الجزيرة:
2025-11-20@15:35:42 GMT

حين تحكم شركة خاصة مسار الحرب.. ستارلينك تحت المجهر

تاريخ النشر: 20th, November 2025 GMT

حين تحكم شركة خاصة مسار الحرب.. ستارلينك تحت المجهر

في مشهد الحرب الحديثة، لم تعد الجيوش وحدها هي من يحدد مسار المعارك، حيث تصاعد دور التكنولوجيا مع ظهور كيانات خاصة تمتلك أدوات قادرة على التأثير في مصير دول بأكملها.

وتعد شركة "سبيس إكس" (SpaceX)، المالكة لمنظومة الإنترنت الفضائي "ستارلينك" (Starlink)، أبرز هذه الكيانات.

وتحولت هذه المنظومة، التي ولدت لتوفير الإنترنت في المناطق النائية، خلال سنوات قليلة إلى بنية تحتية حساسة تدخل مباشرة في صلب النزاعات العسكرية والقرارات السيادية.

وكشفت الحرب في أوكرانيا، ومن بعدها الصراع في قطاع غزة، عن مدى اعتماد الدول على خدمات تقدمها شركات خاصة.

ومع هذا الاعتماد، ظهرت أسئلة عميقة حول امتلاك القرار الحقيقي وتحول الشركات إلى لاعبين إستراتيجيين مستقلين عن الحكومات.

أصبحت ستارلينك أداة رئيسية للاتصالات بأوكرانيا، وخاصة بالمناطق التي دمرت فيها شبكات الاتصالات التقليدية (مواقع التواصل)من حلم التواصل العالمي إلى أداة الهيمنة

ظهرت ستارلينك بصفتها مشروع إيلون ماسك الطموح لتوصيل الإنترنت إلى كل بقعة على الأرض عبر آلاف الأقمار الصناعية.

وسرعان ما تحولت الخدمة إلى إمبراطورية مع تجاوز عدد أقمارها 7000 قمر صناعي، واستحواذها على 65% من إجمالي الأقمار النشطة حول الأرض، مما جعلها أكبر كوكبة اتصالات مدارية في التاريخ.

وتخدم الشبكة أكثر من 2.6 مليون أسرة حول العالم، وتستخدمها شركات طيران كبرى، كما أنها مستخدمة في السفن التجارية المتصلة بالأقمار الصناعية.

وأصبحت شبكة إنترنت بديلة قادرة على تجاوز الكيانات الحكومية وشركات الاتصالات الوطنية، إلى جانب كونها شريان حياة في المناطق المنكوبة، وأداة اتصال أساسية في ساحات المعارك.

ومن خلال السيطرة التقنية، عبّرت الشركة إلى عالم السياسة الدولية، وأصبحت ورقة ضغط في المفاوضات الدولية.

وسلط هذا الأمر الضوء على إشكالية سيادية تتمثل في أنها ليست مؤسسة عامة ولا تعمل وفق معاهدات دولية، بل يملكها شخص قد تغيّر قراراته الفردية مسار حرب أو توقف عملية عسكرية.

أوكرانيا.. المختبر الأول

شكلت الحرب في أوكرانيا التجربة الحقيقية الأولى لقدرات ستارلينك الجيوسياسية، حيث طالبت كييف بتفعيل الخدمة بعد تدهور بنيتها التحتية للاتصالات، واستجاب ماسك بتفعيل الشبكة وإرسال آلاف محطات الاستقبال.

إعلان

وأصبحت ستارلينك أداة رئيسية للاتصالات في أوكرانيا، وخاصة في المناطق التي دمرت فيها شبكات الاتصالات التقليدية، حيث تستخدمها الحكومة والمدنيون والمستشفيات والأنشطة التجارية والمنظمات الإغاثية.

واعتمد الجيش الأوكراني عليها في توجيه طائراته المسيرة وإدارة عملياته القتالية، لكن ماسك استخدم موقعه في عدة مناسبات للتأثير في مسار الحرب، حيث رفض توسيع نطاق استخدامها بالقرب من شبه جزيرة القرم، وعطل الوصول إليها بشكل مؤقت في مناطق حيوية مثل خيرسون.

كما ابتز ماسك كييف من أجل التوصل إلى تسوية، وهدد بقطع التمويل عن الخدمة ما لم تتدخل وزارة الدفاع الأميركية، كاشفًا أن الدعم المقدم لم يكن مجانيا بالكامل، حيث ساهمت دول، مثل الولايات المتحدة وبولندا والمملكة المتحدة، في تمويل الجزء الأكبر من التكلفة.

شكلت الحرب في أوكرانيا التجربة الحقيقية الأولى لقدرات ستارلينك الجيوسياسية (رويترز)غزة.. الإغاثة رهينة بالموافقة الأمنية

في حين أن أوكرانيا كشفت عن تحول ستارلينك إلى سلاح عسكري، فإن قطاع غزة كشف عن الوجه الإنساني المرتبط بالمصالح. ومع تدمير البنية التحتية للاتصالات في القطاع، أصبح الوصول إلى الإنترنت شبه مستحيل للمستشفيات والوكالات الإغاثية، إلى جانب 2.3 مليون فلسطيني. وتمتعت القوات الإسرائيلية بالخدمة منذ الأيام الأولى للإبادة الجماعية دون إجراءات رسمية من وزارة الدفاع الأميركية، مما أثار ادعاءات بالتواطؤ في جرائم الحرب.

وبعد مناشدات عديدة، تعهد ماسك بحصول المنظمات الإغاثية المعترف بها دوليًا على الخدمة، غير أنه تراجع بعد ضغط إسرائيلي.

واشترط ماسك لاحقًا الحصول على موافقة إسرائيلية مسبقة، الأمر الذي جعل المساعدات الإنسانية رهينة للاعتبارات الأمنية وضمن عدم إمكانية فصل الإغاثة عن السيطرة العسكرية.

وعملت ستارلينك بالكامل في إسرائيل، متكاملة مع شبكات "الجيل الخامس" (5G)، لكنها ظلت غائبة إلى حد كبير عن غزة والضفة الغربية المحتلة، ولم يجر تفعيل الخدمة إلا في نطاق محدود للغاية.

وظل الفلسطينيون يعتمدون على شبكات اتصال أضعف، وأدانت منظمات حقوقية الانقطاع، ووصفته بأنه سلاح حرب.

هذا القرار الذي اتخذه ماسك حدّد من يملك حق الوصول إلى الإنترنت أثناء الحرب، الأمر الذي جدد الحديث عن السيادة وعن المعايير الأخلاقية والقانونية التي تبنى عليها تلك القرارات.

البنية التحتية الخاصة بوصفها عنصرا سياديا جديدا

تكشف تجربة ستارلينك عن تحول جوهري في موازين القوى العالمية يتمثل في صعود ما يمكن تسميتها سيادة الشركات.

ومع تزايد اعتماد الجيوش على نظم الأقمار الصناعية والمواقع السحابية والاتصالات الفضائية، أصبحت الشركات التي تدير هذه الأنظمة جزءًا من الأمن القومي.

وتتحكم ستارلينك في تشغيل الشبكة عالميًا، في وقت تفتقر فيه الحكومات إلى القدرة التقنية على فرض سيادتها على هذه البنية.

يأتي ذلك بعد أن كانت القدرة على قطع الاتصالات عن جيش بأكمله، أو منع وصول المساعدات الإنسانية، أو استخدام البيانات الحساسة حتى وقت قريب، حكرًا على الدول.

وحتى وزارة الدفاع الأميركية، التي موّلت جزئيًا تشغيل الخدمة في أوكرانيا، اعترفت بأنها لا تملك السيطرة الكاملة على العمليات التقنية للشركة.

تكشف تجربة ستارلينك عن تحول جوهري في موازين القوى العالمية يتمثل في صعود ما يمكن تسميتها سيادة الشركات (الجزيرة)تحركات دولية لضبط النفوذ التجاري

في مواجهة هذا الخطر الوجودي على السيادة الوطنية، بدأت العديد من الدول تدرك حجم الفجوة التنظيمية وتتخذ إجراءات مضادة.

إعلان

ويطور الاتحاد الأوروبي نظام اتصالات بديل يسمى"آيريس سكواريد" (IRIS²)، مع خطط لإطلاق مبادرة "درع الفضاء الأوروبي" (European Space Shield) في عام 2026.

أما الصين وروسيا، فقد سرعتا من تطوير المنظومات الوطنية "غو أوانغ" (Guowang) و"غونيتس" (Gonets) لتجنب الاعتماد على شركات أميركية.

وأقرت روسيا قانونا يمنع استخدام خدمات الإنترنت الفضائي الأجنبية في المؤسسات العسكرية، وبدأت دول مثل الهند والفلبين بفرض تشريعات صارمة لتنظيم عمل هذه الشبكات وحماية بياناتها الوطنية.

عندما تدار الحرب بالاشتراك الشهري

تحدد ستارلينك الأسعار ومناطق التغطية وفق مصالحها التجارية، حتى لو تعارضت مع الأمن القومي لدول معينة، وقد حذرت دول كجنوب أفريقيا من زيادة الاعتماد عليها خشية تعطيلها في الأزمات.

كما أثبتت حالات مثل تحدي ماسك قرارات المحكمة العليا البرازيلية أن هذه النوعية من الخدمات قد تتجاوز السيادة الوطنية متى شاءت، ما دام لا يوجد نظام رقابي.

ومن منظور اقتصادي، يمثل نموذج ستارلينك تحوّلاً جذريا في تمويل الحروب. وبدلاً من العقود الطويلة الأمد مع الحكومات، أصبحت الخدمات العسكرية تشترى بصفتها اشتراكات شهرية.

وأوجد هذا النموذج التجاري ما يسمى بالاقتصاد الحربي السحابي، حيث تتقاطع مصالح الشركات التقنية مع إستراتيجيات الدول.

كما أظهر أن الدول المعتمدة على بنية تحتية لا تملكها تفقد قدرتها على المناورة الإستراتيجية، ويصبح اتخاذ قرار عسكري أو أمني مرهونًا بموافقة مالك الشركة، ويجعل الدولة عرضة للابتزاز، سواء كان ذلك لدوافع تجارية أو شخصية.

ومنذ اختراع المطبعة والتلغراف ووصولًا إلى شبكة الإنترنت، كانت الحكومات تسيطر على الاتصالات عبر التراخيص والتنظيم، أما اليوم فقد كسرت ستارلينك هذا الاحتكار.

وأصبحت بعض الدول مهددة بالتحول إلى دول جوفاء تمتلك سلطة شكلية على أراضيها وسكانها، في وقت تفقد فيه السيطرة على بنيتها التحتية الرقمية.

ختامًا، فإن التقنية التي ولدت لتحرير التواصل الإنساني أصبحت أداة للسيطرة والهيمنة، وتواجه البشرية اليوم تحديا مرتبطًا بكيفية تطوير إطار حوكمة عالمي يوازن بين حرية الابتكار وضرورة الحفاظ على السيادة الوطنية، وبين كفاءة القطاع الخاص ومسؤوليات المصلحة العامة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات فی أوکرانیا

إقرأ أيضاً:

واشنطن تطالب أوكرانيا بالموافقة على إطار لإنهاء الحرب مع روسيا

صراحة نيوز- كشف مصدران مطلعان أن الولايات المتحدة أبلغت الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بضرورة الموافقة على إطار عمل صاغته واشنطن لإنهاء الحرب مع روسيا، يتضمن تنازلات من أوكرانيا بشأن بعض الأراضي والأسلحة.

وأضاف المصدران، اللذان فضّلا عدم الكشف عن هويتهما بسبب حساسية الموضوع، أن المقترحات تشمل أيضًا خفض حجم القوات المسلحة الأوكرانية.

وأوضح المصدران أن واشنطن تسعى إلى موافقة كييف على النقاط الرئيسية ضمن هذا الإطار.

مقالات مشابهة

  • كامل إدريس يؤكد استعداد الحكومة للانخراط في أي مسار يوقف الحرب
  • شركة مياه البحر الأحمر تنهي إصلاح الكسر بالخط الرئيسي بالكورنيش بالغردقة
  • آخرها كوراساو.. الدول الأقل سكانا التي تأهلت إلى كأس العالم
  • مئات الضباط في جيش الاحتلال يهربون من الخدمة الدائمة
  • واشنطن تطالب أوكرانيا بالموافقة على إطار لإنهاء الحرب مع روسيا
  • إنترسبت: فنزويلا على خطى العراق.. هكذا يعيد خطاب واشنطن إنتاج مسار الحرب
  • هذه هي الأسلحة البعيدة المدى التي تستخدمها أوكرانيا لضرب عمق روسيا
  • طيران الإمارات تزوّد 232 طائرة من أسطولها بخدمة “ستارلينك”
  • تأخر مد كابلات الإنترنت شركة "ميتا" في البحر الأحمر.. اعرف الأسباب