هاتف رئيس الوزراء محمد اشتية ، مساء اليوم الجمعة، رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ونقل إليه تعازي الرئيس محمود عباس ، وتعازي مجلس الوزراء، والشعب الفلسطيني، بضحايا الحريق الذي نشب في صالة للأفراح، في قضاء الحمدانية، بمحافظة نينوى شمال العراق.

وأعرب اشتية عن أمنياته بالأمن والسلام للشعب العراقي، مؤكدا قدرة العراق على تجاوز هذه المحنة، معربا عن مشاطرته لأسر الضحايا آلام الفقد، ومتمنيا الشفاء العاجل للمصابين.

المصدر : وكالة وفا

المصدر: وكالة سوا الإخبارية

إقرأ أيضاً:

دراسة تحليلية حول ظاهرة ثقافة التصلب في المجتمع العراقي وأبعادها الاجتماعية

عنوان الكتاب: ثقافة التصلب: منظور جديد لفهم المجتمع العراقي
المؤلفان: د. منقذ داغر مؤسس ورئيس المجموعة المستقلة للأبحاث/ د. ميشيل كيلفاند استاذة إدارة الثقافات المتعددة بجامعة ستانفورد.
معلومات الطباعة: الطبعة الثانية، صادر عن الذاكرة للنشر والتوزيع، بغداد، 2024.
عدد الصفحات: 447 صفحة.


يعد كتاب "ثقافة التصلب" محاولة مهمة وجادة لإعادة قراءة المجتمع العراقي، وترتيب المفاهيم التي تعلقت به من جديد وفق آلية رقمية دقيقة. ونحاول هنا في هذه المساحة الموجزة أن نقدم مراجعة مركزة لأبرز ما تضمنه الكتاب، مع تقديم ملاحظات تقييمية شكلية ومنهجية وموضوعية.

يقوم الكتاب بشكل أساسي على نظرية التصلب والرخاوة الثقافية للمجتمعات، والتي أسميت ثقافة (صر) اختصاراً لكلمتي صلب ـ رخو، وتقابل ـ في كثير من سماتها ـ العصبية التي كانت محور مقدمة ابن خلدون، فالنظرية تستند إلى منطقه وفلسفته.

طبقاً لنظرية (صر) فإن مجتمعات العالم تتوزع ما بين مجتمعات شديدة التصلب حيث تكون فيها المعايير الاجتماعية ( العادات والتقاليد والأعراف.. الخ) كثيرة وتتم معاقبة (اجتماعياً) كل من ينتهكها بقوة ودون تسامح، تقابلها مجتمعات ذات ثقافة اجتماعية شديدة التراخي حيث المعايير الاجتماعية قليلة ويمكن الافلات منها دون أن يترتب على ذلك عقوبات.

تم الابتعاد عن مفهوم الشخصية الوطنية لصالح مفهوم الثقافة الاجتماعية، كما تم الابتعاد عن منطق الاستنباط الأرسطي في التعميم بناء على مقدمات وقوالب نمطية جاهزة من مثل صراع البداوة والحضارة.

في الهيكلية الأساسية:

تألف الكتاب من ثلاثة أبواب رئيسية تضمنت عشرة فصول، خصص الباب الأول (كيف نفهم المجتمع) ليقدم فرشة نظرية وعملية له ولمتبنياته الفكرية وما قدمه الباحثون السابقون في هذا المجال والمنهجية العلمية للدراسة وكيفية تطبيقها فكان بمثابة مفتاح فهم المجتمع العراقي، اما الباب الثاني (الثقافة الاجتماعية العراقية: عودة إلى الجذور)، فبحث في أسباب نشوء وتطور الثقافة العراقية، وجاء الباب الثالث (تطبيقات عملية)، لتفسير الظواهر الاجتماعية من قبيل (الازدواجية ، التسلط، عقلية المؤامرة، الفساد، الهوية الوطنية.. الخ) في ضوء نظرية صر واقتراح بعض الحلول لأهم المشاكل التي تواجه المجتمع العراقي حالياً.

يبين المؤلفان أن الكتاب يمثل طفرة ومنجزاً علمياً فريداُ، فهو يجري لأول مرة على مستوى العالم من حيث المنهجية وشمول العينة والمدى الزمني (مما لم يتحقق سابقاً)، إذ جرى تطبيق الدراسة عبر ثلاث مراحل من جمع البيانات التي استغرقت سنتين (2020 ـ 2022).

الذي يميز الكتاب ـ كما يذهب مؤلفاه ـ تبني مدخل نظري جديد متمثلاً بنظرية الثقافات المتصلبة والرخوة واختبارها باستخدام منهجية البحث الكمي الميداني ومن ثم فحص النتائج المستخلصة من خلال تطبيقها على ظواهر اجتماعية مألوفة في المجتمع العراقي، أي البدء بالمدخلات (البيانات والاحصائيات)، ثم تحويل البيانات إلى معلومات، والخروج أخيراً باستنتاجات يمكن تعميمها للتنبؤ بما يحصل مستقبلاً.

خلاصات

نحاول في هذا الفقرة جمع أبرز الأفكار التي دار حولها الكتاب، وبصورة مركزة وأساسية إذ فيه تفصيل طويل يمكن الرجوع إليه لاستكمال الصورة المطلوبة، بل ان التحليل والدراسة لها لازمة وواجبة، ولكننا وسط هذا المقام نوجز ذلك بالشكل الآتي:

ـ لا يوجد لا علمياً ولا عملياً، ما يمكن تسميته بـ (الشخصية العراقية) النمطية وإن العراقيين ككل شعوب العالم يتباينون في أنماطهم الثقافية الاجتماعية تبعاً لعوامل بيئية متعددة، ووجود ثقافة كاملة وخالية من العيوب يبدو مستحيلاً.

ـ الثقافة الاجتماعية تعني مجموعة القيم الفردية والمعايير الاجتماعية والأفكار والعادات والتقاليد وأساليب الحياة والتفكير والسلوك والآداب والفنون التي تميز مجموعة ما أو مجتمع معين وتعطيها الاحساس بهويتها المجتمعية وشخصيتها المميزة، وهي نتيجة تفاعل الجماعة مع بيئتها، لذا لا توجد ثقافة جيدة وأخرى سيئة، كما لا توجد ثقافة اجتماعية متطورة وأخرى متخلفة، بل توجد ثقافة ملائمة أو غير ملائمة للبيئة التي تتواجد فيها.

ـ خلاصة الكتاب الأساسية أن (الثقافة العراقية هي من نمط فريد يمتاز بفرط التصلب الاجتماعي).

ـ ثقافة التصلب مثل ربطة العنق تظهر الشخص بمنظر جميل ولائق ومحبوب للكثيرين، لكنها ستكون مؤذية إذا تم ارتداؤها ولمدد طويلة، او شدّها بصورة كبيرة بحيث تخنق الشخص.

ـ واحدة من أكبر التحديات التي تواجه الثقافات الصلبة هي مشكلة قبول الآخر على عكس الثقافات الرخوة.

ـ مؤسسات الضبط الاجتماعي الرئيسية (العائلة، المدرسة، الدين، الدولة) تواجه اليوم تراجعاً، في ظل تلاشي سلطة العائلة وازاحة لدور المعلم بسبب التكنولوجيا، وما يواجه سلطة المؤسسة الدينية لأنها سلطة تعتمد معلومة الموروث، في حين إن شبابنا يعتمدون معلومة المبثوث!.

تراجع التأييد للنظام الديمقراطي في العراق من 76% عام 2004 إلى 57% في عام 2020، صاحب ذلك ارتفاع ملموس في نسبة المؤيدين للحكم الفردي والمركزي الذي لا يستند إلى برلمان أو انتخابات، فبعد أن كان 16% فقط من العراقيين يريدون هذا الشكل الأوتوقراطي للحكم، صار ثلثي العراقيين تواقين للعودة له.ـ ثورة التغيير قادمة سواء رغبنا بها أو لم نرغب، وستغلبنا سواء قاومناها أم رحبنا بها، بعكس ذلك فإننا يمكن أن نواجه نفس مصير الديناصورات التي لم تستطع التكيف لمتغيراتها البيئية.

ـ السمة العامة للثقافة العراقية ـ مع مراعاة الفروق الديموغرافية ـ انها قلقة وحذرة ومتحفظة وترتكز إلى فلسفة دفع المفاسد.

ـ طبقاً لدراسة كالوب للمشاعر السلبية في حياة الإنسان (الألم/ الغضب/ الحزن) لا يوجد شعب في العالم يعاني من مشاعر سلبية كما يعانيها العراقيون.

ـ الإفراط في تجاهل فردانية الإنسان ـ كما يقع في العراق ـ يؤدي لسيادة ما يسمى بعقلية القطيع.

ـ تحليل نتائج المحافظات أبرز تبايناً واضحاً في مستوى الصلابة الثقافية وبما يعكس الواقع التاريخي والجغرافي والأمني والديموغرافي الذي تعيشه كل محافظة وينعكس على طريقة تفكير ابناءها، مما يؤكد خطأ القول إن هناك ثقافة عراقية تتشابه في كل المحافظات، هذا لا يعني وجود سمات ثقافية مشتركة بين العراقيين، لكنه يعني إن علينا مراعاة الفروق والدقة الأكبر عندما نتحدث عن الثقافة الاجتماعية العراقية.

ـ جميع المحافظات العراقية ـ عدا أربيل التي يمكن تصنيفها بالمتصلبة باعتدال ـ تجاوز متوسط صلابتها الثقافية الأربع درجات من خمسة، بلغة الأرقام فإن أكثر من 95% من العراقيين يعانون من التصلب المفرط وإن تباينوا بين محافظة وأخرى بشكل طفيف.

ـ   أظهرت البيانات أنه ليس لجنس العراقيين تأثير على نمط تفكيرهم، مع وجود علاقة ارتباط سلبية بين مستوى التعليم والتصلب الثقافي، وكذلك المستوى المعاشي، وبدا الطلبة أقل فئات العمل من حيث التصلب الثقافي، والمتقاعدون أشدهم.

ـ أوضحت النتائج ان التركمان كانوا الأعلى من حيث التصلب الثقافي يليهم العرب ثم الكورد، وتبدو النتائج منطقية في ظل الوضع الأمني والقلق الوجودي السائد حالياً في العراق.

ـ القلق الأمني من احتمالات الصدام الطائفي والصراع على النفوذ في المناطق المختلطة، فضلاً عن تعرض قسم منها لاحتلال داعش، وهجمات القاعدة قبلها يفسر التصلب الشديد والتمسك القوي بالمعايير الثقافية للحفاظ على الجماعة ووحدتها في شمال بغداد العربية، إن سكان تلك المناطق لا زالوا يعانون من الآثار النفسية والإنسانية والاجتماعية لاحتلال داعش، لذا فإن من الطبيعي أن تسجل تلك مستوى متصلب ثقافي أعلى مقارنة بكل من مناطق جنوب بغداد أو كوردستان واللتان لم تشهدا ذات الزخم من المشاكل الأمنية أو من القلق النفسي والتوتر الاجتماعي.

ـ أظهرت النتائج عدم وجود فروق ذات دلالة بين متوسط التصلب الثقافي لدى سكان الحضر وسكان الريف في العراق، وهو يعزز بلا شك فرضية (ترييف المدن)، فالمدن العراقية ولكثرة الهجرات التي حصلت من الريف إليها جعلتها أشبه بما يمكن تسميته بالمدن الريفية، فالمنطقة حضرية لكنها تفكر وتتصرف بطريقة ريفية.

ـ أثرت موجات الهجرة  التي تعرض العراق أثرت في خصائصه الديموغرافية فجعلته خليطاً من أعراق وديانات كثيرة تعايشت على أرضه لأجيال، وكان لهذا التعايش ثمناً دفع تاريخياً بالتعاون والتفاهم أو بالتغلب والصراع.

ـ يعيش العراقيون ومنذ زمن طويل حالة احتباس تاريخي، وبدلاً من أن يكون الماضي عِبرة لا تنتهي، صار عَبرة لا تنقضي!، حتى دول الجوار لا تنسى ماضيها مع العراق الذي تحول ثرائه التاريخي إلى نقمة مماثلة لنقمة ثراءه المادي!

ـ يخيل للمرء حينما يطالع تاريخ العراق ويوصل نقاطه بعضها ببعض، إن الأمن والاستقرار هما الاستثناء وإن الحروب والصراعات والكوارث هي الحالة الطبيعية.

ـ الغنى الحضاري والثقافي والعلمي الذي رافق كل الممالك والمدن التي نشأت على ضفاف الرافدين عبر آلاف السنين قبل الميلاد لم يأت دون حساب وكلفة عاليين جداً تمثلا في حالة الصراع والتغالب المستمر والتوتر والقلق الأمني الدائم لكل الشعوب والجماعات التي سكنت تلك الأرض وعمرّت تلك الحضارات.

ـ العراق وبرغم تمتعه بما انتجته الحقبة الإسلامية من تطور وازدهار في كل المجالات، إلا إن هذه المزية التاريخية لم تخل من ملاحظتين رئيستين: الأولى إن قرون الاضطراب والتخلف والدمار والقلق الأمني كانت أطول من قرون الازدهار والتقدم، والثانية تتعلق بأنه حتى في فترات الازدهار والتطور مثل العهد العباسي الأول، فإن العراق كان دوماً ملعباً للمؤامرات والانقلابات والصراعات الدموية.

ـ عسكرة الشعب ـ خلال الحرب العراقية الإيرانية ـ كانت بلا شك أحد أسباب زيادة تصلب الثقافة الاجتماعية في العراق، واحتلال العراق في 2003 لم يؤدِ فقط إلى تغيير نظام الحكم بل ادى إلى تغيير هيكلي عميق في كل بنى المجتمع العراقي لم ينته تأثيرها بعد.

ـ خلاصة تاريخ العراق الأمني منذ بدء عصر التدوين إلى يومنا هذا هي إن الحروب كانت جزءاً من حياة العراقيين، بل هي أحد أركان الذاكرة العراقية، والقول بأن الحرب هي القاعدة والسلم هو الاستثناء في حياة العراقيين صحيح جداً، فتكفي الاشارة هنا إلى إنه من مجموع أربعين حرباً (بين الدول) أحصتها الموسوعة البريطانية حصلت منذ بداية القرن العشرين كانت حصة العراق 10 حروب (الربع) خاضها العراقيون أما كجزء من جيوش اخرى (كما في الحربين العظميين) أو بشكل مستقل، حتى أن كلمات الأغاني التي تتحدث عن إسالة دماء أو إطلاق أعيرة نارية، أو أنواع القتال، باتت رائجة جداً في الثقافة العراقية منذ ثمانينات القرن الماضي.

ـ جغرافية العراق وصعوبتها مع تقلب نهريها وعدم انتظامهما كانت سبباً لإجبار العراقيين للتعاون والتماسك لمواجهة الطبيعة، فالعراقي لا يمكنه العيش منفرداً منعزلاً وهو محاط بدجلة والفرات الذين ما فتئا يرميانه بالفيضان والدمار مثلما يجودان عليه بالخير والعمار، ومثلما ان العراق هو هبة النهرين فإنه بالتأكيد أسيرهما وحبيسهما (لعدم انتظامهما جرياناً وفيضاناً).

ـ لقد أظهرت الدراسة أولاً أن المحافظات الحدودية أكثر تصلباً من الناحية الثقافية من محافظات الداخل، كما أظهرت الدراسة ان المحافظات المحادة لتركيا ثم الدول العربية كانت أكثر تصلباً في ثقافتها من المحافظات المجاورة إيران.

ـ زيادة معدل الكثافة السكانية يجعل المساحة المخصصة للسكن أصغر والحصول على الخدمات العامة أصعب والتنافس على الموارد أكثر، وهذا كله يتطلب تنسيق أعلى وضبط أكبر للسلوك الاجتماعي لضمان مقدرة الجميع على العيش المشترك وعدم تعدي البعض على حقوق الآخرين، فهي تفرض مستوى أعلى من صلابة المعايير الاجتماعية.

ـ المجتمعات التي تتعرض للهجرة إليها من مناطق أخرى يكون أهلها أكثر تصلباً في ثقافتهم نتيجة خوفهم من  المنافسة التي ستزيد على الموارد المتاحة (تهديد امني، ضغط اقتصادي على الوظائف، تهديد ثقافي لنقل منظومات وسلوكيات مغايرة).

ـ التشتت في الولاءات الثقافية زاد من تصلب العراقيين وجعل مهمة التغيير صعبة وتحتاج إلى بناء مؤسسات قادرة ليس على استعادة ثقة العراقيين بمؤسساتهم فقط بل والأهم من ذلك استعادة ثقة العراقيين ببعضهم البعض!

ـ ما يعتقده البعض ازدواجاً في الشخصية العراقية ليس إلا استجابة مجتمعية للتهديدات البيئية التي يعاني منها، لذا على العراقيين مغادرة ثقافة جلد ذواتهم المستمرة، والتناقض ـ في الآراء والسلوك ـ هو حالة طبيعية، وسلوك عملي ناجم عن شدة خضوع العراقي للمعايير الاجتماعية  التي تمنعه من إبداء رأيه أو سلوكياته علناً بالطريقة التي يرتاح لها او يرغب بها، فرغم الاعتراف بهذا التباين فليس هو مرضاً نفسياً أو اجتماعياً، ولا يمكن الخروج أو التخفيف من هذه الحالة إلا بتغيير الثقافة وتقليل صلاحيتها.

ـ كلما ازداد تدين الشخص كلما ازداد تصلبه الثقافي!

ـ الثقافة المتصلبة أفرزت مشكلة تآكل الثقة بالآخر والذي أدى إلى استنفاد رأس المال الاجتماعي العراقي إلى الحد الذي صعّب كثيراً من عمليات التعاون والتفاعل الاجتماعي بين العراقيين!.

ـ أحدث غزو العراق في 2003 أربعة متغيرات أساسية أدت إلى تآكل رأس المال الاجتماعي ممثلاً بالثقة بالآخر، وهي: (زيادة تمزيق النسيج الاجتماعي باتجاه المزيد من الطائفية الدينية والعرقية، وضعف الدولة العراقية وعدم قدرتها على لعب دور الوسيط المقبول به والموثوق بين الطوائف والثقافات الفرعية التي نمت بشدة خلال هذه المدة، وزيادة معدلات الفقر واتساع فجوة الدخل بين العراقيين، وانتشار الفساد وتحوله من حالة التشتت والتجزر إلى حالة الشمول والتجذر).

ـ إن تاريخ التطور السياسي للدولة العراقية هو تاريخ حكومة مركزية قوية تسعى باستمرار إلى إدارة أو استغلال الانقسامات الكبرى في المجتمع العراقي مما قاد إلى انفصال الدولة عن المجتمع.

ـ التتبع التاريخي لدور الدولة في العراق يؤشر بوضوح حركتها البندولية المتطرفة بين التفكك التام (أو انعدام التأثير) كما كان الحال إبان عهود الاستعمار الطويلة قبل تأسيس الدولة العراقية الحديثة، وبين المركزية الشديدة كما حصل خلال كل الأنظمة التي أعقبت تأسيس دولة العراق وصولاً إلى الاحتلال الأمريكي الذي عاد بدولة العراق مرة أخرى إلى مربع الضعف أو انعدام التأثير، مما جعل الجماعات الأولية (القبيلة، الطائفة، القومية) هي أحجار الزاوية التي يعتمد عليها العراقي في حياته الاجتماعية، وصارت هي الوسيلة للتقرب، وبالتالي تقريب المسافة إلى السلطة، وبما إن هذه الجماعات تعيش في بيئة مليئة بالمخاطر والتهديدات الوجودية والاقتصادية والديموغرافية فقط كانت ثقافة التصلب هي الضامنة لوجود الجماعة وبقاءها، بالتالي فقد أدى ضعف دور الدولة إلى نتيجتين رئيستين هما زيادة التماسك الداخلي للجماعات الأولية، وزيادة التباعد بين السلطة والقاعدة الجماهيرية.

ـ أفضل تعبير لانحسار دور الدولة هو مؤشرات الثقة بمؤسساتها الرئيسة الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) فكلما قلت ثقة الناس بهذه المؤسسات زاد ميلهم نحو التصلب الثقافي، ونتائج الاستطلاعات بالنسبة للدولة كشفت عن: (شعور عميق لدى المواطنين بعدم أهميتهم بالنسبة لصناع القرار، وعدم معاملتهم بشكل عادل ولائق من قبل الحكومة، وليس لهم تأثير في صنع القرارات التي تتخذها الدولة)، وبدلاً من قيام مؤسسات الدولة بردم فجوة الثقة بين المواطنين بعضهم البعض وبين الجماعات المختلفة مع بعضها البعض، صارت هي التي تحتاج إلى وسيط نزيه يعيد الثقة بها (نموذج صحة الصدور).

ـ المؤسسة التشريعية (البرلمان) يواجه أزمة ثقة اخطر بكثير، وكذلك مؤسسة القضاء التي تعاني من انخفاض مستمر ومتسارع في منسوب الثقة الشعبية بها حتى بات حوالي ثلث العراقيين فقط يثقون بها حالياً.

ـ تراجع التأييد للنظام الديمقراطي في العراق من 76% عام 2004 إلى 57% في عام 2020، صاحب ذلك ارتفاع ملموس في نسبة المؤيدين للحكم الفردي والمركزي الذي لا يستند إلى برلمان أو انتخابات، فبعد أن كان 16% فقط من العراقيين يريدون هذا الشكل الأوتوقراطي للحكم، صار ثلثي العراقيين تواقين للعودة له.

من الأرقام المهمة التي كشفها الكتاب: (نسبة من لا يثقون بالمؤسسة الدينية تنامت من 22% فقط عام 2004، لتصل إلى 56% في 2021 ـ نسبة من لا يثقون بالأحزاب السياسية وصلت إلى 85% في عام 2020، ومثلها تقريباً لا تثق بنزاهة الانتخابات ـ تضاعفت نسبة من لا يثقون بالجامعات العراقية لتبلغ 60% عام 2020 ـ قفزت نسبة اللا ثقة بالبنوك من 38% إلى 65% خلال العقد الماضي أيضاً).ـ بعد تجربة مريرة مع المتسلطين قال 70% من العراقيين في عام 2004 إنهم لا يرحبون بقائد قوي مقابل 17 % فقط ممن قالوا إن من الجيد أن يحكم العراق قائد قوي، لكن الفوضى الأمنية والسياسية  والاقتصادية والاجتماعية والفشل الذريع للنظام السياسي في العراق وتعمّق الطائفية والفساد في المجتمع العراقي، كلها قادت إلى تغيير جذري في آراء العراقيين باتجاه العودة للترحيب بالقادة التسلطيين لإنقاذهم من الفوضى والفشل الذي يعيشونه، فبعد أن كانت نسبة من يريدون قائداً قوياً 17% فقط ارتفعت خلال العقد اللاحق لتصبح 35% عام 2014، ثم قفزت لتصبح في عام 2022 ما يناهز 70% من العراقيين يريدون قائد قوي في مقابل أقل من الربع (أغلبيتهم في كردستان) يعتقدون إن وجود قائد قوي هو أمر سيء، من جانب آخر وفي الوقت الذي لم تزد فيه نسبة العراقيين الذين يريدون حكم العسكر عن 14% في عام 2004، قفزت إلى 23% في عام 2014، ثم وصلت إلى 72% من العراقيين في عام 2022.

ـ الكثير من العراقيين يهربون نحو الواقع الافتراضي للتخلص من التصلب الثقافي، وهذه ظاهرة لا ينفرد بها العراقيون لكننا نعتقد إنها تزداد في الثقافات الصلبة، وهناك إيمان واسع بالمؤامرة بين العراقيين، وذلك يؤدي إلى زيادة التصلب الثقافي لهم.

ـ في موضوع الشعور بالهوية الوطنية تباينت المستويات حسب الأحداث بعد الاحتلال، او القضاء على القاعدة وداعش لاحقاً وكذلك ثورة تشرين، وكذلك الاعتزاز بالإسلام كهوية جامعة والحضارة الإسلامية، والعراق أضاع فرصة حقيقية لتشكيل هوية وطنية جامعة لكل مكوناته.

ـ هناك حالة من القبول المتنامي، بل والاعتياد على الفساد، او تحول الفساد من حالة التجزر (جزر متفرقة في المجتمع) إلى حالة التجذر، وانتشار الفساد في العراق يؤدي إلى زيادة التصلب الثقافي الاجتماعي.

ـ من الأرقام المهمة التي كشفها الكتاب: (نسبة من لا يثقون بالمؤسسة الدينية تنامت من 22% فقط عام 2004، لتصل إلى 56% في 2021 ـ نسبة من لا يثقون بالأحزاب السياسية وصلت إلى 85% في عام 2020، ومثلها تقريباً لا تثق بنزاهة الانتخابات ـ تضاعفت نسبة من لا يثقون بالجامعات العراقية لتبلغ 60% عام 2020 ـ قفزت نسبة اللا ثقة بالبنوك من 38% إلى 65% خلال العقد الماضي أيضاً).

ـ ضبط الثقافة الاجتماعية لا يعني تغييرها، بل معايرتها على وفق قاعدة لا إفراط في ثقافتنا الاجتماعية (المبالغة في تقدير التهديدات) ولا تفريط بها (التقليل أو التهاون).

ـ لغرض تحقيق الضبط المطلوب يحتاج العراق إلى تغيير وظيفي أولاً ومؤسسي ثانياً، ومن الحلول المقترحة عن: تعديل القيم، ضبط المعايير الاجتماعية، اعادة الضبط وظيفياً، إعادة الضبط بنيوياً (المؤسسات)، التركيز على الأطفال والشباب في إبراز أهمية استقلال القرار والفردانية غير الضارة بالمجتمع، تعويض فجوة انعدام الثقة بالمؤسسات عبر ايجاد احزاب وطنية وشاملة وتعددية، ودعم مجلس الاتحاد لأنه يمنح صلاحية المراقبة والتوزان مع البرلمان، اصلاح واقع الجيش والشرطة وكذلك الجامعات الحكومية العراقية، وإعادة دمج مؤسستي الوقف السنّي والشيعي والاتفاق على طريقة إدارة مشتركة لكل الأوقاف، تعزيز ما أسماه جان جاك روسو من العلماء بدين المواطنة أو الدين المدني، والذي يختلف عن دين الإنسان!.

وقفات وملاحظات

بعد هذا الإيجاز المركز، ثمة وقفات وملاحظات بعضها شكلي وآخر منهجي وثالثها موضوعي، سجلناها ووجدناها تحتاج إلى تأمل ومعالجة حتى تكتمل أهداف الكتاب ويحقق مبتغاه، ومن ذلك:

1 ـ من الملاحظات الشكلية الإخراجية وجدنا أن طباعة الكتاب لم تكن محترفة بالشكل المطلوب وظهر ذلك بشكل جلي في الصور التي تضمنها، مما جاء بعضها بالأسود والأبيض وبشكل  أفقدها الوضوح تارة، او ضعف التمييز لمضامينها تارة أخرى، وهو أمر أثر في الاستفادة منها وبشكل لم يكن ينبغي بعد هذا الجهد الضخم المبذول فيه، دون اغفال القيمة الموضوعية للجداول والاحصائيات والتي جاءت رائعة ومهمة في دلالاتها.

2 ـ من الملاحظات الطباعية كل (ان) أتت مطبوعة (إن) حتى وإن كانت (أن)!.

3 ـ ملاحظة منهجية تتمثل في أن التعريفات الواردة للأشخاص والأفكار خلت من مصادر توثيق المعلومة كما جرت العادة في الأبحاث والدراسات الرصينة، كما تكررت بعضها في مواطن عدة مثل تعريف الفصل العشائري، وسي السيد وغيرهما.

4 ـ وردت الاقتباسات المنقولة عن المصادر الأخرى دون أقواس اقتباس كما هو معمول به، مما جعل من الصعب تمييز كلام المؤلفان من كلام المصدر الذي ينقلان عنه، فضلاً عن اعتماد احصائيات داعمة للعمل الأساسي من مصادر أخرى وعدم التمييز الواضح بينهما وهو أمر لازم لأن العنوان حاكم على مضمونه، حتى وإن كانت صادرة عن جهة يرتبط بها أحد المؤلفين للكتاب.

5 ـ ظاهرة التكرار في الكتاب ملفتة وبشكل صارخ، تكرار للفكرة واحياناً لذات العبارات، وكثيراً ما نجد ذلك حتى ليشعر القارئ بأن فصول الكتاب دونت بشكل مستقل أولاً ثم جمعت لاحقاً، من ذلك على سبيل المثال لا الحصر الحديث عن مصطلح الشخصية العراقية والذي تكرر في أكثر من 6 مواضع! وعن تفرد منهج الكتاب وقيمة الدراسة، ونظرية التصلب والتشدد، والثقافة الاجتماعية، إذ جرى ذلك ولعدة مرات ولا سيما في الفصول التمهيدية، مما لم تكن هناك حاجة موضوعية كثيرة لها.

6 ـ لا بد من الإشادة بالمقدمة التي جاءت متكاملة وتغني كثيراً عن القراءة التفصيلية اللاحقة، وإن رسخت القول بالنقطة السابقة من غلبة التكرار إذا كانت تغني عما ورد لاحقاً بإسهاب غير مبرر.

7 ـ التمهيد للموضوع والاستهلال له ربما زاد عن حده المطلوب، فالحديث المباشر لم يتم إلا في ص 96 من الكتاب!.

8 ـ تلخيص القراءات والتحليل في نهاية كل فصل كان ممتازاً، والاستعراض المركز لتاريخ العراق كان مهما ولافتاَ مع التأكيد على انه لم يفرّق بشكل واضح بين التاريخ السياسي والحضاري ولا سيما في الحقبة الإسلامية مما يجب ادراكه للبون الشاسع بينهما ولتأثيره على الاحكام الصادرة بشكل كبير.

9 ـ تمت الاشارة إلى الابتعاد عن الشخصية الوطنية العراقية لصالح الثقافة الاجتماعية العراقية، ولكن اظن أن لدينا اشكالاً اصلاً في كلمة العراق ذاتها والتي المح لها المؤلفان ولو بشكل غير بارز، فهناك عنوان واحد وأفهام وتصورات متعددة ولا سيما بعد 2003.

10 ـ الإشارة إلى أن التاريخ لم يمنع من تشابه الحضارات، كما أن الجغرافيا وتباعدها لم يمنع من تشابه الثقافات، ألا يمكن النظر إليه بأنه أوجد نسقاً من العادات والسلوك وطريقة التعاطي مع التحديات والمشاكل والأزمات بشكل منح العراقيين طابعاً خاصاً ميزّهم عن غيرهم، أي ناقض أو لنقل أضعف القول بانعدام وجود شخصية عراقية، مما يحتاج إلى مراجعة قبل مثل هذا الحسم الجازم.

11 ـ لغة الأرقام هي الأدق دون شك، ولكن امتلاك ثقافة منحها للآخر هي بذاتها معضلة عراقية، إذ يمكن القول دوماً ان الفرد العراقي يتردد دوماً بكل افادة يقدمها لأي جهة بعد تجارب الدكتاتورية او الفوضى التي مر بها خلال تاريخه الطويل، فضلاً عن عدم قناعته او المامه بأهمية ما يقدم من احصائيات، بمعنى آخر، وعلى الرغم من احترام مؤشرات الثقة بالأرقام التي تضمنها الكتاب واوردها المؤلفات ولكن ثمة حيز من الشك يبقى في صوابية الافادة ذاتها عراقياً، فهل ذلك هو سبب تكرار القول في الكتاب انه يمثل تجربة لمنهج معين وقد يصيب أو يخطأ وبصورة توجد الشك في المخرجات بدلاً من الاطمئنان إليها، ام لأن الكثير منها تبقى حائرة امام سلوكيات متشابهة لفئة ما مجتمعية أو مكانية؟!

12 ـ  ينتصر الكتاب للتأسيس العربي لعلم الاجتماع عن طريق ابن خلدون والدكتور علي الوردي دون اخفاء الاعجاب بهما، مع التحفظ على ظاهرة التعميم وعدم الاعتماد على الدراسات الاحصائية الرقمية وإنما الانطباعات الشخصية والملاحظات العامة، ولكننا لو وقفنا عند بعض الجوانب التي درسها الكتاب نفسه لوجدناه يعمم كذلك في بعض المواقف، بل ويذكر  بعض القصص الخاصة بالمؤلف مثل موضوع الحج والحجاب ودفع "الودي" وغيرها لتعزيز دلالات الأرقام والإحصاء وهو أمر ملفت، فعلى الرغم من تفهم سبب ذلك الإيراد لكنه قد ينظر إليه بأنه يوهن  الطرح ولا يقويه لأن فيها تعميماً لتجارب أو انطباعات خاصة.

13 ـ من الملاحظات الموضوعية وجود بعض التناقض احياناً، وعدم النجاح ـ فيما نزعم ـ في التمييز بين تضاد السلوك وبين الازدواجية، او القول بأنه لا توجد ثقافة متصلبة فقط أو رخوة فقط مما يتعارض مع نموذج الصين الذي أورده الكتاب نفسه مثلاً.

14 ـ موضوع التعلق بالماضي وادواته مما تضمنه الكتاب وعدّه يمثل فرطاً في التصلب ومقاومة للتغيير، ألا يمثل بشكله الأكثر والأبرز خيبة الأمل بالواقع الجديد تقف وراءها؟! أي تأثيراً سياسياً انعكس سلوكياً وليس ثقافة اجتماعية بالضرورة.

15 ـ في موضوع البداوة والحضارة وعلى الرغم من كل الارقام الواردة فان طرحها في الكتاب ما زال يحتاج عمقاً اكبر، بل وكأني احسست بان الكتاب جاء ليدلل على فرضية سكنت في ذهن كتابّه مسبقاً، ليس هذا طعناً بمهنية البحث والدراسة دون شك، ولكن درجات الميل منذ البدء كانت واضحة حتى جاءت الأرقام فعززتها، إذ كيف نلغي بشكل شبه تام أثر الصحراء حتى وقتنا الراهن، بل ان المتغيرات على سلوك ساكن الصحراء وهو الأشد تصلباً بالضرورة مرهون بمدى قوة الدولة وهيمنة القوانين وليس العكس اي ليس بالشكل الذي ينفي أثرهما.

16 ـ جاء الكتاب في طروحاته بعيداً عن فهم الدين وأثره وتكاليفه كما ينبغي، فكأنه قدم رؤيته وكل التفسيرات قياساً على الأمور المادية المحسوسة فحسب ولم تولي الغيب مكانة أو أثراً.

هل أن تعاقب الأنظمة المركزية كما ذهب الكتاب هو الذي أوجد ثقافة التصلب ام ان التصلب العميق القابع في مجتمع العراق هو الذي أوجد الحاجة لمثلها حتى تستطيع الحكم والنجاح، مما أظهرته كذلك الأرقام المتعلقة بتأثير تردي الأوضاع على الرجوع لفكرة القائدة المستبد العادل؟!.17 ـ ثمة فرق كبير بين الدين وبين من يشتغل به من أفراد أو مؤسسات المعبرة عنه وليس الدين بحد ذاته (مع تأكيد خصوصية المنظور الإسلامي لبقية الأديان) بل على العكس قد تكون ثورة التكنولوجيا هي الأقدر على توسيع نطاقه كما يحصل اليوم رغم كل المعوقات، فمع عدم انكار ما قد تحمله الممارسة ومن يقوم بها من سلوكيات سلبية لأهداف عدة منها الفهم الخاطئ أو تحقيق مكاسب معينة من توظيف الدين، لكن الدين اعظم من هذا الحيز الضيق من الفهم الذي قدم به خلال ثنايا الكتاب.

18 ـ الحديث عن التكاليف العبادية بهذه الصورة المتصلبة ليس دقيقاً بالنسبة للمسلم من حيث ادائها لأنه سبيل نجاة والتزام بما أمره به الله، فهو ليس خياراً طوعياً، ثم: من قال ان الحرام اكبر من الحلال؟ وكيف نفسر بعض المجتمعات المسلمة الملتزمة كذلك بما يسميه الكاتبين طقوساً (وليس في الإسلام معنى كهنوتياً مثل ذلك) وهي رخوة في ثقافتها؟! اظن هذا المحور يحتاج اعادة نظر بدءاً من تعريف الدين بكونه ظاهرة نفسية اجتماعية  مروراً بذكر مصادر التشريع والتي غلبت عليها النظرة الغربية أكثر، او طرح فكرة دين المواطنة أو الدين المدني ودين الإنسان، فان سوء النقل لا يعني عطب الأصل!

19 ـ إذا كانت الاحصائيات أشارت في نتائجها إلى أن تدين الشخص يزيد من تصلبه الثقافي فهو أمر يحتاج تبيان، فان التدين يوجد التصلب الايجابي الملتف حول الفكرة الربانية الأصيلة التي فيها خير البشرية، أما إذا كان هناك سلوك متدين يفرز تصلباً سلبياً فهو نتاج تطبيق سلبي أو فهم خاطئ قطعاً، وتمييز ذلك ضرورة.

20 ـ القول بعدم وجود ثقافة جيدة وأخرى سيئة لأن الثقافة هي الاستجابة الجماعية للمتغيرات البيئية التي تعيش في ظلها الجماعة ونتفاعل معه فيه نظر، لأنه تضمن تجريدها عن المعنى الأخلاقي وغاية وجود الإنسان في الأرض وهي عمارتها من خلال العمل الصالح كما أراده الله والعبادة بمفهومها الشامل والتي هي المعيار وليس الاجماع الذي قد يكون على ضلالة ببساطة.

21 ـ ثمة تساؤل مهم: هل أن تعاقب الأنظمة المركزية كما ذهب الكتاب هو الذي أوجد ثقافة التصلب ام ان التصلب العميق القابع في مجتمع العراق هو الذي أوجد الحاجة لمثلها حتى تستطيع الحكم والنجاح، مما أظهرته كذلك الأرقام المتعلقة بتأثير تردي الأوضاع على الرجوع لفكرة القائدة المستبد العادل؟!.

22 ـ بعض التفسيرات (مثلاً في موضوع المناطق الحدودية) غفل عن تأثيرات البعد العقائدي أو السياسي أو حتى الموروث التاريخي.

23 ـ محور الفساد وجدته وكأنه جاء خارج سياق موضوع ومنهج الكتاب إذا تحول الحديث فيه بالعموم إلى الطرح النظري لا الاحصائي كما هو حالة بقية المفاصل الأخرى، واعتماد الاحصائيات من مصادر خارجية، وربما تكرر الأمر في محور الهوية الوطنية.

24 ـ الفصل العاشر والأخير للكتاب والذي حمل عنوان ضبط الثقافة الاجتماعية كان الأكثر جدوى كونه تضمن الحلول التي رآها المؤلفان ضرورية لمعالجة شد التصلب الثقافي، ومع ذلك فالحلول المقترحة جاءت عامة وليست تفصيلية، بمعنى آخر ان الكتاب لم يقدم برامج تنفيذية مقترحة إنما عناوين مشاريع وأفكار عامة تندرج تحتها عشرات التحديات والمستلزمات التي لم تذكر ولا نعلم لماذا؟ هل لان المجال ليس هنا؟ ربما.

والخلاصة التامة للكتاب ونظريته:

يعيش العراق تحت تأثير عميق ـ ولعليّ أقول لعنة كبرى ـ للتاريخ والجغرافية والثروات والتي أوجدت بيئة ضاغطة عولجت وما تزال بسياسات خاطئة.

والكتاب يمثل ــ مع كل ما أوردناه من ملاحظات ـ بداية معتبرة لقراءة السلوك الاجتماعي العراقي بصورة أكثر دقة وجرأة وبالشكل الذي يمنحنا امكانية صياغة صورة مستقبلية أدق بكثير مما يجري الآن.

مقالات مشابهة

  • د.كامل ادريس يتلقى رسالة تهنئة من نظيره الروسى
  • معز عمر بخيت وزيراً للصحة.. رئيس الوزراء يصدر قراراً بتعيين ثلاثة وزراء ضمن حكومة الأمل
  • رئيس الوزراء العراقي يجتمع مع سفير دولة قطر
  • دراسة تحليلية حول ظاهرة ثقافة التصلب في المجتمع العراقي وأبعادها الاجتماعية
  • أرنولد:هدفي إسعاد الشعب العراقي
  • نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدولة لشؤون الدفاع يلتقي وزير الدفاع العراقي
  • رئيس مجلس الوزراء يهنئ نظيره البوروندي
  • رئيس مجلس الوزراء يهنئ نظيره الرواندي
  • رئيس الوزراء يلتقي نظيره الجزائري بإسبانيا لبحث تعزيز التعاون المشترك
  • رئيس الوزراء يلتقي نظيره الجزائري في مؤتمر الأمم المتحدة الرابع لتمويل التنمية