4 إشارات خطيرة من اقتحام بن غفير للأقصى
تاريخ النشر: 27th, May 2025 GMT
في الذكرى الثامنة والخمسين لاستيلاء إسرائيل على مدينة القدس، اقتحم وزراء في حكومة بنيامين نتنياهو وأعضاء بالكنيست، ومجموعة من المستوطنين والمتشددين، يتقدمهم وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، باحات المسجد الأقصى، دون أن يرقى رد الفعل في العالمين: العربي من المحيط إلى الخليج، والإسلامي من غانا في غرب أفريقيا إلى فرغانة في وسط آسيا، إلى خطورة هذا الحدث.
من يراجعُ تاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي كله، يرى أن وضع "المسجد الأقصى" ظل خاصًا ومختلفًا، حيث احتفظ بحساسية شديدة، أدركتها الحكومات الإٍسرائيلية المتعاقبة، وكانت تتفادى أي إجراءات من الممكن أن تثيرَ غضب المسلمين عامة، فيلتفوا أكثر حول "القضية الفلسطينية" في اتجاه يتضادّ مع تدابير تل أبيب الرامية على الدوام إلى وضع حدود أو سياجات فاصلة مرتفعة بين الفلسطينيين وعمقهم العربي ـ الإسلامي. أو حتى تثير غضب الفلسطينيين أنفسهم، الذين يحملون في ضمائرهم، وعلى أكتفاهم، العبء الذي يقع على أول فوج أو أول خط يدافع عن المسجد الأقصى بحكم الجغرافيا والتاريخ والسياسة أيضًا.
قبل ربع قرن جرّبت إسرائيل مدى صمود هذه المعادلة، وكان تحديدًا يوم الخميس الموافق 28 سبتمبر/ أيلول 2000، حين اقتحم زعيم حزب الليكود الذي كان يمثل المعارضة الإسرائيلية آنذاك أرييل شارون باحات المسجد الأقصى- يحرسه ثلاثة آلاف من شرطة الاحتلال والمخابرات والحرس، بموافقة رئيس الوزراء إيهود باراك- فتصدّى له المصلون، لا سيما بعد أن أعلن أن الحرم القدسي سيبقى منطقة إسرائيلية، واستشهد في هذا اليوم سبعة فلسطينيين وجُرح 250 آخرون، كما أُصيب 13 جنديًا إسرائيليًا، فكانت شرارة انتفاضة فلسطينية عارمة.
إعلانلم يتأخر رد فعل الفلسطينيين، إذن، على ما فعله شارون، رغم أنه لم يكن قد مرّ سوى أسبوعين على جولة مفاوضات عُقدت في منتجع "كامب ديفيد" بدعوة من الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، ومشاركة رئيس الوزراء الإسرائيلي باراك، والرئيس ياسر عرفات، الذي رفض وقتها تقديم تنازلات من شأنها التوقيع على الاتفاقية التي كانت ترسم شكل الدولة الفلسطينية المستقبلية، ثم انجذب إلى انتفاضة الشعب الفلسطيني التي أطلق عليها "انتفاضة الأقصى".
استمرت هذه الانتفاضة نحو عشرين شهرًا، وشهدت مواجهات وصدامات عديدة بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال الإسرائيلي، وتصاعدت فيها وتيرة الأعمال العسكرية بين الفصائل الفلسطينية والجيش الإسرائيلي، حيث شنت الفصائل الفلسطينية هجمات داخل مدن إسرائيلية، قامت خلالها بتفجير مطاعم وحافلات.
وكانت الحصيلة النهائية لهذه الانتفاضة استشهاد ما يقرب من 4.500 فلسطيني، وإصابة أكثر من 50 ألفًا، بينما قتل من الإسرائيليين 1.100 بينهم ثلاثمئة جندي، وجُرح 4.500 آخرون.
وتجاوب الشارع العربي والإسلامي مع المنتفضين، فخرجت مظاهرات عارمة في مدن عديدة، وتوالت المواقف الرسمية المتضامنة مع الحق الفلسطيني، موزعة على بيانات وتصريحات ولقاءات واجتماعات وقمم عربية، خاطبها عرفات من مكان حصاره في المقاطعة برام الله، وتحول فيها الطفل الفلسطيني محمد الدرة الذي استشهد في حضن والده إلى أيقونة عالمية بامتياز.
اليوم، ورغم تزامن اقتحام الأقصى مع استمرار "الإبادة الجماعية" في غزة، لم يكن هناك رد فعل قوي، على هذه الواقعة، ولم نسمع اعتراضًا واسعًا يكافئ ما أقدم عليه بن غفير، لا سيما مع التحدي الشديد الذي أبداه، حيث وقف في باحات الأقصى، وخلفه يظهر مسجد "قبة الصخرة" وراح يتحدث عن صعوده "جبل الهيكل" ويقول إنه قد صلى "من أجل النصر في الحرب، وعودة جميع الأسرى، ومن أجل نجاح رئيس جهاز الشاباك الجديد ديفيد زيني، " فيما أسماه "يوم توحيد القدس".
إعلانتزامن هذا مع حديث نتنياهو السافر الظاهر عن رغبة في ضم القدس، والحصول على تأييد دولي لهذه الخطوة، بعد أن عقدت الحكومة الإسرائيلية جلستها الأسبوعية في حي سلوان الفلسطيني بالقدس الشرقية، حيث تسميها إسرائيل "مدينة داود"، والتي يديرها مستوطنون، وسط مسيرة أعلام شارك فيها عشرات الآلاف من الإسرائيليين.
أدانت الأردن هذا الحدث ووصفته بـ "الممارسات الاستفزازية المرفوضة"، وكذلك فعلت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، التي ربطت بين ما أقدم عليه بن غفير وبين ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من "إبادة وتهجير وتهويد وضم".
وخرجت إدانات أخرى من دول عربية، لكن كل هذا لا يكافئ خطورة ما جرى، ولا يماثل أي رد فعل سابق على محاولات إسرائيل اختبار الموقف العربي ـ الإسلامي من قضية القدس عمومًا، والمسجد الأقصى على وجه الخصوص.
ويُعزى هذا الرد الفاتر إلى عدة أسباب وإشارات يمكن قراءتها على النحو التالي:
أولها: إصابة عموم العرب والمسلمين بحال من الاعتياد على ما يجري للشعب الفلسطيني أثر استمرار حرب "طوفان الأقصى" لما يقرب من عشرين شهرًا، ما جعل كثيرين يرون فيما أقدم عليه بن غفير يبدو قليلًا، على رمزيته الخطرة، قياسًا بما يجري في قطاع غزة من قتل وتدمير.
وثانياً: هو تكبيل أغلب الشعوب في العالمين العربي والإسلامي بقيود لمناصرتهم الشعب الفلسطيني على مستوى الخطاب والحركة، من قبل سلطات سياسية تخشى من أن يلقي عليها التعاطف الشعبي مع القضية الفلسطينية أعباء جسيمة تمس استقرارها وشرعيتها وتجرح أخلاقها. فضلًا عن اتجاه كثير من هذه السلطات إلى تبني سردية مختلفة، وانتهاج مقاربة مغايرة، للتعامل مع القضية الفلسطينية، غير هذه التي تم تبنيها عقودًا من الزمن.
وثالثاً: يتمثل في الأثر السلبي للانهيارات السياسية والاقتصادية التي طالت بلدانًا عربية عدة، كانت حكوماتها وشعوبها من قبل لا تزال تنظر إلى فلسطين بوصفها "قضية العرب المركزية"، وتقارب الصراع على أنه عربي ـ إسرائيلي، وليس فلسطينيًا ـ إسرائيليًا فحسب.
اليوم تغرق شعوب هذه الدول في مشكلاتها الداخلية الطاحنة، باحثة عن أي خلاص يعيد التماسك إلى ربوع الدول المضطربة، وينجيها من التفكك والانقسام، أو يطبّب بعض عوز الشعوب المادي الفادح والفاضح، وهو ظرف عصيب بدّد جزءًا كبيرًا من طاقة الناس في محاولات مضنية لحل مشكلاتهم الذاتية، ولم يعد لديهم، على ما يبدو، فائض قوة، يمنحونه لفلسطين، ولو من باب الاحتجاج السلمي.
إعلانوأخيراً: فيتمثل في فقدان الأمل في إمكانية أن يؤدي أي احتجاج إلى إثناء حكومة نتنياهو عن تصرفاتها الخرقاء، سواء ضد أهل غزة والضفة الغربية، أو في تنصلها من أي اتفاقات سابقة مع الفلسطينيين وفق "أوسلو" وما تبعها من اتفاقات حول "الحل النهائي"، أو حتى وفق أي اتفاقات وقوانين دولية حول الصراع العربي ـ الإسرائيلي برمته.
وهناك سبب خامس يخص الشعب الفلسطيني نفسه، الذي تم إنهاكه في معركة طويلة، ولا يزال يعاني من انقسام حيال مقاربة ومعالجة كل ما يأتي في ركاب حرب "طوفان الأقصى"، أو ما يتعلق بترتيبات اليوم التالي لتوقف هذه الحرب، بل إن هذا نفسه لا يلوح في الأفق ما يدل عليه، ولا يملك أحد يقينًا ببلوغه عما قريب، في ظل إصرار نتنياهو على مواصلة القتال.
إن غياب رد الفعل العربي ـ الإسلامي، الذي يكافئ خطورة ما فعله بن غفير ومن معه، معناه ببساطة أن الحكومة الإسرائيلية الحالية، وعلى العكس من كل سابقاتها، قد كسرت الحاجز النفسي ـ السياسي، الذي كان يمنعها من الاقتراب على هذا النحو السافر والجارح من المسجد الأقصى، وقد يشجعها هذا، للأسف الشديد، على الانتقال إلى خطوات تالية، يتحدث عنها بعض المتطرفين اليهود حول هدم المسجد الأقصى تمامًا، وبناء الهيكل، وفق تصورات ووعود دينية يؤمنون بها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الشعب الفلسطینی المسجد الأقصى العربی ـ بن غفیر
إقرأ أيضاً:
فرنسا تدين اقتحام بن غفير المسجد الأقصى
الثورة نت/..
أدانت فرنسا، اليوم الاثنين، اقتحام الوزير فيما يعرف بحكومة الكيان “الإسرائيلي” اليميني إيتمار بن غفير باحات المسجد الأقصى المبارك في مدينة القدس المحتلة.
وقالت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان، إن ما حدث انتهاك للوضع الراهن التاريخي للأماكن المقدسة في القدس، واستفزاز جديد غير مقبول، وذلك وفق وكالة فرانس برس.
ودعت الخارجية الفرنسية، سلطات الاحتلال إلى اتخاذ كل التدابير اللازمة لضمان احترام الوضع الراهن التاريخي في الأماكن المقدسة في القدس.
واقتحم إيتمار بن غفير المسجد الأقصى رفقة عدد من أعضاء الحكومة والكنيست ومجموعة من المستوطنين.
ووصل بن غفير، الاثنين إلى باحات المسجد الأقصى ضمن فعاليات إحياء ما يعرف بــ “يوم القدس” وذكرى احتلال العدو لشرقي القدس في العام 1967.