فيسبوك تحت المجهر.. كيف سمحت ميتا ببقاء فيديو احتجاجات مُضلل رغم مخاطره
تاريخ النشر: 2nd, December 2025 GMT
في واقعة جديدة تعيد طرح أسئلة كبيرة حول سياسات فيسبوك في التعامل مع المحتوى المضلل، قضت هيئة الرقابة في ميتا بأن الشركة كانت محقّة في إبقاء فيديو مُتلاعب به على المنصة، رغم احتوائه على معلومات غير دقيقة وتحريف واضح للوقائع. الفيديو، الذي جرى التلاعب به صوتيًا وبصريًا، حوّل لقطات من احتجاجات في صربيا ليبدو وكأنها وقعت في هولندا دعمًا للرئيس الفلبيني السابق رودريغو دوتيرتي، وذلك عقب أيام فقط من تسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية في مارس 2025.
الفيديو المضلل لم يكن مجرد إعادة نشر عابرة؛ فقد حظي بمشاهدة ما يقارب 100 ألف مستخدم، إلى جانب مئات المشاركات، ما أثار قلقًا واسعًا بشأن سرعة انتشار هذا النوع من المحتوى. التلاعب شمل إضافات صوتية مثل هتافات “دوتيرتي” وأغنية "بايان كو" التاريخية، التي ارتبطت بموجات الاحتجاج في الفلبين خلال ثمانينيات القرن الماضي، بالإضافة إلى ترجمات مزيفة باللغة التاغالوغية تعزز الرسالة السياسية المغلوطة.
ورغم أن أنظمة ميتا الآلية رصدت الفيديو وصنّفته كمحتوى يحتمل أن يكون مضللًا، إلا أنها اكتفت بتخفيض ظهوره للمستخدمين غير الأمريكيين، ولم يتم اتخاذ خطوة إزالة المحتوى أو مراجعته في الوقت المناسب. وبسبب “العدد الكبير من المنشورات” التي تتعامل معها فرق التحقق، لم يتمكن المدققون من مراجعة الفيديو رغم إضافته لقائمة المحتوى المطلوب رصده.
كيف وصل الفيديو إلى مجلس الرقابة؟لم يُكتشف الأمر من قبل الإدارة نفسها، بل جاء بعد بلاغ من مستخدم آخر اعترض على إزالة الفيديو من قبل ميتا، وقدم استئنافًا للمجلس. هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها؛ إذ سبق لمدققي الحقائق المستقلين في الفلبين أن صنفوا مقاطع مشابهة بأنها كاذبة، إلا أن حجم المحتوى الفيروسي حال دون التدخل بالسرعة اللازمة.
في حكمٍ قد يفتح الباب لنقاش طويل حول الحدود بين حرية التعبير وحماية الجمهور، قال مجلس الرقابة إنه يتفق مع ميتا في إبقاء الفيديو منشورًا للعامة، رغم اعترافه بأنه “غير دقيق تمامًا” ومُعدّل رقميًا بطريقة قد تربك المتابعين. وأشار المجلس إلى أن الشركة كان يجب أن تصنف الفيديو ضمن فئة المحتوى عالي الخطورة، لما ينطوي عليه من قدرة كبيرة على تضليل الجمهور خلال “حدث عام مهم”، وهو وصف يطرح تساؤلات منطقية: إذا كان المحتوى عالي الخطورة ويمتلك تأثيرًا كبيرًا، فلماذا لا يُزال أو يُقيّد بشكل أوضح؟
أين أخفقت ميتا؟يرى المجلس أن الشركة كان ينبغي أن تعطي الأولوية للتحقق من الفيديو، خصوصًا أنه يشابه محتوى سبق تصنيفه كمضلل في السوق الفلبينية. واستنادًا إلى هذا الخلل، أصدر المجلس عدة توصيات رئيسية، أبرزها:
– إنشاء قائمة انتظار خاصة بالمحتوى المشابه لما ثبت تضليله سابقًا في أي دولة.
– تحسين أدوات مدققي الحقائق بحيث تتمكن من الكشف السريع عن المحتوى الفيروسي المضلل.
– تقديم تصنيفات أوضح للمحتوى المعدل أو المضلل، حتى يتمكن المستخدمون من فهم أسباب اتخاذ قرارات ميتا بشكل شفاف.
تأتي هذه القضية في وقت حساس، إذ كانت ميتا قد علّقت برنامج التحقق من صحة المعلومات في الولايات المتحدة خلال يناير الماضي، واستبدلته بنظام “ملاحظات المجتمع” الذي يعتمد على تعليقات المستخدمين بدلاً من التحقق المهني. لكنها تدرس الآن توسيع هذا النظام إلى دول أخرى، وطلبت من مجلس الرقابة تقديم توصيات حول كيفية تنفيذها.
رغم محاولات ميتا تحسين آليات الرقابة لديها، تكشف هذه الحادثة عن فجوة واضحة بين سرعة انتشار المحتوى المزيف وقدرة الشركة على التعامل معه في الوقت المناسب. وبينما تستمر النقاشات حول دور فيسبوك في تشكيل الرأي العام والتأثير في الأحداث السياسية، تأتي قضية الفيديو المضلل لدوتيرتي كتذكير بأن معركة مواجهة المعلومات الخاطئة لا تزال طويلة ومعقدة — وأن أي تقصير صغير قد يفتح الباب أمام موجات تضليل واسعة النطاق.
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
الاتحاد الأوروبي يضع خرائط وآبل إعلانات تحت المجهر
يبدو أن الضغوط التنظيمية على شركة آبل لن تتوقف قريبًا، فبعد أشهر من تطبيق قواعد صارمة بموجب قانون الأسواق الرقمية DMA على مجموعة من منتجاتها الأساسية، يجد عملاق التكنولوجيا الأميركي نفسه مجددًا أمام احتمال توسع القائمة.
فقد أعلن الاتحاد الأوروبي أنه تلقى إشعارات رسمية من آبل تفيد بأن خدمتي Apple Maps وApple Ads قد تستوفيان شروط التصنيف كـ«خدمات مراقبة» Gatekeeper Services، وهي أعلى درجات التدقيق التي يفرضها القانون على المنصات الرقمية المهيمنة في السوق الأوروبي.
وبموجب لوائح DMA، تُصنّف المنصة على أنها “خدمة مراقِبة” إذا كانت تتمتع بنفوذ واسع يتجاوز حدود السوق التقليدية، ويثبت امتلاكها أكثر من 45 مليون مستخدم نشط شهريًا و10 آلاف مستخدم تجاري سنويًا داخل الاتحاد الأوروبي على مدار السنوات الثلاث الأخيرة.
هذا التصنيف لا يُعتبر مجرد لقب، بل مجموعة من الالتزامات الثقيلة، إذ يُجبر الشركات الكبرى على تغيير طريقة عمل خدماتها وفتح أنظمتها أمام المنافسة ومنع أي ممارسة قد تُفسَّر كاستغلال للمكانة السوقية.
آبل ليست جديدة على هذه القائمة؛ فقد شملت القرارات السابقة بالفعل متصفح Safari ونظامي التشغيل iOS وiPadOS ومتجر التطبيقات App Store. وقد ترتب على ذلك سلسلة من التغييرات في السوق الأوروبية، مثل السماح بمتاجر تطبيقات بديلة وتسهيل عمليات الدفع الخارجية ومنع التفضيل الذاتي لمنتجات الشركة داخل نظامها البيئي.
اليوم، تواجه آبل احتمالًا حقيقيًا بأن تُدرج أيضًا خدمة الخرائط Apple Maps وخدمة الإعلانات Apple Ads ضمن نفس التصنيف. وبموجب الإجراءات الرسمية، بات لدى الاتحاد الأوروبي 45 يومًا فقط قبل اتخاذ القرار النهائي بشأن ما إذا كانت الخدمتان تستوفيان الشروط بالفعل.
لكن آبل لم تقف مكتوفة الأيدي. ففي تصريح نقلته وكالة رويترز، أكدت الشركة أنها ستناقش مع الاتحاد الأوروبي “أسباب عدم أحقية هذه الخدمات في الحصول على التصنيف”. وجاءت دفوع الشركة في اتجاهين رئيسيين:
أولًا: ضعف انتشار خرائط آبل في السوق الأوروبية. تقول الشركة إن Apple Maps لا تزال بعيدة تمامًا عن منافسة خرائط جوجل، التي تهيمن بشكل شبه كامل على استخدام الخرائط في أوروبا. ووفقًا لآبل، فإن قاعدة مستخدميها في هذا المجال لا ترقى إلى مستوى قد يُعد تأثيرًا حقيقيًا في السوق، وبالتالي لا ينبغي إخضاع الخدمة لقواعد DMA.
ثانيًا: صغر حصة آبل في سوق الإعلانات الرقمية مقارنة بالعمالقة مثل جوجل وميتا وتيك توك وحتى منصة إكس. فبينما تسيطر هذه الشركات على النسبة الأكبر من الإنفاق الإعلاني الرقمي داخل الاتحاد الأوروبي، تشير آبل إلى أن إعلاناتها لا تزال في موقع محدود الأهمية، ومن غير المنطقي معاملتها كخدمة ذات نفوذ يعادل الشركات المذكورة.
وقالت الشركة في بيان رسمي: “نتطلع إلى تقديم المزيد من التوضيحات للمفوضية الأوروبية حول أسباب عدم تصنيف خرائط آبل وإعلاناتها”. الجملة تحمل بين سطورها استعدادًا للنقاش، لكنها تعكس أيضًا مخاوف الشركة من توسع القيود التنظيمية على خدماتها.
وإذا قرر الاتحاد الأوروبي بالفعل تصنيف الخدمتين ضمن فئة “الخدمات المراقِبة”، فسيكون على آبل الالتزام بحزمة جديدة من القواعد، من بينها: منع أي تفضيل لخدماتها داخل أنظمتها التشغيلية، وضمان الوصول العادل للمنافسين إلى واجهات برمجة التطبيقات، والتوقف عن أي ممارسات قد يُنظر إليها على أنها تقييد للمنافسة أو إغلاق للنظام البيئي في وجه التطبيقات أو الخدمات الخارجية.
اللافت أن هذه الخطوة تأتي في سياق أوسع يشهد تشديدًا كبيرًا من قبل المفوضية الأوروبية على الشركات التقنية الكبرى، في محاولة لخلق بيئة تنافسية عادلة وفتح الأسواق أمام مزيد من الابتكار. فالاتحاد الأوروبي يرى أن المنصات الرقمية أصبحت “بوابات لا يمكن تجاوزها” في حياة المستخدمين اليومية، وبالتالي يجب ألا تُستخدم هذه القوة لتعزيز الهيمنة أو إقصاء المنافسين.
في المقابل، ترى الشركات التقنية — ومنها آبل — أن هذه القواعد قد تُعرقل قدرتها على تقديم تجربة متكاملة وآمنة، وتضغط عليها لتغيير نماذج أعمال أثبتت نجاحها عالميًا.
وخلال الأسابيع المقبلة، من المتوقع أن تشهد بروكسل نقاشات مكثفة حول هذه القضية، خصوصًا أن أي قرار جديد سيترك أثرًا واسعًا على طريقة عمل المنتجات الرقمية داخل السوق الأوروبية، وربما يمتد تأثيره إلى أسواق أخرى تسعى لتبني تشريعات مماثلة.