ومرض نادر في العظام يُعرف بـ«كوهلر»، تسبب في كسر بساقه اليمنى وإعاقة في قدمه اليسرى، ما يفسر وجود 130 عصا ضمن مقتنيات المقبرة، إضافة إلى المقاعد والمساند والنباتات الطبية ومسكنات الألم.
ويختتم الأثري “الطيب غريب” حديثه مؤكدا أن الخلود الحقيقي لم يكن في اللعنة كما يظن البعض، بل في عبقرية المصري القديم الذي شيّد حضارة باقية تبهر العالم حتى اليوم، وأن ما يسمى «لعنة الفراعنة» ليس إلا انعكاسا لتفاعل الطبيعة في مقابر ظلت صامتة آلاف السنين.