لماذا يعتز الفرنسيون بلغتهم؟!
تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT
محمد بن عيسى البلوشي
قبل أكثر من عشرين عامًا توجّه صديقي أبو أحمد بزيارة إلى جمهورية فرنسا في رحلة تعليمية استغرقت شهرين ميلاديين لتعلم اللغة، وما أدهشني حين سؤالي له بعد عودته إلى أرض الوطن الحبيب حول تجربته، هو أن الفرنسيين يعتزون بلغتهم، ولا يودون الحديث مع الآخرين بغير اللغة الفرنسية؛ بل ويمتنعون عن الحديث بغيرها في جميع الأماكن العامة أو الرسمية حتى ولو كان المواطن الفرنسي يتقن غيرها من اللغات.
انطلقت بعدها أبحث عبر محركات البحث الإلكتروني عن هذا الشعب الذي يعتز بلغته إلى هذه الدرجة، فوجدت العديد من التقارير والاستطلاعات تؤكد واقعًا مُعاشًا في فرنسا وهو أن "المجتمع الفرنسي يعتز ببلاغته في الحوار والنقاش إلى جانب اعتزازه الشديد بلغته، ويهتم بمضامين الحوار لا بمحاور النقاش". وهنا أجدني أقف احترامًا لهذه الثقافة التي أرادت لنفسها عبر بوابة اللغة أن تنهض إلى العالم.
إننا في وطننا العربي عمومًا وفي خليجنا خصوصًا بحاجة ماسّة اليوم إلى أن نتمسك بلغتنا العربية حديثًا وخطابًا في مؤسستنا الرسمية أو شركات القطاع العام والخاص مع أبناء وطننا ومن لهم حق علينا في العروبة والعقيدة؛ فترك تلك الخصلة الحميدة أو التهاون في أدائها- كما نشاهد آسفين اليوم في بعض الخطابات والاجتماعات واللقاءات- يترتب عليه تراجعًا في الفكر الإنساني العربي الثري بالبلاغة والفصاحة والعمق في مضامين الحوار، ويستورد باستخدام غير لغة الضاد أفكارًا لا علاقة لها بعالمنا العربي.
إنَّ بعض المُمارسات التي نشاهدها في مجتمعاتنا اليوم باستخدام كلمة "كوفي" بدلًا من "قهوة" أو "مقهى" وأيضًا تعريب بعض المفردات الأجنبية من لغات أخرى إلى اللغة العربية ونشر استخدامها بين العموم بداعي أنها أفكار إبداعية ومبتكرة وتعكس التطور، يُوجِد بعد حين جيلًا يجد صعوبة في سبر أغوار ثقافته العربية والإسلامية والاستمتاع بغنى تلك الثقافة الأدبية والفكرية والثقافية والعاطفية، وسيترتب عليه مشكلات في طريقة التواصل، ويحد من تطور تلك المجتمعات نحو تحقيق أهدافها الإستراتيجية.
عندما يأخذ الإنسان من ثقافة الآخر كل شيء، ويهمل ثقافته؛ بل ويحاول صهرها في الثقافة الأخرى دون الاعتزاز بما عنده، يلبس عباءة التابع؛ فاللغة هي البوابة الكبرى التي من خلالها يدخل البشر إلى ساحة التعرف على الثقافات، فبعضهم يتعلم اللغة ويستخدمها مع من يتحدثها فقط ووقت حاجته الأساسية، ولكن نرى البعض الآخر- وللأسف الشديد- يحاول أن يستبدلها بلغة وطنه وثقافته وعقيدته ويتحدثها مع بني جلدته؛ ليكون بذلك سفيرًا للآخر في وطن لغة الضاد.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
عُمان تحتفل اليوم بالذكرى 44 لتأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية
مسقط- العُمانية
تحتفل سلطنة عُمان غدًا مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الشقيقة بالذكرى الـ 44 لتأسيس المجلس في 25 مايو 1981، والذي مثّل انطلاقة نحو تحقيق التكامل بين دوله الست على مختلف الصُّعد، وبما يُعزّز مصالح الشعوب، ويُحقق تطلعاتها نحو الاستقرار والازدهار والتطوُّر والنماء.
وقد أكّد حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظّم- حفظه الله ورعاه- في خطابه السامي في يوم تولّي مقاليد الحكم في البلاد في الحادي عشر من يناير 2020م على مواصلة دعم المجلس؛ حيث قال- أعزّه الله: "وسنواصل مع أشقائنا قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الإسهام في دفع مسيرة التعاون بين دولنا لتحقيق أماني شعوبنا ولدفع منجزات مجلس التعاون قُدمًا إلى الأمام".
وتواصل سلطنة عُمان التزامها الثابت بمبادئ المجلس وأهدافه، مساهمةً في صياغة قراراته ومبادراته، ودعم آليات التكامل الاقتصادي، وتنسيق المواقف السياسية، وتعزيز التعاون الثقافي والاجتماعي؛ انطلاقًا من إيمانها بأنّ تماسك المجلس ركيزةٌ لصمود المنطقة أمام التحوّلات العالمية المتسارعة والمتغيرة.
وفي هذا الشأن، قال سعادة الشيخ أحمد بن هاشل المسكري رئيس دائرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية والجوار الإقليمي بوزارة الخارجية- لوكالة الأنباء العُمانية- إنّ تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية في عام 1981 شكّل محطةً تاريخية فارقة في العمل العربي المشترك، ولبنة أساسية لبناء منظومة تعاون إقليمي فاعلة وراسخة ومنذ انطلاقته، وقد قطع المجلس شوطًا مهمًا في ترسيخ أسس التكامل والتنسيق بين دوله الأعضاء في شتى المجالات، مستندًا إلى الروابط التاريخية والمصالح المشتركة بين شعوبه. وأضاف سعادته أنّ من أبرز إنجازات المجلس سياسيًّا، قدرته على توحيد المواقف في المحافل الإقليمية والدولية، ودوره في تعزيز السلم والاستقرار في المنطقة، وعلى الصعيد الاقتصادي، يُعدُّ الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة، بالإضافة إلى شبكة الربط الكهربائي ومشروعات النقل، من ثمار التعاون المؤسسي. وذكر سعادته أنه بالرغم من هذه الإنجازات، واجه المجلس بعضًا من التحدّيات، منها التباينات في الرؤى السياسية والتحدّيات الاقتصادية والتحولات الإقليمية المتسارعة، إلا أن آليات الحوار والتشاور التي أرساها المجلس ساعدت على تجاوز العديد من العقبات بروح من المسؤولية والحكمة. وأشار سعادته إلى أنّ طموحات التأسيس للمجلس كانت ولا تزال كبيرة، وقد تحقق الكثير منها، غير أن هناك مجالات لا تزال بحاجة إلى دفع أكبر وتسريع في وتيرة التنفيذ، لا سيما في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والتشريعية، مضيفًا أنّ المجلس يظل إطارًا حيًّا ومتطورًا يعكس الإرادة السياسية لدوله الأعضاء في مواصلة البناء وتعزيز الترابط والتكامل في مختلف المجالات.
وحول دور مجلس التعاون في تعزيز الاستقرار في منطقة الخليج والشرق الأوسط بشكل عام، أكّد المسكري أنّ مجلس التعاون يؤدي دورًا محوريًّا في تعزيز الأمن الجماعي، والتصدي لمصادر التهديد، والدفع باتجاه الحلول السلمية للأزمات الإقليمية. كما يعمل على تقوية شراكاته الاستراتيجية مع القوى الدولية والفاعلين الإقليميين بما يضمن توازن المصالح وحماية أمن واستقرار الخليج والمنطقة. وأشار سعادته إلى أنّ مجلس التعاون ينتهج سياسة مسؤولة ترتكز على احترام مبادئ القانون الدولي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. كما يسعى إلى المساهمة الفاعلة في تسوية النزاعات عبر الوساطة والدبلوماسية الوقائية، ومن الأمثلة على ذلك تأكيده الدائم على مركزية القضية الفلسطينية، ورفضه لأشكال التصعيد والتدخلات الخارجية في المنطقة.
وفيما يتعلق بدور سلطنة عُمان في تعزيز التعاون الخليجي، خاصة في الملفات ذات الطابع التوفيقي قال سعادته: "لطالما تبنّت سلطنة عُمان سياسة خارجية قائمة على الحوار والتوازن، وسعت بكل إخلاص إلى تقريب وجهات النظر وتعزيز وحدة الصف الخليجي، مؤكّدًا أنّ سلطنة عُمان تحرص على دعم مسيرة مجلس التعاون في جميع مراحلها، وتشجيع المبادرات التي تُسهم في تقوية العمل الخليجي المشترك، ولا سيما في الملفات التي تتطلب معالجات توافقية وتفاهمات مدروسة". وبيّن سعادته أنّ الرؤية المستقبلية للمجلس تتطلب مواكبة التحولات العالمية من خلال تحديث الآليات، وتفعيل أدوات التكامل، وتعزيز السياسات الموحدة في ملفات استراتيجية كالأمن السيبراني، والتغير المناخي، والتنمية المستدامة، إلى جانب مواصلة العمل نحو اتحاد اقتصادي متكامل يحقق الأمن والرفاه لشعوب دول المجلس.
وحول مستقبل التكامل الخليجي في مجالات مثل الاقتصاد الرقمي، والأمن الغذائي، والطاقة المتجددة أوضح سعادته أنّ هذه المجالات تشكّل أولوية قصوى في أجندة التعاون الخليجي حاليًا، ومن المتوقع أن يشهد التنسيق الخليجي فيها تطورًا ملموسًا، من خلال استراتيجيات موحدة ومبادرات مبتكرة.
وأكّد سعادة الشيخ رئيس دائرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية والجوار الإقليمي بوزارة الخارجية أنّ سلطنة عُمان تؤمن بأنّ وحدة وتكامل البيت الخليجي، القائم على المصير المشترك والاحترام المتبادل، هو الركيزة الأهم لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية في المنطقة، وهو ما تحرص السلطنة على ترسيخه بالتعاون مع أشقائها في مجلس التعاون، انطلاقًا من رؤية شاملة لمستقبل أكثر ازدهارًا وتماسكًا لدول المجلس وشعوبه.