الاستسلام لبوتين لن يكون تنازلًا عن أوكرانيا فقط
تاريخ النشر: 3rd, December 2025 GMT
ترجمة: أحمد شافعي
أهم ما في فضيحة الفساد التي شهدتها أوكرانيا مؤخرا هو أن لها ما لها. فهي فضيحة، بمعنى أنها ليست جزءًا طبيعيًا من الحياة هناك.
ففي الشهر الماضي، أفضى تحقيق أجراه المكتب الوطني لمكافحة الفساد في أوكرانيا، وهو جهة مستقلة، إلى توجيه الاتهام لحلفاء للرئيس فولوديمير زيلينسكي من بينهم وزيران بالاحتيال والكسب غير المشروع لما يصل إلى مائة مليون دولار.
وقد استقال الوزيران، وكذلك رئيس ديوان الرئيس، في حين يبدو أن شريكًا تجاريًا سابقًا للرئيس قد فر من البلد. وفي حين أنه لم يتم توجيه اتهام للرئيس نفسه بارتكاب مخالفات فقد لحق به ضرر سياسي. ولطالما كان الفساد هو الخطأ في أوكرانيا. أما التحقيق، والمساءلة القانونية والسياسية التي صاحبته، فهو الصواب. فالبلد الذي يستطيع التحقيق مع قادته حتى وهو يخوض حربًا من أجل وجوده بلد يستحق الدفاع عنه.
وهذه هي الفكرة التي يجب أن تحرك أي شخص لا ينتمي إلى فريق (السلام مهما يكن الثمن) في إدارة ترامب. ولقد كان اثنان من أقطاب هذا الفريق ـ هما ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر ـ في موسكو يوم الثلاثاء من أجل إجراء محادثات شخصية مع فلاديمير بوتين. كما كان هذان المقاولان العقاريان هما اللذان وضعا سابقا ـ وبالتعاون مع كيرير ديميترييف ممثل بوتين في المفاوضات ـ خطة من ثمان وعشرين نقطة تم التوصل إليها في ميامي وتعدل وثيقة استسلام من أوكرانيا وإن كان التفكير الذي قامت عليه ـ كما كتبت صحيفة وول ستريت جورنال الأسبوع الماضي ـ أشد إثارة للفزع. قالت الصحيفة: إن «محادثات ميامي، بالنسبة للكريملين، كانت بمنزلة ذروة لاستراتيجية حيكت قبل تنصيب ترامب لتجاوز جهاز الأمن الوطني التقليدي في الولايات المتحدة وإقناع الإدارة بالنظر إلى روسيا، لا باعتبارها تهديدا عسكريا، وإنما باعتبارها أرضا خصبة للفرص الوفيرة». ومضت الصحيفة تقول: إنه «من خلال التلويح بصفقات المعادن النادرة التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، يتسنى لموسكو أن تعيد صياغة خريطة أوروبا الاقتصادية مع بث أسباب العداوة والفرقة بين أمريكا وحلفائها التقليديين».
ما الخطأ في هذا التفكير؟ لو عدلنا مقولة تشيرشل عن روسيا ـ «هي لغز مغلف في غموض وموضوع في إبهام» ـ يمكننا القول عن فكرة السلام من خلال التجارة إنه مصالح ذاتية مغلفة في أوهام عن الذات وموضوعة بداخل إضرار بالذات.
والتاريخ يفندها: فلقد كانت بريطانيا وألمانيا شريكين تجاريين أساسيين في عشية الحرب العالمية الأولى، وكانت الروابط الاقتصادية بين الصين والغرب قد تنامت حينما أصبحت الصين أشد ضراوة. والتجربة مع روسيا في عهد بوتين تدحض هي الأخرى هذه الفكرة: فقد تعرضت الشركة الغربية تلو الأخرى للاحتراق ـ أو ما هو أنكى منه ـ في أثناء العمل مع روسيا في الحقبة التي كان يفترض فيها أن الكريملين يرحب بالاستثمار الأجنبي.
والعقل السليم أيضا يدحض هذه الفكرة. فلو أن بوتين مهتم بالسلام والرخاء بين روسيا والغرب، لكان قد سعى إليهما على مدار خمسة وعشرين عاما له في السلطة.
لكن بوتين لا يريد التعايش، إنما يريد الهيمنة حتى ولو جاءت على حساب مليون ضحية تكبدتها قواته حتى الآن بحسب ما تفيد التقارير. فالمثل العليا لديه ليست أمثال بيل جيتس أو كونراد أديناور، وإنما هي أمثال بطرس الأكبر وإيفان الرهيب.
وهذا ما لن يتغير. فبوتين الآن في الثالثة والسبعين من العمر، ويرى نفسه شخصية تاريخية عالمية وقد نجح حتى الآن في تحقيق أهدافه ضد خصومه الذين يحتقرهم ويراهم ضعفاء أو مغرورين أو قابلين للفساد. وبإرسال اثنين من المقاولين العقاريين إليه من أجل التفاوض، لم يزد الرئيس ترامب على إقرار موقف بوتين. والخطر الكبير الآن يتمثل في أن بوتين سوف يوافق، بشروط، على صورة ما من «خطة السلام» التي أقرها ترامب، فيضع ضغطا دبلوماسيا لا يحتمل على كييف للقبول بها. ويندرج ضمن الآثار الأخرى أن هذا سوف يؤدي إلى تصدع السياسات الأوكرانية، وتصدع حلف الناتو، وإنقاذ الاقتصاد الروسي، وتقوية الأصوات المناصرة لروسيا في الوسط السياسي الأوروبي، ويمهل روسيا وقتا لاستعادة قوتها العسكرية. وفي المقابل، سوف تحصل أوكرانيا على نوع من الوعود الورقية التي سبق لها الحصول عليها سنة 1994 حينما تخلت عن أسلحتها النووية في مقابل ضمانات أمنية غير ملزمة ـ وهذه تذكرة أخرى بأن نزع السلاح غالبا ما يكون طريقا للحرب لا للسلام.
وهذا سؤال موجه لماركو روبيو: إلى أي مدى ستكون الضمانات الأمنية الأمريكية جيدة بالنسبة لكييف في عام 2029، حينما يكون روبيو مواطنا عاديا، ويكون جيه دي فانس رئيسا، ويكون بوتين جائعا إلى قطعة أخرى من أوكرانيا؟
هناك دائما فرصة سانحة لأن يغالي بوتين في تقدير قيمة ما لديه من أوراق، فيعطي ترامب مرة أخرى الإحساس بأن روسيا «تستغلنا» على حد قوله في مايو الماضي، ويحيي شهية الإدارة إلى الدفاع عن أوكرانيا. وفضلا عن كون ذلك هو الصواب الواحب، فإنه سوف يشير للصين بأن الإدارة لن تتنازل عن استقلال تايوان في مقابل فرص تجارية مربحة لعائلة ترامب وأصدقائه. لكن لا يجب أن يعول على ذلك زيلينسكي ومن تبقى له من أنصار في أوروبا. فقد يكون لزاما عليهم عما قريب أن يختاروا اختيارا صعبا بين التشبث بسلام مؤقت أو مواصلة المعاناة في حرب مرهقة. وما لكاتب يكتب مقاله من أمان نيويورك أن يسدي النصائح، ولكن لتشرشل مقولة أخرى جديرة بالذكر، وهي أن «الدول التي انهارت وهي تقاتل نهضت من جديد، أما التي استسلمت في خضوع فقد انتهى أمرها».
والتحذير الأكبر ها هنا هو تحذير للأمم الحرة أينما هي، وبخاصة في أوروبا. قد يكون عصر السلام الأمريكي موشكا على الانتهاء. ومن الآن فصاعدا، ستكون كل منطقة، أو بلد، وحدها في مواجهة خصوم مجترئين وجشعين. ومن يريد أن يعرف كيف يكون القتال، فيكفيه أن ينظر إلى الأوكرانيين الذين نتخلى عنهم، ونحن راضون بالمخاطرة وبالعار أيضا.
بريت ستيفنز من كتاب الرأي في نيويورك تايمز
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
عقب مباحثات بوتين وويتكوف.. موسكو: حل أزمة أوكرانيا لم يقترب
قال الكرملين، الأربعاء، إن المحادثات مع الولايات المتحدة "مفيدة" لكن ما زالت هناك حاجة لـ"كثير من العمل" لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
وبعد محادثات استمرت لساعات مع المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف وصهر الرئيس دونالد ترامب جاريد كوشنر، قال المستشار الدبلوماسي للكرملين يوري أوشاكوف ردا على سؤال أحد الصحافيين بشأن الأراضي الأوكرانية التي سيطرت روسيا عليها "حتى الآن لم نتوصل إلى تسوية لكن من الممكن مناقشة بعض المقترحات الأميركية".
وأوضح أن "المحادثات كانت مفيدة ومثمرة وبناءة للغاية" لكن "لا يزال هناك الكثير من العمل" للتوصل إلى اتفاق.
وذكر الكرملين أن "المباحثات بين الرئيس فلاديمير بوتين وويتكوف تناولت عدة خيارات لخطة تسوية الوضع في أوكرانيا".
وأضاف أن: "بوتين طلب من ويتكوف نقل عدد من الإشارات السياسية المهمة إلى ترامب بشأن أوكرانيا".
ووفق الكرملين فقد "اتفقنا مع زملائنا الأميركيين على عدم الكشف عن جوهر المفاوضات التي جرت".
وأشار الكرملين إلى أن "المبعوثين الأميركيين سيعودون إلى الولايات المتحدة ويعرضون نتائجهم على ترامب ويتواصلون معنا".
وشدد على أن "الاتصالات بين روسيا والولايات المتحدة بشأن أوكرانيا مستمرة".