من السرير لأصوات نزلاء قربه.. ساركوزي يروي تفاصيل قضاها بالسجن بعد إدانته بأموال ليبيا
تاريخ النشر: 11th, December 2025 GMT
(CNN)-- كتب الرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي، في كل أربع وعشرين ساعة قضاها خلف القضبان، أكثر من عشر صفحات من كتابه الجديد الذي يروي فيه تجربته في سجن لا سانتيه بباريس.
ويتذكر الرئيس الفرنسي الأسبق في كتابه، الذي صدر، الأربعاء، بعد شهر من خروجه من السجن في العاشر من نوفمبر/ تشرين الثاني، قائلاً: "كان من الممكن أن يكون فندقاً متواضعاً، لو تجاهلنا الباب المدرع ذي فتحة المراقبة".
ويصف ساركوزي السجن بأنه "جحيم"، وذلك في "مذكرات سجين"، التي تتناول موجة الاهتمام والتدقيق الشعبي المكثف الذي أحاط بإدانته في سبتمبر/ أيلول بتهمة التآمر الجنائي لتمويل حملته الانتخابية عام 2007 بأموال من ليبيا.
وأُفرج عن ساركوزي مبكراً من عقوبته البالغة خمس سنوات في نوفمبر/ تشرين الثاني بانتظار البتّ في استئنافه، ويقول عن فترة سجنه إن المنظر من نافذته كان محجوباً بألواح بلاستيكية، مضيفاً أنه كان من المستحيل رؤية السماء أو حتى معرفة حالة الطقس، ويكتب أنه كان يتعرض ليلاً لسخرية زملائه السجناء التي كانت تتردد أصداؤها في أرجاء مجمع السجن. وفي إحدى الليالي، استيقظ على صوت سجين أشعل النار في زنزانة مجاورة.
فترة عصيبة
كانت تلك الفترة بعيدة كل البعد عن الرفاهية التي كان يتمتع بها كرئيس لفرنسا بين عامي 2007 و2012.
وكتب: "جلستُ على السرير، الذي لم يكن مُرتبًا، فصُدمت. لم أشعر قط، حتى خلال خدمتي العسكرية في الجيش، بمرتبة أقسى من هذه. حتى الطاولة كانت ستكون أنعم"، ومع ذلك، وكغيره من السجناء فيما يُسمى بجناح الشخصيات المهمة، الذي يتألف من 18 زنزانة، كان يتمتع بتلفاز خاص، ودُش، وثلاجة، وموقد طهي.
ويروي الكتاب تفاصيل حياته اليومية في السجن، ويتخللها لمحات من الأسابيع التي تلت صدور الحكم عليه وحتى وصوله إلى أبواب سجن لا سانتيه في 21 أكتوبر/ تشرين الأول.
وفي فرنسا، أُثيرت ضجة كبيرة حول اللقاءات الرسمية التي عُرضت على ساركوزي بعد إدانته.
وفي السجن أيضاً، زاره زميله السابق ووزير العدل الحالي، جيرالد دارمانين، مما أثار استنكاراً شديداً من كثيرين في فرنسا. ووفقاً للكتاب، تلقى رسائل ومكالمات دعم من قادة العالم وسفراء.
وقال ساركوزي إن السفير الأمريكي في باريس، تشارلز كوشنر، والد جاريد كوشنر، صهر دونالد ترامب، طلب أيضاً لقاءه لأول مرة في السجن. وكان كوشنر الأب، الذي عفا عنه ترامب لاحقاً، قد قضى عقوبة السجن بتهمة التهرب الضريبي، والانتقام من شاهد فيدرالي، والكذب على اللجنة الانتخابية الفيدرالية.
مع لقاءات مباشرة مع عائلته مرة كل يومين على الأقل، فإن واقع ساركوزي في السجن يختلف تمامًا عن وصفه لحياة النزلاء فيما يُسمى بجناح كبار الشخصيات أو جناح العزل. يكتب: "لا أحد يراهم. لا أحد يقابلهم".
ولادة جديدة
بالنسبة لساركوزي، يُمثل الكتاب محاولةً لتحسين صورته العامة.
انتهى زمن الجدل الدائر حول تطبيق العدالة الصارمة. فقد صرّح الرئيس الفرنسي، المعروف بتشدده في تطبيق القانون والنظام، عام 2012: "يجب على المحاكم الفرنسية أن تُعاقب، لأنّ كون المرء مجرماً رفيع المستوى أسوأ بكثير من كونه مجرماً عادياً".
وفيما حلّ محلّ ذلك، رواياتٌ وردية عن حياته بعد الإدانة.
ويروي بالتفصيل كيف اصطحب مريضاً مراهقاً مصاباً بالسرطان إلى مباراة كرة قدم قبل أيام من دخوله السجن، وكيف استقبله الجمهور بالتصفيق في المطاعم. ويقول إنّ مشجعي كرة القدم غمروه بالدعم، ويتذكر كيف اصطفت العائلات على جانبي الشوارع أثناء اصطحاب موكبه إلى السجن، وهو ما يُشابه، على حدّ قوله، الحشود التي هلّلت له ليلة انتخابه رئاسياً.
وتلقى موظفو السجن سيلاً من رسائل المعجبين، شملت 20 نسخة من الكتاب المقدس، و30 نسخة من الرواية نفسها الحائزة على جوائز، ومئات الرسائل يومياً – "أكثر مما تلقيته كرئيس"، كما كتب.
ولمن قد يظن أن الكتاب يبالغ في تصوير فترة سجنه، يحذر السطر الأول من الكتاب: "هذه ليست رواية".
رئيس مدان
متمسكاً ببراءته المعلنة، يخصص ساركوزي نصف فصل لانتقاد التحقيق الصحفي الذي أدى إلى إدانته في نهاية المطاف.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني، أيدت أعلى محكمة في فرنسا إدانته في قضية منفصلة تتعلق بتمويل غير قانوني لحملته الانتخابية لإعادة انتخابه عام 2012. وهو من بين القلائل من القادة السياسيين المعاصرين الذين خاضوا تجربة السجن كسجين.
ومن المثير للدهشة أنه يقارن نفسه بألفريد دريفوس، السجين السابق في سجن لا سانتيه، والذي أصبح قضيةً بارزةً في فرنسا بسبب اضطهاده الظالم. وقد سعت فرنسا لاحقًا، بعد أن كان دريفوس ضحيةً لمعاداة السامية الشرسة، إلى تصحيح الظلم الذي لحق به.
وتُعدّ زيارات قسيس السجن كل أحد من أهم محطات فترة سجن ساركوزي التي استمرت 20 يومًا. ويُصرّح الرئيس السابق بأنه استعاد إيمانه، مستمدًا العون من سيرة السيد المسيح التي أحضرها معه إلى زنزانته. كما أحضر معه مجلدين من رواية "الكونت دي مونت كريستو"، التي تُصوّر قصة هاربٍ أسطوري من السجن.
يبدو أن السياسي اليميني قد تأثر بشكل لا يُنكر بفترة سجنه. فبعد أن لمس رعاية الموظفين، وواقع الحياة القاسية خلف القضبان، بدا ألم الفراق عن عائلته جليًا. وكذلك تقديره الجديد لكل ما فقده: "في سجن لا سانتيه، بدأت حياتي من جديد"، هكذا يختتم كتابه.
لكن يكاد يخلو الكتاب، المؤلف من 213 صفحة، من أي تعاطف مع زملائه السجناء. فهو يُصوّر نفسه كرجلٍ مُختلف، حرفيًا - معزولًا عن زملائه السجناء ويحظى بمعاملةٍ من الموظفين - ومجازيًا، كرجلٍ بريء يعيش "ما لا يُتصور"، كما يدّعي.
ويكتب ساركوزي في الصفحات الأخيرة من كتابه، مستذكراً حشود الشرطة والإعلام والمؤيدين التي أحاطت به خلال فترة سجنه: "دخلتُ السجن رئيساً للدولة، وخرجتُ منه بنفس المنصب".
لكنّ واقع سجن ساركوزي أكثر قسوة. فقد دخل السجن مداناً، وخرج منه بنفس المنصب.
المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: نيكولا ساركوزي القضاء الفرنسي نيكولا ساركوزي فترة سجنه فی السجن فی فرنسا فترة سجن
إقرأ أيضاً:
الشرع يروي للجزيرة تفاصيل الساعات الأخيرة لسقوط نظام الأسد
كشف الرئيس السوري أحمد الشرع للجزيرة كواليس الساعات الأخيرة التي سبقت انهيار نظام بشار الأسد، وتمكُّن المعارضة المسلحة من بسط سيطرتها على العاصمة دمشق، منهيةً خمسة عقود من حكم عائلة الأسد لسوريا.
وقال الشرع، في مقابلة مع الجزيرة خلال وثائقي "مفاتيح دمشق" الذي بُث مساء الأحد، إن مراسلات جرت بين غرفة عملية "ردع العدوان" والجانب الروسي خلال تلك العملية، التي أطلقتها المعارضة السورية وانتهت بسقوط بشار الأسد قبل عام من الآن، مؤكدا أنه استشعر من هذه المراسلات قُرب سقوط النظام.
وأضاف أن سرعة إيقاع عملية "ردع العدوان" فاجأت إسرائيل، التي كانت تُخطط لمهاجمة سوريا بعد انتهاء حرب لبنان.
وأوضح الشرع أن الطرف الروسي أرسل له رسالة بعد أن سيطرت قوات "ردع العدوان" على الريف الغربي لحلب، مفادها: "توقفوا عند هذا الحد وخذوا ما أخذتم وإلا سيتم تصعيد الموقف". ويقول الشرع إنه فهم من الرسالة الروسية أن نظام الأسد ينهار.
اجتماع مع السفراء
بدوره، قال وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إن اجتماعا عُقد مع الروس بمعبر "باب الهوى"، قبل ساعات من سقوط الأسد، وإنه تم إبلاغ الروس بالمتغيرات، وكيف يمكن أن تكون العلاقات المستقبلية بين الجانبين.
وأوضح في الفيلم الوثائقي أنه اجتمع في اليوم الثاني لسقوط نظام الأسد مع السفراء العرب والأجانب المعتمدين في دمشق، وشرح لهم المتغيرات الجديدة، وتطلُّع النظام الجديد للتعاون مع جميع الدول، وقال إن السفراء فضَّلوا البقاء في دمشق.
أما وزير الدفاع مرهف أبو قصرة، فقال إن عملية إسقاط نظام الأسد سُميت "ردع العدوان"، لأن النظام المخلوع ظل يستهدف المناطق المحررة طيلة 5 سنوات.
وكشف الوثائقي، الذي نُشِر بمناسبة مرور عام على انتصار الثورة، كواليس الأيام الـ11 التي سبقت سقوط الأسد، والتي أنهت 13 عاما من الثورة التي قَتل خلالها النظام مئات الآلاف من السوريين واستخدم ضدهم الأسلحة المحرمة دوليا.
إعلان