مبادرة حركة/ جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد النور هل ستكون المدخل لاستدعاء الدولة
تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT
بعد غياب د جون قرنق من المشهد السياسي بالوفاة المفاجئة لم تستطع قيادات الحركة الشعبية لتحرير السودان الأم والتي آلت إليها مقاليد الأمور بالحركة الشعبية وشراكة السلطة مع المؤتمر الوطني بقيادة القائد سلفاكير من الحفاظ على جاذبية الحركة الشعبية لتحرير السودان بعد فقدها لرمزها وزعيمها المؤسس د.قرنق، كما ولم تجهد القيادة الجديدة للحركة نفسها كثيرا من أجل الحفاظ على وحدة الدولة وشعبها واكتفت بجنوب السودان وشعبه وشعارات السودان الجديد لجنوب السودان، وبانفصال جنوب السودان ذهب مع دولة الجنوب الوليدة أسماء وقيادات بارزة مثل باقان اموم ورياك مشار وادورد لينو ودينق الور وغيرهم وآلت الأمور في دولة السودان الأم لشقيقتها الصغرى التي تبقت بالشمال بإسم الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال بقيادة الثلاثي (عقار والحلو وعرمان) قيادات الحركة بشقيها بالشمال والجنوب تعرضت لإختبار في فترة شراكة حكم الحركة الشعبية لتحرير السودان الأم مع حزب المؤتمر الوطني وبات الشارع يعرف عنها وعن مواقفها بالتجربة، بعد إنفصال الجنوب عاد الثلاثي لخيار السلاح وبعد العودة لخيار السلاح إنقسمت قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال إلى كتلتين ، كتلة بقيادة الحلو الذي لا يزال متمسكا بمواقفه وكتلة أخرى بقيادة عقار وعرمان وتحالفت كتلة عقار عرمان مع شراكة قوى الحرية والتغيير بموجب إتفاق سلام جوبا ثم انقسمت هي نفسها إلى كتلتين ، كتلة بقيادة عقار وأخرى بقيادة عرمان ، الكتلتان تحملان ذات الشعارات المرفوعة في الوسائط والتي ضاعت مضامينها في دهاليز السلطة أو في دروب البحث عنها.
من نتائج هذه الحرب العبثية وايجابياتها ايضا بالرغم من الكوارث والخراب والدمار فقد تيقنت غالبية الشعب السوداني وبصورة جلية بان حزب المؤتمر الوطني وشعاراته لأهداف السلطة ، وان هذا الحزب يمكنه ان يفعل اي شئ من أجل السلطة كما ولم يستفد من دروس تجاربه السابقة وصنعته لربيبته الدعم السريع كما وبانتهاء الحرب ستنتهي مرحلة البرهان واعوانه وقد اكتشف الشعب السوداني اهمية وجود جيش سوداني مهني ودوره في القيام بمهام حماية البلاد والمحافظة عليها بعيدا عن الحزبية والسياسة ، كذلك كشفت الحرب عدم وجود قوى حزبية أو تنظيمات سياسية حقيقية والمثال الأوضح في ذلك قوى الحرية والتغيير
* موقف مستر نو وحركة جيش تحرير السودان .
ظروف الحرب الدائرة وملابساتها ايضا كشفت ان الموقف الذي تميز به الأستاذ عبد الواحد محمد النور الرئيس المؤسس لحركة جيش تحرير السودان من المواقف الصحيحة ، لقد رفض الأستاذ عبد الواحد الحلول الجزئية وتمسك بالحلول الشاملة المستدامة واوجزها في مبادرة يشارك الشعب السوداني في إطلاقها وإنتاج الحلول منها من خلال منصة مشتركة تعبر عنه تعبيرا حقيقيا ، لقد خرجت وتكونت عدة مجموعات تحت غطاء حركة جيش تحرير السودان التي اسسها الأستاذ عبد الواحد النور بعضها التحقت بالسلطة في مراحل مختلفة من عهد المخلوع وحتى الآن ،وتم استخدامها واجهات رمزية في السلطة تحت غطاء عدة أسماء تم تعديلها او تحويرها ولكن ظل للأستاذ عبد الواحد وحركته التميز بالموقف الواضح حتى صار وكأنه يعبر بموقفه المتميز المعروف عن كل شعارات الحركات المسلحة بما في ذلك الحركة الشعبية لتحرير السودان، ومن كثرة الحركات المسلحة التي شاركت كلها في ظروف وأزمنة سابقة ولم تنتج سوى المزيد من الخيبات وفقد الشارع ثقته فيها ولكن ظلت حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد النور(مستر نو) تحتفظ بوضعها المحترم ومطالبها الواضحة من دون الدخول في اي مساومات ، كاتب هذا المقال لا صلة له بالعمل المسلح ويدعم في وسائل التعبير الخيار السلمي المدني دون غيره ولكنه في ظل مسيرات المقاومة في عهد حكومة د. حمدوك وما بعد قرارات البرهان في ٢١/ ١٠ / ٢٠٢١ رصد ان العديد من شباب لجان المقاومة وقوى الثورة كانوا يرفعون الشعارات التي ينادي بها عبد الواحد ويثمنون مواقفه وفي تمسكه بشعارات حرية وسلام وعدالة ،كما ظل الأستاذ محمد عبد الرحمن الناير المشهور ببوتشر الناطق الرسمي بإسم حركة جيش تحرير السودان يشارك بصورة راتبة في نشر خطاب حركة جيش تحرير السودان، ذلك الخطاب الذي يدعو كل مكونات الشعب السوداني لتشارك في تولي شأن إدارة الدولة وتحمل مسؤولية بنائها بأسس عامة ومجردة مكفولة باحكام الدستور الذي يعبر عن إرادة الشعب ..
إن مبادرة حركة جيش تحرير السودان التي ظل يتحدث عنها الأستاذ عبد الواحد قد تكون ظروف الحرب الإستثنائية الحالية جعلتها مواتية لإطلاقها بأكثر من اي وقت آخر وذلك لتضميد جراح النفوس التي تشبعت بالضغائن والأحقاد من جراء كافة اصناف الإنتهاكات الجسيمة التي ارتكبت على المواطنين واحتلال منازلهم وتشريدهم داخليا وخارجيا حتى صار هنالك ستارا نفسيا بين المتحدرين من أبناء السودان من المناطق الأخرى والمتحدرين من أبناء السودان من غربه خاصة دارفور وبين مكونات أبناء دارفور انفسهم .
قد تكون مبادرة حركة جيش تحرير السودان بقيادة الأستاذ عبد الواحد من الفرص القليلة المتبقية لاستدعاء الدولة اولا في اذهان المواطنين ومن بعد للملمة الجراح وإزالة الشوائب والمرارات التي تكرست في الوجدان اجتماعيا وجهويا وتنقيتها من أجل الإتجاه السليم في مسار إستعادة الدولة اولا في اذهان مواطنيها والتأسيس لدولة تحترم فيها الحقوق بين كل مكوناتها وإنهاء عهد شعارات الظلامات الجهوية والمناطقية والشروع في ذلك قبل فوات الأوان، وحتى لا تطول فترة الخراب والدمار وتنتهي بالبلاد إلى اشلاء متناحرة .
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحرکة الشعبیة لتحریر السودان الشعب السودانی السودان من
إقرأ أيضاً:
العراق: عن هشاشة الدولة التي لا يتحدث عنها أحد!
تتباين التقييمات المتعلقة بالاقتصاد العراقي، حسب اختلاف مصادرها سواء كانت تقارير دولية، أو تصريحات وأرقام رسمية عراقية (في حال توفرها طبعا، فثمة عداء تاريخ بين المؤسسات العراقية وحق الوصول إلى المعلومات) حتى ليبدو الأمر وكأننا نتحدث عن دولتين مختلفتين!
فلو راجعنا موقع البنك المركزي العراقي، سنجد أن آخر تقرير عن الاستقرار المالي يعود إلى عام 2023، وإلى نهاية الشهر الخامس عام 2025، ولم يصدر تقرير الاستقرار المالي لعام 2024!
كما لم يصدر حتى اللحظة التقرير الخاص بالفصل الأول من عام 2025 الخاص بـ«الإنذار المبكر للقطاع المصرفي». لكن مراجعة التقرير الخاص بالفصل الرابع عام 2024 تكشف انخفاض صافي الاحتياطي الأجنبي بنسبة (10.2٪) حيث بلغ 103.8 ترليون دينار عراقي بعد أن كان 145.6 تريليون دينار عراقي نهاية الفصل الرابع عام 2023، ولم يقدم البنك تفسيرا لأسباب هذا الانخفاض، بل اكتفى بالقول إن «النسبة بقيت إيجابية ومؤثرة لأنها أعلى من النسبة المعيارية المحددة بنسبة 100٪»!
يشير التقرير أيضا إلى أن الدين الداخلي حقق نموا في الفصل الرابع من العام 2024 بنسبة 17.0٪ مقارنة بذات الفصل من العام 2023، ليسجل 83.1 ترليون دينار عراقي (حوالي 63 مليار دولار) بعد أن كان 70.6 ترليون دينار (53.48 مليار دولار) في الفصل الرابع من العام 2023. وأن نسبة هذا الدين بلغت 53.92٪ من إجمالي الدين العام، فيما انخفض معدل الدين الخارجي في هذا الفصل بنسبة 2.9٪ مقارنة بذات الفصل من العام 2023، وشكل الدين الخارجي 46.08٪ من إجمالي الدين في هذا الفصل (مقارنة الدين الخارجي هذه بالأرقام التي أطلقها الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية والذي تحدث عن انخفاض الدين الخارجي الى 9 مليارات دولار فقط تبيّن الاستخدام السياسي لهذه الأرقام)!
أما بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، فيشير التقرير إلى أنه قد سجل ارتفاعا في الفصل الرابع من العام 2024 ليبلغ 95.6 ترليون دينار عراقي بالأسعار الجارية، مسجلا نموا بنسبة 7.5٪ مقارنة بذات الفصل من عام 2023، إذ كان يبلغ 88.9 ترليون دينار. ويقدم التقرير سببا وحيدا لهذا النمو وهو «نتيجة ارتفاع الإنفاق الحكومي بنسبة تجاوزت 30٪ خلال ذات الفترة»! ولكن التقرير لا يقدم لنا أي معلومة أو تفسير لأسباب هذا الارتفاع غير المفهوم للإنفاق الحكومي، وإذا ما كان مرتبطا بتحقيق الاستقرار الاقتصادي والنمو المستدام، أم مرتبط بسياسات ارتجالية ذات أهداف سياسية بحتة، فارتفاع الإنفاق الحكومي قد يكون في أحيان كثيرة دليل على الفشل وليس النجاح، خاصة إذا أدى الى عجز أو ارتفاع الدين العام وزيادة معدلات الفساد!
أما فيما يتعلق بالتضخم، فتقرير العام 2023 «الإنذار المبكر للقطاع المصرفي» ينبهنا إلى الانخفاض في نسب التضخم إلى آلية حساب تلك النسبة، إضافة إلى تغيير سنة الأساس من احتساب الرقم القياسي للأسعار من 2012 إلى 2022، وبالتالي نحن أمام أرقام خادعة تماما فيما يتعلق بحساب نسب التضخم وذلك لارتفاع نسبة التضخم في العام 2022 قياسا إلى العام 2012.
واعتمادا على ذلك فقد سجل معدل التضخم في الفصل الرابع من عام 2024 (2.8٪) بعد أن كان 3.5٪ في الفصل الثالث من ذات العام، لينتهي إلى أن هذا يدل على «وجود استقرار في المستوى العام للأسعار»، من دون أن يقارن ذلك مع معدل التضخم في الفصل الرابع من العام 2023 وفقا لمنهجية التقرير! ولكن الترسيمة المصاحبة تقول شيئا مختلفا تماما، فقد سجل الفصل الأول من العام 2024 تضخما بنسبة 0.8٪، ليرتفع هذا المعدل في الفصل الثاني إلى 3.3٪، ثم ليرتفع إلى 3.5٪ في الفصل الثالث، وبالتالي فإن الانخفاض الذي سجله الفصل الرابع الذي عده التقرير دليلا على «الاستقرار في المستوى العام للأسعار» تنقضه تماما هذه الأرقام، وتكشف عن معدل تضخم وصل في الفصل الرابع إلى 3.5 أضعاف معدل التضخم في الفصل الأول، وهو دليل على عدم استقرار المستوى العام للأسعار!
وبدلا من أن تدق هذه الأرقام ناقوس الخطر حول الوضع المالي، أعلنت الحكومة العراقية في جلستها يوم 15 نيسان 2025، تخويل وزارة المالية سحب مبالغ الأمانات الضريبية التي لم يمض عليها خمس سنوات، وهي تزيد على 3 ترليونات و45 مليار دينار عراقي لتمويل وتسديد رواتب شهر نيسان والأشهر اللاحقة، ويعني هذا عمليا أنها قد أضافت إلى موازنتها المقررة مبلغا يزيد على 2.6 مليار دولار، وأنها أضافت دينا داخليا إضافيا إلى إجمالي الدين العام بمبلغ يزيد على 2.6 مليار دولار دون سند قانوني، وأنها خالفت قانون الموازنة وقانون الإدارة المالية للدولة!
على الجانب الآخر أصدر صندوق النقد الدولي يوم 15 أيار 2025 البيان الختامي لخبراء الصندوق في ختام مشاورات جرت في بغداد وعمان. وكان من بين التوصيات أن على العراق اتخاذ تدابير عاجلة للمحافظة على الاستقرار المالي.
فالتقرير يتوقع أن يتراجع الناتح المحلي الاجمالي للعراق الى نسبة 2.5٪ في العام 2014، وهو ما يتناقض مع الأرقام التي قدمها البنك المركزي! ويرجع التقرير إلى التباطؤ في الاستثمار العام، وفي قطاع الخدمات، فضلا عن زيادة الضعف في الميزان التجاري، وبالتالي لا أحد يعرف أين يذهب هذا الحجم الكبير من الإنفاق العام الذي أشار اليه البنك المركزي العراقي.
لكن تقرير صندوق النقد الدولي يتورط باعتماد الرقم الرسمي العراقي المتعلق بنسبة التضخم، دون أن ينتبه إلى مغالطة الأرقام!
والتقرير يشرح أسباب تراجع الوضع المالي وانخفاض الاحتياطي الاجنبي، فيؤشر على أن العجز المالي للعام 2014 بلغ 4.2٪ من إجمالي الناتج المحلي، مقارنة بنسبة 1.1٪ في العام 2023. وهو يعزو أسباب ارتفاع الإنفاق الحكومي إلى الارتفاع في الأجور والرواتب (بسبب سياسات التوظيف المرتبطة برشوة الجمهور) ومشتريات الطاقة، وليس إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي والنمو المستدام. ويتوقع التقرير أن يتباطأ الناتج المحلي الاجمالي عام 2025، فضلا عن انخفاض الاحتياطات الأجنبية!
أما بالنسبة لأولويات السياسات المطلوبة تبعا لصندوق النقد الدولي، فيقينا أن لا يلتفت إليها أحد في العراق؛ ولن توقف الحكومة الحالية التوسع الكبير في الإنفاق الحكومي والمالية العامة، أو تقوم بفرض ضرائب انتقائية على الاستهلاك أو زيادتها، لاسيما أننا في موسم انتخابات، بل بالعكس هو ما سيحدث!
وستبقى سياسات التوظيف قائمة لأنها أداة رئيسية لرشوة الجمهور ووسيلة لصنع الجمهور الزبائني، وبالتالي لن يتوقف ارتفاع الدين العام، تحديدا الدين الداخلي، لتمويل العجز، ولن تفكر أي حكومة في إصلاح ضريبة الدخل، أو الحد من الاعفاءات الضريبية، أو تحسين الجباية فيما يتعلق بالخدمات، أو فرض ضريبة مبيعات، أو الحد من التوظيف في القطاع العام، أما مكافحة الفساد، او الحد منه، فهو أمر مستحيل، لأن الفساد في العراق أصبح فسادا بنيويا، وبات جزءا من بنية النظام السياسي، وجزءا من بنية الدولة نفسها، والأخطر من ذلك أنه تحول إلى سلوك بطولي في المجتمع العراقي!
القدس العربي