بين الانسحاب الأمريكي والتهديد الروسي.. هل أوروبا مستعدة للدفاع عن نفسها؟
تاريخ النشر: 20th, November 2025 GMT
واشنطن "د. ب. أ": يحتاج أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) الأوروبيون إلى عقيدة دفاعية لضمان سلامة القارة من التهديدات الروسية بشكل مستقل، هذا ما يراه بنيامين جيلتنر محلل السياسات في مجال الدفاع والسياسة الخارجية بمعهد كاتو، والذي يركز على قضايا الاستراتيجية العسكرية الأمريكية والسياسة الخارجية والتنافس بين القوى العظمى والأسلحة النووية والردع.
وأشار جيلتنر في تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية، إلى أنه في نهاية الشهر الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الرومانية أن نحو 700 جندي أمريكي سينسحبون من حدودها.
ورغم أن بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي أعربوا عن قلقهم إزاء هذا الانسحاب، فإن عدد الجنود ضئيل في ميزان القوى بين الناتو وروسيا في القارة الأوروبية. ومع ذلك، حتى لو سحبت الولايات المتحدة جميع قواتها البرية من أوروبا، فإن الدول الأوروبية تمتلك قدرات كافية لردع أي غزو بري روسي وأكد أنه يجب عليها أن تمتلك تلك القدرات. وتعيد أوروبا اكتشاف حقيقة السياسة الدولية، وأن الإدارة الفعالة للدولة سوف تتطلب قيامها ببذل جهود خاصة لردع العدوان الروسي.
ما الذي ينبغي عليها فعله لردع روسيا؟
فعلى الرغم من أن الحرب في أوكرانيا كشفت عن نقاط ضعف روسيا، نجد التاريخ حافل بحالات تعلمت فيها جيوش مهزومة من أخطائها وأعادت بناء نفسها لتصبح قوات قتالية تتمتع بقوة أكبر. وقال جيلتنر إنه أولا وقبل كل شيء، يجب على الدول الأوروبية تحديد أهدافها العسكرية. ويجب أن تشمل هذه الأهداف ردع روسيا عن مهاجمة أراضي حلف الناتو والحد من التصعيد إذا قررت روسيا القيام بذلك.
ويرى جيلتنر أنه لتحقيق هذين الهدفين، يجب على الأعضاء الأوروبيين في الناتو تحديد نوع العقيدة التي يرغبون في تطبيقها، وهي مهمة في غاية الأهمية. ينبغي على الدول الأوروبية المتحالفة تطبيق "عقيدة دفاعية"، تتضمن نشر قوات أوروبية كافية لردع ومواجهة أي إغراءات روسية للحرب. وستكون هذه العقيدة أفضل كثيرا من العقيدة البديلة وهي "عقيدة الردع"، والتي تتطلب فقط تبني قدرات عسكرية كافية لمعاقبة أي مهاجم.
وبالنسبة لأهداف أوروبا، لن يكون هذا كافيا لردع روسيا، التي أبدت استعدادها لقبول خسائر متزايدة.
الناتو يحتاج إلى اتخاذ خمس خطوات لردع روسيا
وأكد جيلتنر أنه مع وضع عقيدة دفاعية في الاعتبار، ينبغي على حلف الناتو، بقيادة أوروبية وصانعي السياسات الأمريكيين أن يتخذوا خمس خطوات لتحقيق رادع تقليدي فعال ضد روسيا لتمكين الحلفاء الأوروبيين.
أولا، ينبغي على صانعي السياسات الأمريكيين البدء في سحب قواتهم البرية من القارة، لأنه على الرغم من امتلاك الدول الأوروبية الأعضاء في الناتو القدرة العسكرية لمواجهة أي عدوان روسي محتمل، لا تزالن هذه الدول تعتمد على الولايات المتحدة فيما يتعلق بأمنها. وعلى الجانب الاستراتيجي الكبير، لدى الولايات المتحدة أمور أكثر أهمية للتعامل معها، وهي مشاكلها الداخلية ونصف الكرة الغربي والصين الصاعدة. ومن خلال سحب القوات البرية الأمريكية من أوروبا، سيحفز صانعو السياسات الأمريكيون الدول الأوروبية على تولي مسؤولية أمنها بنفسها.
ثانيا، ينبغي على الدول الأوروبية زيادة إنفاقها الدفاعي. وهذا لا يعني مجرد الالتزام بتعهدات إنفاق 5% من الناتج المحلي الإجمالي، لأن الالتزام بهذه النسب المئوية البسيطة للإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي يحد في الواقع من إنفاق أوروبا الدفاعي، حيث يحول التركيز من تحقيق احتياجات أمنية حقيقية إلى تحقيق أهداف إنفاق عشوائية. ويجب على حلف الناتو التراجع عن هذه القاعدة السخيفة في الإنفاق الدفاعي، والتركيز على أهداف تؤمن أوروبا بشكل ملموس ضد أي غزو روسي.
ثالثا، ينبغي على الدول الأوروبية المتحالفة تحسين قدرة جيوشها على التعبئة والانتشار السريع في حالة وقوع هجوم روسي. وهذا يعني تحسين بنيتها التحتية لنقل المعدات والأفراد شرقا وتدريب المزيد من القوات وتحسين قدرات القيادة والسيطرة والاتصالات وأجهزة الحاسوب والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع. وإذا حاولت روسيا غزو دولة عضو في حلف الناتو، يتعين على أعضائه الأوروبيين أن يكونوا مستعدين لنشر قواتهم للقتال في أسرع وقت ممكن.
رابعا، ينبغي على أعضاء حلف الناتو الأوروبيين نشر دفاعات خفيفة في منطقة البلطيق، لأنه في ظل وجود روسيا وبيلاروس في الشرق وبحر البلطيق في الغرب، لا تمتلك دول البلطيق مساحة كافية لتمركز وحدات مدرعة ثقيلة وأسلحة في المنطقة. وبدلا من ذلك، فإن نشر دفاعات خفيفة - وحدات مشاة خفيفة ومدفعية وأسلحة مضادة للدبابات وأفخاخ وقدرات دفاع جوي - سيبطئ تقدم روسيا من خلال حرب المدن. وعلى الرغم من أن هذا ليس الخيار الأمثل لدول البلطيق، فإنه الخيار الأمثل نظرا للموقع الجغرافي للمنطقة.
نشر قدرات عسكرية لمنع الاختراق الروسي
وأخيرا، ينبغي على الدول الأوروبية الشريكة نشر قدرات عسكرية أثقل - دبابات ومركبات مشاة مدرعة وألوية مدرعة وميكانيكية وطائرات ودفاعات جوية متوسطة وطويلة المدى- في جميع أنحاء ألمانيا وبولندا. ستحقق هذه الأسلحة والوحدات العسكرية هدفين: منع اختراق روسي عميق من بيلاروس إلى بولندا، والعمل كاحتياطيات عملياتية إذا هاجمت روسيا دول البلطيق. ولتحقيق الهدفين، يتعين على حلف الناتو بقيادة أوروبية نشر هذه القوات بشكل متناسق في ألمانيا وبولندا، بحيث تكون كل منهما بمثابة جزيرة مقاومة.
ويرى جيلتنر أن تردد الأوروبيين في إعادة التسلح ضد روسيا أمر مفهوم. فالحرب واحدة من أكثر سمات الإنسانية انحطاطا، وقليل من المواطنين العاديين يرغبون في ترك عائلاتهم وأصدقائهم للمخاطرة بحياتهم من أجل الدفاع عن دولة أخرى. وهناك خوف مفهوم من أن إعادة تسليح القارة ستؤدي إلى العسكرة وعودة إلى الأنظمة القمعية والحروب التي ابتليت بها القارة في السابق.
واختتم جيلتنر تحليله بالقول إنه على الرغم من ذلك، تحتاج كل دولة إلى وسائل لحماية حريتها ومواطنيها. و لا تعني تقوية الأعضاء الأوروبيين في حلف الناتو أن أوروبا ستصبح مفتونة بالعسكرة، ولكن من خلال تطبيق هذه التدابير، سيكون من الممكن الحفاظ على السلام في بقية القارة الأوروبية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: على الرغم من حلف الناتو
إقرأ أيضاً:
روسيا تنتقد: القرار الأمريكي قد يرسخ فصل غزة عن الضفة
نيويورك - صفا انتقد المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، القرار الذي اعتمده مجلس الأمن الدولي بشأن قطاع غزة. وأكد المندوب الروسي، فى الجلسة الخاصة باعتماد قرار مجلس الأمن تحفظ بلاده بقوله: "ببساطة لا نستطيع دعم هذا القرار". وأوضح أن القرار "يفتقر لأي وضوح بشأن أطر زمنية لنقل السيطرة على غزة للسلطة الفلسطينية". ورأى نيبينزيا أن القرار "لا يتناسب مع صيغة دولتين لشعبين وفق ما تم اعتماده في إعلان نيويورك". وأشار إلى أن موسكو أصرت على منح مجلس الأمن دورًا للرقابة على وقف إطلاق النار بغزة، وهو ما لم يتحقق. وحذر من أن القرار "قد يرسخ فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية"، مشيرًا إلى أن القوة الدولية التي ستعمل في غزة "قد تفصل القطاع عن الضفة الغربية". وأعرب عن عدم وجود "أي يقين بشأن مجلس السلام وقوة الاستقرار الدولية" المقترحة. وحذر المندوب الروسي من أن القرار الأمريكي "لا يجب أن يتحول لحكم إعدام على دولة فلسطين". ومساء الاثنين، اعتمد مجلس الأمن الدولي، مشروع القرار الذي تقدمت به الولايات المتحدة الأمريكية لدعم خطة الرئيس دونالد ترمب بشأن إنهاء الحرب في قطاع غزة.