تواجه مفاهيم التسويق والترويج والدعاية للإعلانات التجاريَّة حالة من التشويه، في ظلِّ ما بات يرافقها من نظرة مادِّيَّة بحتة، الأمْرُ الذي وجد فيه ناشطو المنصَّات والمُرَوِّجون فرصة لَهُم في تحقيق المكاسب الشخصيَّة والوصول لهاجس الشهرة، وفي ظلِّ فراغ الضوابط وغياب المعايير، وضعف الرقابة وهشاشة الضمير، ونُمو مشاعر الأنانيَّة والفردانيَّة والفوقيَّة والسلطويَّة والطمع والجشع، والكسب السريع كان لذلك انعكاسه على اتِّجاه الإعلانات نَحْوَ السطحيَّة وغياب الأُطر والمعايير التي تستند إليها، والفوضى السلبيَّة التي باتت ترافقها بدُونِ أيَّة حساب للقِيَم والأعراف والأخلاق والهُوِيَّة، أو لمعايير الجودة والكفاءة، أو سلامة المنتج، سواء من حيث المحتوى الإعلاني الذي باتَ يفتقر لمرتكزات النجاح وأساسيَّات القَبول، أو الأسلوب الإعلاني ذاته الذي باتَ يفتقد للمهنيَّة والاحترافيَّة في ظلِّ دخول غير المختصِّين وبدافع الشهرة والمكسب في عالَم التسويق بدُونِ خبرة عمليَّة أو مؤهلات علميَّة في التسويق، أو مسار تدريبي مهني أو بناء مهاراتي متَّزن يتناغم مع طبيعة التحوُّل في مجال الدعاية والإعلانات، ناهيك عن نفوق القِيَم وغياب البُعد الأخلاقي للداخلين في هذا المجال.


على أنَّه وفي ظلِّ غياب الضوابط ونفوق البُعد القِيَمي الذي يفترض أن تحتكمَ إليه الدعاية، وبروز دَوْر مَن يسمون بالمشاهير في السَّاحة، في ظلِّ ما باتتْ تُحقِّقه لَهُم هذه الدعايات من آلاف الريالات في دقائق معدودة وسويعات بسيطة، الأمْرُ الذي أسْهمَ في اتِّساع نطاق هذه الإعلانات المبتذلة في أكثرها لِتعيشَ فوضى لا أخلاقيَّة في محتواها، وآليَّات تسويقها، وطريقة إيصالها للجمهور وتنافس المُرَوِّجين فيها، واستفادت شركات ووكلاء منتجات التجميل والموضة والموديلات بما باتتْ تُحقِّقه هذه الدعايات العشوائيَّة لَهُم من أموال طائلة، على أنَّ هذه المنافسة التي باتتْ تجتاح سلوك المُرَوِّجين، وما رافقها من زيادة مستوى الاحتكار والجشع والطمع، لازمها الخروج عن المبادئ والذَّوق الرفيع والمشاعر العامَّة، فلَمْ يكُنْ غريبًا أن يظهرَ الرجُل وهو في الخمسينيَّات من عمره، في هيبته ووقاره وكبر سنِّه، من أجْلِ أن يقَدِّمَ دعاية للحفاظات الصحيَّة للأطفال أو بعض الملابس، أو الأواني ومستلزمات المطابخ، وهو يمارس هذه الدعاية بطريقة تحمل في تصرُّفاته الاستهجان والاستحقار لسلوكه، ممَّا لا يليق بشخصيَّته وكرامته، كُلُّ ذلك من أجْلِ الحصول على المكسب، ولكونها دعاية وترويجًا مدفوعة التكاليف مقبوضة الثمَن، لذلك لا حرج أن يظهرَ فيها الرجُل في هذا المظهر غير اللائق، والذي لا يعكس شخصيَّته أو يُعبِّر عن خلقه وأخلاقه، أو يراعي المرحلة العمريَّة التي يعيشها، أو الهُوِيَّة العُمانيَّة التي يفترض أن تتَّجهَ به إلى السُّكون والهدوء والحكمة والشَّهامة والتنزُّه عن هذه السقطات، والبُعد عن الهفوات، والنَّأي بالنَّفْس عن مواقع الريب، ومكامن السلبيَّة وانتقاص الكرامة. كما اتَّجهت للمرأة لِتظهرَ اليوم عَبْرَ الانستجرام والسناب شات وغيرها في وضع يجانب الذَّوق العامَّ، والشعور المُجتمعي الراقي، ويتجافى مع دماثة الأخلاق، والقِيَم الرفيعة، وواجب الستر والاحتشام، فإنَّ تأملًا إلى ما تحمله الدعاية في ذهن وقناعة وعقيدة البعض منهنَّ، يحمل في طيَّاته سلوك التغنج والسفور والظهور غير اللائق، واستعراض مفاتن الجسد الذي باتتْ تثير الغريزة وتدعو إلى الانحراف في ظلِّ ما يُبديه جسدها من مفاتن، ويَصِفُه من تقاسيم، من أجْلِ أن تنالَ إعجاب المتابعين، إلَّا مَن رحم ربي، وقليل ما هم.
ولأنَّ الإعلانات التجاريَّة والدعاية اتَّخذت مسار الربحيَّة، فقَدْ عمَّقت التباينات في المُجتمع شعارها نَحْوَ من يدفع أكثر، فله أولويَّة الدعاية وأسبقيَّة الإعلان، وباتتْ أوقات الانتظار لاستلطاف المُرَوِّجين تتَّخذ أشكال الوساطة والمحسوبيَّة، فقَد انتقلت مسألة الدعاية من كونها سلوكًا تجاريًّا إلى ظاهرة اجتماعيَّة، أثَّرت في حياة المُجتمع، وغرست سلوك الاستهلاك والغايات الشرائيَّة في الناشئة بدُونِ الحاجة إليها في أكثر الأحيان، وأضاعت وقت الشَّباب والبنات والنساء أمام متابعة تفاصيل حياة هذه الفئات عَبْرَ المنصَّات الاجتماعيَّة، في طريقة استخدام المساحيق وتجريبها على الوجْه والشَّعر والجسد، في تفاصيل تصِفُ أخصَّ الخصوصيَّات وأدقَّ المكنونات، هذه الصورة القاتمة التي اتَّخذتها الدعاية في استنزاف موارد المُجتمع الفكريَّة والنفسيَّة والماليَّة والمادِّيَّة والأولويَّات والاهتمامات لِتنصبَّ جميعها في خدمة هذه الفئة وأغراضها الدعائيَّة وإعلاناتها التجاريَّة، ولِتضيفَ إلى أرصدة المُرَوِّجين والشركات المتنفِّذة المزيد من المكاسب، في الوقت الذي يتَّجه فيه المُجتمع إلى خطِّ الإفلاس والفقر، كما أنَّ الاستغلال لتعاطف النَّاس معه المُرَوِّجون وناشطو الإعلانات التجاريَّة، وعَبْرَ ما يُسمَّى بالتخفيضات والخصومات والعروض الموسميَّة، ما هي سوى استحمار للعقول، واستنزاف للطَّاقة تحمل معها فكرة الاستنزاف المتدرِّج للموارد، والذي بدا واضحًا اليوم في حجم الإنفاق الاجتماعي عامَّة، وإنفاق المرأة خصوصًا على صالونات التجميل ومنتجات البَشرة والميك أب وتطويل الأظافر، وغيرها من المنتجات الاستهلاكية التي باتتْ تستهلكها المرأة بدُونِ الحاجة إليها، بل أدَّت الإعلانات التجاريَّة والدعاية العشوائيَّة إلى الترويج لمنتجات صحيَّة مرتبطة بوصفات معيَّنة يجِبُ أن لا تصرفَ إلَّا وفق وصفة الطبيب أو استشاري البَشرة والأمراض الجلديَّة، بَيْنَما باتَ يمارسها مُرَوِّجو الإعلانات بدُونِ أيِّ قيدٍ أو شرطٍ أو موافقات طبيَّة، بل قَدْ لا تكُونُ لدَيْهم المعرفة الكافية والفِقه السَّليم في صرف تلك المنتجات الدوائيَّة، بَيْنَما ظلَّت هذه المنتجات تتناقلها الأيدي ويتنافس الرجُل والمرأة على شرائها لمجرَّد عرض مرئي قَدَّمه أحدهم بنجاح استخدام هذا المنتج أو بعض الشركات والمراكز الوهميَّة التي انتشرت في الأسواق، وباتتْ تمارس هذه الدعايات سعيًا لاستقطاب النَّاس لها، ومع ذلك لَمْ تنتهِ الإعلانات التجاريَّة والمُرَوِّجون لها من أصحاب الفلس ومشاهير الغفلة عِنْد هذا الحدِّ، بل حملت معها الكثير من المخاطر التي تجاوزت قِيَم المُجتمع وأخلاقه، فليس غريبًا أن نجدَ من المُرَوِّجات من تروِّج لمنتجات لها علاقة بالجنس وإثارة الغريزة، وتقَدِّم وصفًا لعلاج البرود الجنسي أو غيرها، بل أظهرت بعض المقاطع المتداولة لحسابات ممَّن يسمون أنْفُسهم بالمشاهير على المستوى الوطني، الترويج لمنتجات لها علاقة بالجنس والإثارة ممَّا يجِبُ أن يتنزَّه المرء عن ذكره أو الحديث عَنْه على الملأ، في وضع يحمل في طيَّاته حالة الجرأة المفلسة، والسقوط المريب، ونفوق القِيَم، وغياب الحشمة والمروءة والخجل والحياء، ولأنَّ مَن يتداول هذه المقاطع أو يستخدم هذه المنصَّات ويتابع هؤلاء هُم الشَّباب ممَّن هُمْ دُونَ السنة الأربعين من العمر، فإنَّ ما يحمله ذلك من مشوّهات للقِيَم والأخلاق الفضيلة مدخل يدعو أصحاب الدعاية والمُرَوِّجين إن لَمْ تقننْ مسألة الدعاية بضوابط واضحة في المحتوى والأسلوب والآليَّة والوسيلة ونوعيَّة الموضوع، وتدرس من ناحية تأثيراتها النَّفْسيَّة والفكريَّة وتشجيعها على الإثارة، فإنَّها ستُشكِّل تحدِّيًا على قِيَم المُجتمع وأخلاقه، وترفع من سقف التشويه والاعتداء على المألوف من الطباع والحشمة والأخلاق، لذلك نعتقد بأنَّ المسألة اليوم أكبر من مجرَّد إعلان، أو وسيلة إعلانيَّة أو مُرَوِّج، إنَّها مساحة باتتْ تتعدَّى على الأخلاق باسم الحُريَّات والدعاية والإعلانات، وتستفز المواطن في قِيَمه وأخلاقه ومبادئه وإنسانيَّته.
ومع كُلِّ ذلك فإنَّ ما تمنحه الشركات من أجْلِ الدعاية، يفوق أضعافًا مضاعفة ما تستقطعه من أجْلِ بحْثٍ علمي أو عمل منهجي مؤطر، أو مشروع استثماري تستفيد مِنْه الأجيال أو برنامج توعوي يوجَّه لصالح التوعية بأضرار المخدرات والجرائم الإلكترونيَّة، فإنَّ ما هو حاصل من فوضى في الإعلانات التجاريَّة وخروج عن كُلِّ المفاهيم والثوابت المعتمدة وغياب الضوابط التقنينيَّة والتنظيميَّة أو عدم تفعيلها في حالة وجودها، وموضة الاتِّجاه نَحْوَ استلطاف المُرَوِّجين لِيكُونَ لَهُم حضور في الدعاية الرسميَّة كما باتَ لهؤلاء حضور في الأعمال الفنيَّة الدراميَّة الرمضانيَّة، سابقة خطيرة تستدعي اليوم الوقوف عِنْدها، ومراجعة تأثيراتها على مستقبل النشء واقتصاد المُجتمع، ذلك أنَّ الاقتصاد ونجاحه والمنافسة فيه، وتشجيع العمل الحُر والمؤسَّسات الصغيرة والمتوسِّطة على أن تسلكَ منهج القوَّة في عملها ومنتجها وارتباطها بالمُجتمع وتعاملها مع المستفيدين، تبقى مجرَّد شعار في ظلِّ موجّه سقف الإعلانات التي باتتْ تضع الاشتراطات الخاصَّة بها للترويج من أجْلِ الحصول على الكسب السريع بدُونِ منازع أو أن تكُونَ لها غلبة المنافسة في شراء منتجها، كُلُّ ذلك وغيره يطرح علامات استفهام كبرى حَوْلَ دَوْر الجهات الرقابيَّة المعنيَّة في هذا الأمْرِ والاشتراطات التي يجِبُ أن تكُونَ حاضرة في المنتج والسلعة أو كذلك في المُرَوِّج للسلعة، في دعوة إلى ضرورة وضع الضوابط التي تحافظ على جودة المنتج، وتحافظ على هُوِيَّة المُجتمع وأخلاقه وقِيَمه، ودعوة أيضًا إلى أنَّ الظهور الإعلاني عَبْرَ هذه المنصَّات يجِبُ أن يحتكمَ إلى مبادئ وأُطر وثوابت واضحة لا تسمح لأن تؤثِّرَ هذه الظواهر الصوتيَّة على أخلاق المُجتمع وقِيَمه، إنَّها دعوة في الوقت نَفْسه إلى ضبط مسألة الداخلين في هذا المسار، وتقنين وتأطير مفاهيم الترويج والدعاية والإعلانات، وفق إطار قانوني وتشريعي واضح يُحدِّد أبجديَّات وتفسير هذه المفاهيم، وما يجِبُ أن يكُونَ عليه المسوِّق الإعلاني، وشروط الترويج للمنتج وغيرها من الاستحقاقات والضوابط التي تمتنع هذه الفوضى الهشَّة والصاخبة من أن تؤثِّرَ على نضح الجهود الوطنيَّة السَّاعية إلى تعزيز حضور الكفاءة والإنتاجيَّة والشَّباب العُماني المحترف القادر على أن يتركَ بصمة حضور لها، كما يقلِّل من المنافسات الاحتكاريَّة وانعكاساتها السلبيَّة على العمل الحُر وتوطين الوظائف ومشاريع الشَّباب التي باتتْ تواجه خطر الإفلاس في ظلِّ الدعاية غير المتكافئة، كونها مؤسَّسات صغيرة ومتوسِّطة غير قادرة على أن تلحقَ بالمتنفذين من الشركات الأخرى في المجال، وفي الوقت نَفْسِه غير قادرة على أن تدفعَ آلاف الريالات من أجْلِ دعاية مدفوعة التكاليف لكنَّها غير محسومة العوائد، فبمجرَّد أن ينتهيَ المُرَوِّج من دعايته ويقبضَ ماله قَدْ لا تتحقَّق رغبة المؤسَّسة وطموحها في تحقيق العائد المرتجى من هذه الدعاية، وسلوك التخدير الذي تنتهجه الدعاية عَبْرَ الاستعراض الجسدي والإثارة وإظهار المفاتن.
أخيرًا، يبقى التعامل مع فوضى الدعاية والإعلانات التجاريَّة بحاجة إلى مراجعة جادَّة وأُطر مقنَّنة تضْمن كفاءة آليَّات العمل وأدوات التقييم وجاهزيَّة الرقابة والمتابعة، للحدِّ من التجاوزات التي باتتْ تسيء إلى الموثوقيَّة المؤسَّسيَّة والجاهزيَّة الاقتصاديَّة الوطنيَّة، وضرورة وجود قواعد بيانات وطنيَّة لدى وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار وفق مرجعيَّة واضحة ومسارات مضبوطة تستهدف تسجيل المُرَوِّجين وناشطي الدعاية والإعلانات والقائمين على هذا النشاط في قوائم بيانيَّة محدَّثة، بحيث يكُونُ الداخلون في هذا النشاط مُحقِّقين لجملة من الاشتراطات والالتزامات الشخصيَّة وفي وسيلة الدعاية والممكنات والمهارات وغيرها، بحيث يكُونُ للوزارة حقُّ سحب الرخصة من مزاولة هذا النشاط في أيِّ خروج عن الذَّوق والمشاعر والمبادئ العامَّة.

د.رجب بن علي العويسي
Rajab.2020@hotmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: التی باتت ة الدعایة الم جتمع على الم الق ی م من الم ة التی سلوک ا فی هذا فی الم على أن

إقرأ أيضاً:

نهب الآثار في سوريا... تدمر تواجه خطر الاندثار وسط فوضى أمنية وتفاقم الفقر

تشهد المواقع الأثرية في سوريا، وفي مقدمتها مدينة تدمر، موجة غير مسبوقة من النهب المنظم، نتيجة لانهيار الوضع الأمني وتدهور الأوضاع المعيشية. 

هذا ما كشف عنه تقرير حديث نشره موقع "يورونيوز"، مسلطًا الضوء على تحول هذه المواقع التاريخية إلى مسرح لعمليات تنقيب غير شرعية، مدفوعة بالجريمة المنظمة وغياب الدولة.

جيش الاحتلال يعلن استهداف أحد عناصر حماس في جنوب سورياالولايات المتحدة قد تنشئ قاعدة عسكرية دائمة جنوب شرق سورياخوفا من داعش.. وزير الدفاع العراقي يطالب ببقاء القوات الأمريكية في سوريالأول مرة منذ سقوط الأسد.. سوريا تسمح للمفتشين بالوصول إلى المواقع النووية

تدمر.. من مركز حضاري إلى أطلال منهوبة


تحولت مقابر تدمر الأثرية، التي يعود تاريخها إلى أكثر من ألفي عام، إلى مواقع مستباحة للتنقيب غير القانوني. عمليات الحفر تمتد لأعماق تصل إلى ثلاثة أمتار، بحثًا عن ذهب وقطع أثرية نادرة، وفق ما وثقه "يورونيوز". 

هذه التنقيبات العشوائية تسببت في تشويه المعالم ودمار للطبقات الأثرية الحيوية التي يعتمد عليها الباحثون لفهم تعاقب الحضارات.

الناشط في منظمة "التراث من أجل السلام"، محمد الفارس، حذر من الخسائر العلمية التي لا يمكن تعويضها نتيجة هذا العبث، مؤكدًا أن ما يحدث هو كارثة ثقافية تهدد هوية سوريا التاريخية.

بعد سقوط النظام.. تصاعد غير مسبوق في النهب
ورغم الدمار الكبير الذي لحق بتدمر أثناء سيطرة تنظيم "داعش" عام 2015، إلا أن موجة النهب الحالية اتخذت أبعادًا أكثر خطورة منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي.

 وبحسب مشروع ATHAR المتخصص بتتبع تهريب الآثار، فقد تم تسجيل ما يقرب من 1500 عملية نهب في الأشهر الأخيرة وحدها، أي ما يعادل ثلث الحالات المسجلة منذ عام 2012.

ويصف الدكتور عمرو العظم، أستاذ الأنثروبولوجيا المشارك في المشروع، الوضع الراهن بـ"حمى الذهب الأثري"، حيث انهارت الضوابط الأمنية وتزايدت سرقة الآثار بشكل جنوني.

فيسبوك... سوق إلكتروني للكنوز المنهوبة

تحولت مجموعات فيسبوك العامة والخاصة إلى منصات نشطة لتجارة الآثار، من عملات نادرة إلى فسيفساء ونُصُب حجرية. 

وتشير كايتي بول، المديرة المشاركة في مشروع ATHAR، إلى أن السوق الإلكترونية نشطة كما لم تكن من قبل، حيث تُباع القطع خلال أيام أو أسابيع فقط، بعد أن كانت تستغرق شهورًا في السابق.

وقد وثّق المشروع أكثر من 26 ألف صورة وفيديو توضح حجم هذه التجارة، في حين تضم بعض المجموعات ما يزيد عن 900 ألف عضو، ما يعكس اتساع الشبكات العاملة في هذا المجال.

الحفريات في السلمية... معدات ثقيلة واحترافية مشبوهة


وفي تل الشيخ علي قرب مدينة السلمية، تم توثيق عمليات حفر عشوائية ليليّة يصل عمقها إلى خمسة أمتار باستخدام معدات ثقيلة، ما يشير إلى تورط جهات محترفة تمتلك معرفة تقنية دقيقة. بعض المكتشفات، مثل الفسيفساء بحالة جيدة، توضح أن عمليات النهب ليست عشوائية تمامًا بل تقاد بعناية وخبرة.

من سوريا إلى المزادات العالمية


القطع المنهوبة لا تبقى في الداخل، بل يتم تهريبها إلى تركيا أو الأردن، حيث تُزوّر مستنداتها لاحقًا وتُعرض في مزادات عالمية كأنها شرعية. العديد منها يُباع في أوروبا والولايات المتحدة بأسعار مرتفعة، ما يعكس طلبًا غربيًا متزايدًا على هذه الكنوز المنهوبة.

فشل الرقابة... وفيسبوك في قفص الاتهام


رغم إعلان فيسبوك حظر تجارة الآثار منذ عام 2020، إلا أن التقارير تشير إلى استمرارها بشكل علني، دون أي تطبيق حقيقي للسياسات. تؤكد كايتي بول أن الشركة على علم بحجم المشكلة، لكنها لا تتخذ خطوات فعالة لوقفها.

مسؤولية عالمية ومقاومة محلية


مع تجاوز نسبة الفقر 90% في سوريا، يصعب ردع السكان المحليين عن المشاركة في التنقيب غير الشرعي، خصوصًا في ظل غياب البدائل الاقتصادية. إلا أن الخبراء يشددون على أن الطلب العالمي هو العامل الأهم في استمرار الظاهرة، مطالبين بمحاسبة الجهات الدولية والمزادات التي تشتري هذه القطع.

في ظل غياب الدولة، يبذل السكان المحليون، بدافع وطني وأخلاقي، جهودًا لحماية تراثهم. ويقود محمد الفارس وعدد من سكان تدمر دوريات ليلية تطوعية لحراسة ما تبقى من آثار المدينة، في محاولة يائسة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من ذاكرة حضارية مهددة بالاندثار.

طباعة شارك المواقع الأثرية في سوريا سوريا مدينة تدمر داعش سقوط نظام بشار الأسد

مقالات مشابهة

  • حملة إسرائيلية دعائية مدفوعة لتبرير جرائم الإبادة في قطاع غزة
  • جوجل تمنع مستخدمي أدوات حظر الإعلانات من مشاهدة فيديوهات يوتيوب.. ما القصة؟
  • تركيا تبحث مع مصر والأردن آخر المستجدات بغزة
  • نهب الآثار في سوريا... تدمر تواجه خطر الاندثار وسط فوضى أمنية وتفاقم الفقر
  • حماس..السفينة “مادلين” شهادة حية على فشل آلة الدعاية الصهيونية
  • جوجل تواصل حملتها على أدوات حظر الإعلانات في يوتيوب
  • الخرطوم تستعيج شيئًا من نبضها، مع حلول أول عيد بلا رصاص ولا قصف
  • هل تراجع الإعلام البريطاني عن دور حارس بوابة الدعاية الإسرائيلية؟
  • من الموانئ إلى الدرك الوطني.. تمدد أمريكي ناعم في العمق الجزائري
  • مطاردة مثيرة لعجل هارب تتسبب في فوضى مرورية.. فيديو