كاتبة بفورين بوليسي: آن أوان توثيق جرائم حرب السودان
تاريخ النشر: 22nd, November 2025 GMT
دعت الصحفية جانين دي جيوفاني، الرئيسة التنفيذية لـ"مشروع ركونينغ" وزميلة أولى في كلية جاكسون للشؤون العالمية بجامعة ييل، إلى المسارعة بتوثيق المجازر الجارية في السودان، وعدم تكرار الأخطاء التي رافقت مجازر سابقة وقعت -على سبيل المثال- في كل من البوسنة ورواندا.
وأضافت، في مقالها بمجلة فورين بوليسي الأميركية، أنها شهدت كصحفية متخصصة في تغطية الحروب في التسعينيات، فشل العالم في منع وقوع الإبادتين الجماعيتين، ومعاناة العالم لاحقا في محاسبة الجناة.
وأوضحت أن أكثر من 150 ألف شخص قتلوا في الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أبريل/نيسان 2023، وباتت الأدلة مرئية من الفضاء.
مأساة الفاشروذكرت أن مدينة الفاشر سقطت في أكتوبر/تشرين الأول، بيد قوات الدعم السريع بعد حصار وحشي دام 18 شهرا، كانت خلاله أزمة الغذاء والكهرباء والمياه قد وصلت مستويات حرجة. وبعد السقوط، صدرت تقارير عن إعدامات جماعية واغتصاب وتعمد عرقلة المساعدات، إضافة إلى مشاهدات لمقابر جماعية.
وزادت أن سقوط الفاشر شكّل لحظة مفصلية، وشددت على أنه آن أوان الانتقال إلى التوثيق ثم محاسبة الجناة، مبرزة أن إيقاف العنف الجاري أمر ملح لكن جمع الأدلة لا يقل إلحاحا.
ونقلت حديث جيهان هنري، الخبيرة في شؤون السودان والتي تقود عمل مشروع ركونينغ في دارفور، عن سيل الأدلة المتدفق من الإقليم عبر الهواتف ووسائل التواصل.
وقالت جيهان: "شاهدنا مقاتلي الدعم السريع يصورون أنفسهم وهم يقتلون مدنيين ويتفاخرون بذلك، وقد تحققت منظمات حقوقية من هذه الصور وقاطعتها مع بيانات الأقمار الصناعية، بل وحددت بعض القادة الفرديين. لم يعد هناك شك في الانتهاكات".
شددت دي جيوفاني على أنه آن أوان الانتقال إلى التوثيق ثم إلى محاسبة الجناة في السودان، مبرزة أن إيقاف العنف الجاري أمر ملح لكن جمع الأدلة لا يقل إلحاحا
رواندا والبوسنةوشددت الكاتبة دي جيوفاني أن التحدي الآن هو دمج الأدلة الرقمية في آليات العدالة الرسمية، موضحة أن على المحاكم أن تتكيف مع أشكال التحقق الجديدة وأن تعمل بانسجام أكبر مع المجتمع المدني. وعلى الدول أن تكون مستعدة للتحرك استنادا إلى المعلومات المتاحة لديها، والالتزام بالقبض على الجناة.
إعلانوتحدثت، في مقالها بمجلة فورين بوليسي، أن العالم كله تابع مقتل أكثر من 800 ألف شخص خلال 100 يوم في رواندا عام 1994.
ثم لاحقا، وقعت مجزرة مروعة في سربرنيتسا بالبوسنة عام 1995، قُتل فيها أكثر من 8 آلاف مسلم في البلدة التي أعلنتها الأمم المتحدة "منطقة آمنة".
وأضافت أن كلتا الجريمتين الفظيعتين حدثتا أمام أعين المجتمع الدولي، وكشفتا عن مدى عجزه عن جمع الأدلة وحفظها في قضايا الجرائم ضد الإنسانية.
أدلة تحققفي ذلك الوقت -تتابع جانين دي جيوفاني- اعتمدت التحقيقات على شهادات الناجين وملاحظات الصحفيين، ثم العمل البطيء والمروّع لنبش المقابر الجماعية.
وعندما بدأت "المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة" تحقيقاتها في مذبحة سربرنيتسا عام 1996، كان الصرب قد نبشوا الجثث وأعادوا دفنها لإخفاء الأدلة. لكن شيئا جديدا خرج من البوسنة: صور الأقمار الصناعية، وفقا للصحفية.
وبحسب الكاتبة، وبعد أكثر من 30 عاما، تغيّرت أدوات التحقيق في جرائم الحرب جذريا بفضل الطفرة التقنية، وبدأت المحكمة الجنائية الدولية استخدام صور الأقمار الصناعية بشكل منهجي في تحقيقها بدارفور.
فقد ظهر جيل جديد من المحققين الرقميين، وكذلك أطلقت صحف كبرى -مثل نيويورك تايمز– فرق تحقيق خاصة تعتمد على متخصصين.
وبالتالي باتت التحقيقات تخلق سجلا عاما للجرائم لا يمكن محوه أو إنكاره، فلدى الجميع هواتف، وتعمل منظمات مثل "آي ويتنس" مع المواطنين في مناطق الحرب لتوثيق الفظائع لحظة وقوعها، فارضة تبعات أخلاقية وسياسية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات أکثر من
إقرأ أيضاً:
«الرواية تبني الوعي».. الجلسة الثالثة لمؤتمر توثيق وبحوث أدب الطفل تنفتح على الترجمة والنقد والعلاج بالأدب
برعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، وفي إطار الفعاليات العلمية للمؤتمر السنوي العاشر لمركز توثيق وبحوث أدب الطفل، والمنعقد تحت عنوان «روايات النشء واليافعين»، عقدت الجلسة الثالثة التي خُصصت لمحور: روايات الأطفال بين الترجمة والنقد والتوظيف، شارك في الجلسة نخبة من الباحثين المتخصصين في أدب الطفل ودراساته، وناقشت أربعة بحوث علمية تناولت قضايا الترجمة، وتحليل المضامين التربوية، والاتجاهات النقدية، وتوظيف الرواية في العلاج بالأدب.
وقد عكست أعمال الجلسة تنوّع المقاربات البحثية واتساع مساحة الاهتمام بروايات اليافعين، باعتبارها إحدى أهم الوسائل الثقافية في بناء الوعي ودعم هوية الجيل الجديد.
استعرضت الباحثة أ. أماني التفتازاني واقع ترجمة أدب الناشئة واليافعين، مؤكدة محدودية الدراسات العربية المرتبطة به رغم ازدهاره عالميًا. وقدمت تحليلًا تطبيقيًا لسلسلة «الكون الثامن» للكاتبة الروسية مارينا ياسينسكايا، مع الإشارة إلى التحديات الثقافية واللغوية التي واجهت المترجم، مثل ترجمة المفردات التخيلية والأسماء الرمزية، ودعت الباحثة إلى تعزيز حركة الترجمة العربية الموجهة للنشء بما يلائم احتياجات القارئ الشاب.
قدمت الباحثة د. نسرين محمود رضوان دراسة مقارنة بين روايات يعقوب الشاروني وأعمال الكاتب العبري يجآل موسينزون، مركزة على القيم التربوية التي تعكسها النصوص في كل منهما، وأظهرت الدراسة أن الرواية العربية تتجه نحو بناء شخصيات متوازنة ومرتبطة بالقيم الإنسانية والوطنية، بينما تعتمد الرواية العبرية على توجهات أيديولوجية واضحة تهدف إلى تشكيل وعي موجه، وأوصت الباحثة بتعزيز الإنتاج العربي الرصين الموجّه للنشء لمواجهة التحديات الثقافية المعاصرة.
ناقشت د. داليا مصطفى عبد الرحمن أثر الرقابة بمختلف أشكالها — المؤسسية والمجتمعية والذاتية — في صياغة مضمون أدب اليافعين في الألفية الثالثة. وأوضحت أن تشدد الرقابة قد يؤدي إلى إقصاء أعمال أدبية ذات قيمة تربوية ومعرفية مهمة. واستعرضت الباحثة نماذج عالمية تستبدل المنع بالتصنيف الإرشادي، مؤكدة ضرورة إيجاد توازن يحقق حماية الناشئة دون إقصائهم عن قضايا عصرهم وقدرتهم على التفكير النقدي.
قدم أ.د. أنور عبد الحميد الموسى دراسة تربط بين الأدب والعلوم النفسية، موضحًا أهمية العلاج بالأدب (Bibliotherapy) في دعم الصحة النفسية للناشئة، وتعزيز الانتماء، ومعالجة الاضطرابات الانفعالية. وبيّن إمكانية توظيف الرواية في البرامج الإرشادية داخل المدارس، بشرط الإشراف المتخصص الذي يوجه التجربة القرائية لضمان الفائدة العلاجية والمعرفية المرجوة.
أكدت الجلسة الثالثة أن روايات اليافعين تُعد ركيزة أساسية في تنمية الوعي، وتوسيع الأفق الثقافي، وبناء الهوية الوطنية. كما شدد الباحثون على ضرورة دعم حركة الترجمة، وتطوير الأدوات النقدية، وتفعيل توظيف الأدب في البرامج التربوية والعلاجية، بما يسهم في تعزيز قدرة الجيل الجديد على التفاعل الإيجابي مع تحديات الحاضر والمستقبل.