الجزيرة:
2025-05-28@13:13:27 GMT

عن ركائز السياسة الخارجية الجديدة للسعودية

تاريخ النشر: 4th, September 2023 GMT

عن ركائز السياسة الخارجية الجديدة للسعودية

أصبحت السعودية على بُعد خطوات من الانضمام لمجموعة البريكس في انعكاس لمساعيها إلى تنويع شراكاتها الخارجية بعد أن اقتصرت لعقود طويلة على التحالف الوثيق مع الولايات المتحدة.

منذ صعود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى السلطة منتصف العقد الماضي، شرع في إحداث تحوّلات كبيرة في الداخل وفي دور المملكة الإقليمي وتفاعلاتها مع القوى الكبرى.

تتمثل أبرز هذه التحولات في تشكيل تحالف عسكري عربي ضد المتمردين الحوثيين في اليمن لإنهاء انقلابهم على الحكومة الشرعية، وإقامة تعاون نفطي مع روسيا، وتعميق العلاقات مع الصين التي توسطت هذا العام في اتفاق لإعادة تطبيع العلاقات بين الرياض وطهران، وصولاً إلى الانضمام المنتظر لمجموعة البريكس التي تُقدم نفسها كتكتل جديد يُريد تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب وإنهاء الهيمنة الغربية على النظام العالمي.

تعكس هذه التحولات كيف أن السياسة الخارجية للسعودية في ظل الأمير محمد بن سلمان أصبحت تحظى بهامش أكبر من الاستقلالية عن الولايات المتحدة. مع أن التدهور المستمر في العلاقات الأميركية السعودية منذ إدارة الرئيس السابق باراك أوباما يلعب دورا أساسيا في هذه التحولات، إلا أنه يعكس بشكل أعمق النظرة المتغيّرة للرياض إلى دورها الخارجي وعلاقاتها بالقوى الكبرى ومحاولتها التكيّف مع عالم متغيّر يُهيمن عليه التنافس الجيوسياسي بين القوى العظمى.

رغم أن الولايات المتحدة تسعى لإظهار رغبتها في مواصلة دورها الفعال في الشرق الأوسط، فإن الرياض تزداد قناعة بأن واشنطن لم تعد راغبة في مواصلة هذا الدور لاعتبارات عديدة

على غرار التأثير الكبير الذي تلعبه شخصيات قيادية في إحداث تحوّلات كبيرة على السياسات الخارجية لدولها مع القوى الكبرى مثل تركيا في ظل حكم الرئيس رجب طيب أردوغان، يعمل الأمير محمد بن سلمان على إحداث تحول مشابه.

أطرح هذه المقارنة لأن حالة تركيا اليوم مشابهة إلى حد كبير لحالة السعودية. فمن جهة، تتشابه تركيا والسعودية من حيث تدهور علاقاتهما التاريخية بالولايات المتحدة. ومن جهة أخرى، يُجسد البلدان بشكل واضح حالة القوى المتوسطة التي تسعى لتعزيز الحكم الإستراتيجي في سياستها الخارجية والتحول إلى قوة قائمة بحد ذاتها وتنويع شراكاتها الخارجية بعيدا عن التموضع التقليدي إلى جانب الغرب.

هناك الكثير من الأسباب الموضوعية التي ساهمت في هذا التحول السعودي. يعمل الأمير محمد بن سلمان على تنويع الاقتصاد السعودي من خلال رؤية 2030 عبر زيادة التفاعلات الاقتصادية مع الدول ذات الاقتصادات الصاعدة مثل الصين. وفي جانب آخر، شرع في إحداث تحوّلات جذرية في السياسات الإقليمية للمملكة من خلال السعي لتهدئة التوترات مع إيران، والانفتاح المشروط على فكرة إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. علاوة على ذلك، فإن حقيقة أن الصين أضحت في السنوات الأخيرة أكبر مشتر للنفط السعودي بدلا من الولايات المتحدة تجعل من تعميق الرياض تفاعلاتها الاقتصادية مع بكين أمرا منطقيا.

مع ذلك، فإن أسباب التحول السعودي في السياسات الخارجية تكمن بشكل أساسي في التحولات التي طرأت على التحالف التاريخي بين الرياض وواشنطن في السنوات الأخيرة. لأن جوهر هذا التحالف الذي قام لعقود على قاعدة الأمن مقابل النفط، لم يعد مؤثرا بقوة في ديناميكية هذه الشراكة مع رغبة الولايات المتحدة في تخفيف ارتباطها الأمني بمنطقة الخليج وتراجع الاعتماد الأميركي على النفط السعودي، والمضي بهذا التحالف بالشكل الذي كان عليه لثمانية عقود لم يعد جذابا بالنسبة للسعودية.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تسعى إلى إظهار رغبتها في مواصلة دورها الفعال في الشرق الأوسط، فإن الرياض تزداد قناعة بأن واشنطن لم تعد راغبة في مواصلة هذا الدور لاعتبارات عديدة. في غضون ذلك، خلق الصراع الروسي الغربي حول أوكرانيا بالتوازي مع تصاعد المنافسة الجيوسياسية العالمية بين الولايات المتحدة والصين حافزا إضافيا للقوى المتوسطة مثل السعودية لتعزيز الحكم الذاتي الإستراتيجي، وتعزيز الشراكات الناشئة مع قوى غير غربية كوسيلة تحوط إستراتيجية لضمان مصالحها وتعزيز دورها في النظام العالمي الجديد المتعدد الأقطاب الذي يتشكل.

مع الأخذ بعين الاعتبار المخاطر المحيطة بالتحولات السعودية، خصوصا أن الرياض لا تزال تعتمد بشكل أساسي على واشنطن في مجال الأمن تحديدا، فإن الأمير محمد بن سلمان يعمل على تأطير التحول في السياسات الخارجية ضمن مفهوم تنويع الشراكات مع القوى الكبرى.

مع أن المسؤولين الأميركيين يُجادلون بأن مساعي السعودية لتعميق الشراكة مع الصين تهدف بشكل أساسي إلى الضغط على الولايات المتحدة لإظهار التزام واضح بأمن السعودية، وهو أمر يبدو واقعيا في بعض الجوانب، إلا أن التفاعلات الجديدة بين الرياض وبكين تتجاوز في الواقع هذا الهدف. علاوة على أهمية البعد الاقتصادي والتجاري في الشراكة الجديدة بين السعودية والصين، فإن الرياض تعمل على توظيف هذه الشراكة لتعزيز مصالحها الإقليمية.

إن العلاقات القوية التي تجمع الصين وروسيا بإيران تُساعد السعودية في استثمار شراكاتها مع بكين وموسكو للضغط على طهران من أجل التصرف بشكل مسؤول في سياساتها في المنطقة، بينما أظهرت الشراكة مع الولايات المتحدة أنّها لم تكن كافية كما ينبغي لتحقيق هذا الهدف.

في ضوء ذلك، يُمكن تلخص ركائز السياسة الخارجية السعودية الجديدة في ثلاثة مبادئ هي تنويع الشراكات الاقتصادية والسياسية مع القوى الكبرى، وتجنب الانزلاق في المنافسة الجيوسياسية العالمية، وإدارة المنافسات مع القوى الإقليمية الفاعلة مثل إيران وتركيا. ستكون فعالية هذه السياسة مرهونة بالدرجة الأولى بقدرة السعودية على الموازنة بطريقة دقيقة بين تحالفها مع الولايات المتحدة وشراكاتها الجديدة مع الصين وروسيا، وهو أمر يزداد صعوبة على القوى المتوسطة الحجم في عصر المنافسة الجيوسياسية العالمي.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الأمیر محمد بن سلمان الولایات المتحدة فی مواصلة مع الصین

إقرأ أيضاً:

بناء السفن.. جبهة جديدة للتنافس بين الولايات المتحدة والصين

نشر موقع "أوراسيا ريفيو" تقريرا تناول فيه توسع التنافس بين الولايات المتحدة مع الصين ليشمل قطاع بناء السفن؛ فقد أصدرت إدارة ترامب في نيسان/ أبريل 2025 قرارًا تنفيذيًا لإحياء صناعة بناء السفن الأمريكية وتعزيز التفوق البحري في مواجهة التقدم الصيني السريع.

وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمه "عربي 21"، إن إدارة ترامب، رغم تركيزها الظاهري على التجارة وتعظيم المكاسب الاقتصادية، تُظهر تحركاتها الأخيرة أن التنافس البحري مع الصين بات جزءًا أساسيًا من أولوياتها.

وفي 9 نيسان/ أبريل 2025، أصدرت إدارة ترامب أمرًا تنفيذيًا يهدف إلى إحياء صناعة بناء السفن في الولايات المتحدة واستعادة التفوق البحري، في ظل التقدّم المتسارع الذي تحققه الصين في هذا المجال، وهو ما يعكس شعورًا متزايدًا بالقلق داخل الإدارة الأمريكية بشأن تراجع قدراتها البحرية مقارنةً بمنافسها الصيني.

وأشار الموقع إلى أن قدامى المحاربين العسكريين قدموا مشروع قانون "أنقذوا أحواض السفن"، في آذار/ مارس 2025، بهدف تجديد صناعة بناء السفن الأمريكية وتلبية احتياجات الجيش، حيث إن هذه الخطوة، إلى جانب القرارات السابقة، تعكس إدراكًا متزايدًا لدى الولايات المتحدة بضرورة تعزيز تفوقها البحري، خصوصًا في ظل استحواذ الصين على نحو 53 بالمائة من صناعة السفن العالمية خلال العقدين الماضيين.



تفوق الصين في بناء السفن البحرية
وأفاد الموقع أن سوق بناء السفن شهد تغيرًا كبيرًا خلال العقدين الماضيين؛ حيث ارتفعت حصة الصين من 5 بالمائة في سنة 2000 إلى 53 بالمائة في سنة 2024، في حين انخفضت الحصة المشتركة لكوريا الجنوبية واليابان من 74 بالمائة إلى 42 بالمائة. وتحتل الولايات المتحدة أقل من 1 بالمائة من السوق العالمي حاليًا.

وذكر الموقع أن تقدم الصين في بناء السفن التجارية والبحرية جاء بفضل التصنيع المحلي وتكاليف العمالة المنخفضة والدعم الحكومي، مع اعتماد سياسة الدمج العسكري المدني التي تجمع بين القطاعين التجاري والدفاعي، ما يمنحها مزايا إستراتيجية واقتصادية واضحة مقارنة بدول أخرى.

وأضاف الموقع أن الصين تمكنت من الاستفادة من قاعدتها لبناء السفن لأغراض مزدوجة، مما عزز قدراتها البحرية بسرعة. وتمتلك الصين أكبر قوة بحرية في العالم؛ حيث تشغل 234 سفينة حربية مقابل 219 للبحرية الأمريكية، ويبلغ إجمالي قوتها القتالية أكثر من 370 سفينة وغواصة، منها أكثر من 140 سفينة سطحية رئيسية.

ومن المتوقع أن يصل عدد سفن البحرية الصينية إلى 395 بحلول 2025، و435 بحلول 2030. ففي سنة 2005، كان لدى البحرية الأمريكية حوالي 300 سفينة، بينما كان لدى الصين 200. وعلى الرغم من حجم الأسطول الأمريكي سيظل ثابتًا حتى 2030، ستصل البحرية الصينية إلى 450 سفينة، أما في مجال بناء السفن التجارية، فقد شهدت الصين نموًا كبيرًا، مما منحها تفوقًا واضحًا على منافسيها، بما في ذلك الولايات المتحدة.

ومع ذلك، قد تتعثر صناعة بناء السفن الأمريكية بسبب نقص الاستثمار والسياسات الحمائية التي أدت إلى تخلفها عن المعايير العالمية. وتواجه البحرية الأمريكية مشاكل كبيرة مثل تجاوز التكاليف وعيوب التصميم وتأخر التسليمات.

ويعتمد القطاع الخاص بشكل كبير على تلبية عدد السفن المطلوبة، لكنه يواجه صعوبات في الالتزام بالميزانية والجداول الزمنية، مما يعيق تحقيق هدف زيادة حجم الأسطول.

وذكر الموقع أن التحديات التي تواجه صناعة بناء السفن الأمريكية تمثل عائقًا كبيرًا أمام تطوير البنية التحتية البحرية، مما يثير مخاوف واشنطن من قدرتها على حماية ممرات الاتصال البحري والسيطرة على نقاط الاختناق، وهو أمر حيوي للتحكم في التجارة الدولية أثناء الأزمات وحماية التجارة العالمية، وهو الدور الأساسي للبحرية الأمريكية.

تعزيز الوجود في منطقة المحيطين الهندي والهادئ
قال الموقع إن صعود الصين كقوة بحرية وتعزيزها العسكري في المحيطين الهندي والهادئ يثير قلقًا لدى دول مثل الفلبين وكوريا الجنوبية واليابان. وأكد تقرير أمريكي حديث على تصاعد عدوانية الصين وضرورة استعادة الولايات المتحدة لردعها في المنطقة للحفاظ على توازن القوى ودعم حلفائها.

جبهة القطب الشمالي
وأوضح الموقع أن الممرات البحرية في القطب الشمالي أصبحت جبهة حاسمة في المنافسة البحرية بين أمريكا والصين؛ حيث تستفيد الصين، بالتعاون مع روسيا، من تغير المناخ لتسهيل الملاحة وتطوير طريق البحر الشمالي الممتد 3500 ميل، بهدف استغلال الفرص الاقتصادية المحتملة في المنطقة.

وتابع الموقع أن كاسحات الجليد تلعب دورًا أساسيًا في ضمان الوصول المستمر إلى القطب الشمالي على مدار السنة. وقد نشرت الصين ثلاث كاسحات جليد مؤخرًا، بينما تواجه الولايات المتحدة ضعفًا في أسطولها. وتعاونت أمريكا مع كندا وفنلندا لتعزيز القدرات القطبية، وأعلن ترامب في 2025 عن خطة لشراء 40 كاسح جليد كبير، مما يعكس تصاعد المنافسة في المنطقة وسعي أمريكا للحفاظ على مكانتها في المنطقة.

الطريق نحو المستقبل
ولفت الموقع إلى أن الولايات المتحدة تواجه تحديات كبيرة في إعادة تنشيط صناعة بناء السفن، تشمل تأمين تمويل مستمر وتعزيز تنافسية السفن الأمريكية عالميًا وإعادة بناء القدرات الصناعية البحرية، وتطوير القوى العاملة. كما تحتاج إلى تعاون بين الوكالات وتقييم واقعي لقدراتها مقارنة بالصين، ووضع خطة مستقبلية واضحة لمتابعة التقدم.

واختتم الموقع بأن أمر ترامب التنفيذي يؤكد الحاجة الملحة لتعزيز القدرات البحرية الأمريكية لحماية المصالح طويلة الأمد، مع التركيز على المحيطين الهندي والهادئ وأمريكا اللاتينية والقارة القطبية الشمالية، وأن إعادة بناء صناعة بناء السفن المتدهورة تمثل خطوة أساسية لبداية جديدة لواشنطن في حماية مصالحها التجارية والاستراتيجية.

مقالات مشابهة

  • حكومة كوردستان تثمن موقف الولايات المتحدة وتشيد بدعمها للنظام الدستوري للاقليم
  • سلالة كوفيد مهيمنة في الصين تصل إلى الولايات المتحدة
  • فحص حسابات التواصل شرط جديد لدخول الولايات المتحدة
  • الولايات المتحدة تعلق طلبات تأشيرات الطلاب الأجانب
  • بناء السفن.. جبهة جديدة للتنافس بين الولايات المتحدة والصين
  • النواب يناقش تقرير القوى العاملة بشأن العلاوات والحوافز الجديدة للعاملين بالدولة
  • بوريطة يدعو السفراء لجلب الإستثمارات : الدبلوماسية الإقتصادية ركيزة أساسية في السياسة الخارجية
  • قرقاش: كلمة الرئيس الأمريكي في الرياض تعكس تحولاً في توجه الولايات المتحدة
  • عقبات تواجه تصنيع آيفون في الولايات المتحدة
  • الولايات المتحدة تختبر طائرات مسيّرة عسكرية من جيل جديد