تقارير جديدة تكشف أن وزير الدفاع بيت هيغسِث انتهك قواعد الحرب مرارًا.

كتب وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسِث مساء الجمعة على منصة «إكس»: «لم نبدأ بعد سوى في قتل الإرهابيين المروّجين للمخدرات».

كان ذلك ردًّا على تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست يتناول أول ضربة نفّذتها إدارة ترامب ضد قارب فنزويلي يُشتبه في تورّطه بتهريب المخدرات.

وبحسب ما نشرته صحيفة واشنطن بوست؛ فقد أصدر هيغسِث أمرًا شفهيًّا يقضي بـ«قتل الجميع». لكن البيت الأبيض نفى هذا الادعاء. وقد أُحرق القارب بالكامل قرب سواحل ترينيداد وتوباغو.

لكنّ القادة الذين كانوا يراقبون العملية رصدوا وجود «ناجِيَيْن اثنين يتمسكان بحطامٍ محترق»؛ فأصدر الأدميرال فرانك إم. برادلي قائد قوات العمليات الخاصة المشرف على العملية من قاعدة فورت براغ في ولاية نورث كارولاينا أمرًا بتوجيه ضربة أخرى تنفيذًا لتوجيهات هيغسِث، فـ «تطاير الرجلان في الماء أشلاءً».

هيغسِث ووزارة الدفاع شنّا هجومًا على ما ورد في تقرير الصحيفة دون تحديد ما الذي يعترضون عليه تحديدًا.

وقال هيغسِث: «عملياتنا الحالية في منطقة الكاريبي قانونية وفق القانونَيْن الأمريكي والدولي، وكلها تمت وفق قواعد قانون النزاعات المسلحة، وجرى إقرارها من أفضل الخبراء القانونيين العسكريين والمدنيين في كل مستويات القيادة». وأضاف المتحدث باسم البنتاجون شون بارنيل: «أبلغنا صحيفة واشنطن بوست بأن القصة برمتها غير صحيحة».

كان هذا العام بمعاييره كلها عامًا تُصبح فيه الأمور التي لا تُصدَّق عاديةً ومتكرّرة. فمنذ تلك الضربة الأولى في الثاني من سبتمبر نفّذت الولايات المتحدة أكثر من عشرين هجومًا إضافيًّا على قوارب مماثلة ما أدى إلى مقتل أكثر من ثمانين شخصًا.

الإدارة تقول: إن الولايات المتحدة تخوض «نزاعًا مسلحًا» مع «إرهابيين من تجار المخدرات» يسعون إلى قتل الأمريكيين، وإن هذا يتيح لها استخدام القوة المميتة.

غير أنّ هذه المبررات المثقلة بالتلاعب القانوني أثارت سخطًا واسعًا في أوساط الخبراء القانونيين الذين عبّروا عن قلقهم من أن الولايات المتحدة تسيء استخدام قانون الحرب لتنفيذ ما يشبه «عمليات قتل خارج نطاق القانون».

أما الرئيس دونالد ترامب فلم تفعل تعليقاته شيئًا لتبديد هذه الانطباعات؛ إذ قال في أكتوبر: «سوف نقتل الأشخاص الذين يجلبون المخدرات إلى بلادنا، حسنًا؟ سيكونون أمواتًا».

لطالما تجاوز رؤساء سابقون من الحزبين حدود الصلاحيات الدستورية في استخدام القوة العسكرية دون الرجوع إلى الكونجرس. ففي عام 1999 أمر الرئيس بيل كلينتون بحملة جوية لوقف عمليات التطهير العرقي في كوسوفو، واستمر في العملية بعد تجاوز المهلة المحددة في قرار «صلاحيات الحرب»، وهو قانون يقيّد العمل العسكري دون موافقة الكونجرس. وفي عام 2011 شنّ باراك أوباما هجمات صاروخية ضد مواقع عسكرية في ليبيا واصفًا العملية بأنها «مهمة محدودة وواضحة لدعم الجهود الدولية لحماية المدنيين ومنع كارثة إنسانية». أما ترامب خلال ولايته الأولى فقد شنّ ضربات جوية على منشآت الأسلحة الكيميائية في سوريا عامي 2017 و2018 بمشاركة بريطانيا وفرنسا في المرة الثانية.

لكن الضربات على القوارب تختلف جذريًّا؛ لأنها موجّهة إلى أهداف مدنية لا عسكرية. ولم تُكشف المبررات القانونية الكاملة لهذه العمليات؛ لأنها مصنفة سرية، لكن الإدارة قالت في تقرير للكونجرس: إن عصابات المخدرات هي «منظمات إرهابية مصنفة»، وإن «أفعالها ترقى إلى هجوم مسلح على الولايات المتحدة».

لكنّ وصف عصابات الجريمة بأنها «إرهابية» لا يجعلها أهدافًا عسكرية مشروعة كما هو حال تنظيم «داعش»، ولا يجعل تهريب المخدرات «هجومًا مسلحًا» على الولايات المتحدة من الناحية الفعلية.

تيس بريدجمان -وهي نائبة المستشار القانوني السابق في مجلس الأمن القومي الأمريكي- قالت لمجلة «جست سيكيوريتي» وهي مجلة قانونية أمريكية قالت: «إنّ هذا لعبٌ بمصطلحات قانونية مقطوعة الصلة بالواقع. إنّ التحليل القانوني الذي تقدمه الإدارة يرقى إلى تبرير القتل عمدًا».

وتقرير صحيفة واشنطن بوست حول الضربة الثانية التي استهدفت الناجيين ينقل القضية إلى مستوى جديد من الانحدار الأخلاقي والطيش القانوني. فقد كتب جاك غولدسميث أستاذ القانون في جامعة هارفارد والمسؤول السابق في وزارة العدل أثناء إدارة جورج بوش الابن أن الإدارة ربما تستطيع تقديم تفسير «ممكن تصوّره» للضربات الأولى، لكنه أضاف: «لا توجد أي إمكانية قانونية يمكن تصورها لتبرير قتل الناجين».

وفي فبراير الماضي، وبعد أن أقال هيغسِث قادة السلك القضائي العسكري في الجيش وسلاح الجو والبحرية واصفًا إياهم بأنهم «عوائق أمام تنفيذ أوامر القائد الأعلى»؛ تشكّلت مجموعة تضم نحو أربعين محاميًا عسكريًّا سابقًا. وقد قالت هذه المجموعة في بيان: «ترى مجموعة القضاة العسكريين السابقين بالإجماع أنّ إصدار مثل هذه الأوامر وتنفيذها -إن صحّ- يشكل جرائم حرب، أو جرائم قتل، أو كليهما».

ولم تُكشف أسماء أعضاء المجموعة خشية الانتقام غير أن أحد أعضائها -وهو ستيفن ليبر- جنرال متقاعد في سلاح الجو وقاضٍ عسكري سابق، قال: «أعتقد أنه يجب محاكمة هيغسِث بتهمة القتل. عبارة اقتلهم جميعًا ليست أمرًا يمكن لأي جندي أن ينفّذه».

إذا صحّ ما نشرته صحيفة واشنطن بوست فإن الأمر الأول الذي أصدره هيغسِث، وما تلاه من استهداف للناجيين يشكّلان انتهاكًا صارخًا لمبدأين جوهريين متداخلين في قانون الحرب. الأول هو الحظر المطلق على أوامر «عدم منح الربع»، والربع هنا تعني العفو، أي رفض سلامة من استسلم، وإعدام الأسرى فورًا. فـ«دليل قانون الحرب» الصادر عن وزارة الدفاع الأمريكية -وهو المرجع الذي تقدّمه الوزارة بوصفه دليلاً قانونيًّا معتمدًا للسلوك العسكري- ينص بوضوح: «يُحظر حظرًا باتًا إعلان عدم منح الربع».

أما المبدأ الثاني فهو الحماية الممنوحة لكل من يصبح في حكم «خارج القتال»، وهو مصطلح قانوني يشير إلى المقاتلين الذين يُعجزهم الجرح أو المرض أو الغرق عن القتال. ومرة أخرى ينصّ دليل القانون نفسه: «لا يجوز بأي حال استهداف المقاتلين الذين أصبحوا خارج القتال».

ووفقًا لما أوردته صحيفة واشنطن بوست؛ فقد زعم الأدميرال برادلي بشكل لا يكاد يُصدق أن الناجيين من القارب «ما زالا هدفين مشروعين؛ لأنهما يستطيعان نظريًّا الاتصال بمهربين آخرين لإنقاذهما وشحنتهما». لكن الدليل القانوني ينسف هذا التبرير: «الأشخاص الذين أصبحوا عاجزين بسبب جروح أو مرض أو غرق هم في حالة عجز تامة، ويُعدّ استهدافهم عملًا غير إنساني ومنافٍ للشرف العسكري».

حتى ترامب المعروف بميله إلى الخطاب المتشدّد بدا غير مرتاح لواقعة قتل الناجيين. فقد قال للصحفيين: إنه واثق من أن هيغسِث لم يصدر أمرًا باستهدافهما مضيفًا: «لم أكن لأرغب في ذلك. ليست ضربة ثانية». لكن المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت اتخذت موقفًا مختلفًا تمامًا يوم الاثنين؛ إذ قالت: إن «الأدميرال برادلي تصرّف ضمن صلاحياته وفي إطار القانون موجّهًا الضربة لضمان تدمير القارب والقضاء على التهديد الذي يطال الولايات المتحدة».

وجاء تقرير صحيفة واشنطن بوست بعد أسبوع واحد من نشر ستة أعضاء ديمقراطيين في الكونجرس، جميعهم من ذوي الخلفيات العسكرية أو الاستخباراتية، فيديو يذكّر أفراد القوات المسلحة بواجبهم في رفض الأوامر غير القانونية. وقال السيناتور مارك كيلي، من ولاية أريزونا، وهو قبطان سابق في البحرية: «قوانيننا واضحة: يمكنك رفض الأوامر غير القانونية».

ردّ إدارة ترامب لم يختلف عن نمطها المعهود في الردع والانتقام. فقد وصف ترامب الفيديو بأنه «سلوك تخريبي يستوجب عقوبة الإعدام».

وسرعان ما أعلن البنتاجون فتح تحقيق مع السيناتور كيلي بشأن «ادعاءات خطيرة بسوء السلوك»، وهو إجراء قد يفضي نظريًّا إلى استدعائه للخدمة ومحاكمته عسكريًّا. أما الأعضاء الآخرون فلا يخضعون لسلطة البنتاجون لأنهم إما لم يخدموا مدة كافية للتقاعد، أو في حالة السيناتورة إليسا سلوتكين من ميشيجان لأنهم عملوا في «وكالة الاستخبارات المركزية». ولاحقًا ذكر النواب أن «مكتب التحقيقات الفيدرالي» يسعى لتحديد مواعيد لاستجوابهم.

هناك احتمال أن يجمع مشهد قتل الناجيين إلى جانب هشاشة التبريرات القانونية للضربات بشكل عام، ما يكفي لإثارة ردّ فعل نادر، وهو عبارة عن اعتراض مشترك بين الحزبين. ففي أعقاب تقرير الصحيفة، تعهّد زعيما «لجنة القوات المسلحة» في مجلس الشيوخ، الجمهوري والديمقراطي، بمتابعة «رقابة صارمة لكشف الحقائق».

كما أعلن رئيس «لجنة القوات المسلحة» في مجلس النواب ومسؤولها الديمقراطي الأرفع أنهم سيعملون على «الحصول على رواية كاملة عن العملية».

وقال النائب الجمهوري مايك تيرنر من ولاية أوهايو في برنامج «واجه الأمة» الذي تبثه شبكة «سي بي إس نيوز»: «من الواضح أنه إن كانت تلك الوقائع صحيحة فإنها خطيرة للغاية، وأتفق مع أنها تمثل عملًا غير قانوني». وقال النائب الجمهوري دون بيكون، من ولاية نبراسكا، في برنامج «هذا الأسبوع» على شبكة «إيه بي سي»: «أستبعد أن يكون هيغسِث قد تصرّف بحماقة إلى هذا الحد»، لكنه أضاف: «إذا كانت الوقائع كما وردت في التقرير فهذا انتهاك لقانون الحرب.

عندما يرغب الناس في الاستسلام لا يجوز قتلهم، ولا بد أن يشكّلوا تهديدًا وشيكًا. ومن الصعب تصديق أن شخصين على طوف نجاة يحاولان البقاء على قيد الحياة يشكّلان تهديدًا وشيكًا».

ورغم هذه التصريحات فإن تجربة الأشهر العشرة الماضية مع الكونجرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون لا تمنح كثيرًا من الثقة بأن بوادر «المحاسبة» هذه ستتحوّل إلى تحرك فعلي. لكن ماذا سيحدث إذا ظهر الفيديو الكامل للحادثة؟ الفيديو موجود أصلًا، وقد نشرت الإدارة نسخة منقوصة منه.

إذا ظهر التسجيل الذي يُظهر الناجيَيْن الاثنين ولحظة مقتلهما، فقد يشكّل ذلك لحظة صدمة وطنية على غرار فظائع مجزرة قرية «ماي لاي» في فيتنام، وسجن «أبو غريب» في العراق تُذكّر الأمريكيين بما يقولون إنهم يمثّلونه.

قال ليبر القاضي العسكري السابق: «من المفترض أننا الطرف الذي يحافظ على الشرف. لطالما افتخرنا بأن جيشنا جيشٌ يتحلى بالانضباط والنزاهة. لقد تجاوزنا الخط الذي يفصل بين الشرعية والعار».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: صحیفة واشنطن بوست الولایات المتحدة قانون الحرب الذی ی

إقرأ أيضاً:

تقرير دولي: سباق التسلح العالمي يلتهم معادن المستقبل ويعرقل جهود المناخ

حذر تقرير دولي من أن تسارع سباق التسلح العالمي يقوض جهود مواجهة تغير المناخ، حيث يجري تحويل كميات ضخمة من المعادن الحيوية اللازمة للطاقة النظيفة نحو صناعة معدات عسكرية متطورة.


وأوضح التقرير، الصادر عن مشروع "الأمن والتحول" الأمريكي-البريطاني، أن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) تقوم بتخزين كميات هائلة من المعادن الأساسية المستخدمة في تقنيات المناخ مثل الألواح الشمسية وتوربينات الرياح والمركبات الكهربائية وأنظمة تخزين البطاريات، وفقا لصحيفة "الجارديان" البريطانية".


وأشار إلى أنه منذ إقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مشروعه التشريعي الضخم مطلع العام، خصّص "البنتاغون" مليارات الدولارات لتأمين قائمة متزايدة من المعادن الحيوية لاستخدامها في صناعة الأسلحة الموجّهة وأنظمة الاتصالات المتقدمة ومنصّات القتال الذاتية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي.


ونقلت الصحيفة عن كيم روجالي، المدير المشارك للمشروع، قوله إن ميزانية البنتاجون "التي تتجاوز تريليون دولار" تُستخدم لدعم بنية تحتية عسكرية عالمية، بينما يتم إهمال التهديد الوجودي المتمثل في تغيّر المناخ.


وكشف التقرير عن أن ارتفاع الإنفاق العسكري عالمياً، خاصة بعد تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة والصين والحرب في أوكرانيا، أدى إلى سباق محموم لتأمين المعادن الحيوية، مما يعطّل مسار التحول الطاقي.


وأشارت الدراسة إلى أن "البنتاجون" يخزن ما لا يقل عن 38 معدناً، بينها الليثيوم والكوبالت والغرافيت والعناصر الأرضية النادرة، محذّرة من "آثار مدمّرة" على جهود المناخ.


وكشف التقرير عن أن تخزين 7500 طن من الكوبالت وحده كان يمكن أن يوفّر قدرة بطاريات تكفي لإنتاج 100 ألف حافلة كهربائية.
 

وقالت الباحثة لورا شتايشن إن "كل طن من هذه المعادن يُحوَّل للاستخدام العسكري يعني حرمان قطاع الطاقة المتجددة من مورد حيوي".. وأضافت أن استخدام هذه المعادن في صناعة الأسلحة "يكرّس دائرة من العسكرة تقوض السلام العالمي وتعرقل انتقالاً طاقياً عادلاً يخدم البشرية".

طباعة شارك سباق التسلح العالمي تغير المناخ المعادن الأساسية الألواح الشمسية البنتاجون

مقالات مشابهة

  • تقرير دولي: سباق التسلح العالمي يلتهم معادن المستقبل ويعرقل جهود المناخ
  • طريق إربد–عجلون تحت المجهر: بنية متدهورة وحوادث متكررة
  • البنتاجون: وزير الدفاع عرض القوات الأمريكية للخطر بمشاركة خطط حساسة على هاتفه
  • صحيفة نيويورك تايمز تقاضي البنتاجون بسبب قواعد الإعلام الجديدة
  • من مشروع بـ70 مليون إسترليني إلى انتقادات شعبية.. مقر مرسيدس الجديد تحت المجهر بعد واقعة السرقة
  • بسبب محادثات على سيجنال.. البنتاجون يتهم وزير الدفاع بتعريض القوات للخطر
  • “ترامب” يلمح لتوجيه ضربات لكولومبيا.. و”بيترو” يحذر: لا توقظ النمر
  • ترامب يهدد بضرب الأراضي الفنزويلية
  • الاتحاد الأوروبي يضع خرائط وآبل إعلانات تحت المجهر