الهجرة: عندما ينقلب السحر على الساحر والمسحور
تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT
الهجرات ظاهرة مرتبطة بالتاريخ الإنساني، ولولاها لما حصل تقدم في مجالات متعدد. فالحاضر هو وليد الماضي البعيد والقريب بعد أن تشكلت موازين مختلفة، فظهرت قوى جديدة واختفت قوى أخرى أو تراجعت وأصابها الفتور.
وإذا ألقينا نظرة على العالم نلاحظ بأن نسق الهجرة ازداد بين سنتي 2000 و2015 بنسبة 44 في المئة، حيث بلغ عدد المهاجرين في العالم 244 مليون شخص.
ملف الهجرة ملف سياسي بامتياز، رغم كونه في الأصل ملفا اجتماعيا اقتصاديا إنسانيا، ومن يقوم بتوظيفه أحيانا بطريقة سيئة هم الديماغوجيون والشعبويون الجدد الذين يقفون وراء بعض الأحزاب والجماعات من أجل خدمة أهداف سياسية داخلية أو خارجية، ويستعملون في سبيل ذلك عدة جوانب حساسة لتهويل قضية المهاجرين، وتحويلها إلى مسألة مصيرية، مثل الأزمات الاقتصادية الداخلية التي قد تكون ناتجة في الغالب عن عوامل محلية ناتجة عن فشل خيارات السياسيين، لكنهم يعمدون إلى تفسيرها بطريقة تآمرية، حيث يعتبرونها ناتجة عن غزو القادمين من وراء البحار لبلدان شمال أوروبا. كذلك يوظف في هذا السياق صراع الهويات واستثمار الأديان بشكل سيئ، وتحويل القضية إلى نوع من أنواع الحروب المقدسة في سبيل الحفاظ على وجود الشعب والأمة والوطن كما تدعي هذه الأطراف.
ملف الهجرة ملف سياسي بامتياز، رغم كونه في الأصل ملفا اجتماعيا اقتصاديا إنسانيا، ومن يقوم بتوظيفه أحيانا بطريقة سيئة هم الديماغوجيون والشعبويون الجدد الذين يقفون وراء بعض الأحزاب والجماعات من أجل خدمة أهداف سياسية داخلية أو خارجية، ويستعملون في سبيل ذلك عدة جوانب حساسة لتهويل قضية المهاجرين، وتحويلها إلى مسألة مصيرية
لا بد من الوقوف عند عدد من المسائل الهامة لوضع ملف الهجرة في سياقه الأشمل والاعمق، وهو ملف يكتسي أهمية قصوى لدول دول جنوب وشمال المتوسط:
* أول هذه المسائل الأزمات الاقتصادية الهيكلية التي تمر بها دول الجنوب، وخاصة في القارة السمراء التي تعرضت ولا تزال إلى استنزاف لثرواتها من قبل بعض الدول الأوروبية التي لا يحق لها اليوم أن تتملص من مسؤوليتها التاريخية فيما وصلت إليه الأوضاع في معظم الدول الأفريقية. لقد حان الوقت للقيام بتغييرات جذرية في طبيعة العلاقة بين هذه الدول، واذا لم يحصل ذلك في القريب العاجل، فإن ما حدث مع فرنسا في الأشهر الأخيرة يمكن أن يتوسع ويتكرر مع دول أوروبية غيرها. فالاتحاد الاوروبي مدعو بإلحاح إلى مراجعة سياساته المتعلقة بالهجرة حتى يتجنب الزحف الجماعي لليائسين من أوضاعهم في دولهم الاصلية، وهو زحف لن توقفه جيوش مهما تطورت أسلحتها وكثرت الضحايا.
* العامل الثاني للهجرة هو طبيعة أنظمة الحكم في دول الجنوب؛ حكومات فاشلة ينخرها الفساد وتزوير إرادة شعوبها. مع ذلك تلقى هذه الأنظمة الدعم والحماية من الدول الغربية مقابل إبرام صفقات واتفاقيات مشبوهة لصالح هذه الدولة أو تلك، ويتم ذلك في الغالب تحت غطاء استبداد مفضوح أو ديمقراطيات مزيفة وفاسدة.
أخطر ما يحصل الآن هو رفض الديمقراطية وقيم الحرية وحقوق الإنسان من قبل شعوب الجنوب، التي أصبحت لا تميز بين التعثرات المرتبطة بالمراحل الانتقالية في العديد من الدول وبين الديمقراطية كخيار استراتيجي يجب التمسك به. هذا الوضع أعطى مبررا للعسكر في ست دول أفريقية على الأقل إلى التمرد، ومحاولة فرض علاقات جديدة قائمة على خطاب يتمحور حول حماية السيادة الوطنية ضد الهيمنة الخارجية
إن أخطر ما يحصل الآن هو رفض الديمقراطية وقيم الحرية وحقوق الإنسان من قبل شعوب الجنوب، التي أصبحت لا تميز بين التعثرات المرتبطة بالمراحل الانتقالية في العديد من الدول وبين الديمقراطية كخيار استراتيجي يجب التمسك به. هذا الوضع أعطى مبررا للعسكر في ست دول أفريقية على الأقل إلى التمرد، ومحاولة فرض علاقات جديدة قائمة على خطاب يتمحور حول حماية السيادة الوطنية ضد الهيمنة الخارجية في سعي إلى استعادة المبادرة وتحرير القرار الوطني. هذه الوضعية الجديدة جعلت كل ديمقراطي ومناضل من أجل الالتزام بحقوق الإنسان في دول الجنوب هذه يتهم بالعمالة للغرب، بحجة أنه يسوغ للغربيين حق التدخل في الشؤون الداخلية لبلاده.
هذا يعني أن من أهم ضحايا هذه المغالطات هي حركة حقوق الإنسان وعموم الديمقراطيين النزيهين، الذين أصبحوا عرضة للتهميش والإقصاء وحتى الاضطهاد من قبل حكوماتهم، وذلك بتأييد شعبي هذه المرة، وقد يُدفعون بدورهم إلى أن يصبحوا مهاجرين جددا وطالبي لجوء.
* ثالثا، الأزمات الكبرى التي تواجهها دول جنوب أوروبا بالخصوص. لقد دعا الرئيس ماكرون الفرنسيين إلى تضحيات جديدة بعد أن أعلمهم بأن عهد الرفاهية انتهى. الغرب لم يعد قادرا أن يفعل ما يريد، لقد استنفد وسائل الهيمنة التي كان يتمتع بها من قبل. موازين القوى في العالم آخذة في التبدل، انتهى النظام العالمي الأحادي، بعد أن أثبتت مبادرة بريكس أن الانتقال إلى تعدد الأقطاب أمر ممكن وحتمي. الحقبة الأمريكية تتراجع بشكل سريع رغم أن الولايات المتحدة لا تزال تتمتع بأوراق مهمة ومؤثرة في السياسات العالمية.
لم يعد ممكنا إغلاق الحدود، مهما بلغ عدد البواخر والبوارج في المتوسط أو في بحور أخرى، فالعالم سيبقى مفتوحا على بعضه بالضرورة. دول الشمال في حاجة إلى المهاجرين لتحافظ على اقتصادياتها بل وعلى وجودها، منطق الاقتصاد يفرض عليها ذلك
* في هذا السياق لم يعد ممكنا إغلاق الحدود، مهما بلغ عدد البواخر والبوارج في المتوسط أو في بحور أخرى، فالعالم سيبقى مفتوحا على بعضه بالضرورة. دول الشمال في حاجة إلى المهاجرين لتحافظ على اقتصادياتها بل وعلى وجودها، منطق الاقتصاد يفرض عليها ذلك. تراجع الولادات في أوروبا، وعزوف الأجيال الجديدة عن الزواج، وتوسع نسب الشيخوخة، وظهور الجنس الثالث والرابع، كل هذه العوامل تفرض العمل على وضع سياسات جديدة لاستقبال المهاجرين وإدماجهم. لهذا اختارت ألمانيا التوجه نحو التصالح مع حركة التاريخ، هناك توجه في هذا البلد نحو إدراك بأن إدماج المهاجرين هو الاختيار الأفضل من شن الحرب عليهم كما تفعل إيطاليا وفرنسا وبقية حكومات أقصى اليمين. فبعد إدماج مليون سوري أصدرت ألمانيا قانونا جديدا ييسر منح الجنسية خلال ثلاث سنوات فقط من الإقامة، وهو إجراء مهم وشجاع.
أما المبادر الثانية التي يجب ذكرها في سياق حسن التعامل مع ملف الهجرة بطريقة مختلفة هي التي وصفها أندري ريكاردي بالدبلوماسية الموازية للفاتيكان، والتي تتمثل في الممرات الإنسانية التي أشرفت عليها منظمة سانت جيديو القريبة من الفاتيكان، والتي حاولت أن تضفي بعدا إنسانيا غائبا الآن على ملف المهاجرين، وسيبقى هذا الملف مفتوحا إلى ان تتغير موازين القوى، أو تتغير الثقافات والسياسات.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الهجرة الاقتصادية أوروبا أوروبا الاقتصاد العنصرية الهجرة العالم الثالث مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ملف الهجرة من الدول من قبل
إقرأ أيضاً:
الطارف: الإطاحة بشبكة تُتاجر في المخدرات وتمارس السحر والشعوذة
تمكنت مصالح أمن دائرة القالة بأمن ولاية الطارف، بحر الأسبوع المنصرم، من وضع حد لنشاط شبكة إجرامية مختصة في الإتجار غير المشروع بالمخدرات الصلبة والمؤثرات العقلية والسحر و الشعوذة. مع توقيف ثلاثة أشخاص من عناصرها.
العملية نفذت عقب تمكن أفراد ذات المصلحة من كشف النشاط الإجرامي لهذه الشبكة إجرامية المنظمة في الإتجار بالمخدرات الصلبة و المؤثرات العقلية. وإمتداده إلى أعمال السحر والشعوذة.
وقد أسفرت عن ضبط واسترجاع سلاح ناري من الصنف الخامس “مسدس” وخراطيش. بالإضافة كذلك إلى كمية من المخدرات الصلبة “كوكايين” ومؤثرات عقلية. مبلغ مالي بالعملة الوطنية يقدر بأزيد من 35 مليون سنتيم، و مبلغ مالي آخر بالعملة الأجنبية، من عائدات النشاطات الإجرامية. ناهيك عن طلاسم و معدات تستعمل للسحر و الشعوذة. وأسلحة بيضاء محظورة من الصنف السادس.
كما تم تقديم المشتبه فيهم أمام وكيل الجمهورية لدى محكمة القالة، عن قضية حيازة وتخزين المخدرات الصلبة و المؤثرات العقلية بطريقة غير شرعية لغرض البيع في إطار جماعة إجرامية منظمة. حيازة سلاح ناري من الصنف الخامس دون مبرر شرعي، حيازة أسلحة بيضاء محظورة من الصنف السادس بدون مبرر شرعي. بالإضافة كذلك إلى حيازة معدات و طلاسم تستعمل للسحر والشعوذة.
إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور
إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور