يتوالى الإعلان عن مشروعات نقل عملاقة تمر عبر دول الخليج العربي إلى إسرائيل أو تركيا وتمثل النقاط الأقرب لحركة التجارة العالمية بين دول الشرق الأقصى وأوروبا، والتي يؤكد خبراء أن جميعها مشروعات تنافس "قناة السويس" المصرية، ونجاحها يعد خصما من الشريان المائي الأهم لدى المصريين على المدى البعيد.

طريق الشرق الأوسط التاريخي
آخر المشروعات المعلن عنها الثلاثاء الماضي، يتمثل بتوقيع عُمان وتركيا، اتفاقية لإنشاء خط سكة حديد يربط (الخليج بدول شرق المتوسط وتركيا وأوروبا)، يقوم بشحن البضائع من السلطنة إلى السعودية والأردن ومن معبر "نصيب" لسوريا وتركيا ثم أوروبا عبر معبر "باب الهوى"، وقد يضم لاحقا عواصم خليجية أخرى.





وكشف لقاء عماني تركي 6 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، عن مشروعي "خط الترانزيت" مع سوريا، وإحياء "سكة حديد الحجاز"، التاريخي الذي ربط إسطنبول بالحجاز مرورا بسوريا والأردن، كخط استراتيجي يقلص زمن وكلفة النقل بين تركيا والخليج، ويعيد رسم الممرات التجارية بين آسيا وأوروبا والخليج، وفق "ترك برس".

وفي 30 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، قال وزير التجارة التركي عمر بولاط، إن "طريق الشرق الأوسط التاريخي" يدخل الخدمة العام المقبل.

طريق التنمية (العراق/ تركيا)
ويجري الحديث عن مشروع "طريق التنمية" لربط خط التجارة بين دول المحيط الهندي والشرق الأقصى وأوروبا عبر الخليج العربي بحريا ومن العراق إلى تركيا بريا، بتدشين طريق بري وسكة حديدية 1200 كيلومتر من ميناء الفاو بالعراق إلى تركيا، ليمثل الطريق الأقصر بين الخليج وأوروبا.


يعد هذا الممر إحياء لخط سكك حديد (بغداد/ حلب/ اسطنبول/ برلين) المشروع الألماني العثماني، الذي ربط أوروبا بالمشرق نهاية القرن الـ19، وكان مقررا الوصول به إلى الكويت لولا الرفض الإنجليزي، لينتهي بالبصرة جنوب العراق.

ممر الهند (بايدن)
"ممر الهند"، الذي أعلنت صفحة البيت الأبيض عنه 9 أيلول/ سبتمبر 2023، بين: السعودية، والاتحاد الأوروبي، والهند، والإمارات، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وأمريكا، كبديل لمبادرة "الحزام والطريق الصينية؛ يُتيح نقل السلع والخدمات من وإلى وبين الهند وأوروبا، عبر إسرائيل متجاهلا قناة السويس المصرية.




حينها وصفته، رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، بـ"الطريق الذهبي، الذي سيجعل التجارة بين الهند وأوروبا أسرع بنسبة 40 بالمئة، فيما لفت "المعهد الأوروبي للدراسات الاستراتيجية" إلى أن استبعاد جهات إقليمية رئيسة مثل مصر وتركيا وقطر وعمان وإيران، يمثل عقبة للمشروع.

الممر، الذي تطلق عليه إسرائيل اسم "سكة السلام"، ويربط أبوظبي وميناء حيفا على البحر المتوسط بطريق بري يمر بالسعودية والأردن يعد الأقصر بين الخليج العربي والبحر المتوسط، تحاول تل أبيب إحيائه بعد توقف عامين بسبب "الحرب على غزة"، وذلك بزيارة سرية قامت بها وزيرة النقل ميري ريغيف، هذا الأسبوع للإمارات، وفق "يديعوت أحرونوت".

وبينما تتمسك تل أبيب بالمشروع الذي يضعها داخل شبكات التجارة العالمية ويرسخ حضورها بسلاسل الإمداد الإقليمية، ويربطها اقتصاديا بدول الخليج؛ تسعى تركيا وفرنسا، للدفع باتجاه مسار بديل لهذا الممر التجاري يتجاوز الأراضي الفلسطينية المحتلة، عبر سوريا ولبنان مستخدما موانئهما بدلا من حيفا.

وتشير تقارير إسرائيلية إلى أن "تلك الخلافات تعكس صراعا أوسع حول من يملك حق رسم خريطة التجارة الجديدة بالشرق الأوسط"، وتشير دراسات "معهد ميسغاف للأمن القومي"، و"مؤسسة كونراد أديناور"، الإسرائيليين، لفوائد الممر لتل أبيب، بتدشين مشروعات: "الاتصال الرقمي، ونقل الكهرباء، والهيدروجين"، و"دعم التطبيع مع الخليج"، و"ضمان أمن إسرائيل".

قناة سلمان
وفي ظل توترات إقليم الشرق الأوسط المتتابعة، ومخاوف السعودية على مستقبل صناعة النفط العملاقة؛ ظهرت عدة مشاريع بحرية وبرية لنقل البترول بعيدا عن بؤرتي الصراع قرب مضيق "هرمز"، و"باب المندب" الملتهبتين.

في أيلول/ سبتمبر 2015، دعت دراسة "مركز القرن العربي للدراسات" بالرياض، لشق قناة بين الخليج العربي وبحر العرب، بطول 630 كيلومترا بأراضي السعودية و320 كيلومترا باليمن، بعرض 150 مترا وعمق 25 مترا، وبتكلفة 80 مليار دولار، في مشروع لم يخرج للنور.



ومع تفجر الحرب الدموية الإسرائيلية على قطاع غزة 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ودخول قوات الحوثي باليمن على خط الصراع دعما للمقاومة الفلسطينية، ومنع مرور سفن إسرائيل وأمريكا من المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، وتأثر الموانئ وتجارة النفط السعودية، تفجرت فكرة مشروع آخر.

وفي حزيران/ يونيو الماضي، دعا الكاتب السعودي صالح الشادي، لإنشاء "ممر مائي يربط الساحلين الشرقي بالغربي للمملكة -الخليج العربي بالبحر الأحمر- عبر الجهة الشمالية من هضبة نجد"، كمشروع عملاق لم يعلن عنه رسميا ينقل النفط إلى قناة السويس بعيدا عن مضيقي "هرمز" و"باب المندب".

سكة حديد سيناء (العريش/ طابا)
في المقابل، تدشن مصر بنية تحتية ضخمة بإنشاء خط سكة حديد سيناء الذي يشق شبه الجزيرة المصرية طولا ويربط مينائي السخنة والسويس بالبحر الأحمر بميناء العريش بالبحر المتوسط، المتصل بخط سكة حديد الفردان غرب قناة السويس المتربط بالشبكة القومية للسكك الحديدية في مصر، وفي 7 نيسان/ أبريل الماضي، وقعت "الوكالة الفرنسية للتنمية" اتفاقية لتمويل المشروع.


يرتبط مشروع خط "سكة حديد سيناء" الاستراتيجي بالتجارة الدولية والإقليمية حيث يحول ميناء العريش لمركز دولي وإقليمي يخدم حركة الحاويات والبضائع المتجهة لدول المشرق العربي والعابرة إلى أوروبا، ويمثل فرصة لربط محتمل مع الأردن والسعودية عبر موانئ البحر الأحمر، وربط البحر المتوسط بخليج العقبة عبر ميناء طابا المصري.

مخاوف مصرية
وتتعاظم المخاوف المصرية من مشروعات النقل الإقليمية والدولية المنافسة لقناة السويس، وقبل أيام كشف تسريب عن وثائق تؤكد رفض جهات أمنية مصرية تسليم جزيرتي "تيران" و"صنافير" للسعودية، حتى لا تستغل المملكة وإسرائيل "مضيق تيران" لتمرير تجارة النفط عبر خط أنابيب إسرائيلي، ما يضر بحركة ناقلات البترول بقناة السويس، وبخط أنابيب "سوميد" المصري.



ويقدر خبراء أن تلك المشروعات تأكل من رصيد قناة السويس في التجارة الدولية، وتتعارض بعضها ومشروعات مصرية بنقل الكهرباء وربط الشبكة المصرية مع بلدان عربية مثل الأردن والسعودية ولبنان وسوريا والعراق، وأيضا مع قبرص واليونان، بجانب تأثيرها على مشروعات الطاقة النظيفة المصرية المتتابعة، وحتى مرور كابلات الاتصالات العالمية من المياه الإقليمية المصرية وقناة السويس.

ووصف "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" مشروع "ممر الهند" بأنه "ضربة موجعة للحكومة المصرية" التي تواجه ضغوطا اقتصادية هائلة، لكنه رجح ألا تتمكن سكك حديد "ممر الهند" من منافسة سعة قناة السويس، مؤكدا أن الشركات لن تفضل نقل الهيدروكربونات في ناقلات النفط، ثم تفريغها لنقلها بخطوط سكك حديدية.

وفي المقابل، تؤكد دراسات أن "مبادرة الحزام والطريق" الصينية تتمتع فيها قناة السويس، بمقومات تساهم بتحويل مصر لمركز لوجستي صناعي وتجاري عالمي، ذو تأثير كبير على التجارة البحرية العالمية، يمهد لشراكات وتحالفات اقتصادية تجعلها دولة محورية وفاعلة في التجارة الدولية.

وقناة السويس جرى افتتاحها للملاحة العالمية عام 1869، كأقصر طريق بحري بين أوروبا وآسيا، تمر منها 12 بالمئة من التجارة العالمية وخاصة النفط والغاز، وتستقبل حوالي 35.5 مليون حاوية مكافئة لعشرين قدما سنويا، لكن من آن إلى آخر تظهر طرق بديلة تهدد مستقبل القناة التي تدر دخلا هاما لمصر، وبينها طريق بحر الشمال (NSR) وطريق عبر سيبيريا (TSR).

وأطلقت الصين في أيلول/ سبتمبر الماضي، ولأول مرة خط شحن حاويات بانتظام بين آسيا وأوروبا مرورا بالقطب الشمالي، يصل إلى بريطانيا وألمانيا وبولندا، في رحلة تقلص وقت العبور من قناة السويس إلى النصف تقريبا حيث تستغرق 18 يوما فقط.

وبجانب منافسة الخطوط الملاحية الدولية الجديدة، تعاني قناة السويس من تراجع دخلها السنوي، مع أزمة حرب غزة، حيث تشير تقديرات لخسارة  8 مليارات دولار مع توجه 60 بالمئة من حركة الملاحة لـ"رأس الرجاء الصالح".

في سياق التغيرات الإقليمية
وفي تعليقه، قال الباحث المصري والمتخصص في تحليل البيانات حسام عبدالكريم، إن "المعابر البرية والمضايق المائية، تصنف دائما على رأس هرم الأمن العالمي، الذي تتقدم فيه المصالح العالمية على مصالح الدول المشرفة عليها، حيث كانت السيطرة عليها أهدافا رئيسية للاستعمار، ولذلك يتم إدارتها وفق اتفاقات دولية صارمة تتخطى سيادة الدول المشرفة عليها وتراعي التوازن مع مصالح الدول الأخرى".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أوضح أن "مجرد الشروع في إنشاء قناة أو ممر تجاري يغير من الوضع الأمني والاستراتيجي العالمي، مع إغفال مصالح الأطراف التي سينعكس هذا المشروع على أمنها واقتصادها ونفوذها وخططها المستقبلية، يندرج ضمن أعمال الحرب من زاوية نظر المتضررين".

وأضاف: "يمكن قراءة إحياء تلك المشروعات حاليا، في سياق التغيرات الإقليمية الكبيرة التي تمر بها المنطقة، والآثار الجيواستراتيجية الكبيرة التي خلفتها الحرب على غزة، على الإقليم والعالم أجمع، حيث يواجه الإقليم محاولات حثيثة لتغيير طابعه وواقعه الاستراتيجي التاريخي وتثبيت وضع جديد يمتد إلى عقود طويلة".

وذكر أنه على سبيل المثال، "فممر الهند مشروع جيواستراتيجي متعدد الوسائط -بحري-بري- يربط الهند بمنطقة الشرق الأوسط وأوروبا، ويستهدف نقل البضائع الصلبة المعبأة في حاويات، ولا يتضمن إنشاء خطوط أنابيب لنقل النفط أو الغاز، ويسعى لتأمين الاحتياجات الأوروبية، وتجاوز عقبة اللجوء إلى طريق رأس الرجاء الصالح حال تعطلت حركة الملاحة بقناة السويس، مع تخفيض مدة النقل 40 بالمئة عن القناة".


ويرى أنه "رغم أن تفعيل ممر الهند قد ينجم عنه انخفاض إجمالي البضائع المارة بقناة السويس، إلا أنه يواجه تحديات وعقبات كبيرة، ومقيد بحد أقصى من قدرة النقل عبر خطوط السكك الحديدية".

وأشار إلى أنه "لذلك فإن خطط المشروع أدرجت مصر ضمن مقترحاتها لمضاعفة حجم التصدير عبر إدخال موانئ: بورسعيد ودمياط والاسكندرية ضمن وسائط النقل المستهدفة بجانب الموانئ الإسرائيلية، وذلك من خلال ربط مصر بجسور برية عبر جزر تيران ستقوم السعودية بإنشائها وفق الاتفاق، وهو ما سيعوض نسبيا خسارة قناة السويس".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية المصرية الشرق الأوسط الممرات سيناء مصر الشرق الأوسط سيناء الممرات المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الخلیج العربی الشرق الأوسط قناة السویس ممر الهند سکة حدید

إقرأ أيضاً:

«الراديو 9090» يتوج بجائزة MEMA كأفضل إذاعة موسيقية في الشرق الأوسط 2025

حققت إذاعة «الراديو 9090» إنجازا جديدا بفوزها بجائزة أفضل محطة إذاعية موسيقية في الشرق الأوسط ضمن جوائز "ميدل إيست ميوزك أورد MEMA" السنوية لعام 2025.

يأتي هذا التتويج تكريما لدور الإذاعة الريادي في تقديم برامج متنوعة تلبي أذواق الجمهور المتنوع، من خلال مزيج من المحتوى الفني والثقافي والترفيهي الذي يجذب المستمعين من مختلف الفئات العمرية، وهو ما عزز مكانتها كواحدة من أقوى وأبرز الإذاعات في الساحة الإعلامية المصرية والعربية.​

أعرب الإعلامي عبدالفتاح مصطفى، الرئيس التنفيذي لـ«الراديو 9090»، عن سعادته الكبيرة بهذا الإنجاز، مؤكدا أن هذا النجاح الكبير الذي تحصده إذاعة 9090 يعود إلى سنوات من العمل والإجتهاد، وإلى ثقة الجمهور في الإذاعة، بالإضافة إلى الالتزام بتقديم محتوى هادف وقوي بمختلف البرامج التي تناسب كل أفراد العائلة.

جدير بالذكر أن «الراديو 9090» حصد مؤخرا جائزة ديرجيست 2025 كأفضل إذاعة لهذا العام، مؤكدا استمراريته في الريادة الإذاعية بالشرق الأوسط.

مقالات مشابهة

  • مجلس الوزراء يوافق على مشروع انضمام مصر لمبادرة الشرق الأوسط الأخضر
  • «الراديو 9090» يتوج بجائزة MEMA كأفضل إذاعة موسيقية في الشرق الأوسط 2025
  • مجلس الوزراء يوافق علي انضمام مصر لمبادرة الشرق الأوسط الأخضر
  • نورا الجساسي.. أول إماراتية في كأس الشرق الأوسط للباجة
  • «الإمارات للأبنية الخضراء» ينظم حفل توزيع جوائز «الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2025»
  • ليو الرابع عشر يقضى عيد الشكر فى الشرق الأوسط
  • القواس: الكونسرفتوار الجديد أيقونة الفضاءات الموسيقية في الشرق الأوسط
  • رئيس هيئة قناة السويس يكشف موعد عودة حركة التجارة بالممر الملاحي بقوة
  • رئيس قناة السويس: عودة قوية لحركة التجارة عبر القناة بدءًا من 2026