في خطوة قد تمثل قفزة تكنولوجية في عالم الحرب الإلكترونية، أعلنت الصحافة الصينية مؤخرا أن البلاد بدأت إنتاجا واسع النطاق لأجهزة رادار كمّية يعتقد أنها قادرة على كشف الطائرات الشبحية الأميركية مثل إف-22 وإف-35، والتي تعد من أكثر الطائرات تطورا في العالم.

الرادار التقليدي يعمل عن طريق إرسال موجات راديوية ترتد عن الأجسام لتعود بإشارة تترجم إلى موقع الهدف، يشبه ذلك الكيفية التي يرى بها الخفاش الأشياء.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ما مستقبل السودان بعد أهوال الفاشر؟list 2 of 2ما سر الصراع بين باكستان وأفغانستان؟end of list

أما الرادار الكمي فيعتمد على مبدأ فيزيائي مختلف تماما، يقوم على استخدام الفوتونات المفردة، كبديل عن موجات الراديو، مما يعطي الرادار دقة غير مسبوقة في استكشاف أدق الأجسام.

الرادار التقليدي يعمل عن طريق إرسال موجات راديوية ترتد عن الأجسام (غيتي)أقوى مقاتلات العالم

بتكلفة 350 مليون دولار، تعتبر طائرة إف-22 واحدة من أكثر الطائرات المقاتلة تقدما في العالم، فهي مزودة بتقنيات الجيل الخامس، وتجمع بين السرعة الفائقة والقدرة الفائقة على المناورة والتخفي الشديد ودمج أجهزة الاستشعار في منصة سلاح واحد، وتعمل في جميع الأحوال الجوية.

وقد صممت هذه الطائرة المقاتلة في المقام الأول لمهام التفوق الجوي، أي العمليات التي تهدف إلى السيطرة على المجال الجوي فوق منطقة معينة خلال الصراع العسكري.

على الجانب الآخر، فإن الطائرة إف-35 الشبحية، بتكلفة تصل إلى 115.5 مليون دولار، تعد مقاتلة متعددة الأدوار، وهي أيضا من الجيل الخامس، وتمتلك القدرة على القيام بمعارك جو-جو، وضربات أرضية دقيقة، ومهام استطلاعية.

يمكن لهذه المقاتلة التبديل بين هذه الأدوار أثناء مهمة واحدة، مما يمنحها المرونة في مجموعة واسعة من السيناريوهات.

وفي المقابل، تمتلك الصين طائرات شينجدو جي-20 المقاتلة، بتكلفة قريبة من إف-35، والتي تعد كذلك مقاتلة متعددة الأدوار من الجيل الخامس، طورتها شركة تشنغدو لصالح القوات الجوية لجيش التحرير الشعبي. وهي أكثر الطائرات المقاتلة تقدما وتطورا في الصين.

إعلان

وبشكل عام، تزود مقاتلات الجيل الخامس بخصائص منخفضة الملاحظة (الشبحية) لتقليل المقطع العرضي للرادار، يتم ذلك عن طريق استخدام طلاء ذي تركيبة كيميائية متقدمة لا يشتت موجات الرادار بسهولة، وبناء الطائرة بهندسة تتجاوز قدرات الرادار.

إلى جانب ذلك، يتم إخفاء الأسلحة داخل جسم الطائرة، فتنخفض بصماتها الحرارية إلى حد ضئيل جدا لا تنكشف لرادارات الأشعة تحت الحمراء الحالية.

الفوتون هو الجسيم الأساسي الذي يتكون منه الضوء (بنجامين ييون)سر الفوتون الواحد

لكن الرادارات الكمومية تتغلب على كل ذلك، ولفهم سر دقتها، دعنا نبدأ بالتعرف على الفوتون، وهو الجسيم الأساسي الذي يتكون منه الضوء. وعندما نتحدث عن "كاشف للفوتون المفرد"، فإننا نتحدث عن جهاز قادر على رصد وجود جسيم ضوئي واحد فقط، وهو إنجاز دقيق إذا علمنا أن العين البشرية تحتاج إلى مليارات الفوتونات، التي تتدفق كل ثانية، لترى مصباح مكتب صغير بوضوح.

استخدام الفوتونات المفردة بدلا من موجات الراديو يسمح بدقّة بالغة في الكشف، لأن الفوتون الواحد يمكن تتبّع حالته الكمومية بدقة شديدة جدا (من حيث الطور، والاستقطاب، والطاقة).

ويعتمد مبدأ عمل هذا الرادار على تحويل طاقة الفوتون الصغيرة جدا إلى نبضة كهربائية قابلة للقياس، فعندما يدخل الفوتون إلى نظام الرادار، يقوم بإطلاق سلسلة من التفاعلات الدقيقة داخل المادة الحساسة للجهاز، تؤدي في النهاية إلى تكوين تيار كهربائي صغير، يمكن تفسيره على أنه "إشارة فوتون واحد".

يشير اصطلاح التشابك الكمي إلى علاقة تنشأ بين جسيمين على أية مسافة (ويكيبيديا)فوتونات متشابكة

الميزة هنا أن هذه الفوتونات يمكن أن تُولّد في أزواج متشابكة كموميا، بحيث تؤثر أي تغيرات في أحد الفوتونين على الآخر حتى لو كان بعيدا.

التشابك الكمي هو ظاهرة فيزيائية عجيبة تحدث عندما يتكوّن ارتباط عميق بين جسيمين (مثل فوتونين أو إلكترونين)، بحيث تصبح حالتهما مترابطة مهما ابتعدا عن بعضهما في المكان.

فإذا تغيّرت حالة أحد الجسيمين، يتغيّر الآخر فورا بطريقة منسقة، وكأن بينهما تواصلا خفيا يتجاوز المسافات.

لفهم الفكرة تخيل أن لديك زوجا من نرد سحري، قطعة معك في مدينة القاهرة المصرية، والأخرى مع صديقك في مدينة طوكيو في اليابان. في نفس اللحظة، يرمي كل منكما النرد، والغريب أن الرقم متشابه في كل مرة، رغم أن النرد بلاستيكي عادي، لا يمكنه أن يرى أو يحس شيئا.

هكذا هو التشابك الكمّي في الطبيعة، جسيمان وُلدا من المصدر نفسه يظلان مرتبطين، فإذا قيست حالة أحدهما، تحددت فورا حالة الآخر، مهما كانت المسافة بينهما.

في حالة الرادار الكمي، عندما يصطدم أحد الفوتونين المتشابكين بجسم، تتغير خواصه (كالاتجاه أو الاستقطاب)، ويمكن اكتشاف هذا التغير بدقة عبر الفوتون الآخر الذي بقي في نظام الرادار.

وبذلك يمكن للنظام رصد التغيرات الدقيقة التي تُحدثها الطائرات الشبحية في مسار الفوتونات، حتى لو لم تُعكس الإشارة بقوة كافية كما في الرادار التقليدي.

الطائرة إف-35 الشبحية، بتكلفة تصل إلى 115.5 مليون دولار، تعد مقاتلة متعددة الأدوار (الفرنسية)كاشف رباعي

وفقا لمنصة "إنترستنج إنجنيرنج"، طوّر الباحثون الصينيون "كاشف فوتون مفرد رباعي القنوات"، يقال إنه حساس بما يكفي لاكتشاف فوتون واحد فقط.

إعلان

هذا التطور يتيح إنتاج أجهزة رادار كمّية ميدانية صغيرة الحجم وموفرة للطاقة، يمكن نشرها بسهولة في المواقع العسكرية أو على الطائرات والسفن.

ورغم إثارة الفكرة، لم تُظهر الصين بعد بيانات علمية علنية أو تجارب ميدانية موثقة تؤكد أن هذا الرادار الكمي فعلا قادر على كشف طائرات إف-22 أو إف-35 في بيئة قتالية حقيقية.

إلى جانب ذلك، فالكثير من العلماء يشككون في إمكانية تحقيق استقرار في التشابك الكمومي لمسافات طويلة أو في ظروف جوية متغيرة، فالتشابك الكمي ظاهرة هشة جدا يمكن أن تنكسر بسهولة، وتُفقد العلاقة بين الفوتونين.

كما أن الضوضاء الحرارية والتشويش الكهرومغناطيسي قد تجعل الإشارات الكمية ضعيفة جدا، مما يصعّب استخدامها عمليا في الحرب.

تستخدم كواشف الفوتونات المنفردة في الاتصالات الكمومية عبر الأقمار الصناعية (ناسا)نجاح صيني سابق

لكن على الرغم من ذلك، فإن الصين تمتلك سوابق في إنتاج كواشف فوتونات مفردة، فمثلا في 2019 نجح علماء من جامعة العلوم والتكنولوجيا في الصين في تطوير كاشف فوتون مفرد قادر على العمل في بيئة الفضاء القاسية.

الفضاء مليء بالإشعاع الكوني والجسيمات عالية الطاقة التي يمكن أن "تربك" أي كاشف ضوئي، هذه الجسيمات تتسبب في إشارات خاطئة توحي بوجود فوتونات وهمية.

لمواجهة ذلك، استخدم الباحثون دروعا معدنية مزدوجة من الألومنيوم والتانتالوم لحماية المكوّنات الداخلية للكاشف، كما تم تبريد الجهاز إلى 15 درجة مئوية تحت الصفر لتقليل الضوضاء الحرارية التي تشوّه الإشارات.

نجح الكاشف في تقليل عدد الأخطاء من أكثر من 200 خطأ في الثانية إلى نحو 0.5 في الثانية فقط، وتم اختبار الجهاز على القمر الصناعي الصيني "ميسيوس"، الذي أُطلق لاختبار الاتصالات الكمومية الفضائية، وأثبت الكاشف فعاليته في استقبال إشارات ضوئية مفردة من الأرض عبر مئات الكيلومترات.

لكن بالطبع كان هذا الإنجاز فقط في نطاق الاتصالات الكمومية، أما إذا صحت هذه التقنية في نطاق الرادار الكمي، فإنها ستقلب موازين القوة الجوية، لأن مبدأ "التخفي" الذي تعتمد عليه الولايات المتحدة وحلفاؤها منذ التسعينيات قد يفقد فاعليته.

أقمار ستارلينك (ويكيبيديا)محاولات الصين

ولا تتوقف محاولات الصين للكشف عن المقاتلات الشبحية، فمثلا في سبتمبر/أيلول 2023 أعلن فريق بحثي يعمل لصالح القوات الجوية لجيش التحرير الشعبي الصيني عن تمكنهم بنجاح من اكتشاف طائرة تشبه في مقطعها الراداري مقاتلات إف-22 وإف-35 الأميركيتين، بالاعتماد على الموجات الكهرومغناطيسية الصادرة من أقمار ستارلينك التابعة لشركة سبيس إكس.

وتشتهر شركة سبيس إكس، المملوكة  لإيلون ماسك، بامتلاكها أوسع شبكة أقمار صناعية في مدار أرضي منخفض، بعدد تخطى 6 آلاف قمر صناعي تولد إشارات عالية التردد لتوصيل الإنترنت بسرعات عالية.

وفي تجاربهم، قام الفريق بإطلاق مسيرات صغيرة الحجم من طراز "دي جي آي فنتوم 4 برو" في السماء تمتلك نفس المقطع الرادارى لهاتين الطائرتين قبالة ساحل مقاطعة غوانغدونغ جنوبي الصين، وتم التقاط أثرها، بل وحركتها على شاشة الرادار.

وأوضح العلماء أن هذا كان ممكنا لأن المسيرة كانت مضاءة بإشعاع كهرومغناطيسي من قمر صناعي من فئة ستارلينك يمر فوق الفلبين.

وبحسب الدراسة، التي أعلن هذا الفريق أنها قبلت للنشر في دورية "جورنال أوف سيجنال بروسيسنج"، فإن الرادار الخاص بهم لم يصدر أي إشعاع، لكنه عمل كمستقبل للإشارات الكهرومغناطيسية التي تبثها أقمار الاتصالات مثل ستارلينك عندما تحلق فوق المجال الجوي، وقد انحرفت بوجود المسيرة فأشارت إلى وجودها.

أوضح الباحثون أنه يمكن دائما التقاط أثر الطائرات الشبحية حينما تعبر بين الأقمار الصناعية أعلى الغلاف الجوي ومستقبلاتها على الأرض، وكلما كان عدد الأقمار الصناعية أكبر (وهو ما يتوقع أن يحدث مستقبلا) كانت الطائرات أسهل في الكشف.

إعلان

وينوي هذا الفريق البحثي استكمال تجاربهم على طائرات شبحية حقيقية تطير على ارتفاعات كبيرة، للتأكد من نتيجة أبحاثهم، لأنه على الرغم من أن المقطع الراداري للمسيرات الصغيرة مشابه للطائرات الشبحية، فإن المسيرات طارت على ارتفاعات منخفضة.

انتهى عصر التخفي

في الواقع، يرى بعض الخبراء أن "عصر التخفي" بسماته الحالية أشرف على الانتهاء، فالأمر لا يقف فقط عند محاولات الصين، بل هناك تقنيات ناشئة باتت تهدد عالم التخفي كاملا، مثل الرادارات منخفضة التردد التي لا تتأثّر بسهولة بزوايا الطائرة، وتستطيع رصدها حتى لو بدقة محدودة.

إلى جانب ذلك فهناك تطور كبير في الرادارات متعددة المواقع، حيث تُفصل محطة الإرسال عن الاستقبال، مما يجعل من الصعب على الطائرة أن تخدع جميع الاتجاهات في وقت واحد.

أما أنظمة التتبّع بالأشعة تحت الحمراء الحديثة فباتت ترصد حرارة جسم الطائرة أو محرّكها من مسافات بعيدة، وبدقة غير مسبوقة، دون بثّ إشارات يمكن اكتشافها.

وبالطبع يأتي الذكاء الاصطناعي ودمج البيانات ليضيف طبقة من التعقيد على هذا النطاق، حيث يمكن للأنظمة الذكية دمج إشارات متفرقة من رادارات، وهوائيات مدنية، وأقمار صناعية لتكوين "صورة تتبع" دقيقة لهدف خفي.

والواقع أن الجيوش الكبرى، بما في ذلك الجيش الصيني، بدأت بالفعل بتطوير مفهومها عن "التخفي" ودمجه في عقيدة جديدة تشمل التخلي عن سياسة "البطل المنفرد"، بل أصبحت الطائرة المقاتلة الشبحية عقدة ضمن شبكة تواصل تنسّق بين طائرات، وسفن، وصواريخ.

في هذا السياق يتدخل الذكاء الاصطناعي وتكتيكات الأسراب، فمئات الطائرات الصغيرة غير المأهولة تُربك الدفاعات المعادية بعددها الكبير وتنوّع مساراتها، وبذلك فإنها رغم ظهورها على الرادار، تمثل نوعا من التخفي.

وحتى لو تم رصد الطائرة، بات يمكن استخدام التشويش المتقدم والخداع لإرباك العدو ومنع قفل الرادار عليها، بمعنى أنه يمكن للرادار "رؤية" المقاتلة، لكن يصعب عليه أن يركّز عمله عليها ويحتفظ بموقعها وسرعتها بشكل مستمر لكي يوجه سلاح الدفاع الجوي ناحيتها.

في النهاية، فما يجري اليوم هو سباق أزلي بين التخفي والكشف، الأمر أشبه بلعبة شطرنج بين فريقين، الأول يبتكر مبدأ علميا ويطبقه هندسيا، والثاني يكتشف ثغرات فيه، فيحل الأول المشكلة، ويجد الثاني ثغرة في الحل، وهكذا بلا توقف.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: شفافية غوث حريات دراسات أبعاد الجیل الخامس التی ت

إقرأ أيضاً:

مسلم يعلن تواجده غداً في نقابة المهن الموسيقية لكشف تفاصيل الظلم الذي تعرض له (خاص )

أعلن المطرب مسلم  في تصريحات خاصة لصدي البلد عن تواجده غداً في مقر نقابة المهن الموسيقية، وذلك من أجل كشف ما وصفه بالظلم الذي تعرض له من قبل النقابة خلال الفترة الماضية.

وأكد مسلم أنه سيعرض أمام وسائل الإعلام والجمهور كافة التفاصيل والمستندات التي توضح حقيقة ما حدث، مطالباً بإنصافه ورفع ما يراه قيوداً غير مبررة على مشواره الفني.

يُذكر أن الفترة الأخيرة شهدت جدلاً واسعاً بين المطرب مسلم ونقابة المهن الموسيقية على خلفية بعض القرارات التي اتخذتها النقابة بشأنه، ما دفع الفنان إلى التعبير عن استيائه عبر منصاته الرسمية.

طباعة شارك مسلم اخبار الفن نجوم الفن

مقالات مشابهة

  • جهود امنية مكثفة لكشف غموض العثور على جثة مسن داخل شقته بالاسكندرية
  • تحريات لكشف ملابسات مقتل شاب فى أرض اللواء بالعجوزة
  • تقنية الكم قادمة إلى العالم الحقيقي
  • «الخارجية»: نتواصل مع السلطات السعودية لكشف ملابسات فيديو المعتمر المصري
  • أطول رحلة طيران في التاريخ... ماذا تعرف عن طائرة هاسيندا التي حلّقت 64 يومًا دون توقف؟
  • مباحث البداري تكثف جهودها لكشف غموض العثور على جثة سيدة في مصرف مائي
  • مسلم يعلن تواجده غداً في نقابة المهن الموسيقية لكشف تفاصيل الظلم الذي تعرض له (خاص )
  • تحريات لكشف ملابسات تعدى صاحب عقار على محصل كهرباء بالتجمع
  • الأمن يكثف جهوده لكشف ملابسات سرقة كابلات إنترنت فى طما بسوهاج