ربما كان دانيال قاسيًا للغاية على الشعب الليبي، فقد مرّ الإعصار المدّمر على دول عدة، لكنه لم يفعل فعلته من التدمير والنسف والإخفاء والاقتلاع والدمار، مثلما فعل في شرق ليبيا، ولحد اللحظة فإن استيعاب الكارثة داخل وخارج ليبيا لا يزال مرّوعا، ولم تظهر أرقام رسمية نهائية تحيط بالدمار والخسائر البشرية والمادية الفادحة، وبالخصوص في درنة التي جاءت يد دانيال عليها ساحقة.


العاصفة المرعبة، التي ما لبثت أن تحولت لإعصار مدمر ، قامت بأعمال يوم القيامة في الشرق الليبي وللأسف الشديد، لم يكن هناك أي استعداد ولم يتم التعامل معها ما كان ينبغي، فجاءت الصدمة هائلة، بعدما اختفت أحياء بكاملها من مدينة درنة وسقطت في المتوسط. فالسيل أزاح 40 % من درنة إلى البحر، فسقطت بسكانها ومبانيها وسياراتها، وآلاف الجثث يتم انتشالها حتى اللحظة، وصلت رسميًا إلى 4 آلاف جثة، وتقديرات بتضاعف العدد، كان الله في عون الشعب الليبي.
ويمكن التوقف في كارثة دانيال، أمام العديد من مشاهد الحزن والهزيمة والفخر كذلك، في المأساة التي لن تُنسي لعشرات السنين القادمة عند الليبيين والمصريين ومختلف الجنسيات التي  فقدت أبنائها على الأرض الليبية جراء الإعصار:- 
-ومن المشاهد التي تدعو للفخّر، هبة الليبيين جميعهم من المنطقة الغربية، ومن كل المدن للمساعدة في أعمال الاغاثة والانقاذ، وإرسال قوافل المساعدات، فاللحظة مهيبة وليبيا كلها توحدت شعبيًا بعد سنوات من الانقسام والتفتت منذ 2011 على أرض درنة، والجميع يتسابق لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من قبضة دانيال.
-وكانت وقفة مصر منذ اللحظة الأولى للكارثة، والتي وجه فيها الرئيس السيسي بتسخير كل الإمكانيات لخدمة الشعب الليبي، والمساهمة في عمليات الإنقاذ وإرسال حاملة الطائرات الميسترال، للعمل كمستشفى ميداني وإرسال مئات الأطنان للمساعدة، وعشرات من رجال القوات المسلحة لأعمال الإغاثة والانقاذ وعمل معسكرات للإيواء في المناطق الخالية والآمنة، على أرض ليبيا موقف يدعوا للفخر، فالمأساة واحدة والحزن واحد، كما يدعو للفخر كذلك قوافل المساعدات وفرق الإغاثة التي تدفقت على ليبيا من دول الجوار تونس والجزائر، ومن الدول الخليجية الإمارات وقطر والسعودية وغيرهم لنجدة الليبيين.
-لكن مشاهد الحزن، كانت حاضرة وفاجعة منذ الدقائق الأولى، وزادت عندما خرج رئيس المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، بيتيري تالاس، وقال إن معظم الوفيات جراء الإعصار دانيال في ليبيا، كان بالإمكان تجنبها، وأحد أسباب وقوع الكارثة، هو غياب الرصد الجوي، بعد أعوام من الصراع الذي دمر شبكة الرصد وعدم صيانة البنية التحتية على مدار أعوام طويلة، وإنه لو كان هناك نظام أرصاد جوية يعمل بكفاءة في ليبيا، وسلطات محلية قادرة لجرى إجلاء آلاف السكان وإنقاذهم من الموت. 
-المأساة المروعة، لم تكن فقط في العاصفة التي هلت بالسيول والفيضانات الغزيرة، ولكنها زادت توحشا عندما انهار سدّي درنة، وكان يوم الهول العظيم، فانهيار السدّين بالتزامن مع العاصفة، جرف أمامهما آلاف السكان للبحر ومئات المنازل، وكان الإهمال والتقصير والعجز عن الصيانة منذ 2011، المسؤول الوحيد عما حدث ودفع النائب العام الليبي، لفتح تحقيق في الكارثة التي زادت غضب الليبيين.
-أرقام الكارثة في ليبيا لا تزال غير مكتلمة، لكن ما قالته اللجنة الدولية للصليب الأحمر، عن وجود مليون متضرر ليبي من كارثة دانيال، وما أكدته المنظمة الدولية للهجرة عن نزوح 43 ألفا آخرين عن منازلهم وموت الآلاف، ووجود آلاف آخرين في عداد المفقودين يكشف عن وجه مرعب لدانيال في الشرق الليبي، وفي درنة التي أصابها ما أصابها.
-وما يدعو للإحساس بالهزيمة فوق هذا كله، هو عدم قدرة السلطات الليبية "شرق وغرب"، وأمام هذه الكارثة المروعة، على أن تتوحد وتشكل لجانا مشتركة للعمل على الأرض، فقد بقيت حكومتا الشرق وطرابلس كل يعمل بمفرده، في مشهد مخزي أمام الدمار الواسع والضحايا بالآلاف الذين زهقت ارواحهم، في ساعات معدودة صباح الإثنين الأسود 11سبتمبر الجاري.
-وللذين لا يعلمون فالكارثة لم تنته، وإعصار دانيال لا قدر الله قد يتكرر، وهذا ليس بأيدينا ولا بأيدي أي أحد ولكنها في يد الله، ولا يعقل أن يكون الانقسام هو سيد الموقف في التعامل مع مثل هذه الأزمات المروعة.
-ليبيا اليوم في أمس الحاجة للتوحد السياسي، والخروج من صفحة الفوضى التي تضربها منذ الربيع الأسود 2011 وتطغى على كل مظاهر الحياة بها، وعلى الجميع أن يرتقوا الى مستوى الكارثة، وينظروا بعين الجد والتعاطف في قائمة المطالب التي رفعها أهالي درنة المنكوبة، وفي مقدمتها تحقيق شامل فيما حدث وتوحد البلاد وسلطاتها أمام الفاجعة.
والخاتمة.. سلام على ليبيا وعلى أرواح آلاف الضحايا الذين سقطوا جراء العاصفة دانيال، وعلينا جميعا تذكر الدروس القاسية لدانيال، وأخذ العبرة والعظة منها فالتغير المناخي قادم وبقسوة.

المصدر: صدى البلد

إقرأ أيضاً:

بهجت العبيدي: الحزن يخيم على أبناء الجالية المصرية بسبب أداء منتخب مصر الفاضح

قال بهجت العبيدي، الكاتب المصري المقيم بالنمسا ومؤسس الاتحاد العالمي للمواطن المصري في الخارج، إن أبناء الجالية المصرية في الخارج  وأوروبا استقبلوا خسارة منتخب مصر أمام الأردن بثلاثية نظيفة في كأس العرب بحزن بالغ، واصفا الأداء بأنه “غير مقبول بأي معيار كروي”.
وذكر أن ما جرى على أرض الملعب لم يكن مجرد تعثر طبيعي، بل كان عرضا باهتا كشف غياب الروح، وافتقاد الانسجام، وغياب أي خطة يمكن الدفاع عنها أمام جمهور عاشق ينتظر شيئا يليق بتاريخ الكرة المصرية.
وتمنى العبيدي أن تكون هذه الهزيمة صدمة إيجابية تعيد حسابات المنتخب واتحاد الكرة، وأن تدفع إلى إعادة بناء الفرق الوطنية على أسس فنية واضحة، لا على المجاملات التي يدفع ثمنها الجمهور في كل بطولة.
وطالب الأجهزة الفنية والإدارية وقبلها اتحاد كرة القدم ووزارة الشباب والرياضة بتحمل المسؤولية بشجاعة، وتقديم تفسير صريح للجماهير، مؤكدا أن احترام الجمهور يبدأ بالشفافية، ثم بخطة واقعية لإعادة المنتخب إلى مكانته الطبيعية.
وأضاف أن الجاليات المصرية، رغم البعد الجغرافي، تتعلق بمنتخب بلادها كنافذة عاطفية على الوطن، وأن الخسارة بهذا الشكل تركت أثرًا محبطا بينهم، داعيا إلى مشروع كروي حقيقي يستعيد الثقة ويعيد الفخر لقميص المنتخب.

مقالات مشابهة

  • عادل عبد الرحمن: هذه أسباب إخفاق المنتخب بكأس العرب.. والهزيمة أمام الأردن جرس إنذار
  • إبراهيم النجار يكتب: وعود ترامب.. وماذا بعد؟!
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: العودة للخرطوم ورسائل مفضل
  • بهجت العبيدي: الحزن يخيم على أبناء الجالية المصرية بسبب أداء منتخب مصر الفاضح
  • المسيرة القرآنية .. إعصار الوعي الذي حطم أدوات التضليل ونسف منظومة الحرب الناعمة للعدوان
  • الأنبا دانيال يرسم شمامسة جدد لكنيسة أبي سيفين والأنبا رويس بالمعادي
  • ليبيا تحتل المرتبة الثالثة عربيًا في ترتيب الدول التي يعاني مواطنيها من الاكتئاب
  • محافظ المنيا يؤدي صلاة الجنازة على شهداء الواجب وينعى القضاة
  • كيت وينسلت تستعيد رحلتها مع الحزن عبر تجربتها الإخراجية في فيلم "وداعًا جون"
  • رئيس مجموعة العمل الوطني الليبي: مصر رسمت خطوطاً حمراء أنقذت ليبيا من السقوط الكامل