بمناسبة مرور 50 عامًا على نصر أكتوبر الذى تحل ذكراه بعد أربعة أيام، دعنا نتساءل: كيف تعاملت السينما المصرية مع فكرة الحرب؟ بل كيف تناولت تلك السينما جميع الحروب التى جرت وقائعها المميتة على أرض مصر بامتداد القرن العشرين، سواء خاضتها مصر بشكل مباشر أو غير مباشر؟.
الكل يعرف أن السينما تعد إحدى أهم الوسائط التى توثق وتسجل، بشكل فنى، أبرز الأحداث التى يمر بها بلد من البلدان، تلك الأحداث التى قد يغفلها المؤرخون وعلماء الاجتماع، فهى تعرض، بجمال، قطعة حية من تاريخ الوطن بكل ما يعتمل داخله من صراعات وطموحات وآلام وآمال.
نطل هنا على أهم الأفلام المصرية التى تناولت الحرب، باستثناء أفلام حرب أكتوبر التى تعرض كثيرًا، حتى حفظها الجمهور.
لقد شهد القرن العشرون حربين عالميتين: اندلعت الأولى فى 1914 واستمرت أربع سنوات، بينما استعرت الحرب الثانية فى 1939 ودامت حتى 1945، علاوة على حرب فلسطين 1948، وقد شارك فيها الجيش المصرى ببسالة، ثم حرب 1956، والتى عرفت باسم العدوان الثلاثى على مصر، حين تحالفت فرنسا وإنجلترا وإسرائيل على ضرب مصر انتقامًا من إقدام عبدالناصر على تأميم قناة السويس، ثم ابتلينا بهزيمة 1967، فأعقبتها حرب الاستنزاف البطولية التى ظلت متأججة حتى اكتمل قوس النصر الكبير بحرب أكتوبر 1973.
حين نرصد تاريخ الحرب سينمائيًا، نكتشف أن الحرب العالمية الأولى، لم يكن لها سوى صدى شاحب على الشاشة، فقد ظهرت السينما الروائية عندنا بعد انقضاء الحرب بنحو خمس سنوات، ومع ذلك فقد شهدنا أثرًا بسيطا فى فيلم (سيد درويش/ 1966) الذى أخرجه أحمد بدرخان، حين لمح سيد درويش جنود الإنجليز، وكانوا يحتلون بلادنا منذ 1882، يسوقون المصريين نحو الحرب بالقوة، فغنى قائلا: (يا عزيز عينى وأنا نفسى اروح بلدي) وشدا أيضا بأغنيته موفورة الشهرة (سالمة يا سلامة) والتى يقول فيها (شفنا الحرب وشفنا الضرب وشفنا الديناميت بعينينا).
أما الحرب العالمية الثانية، فلم يكن نصيبها السينمائى أوفر حظا من الأولى إلا قليلا، حيث برزت تأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية بوضوح فى أفلام (السوق السوداء/ 1945)، و(لعبة الست/ 1946)، و(غنى حرب/ 1947)، و(الخيانة العظمى/ 1962)، و(الليلة الأخيرة/ 1963).
بينما كان لحرب فلسطين نصيب سينمائى معتبر، فهذا فيلم (فتاة من فلسطين 1948) أول فيلم يتناول حرب فلسطين، ثم جاء فيلم (نادية/ 1949)، وكذلك أفلام (أرض الأبطال/ 1953)، و(الحياة الحب/ 1954)، و(الله معنا/ 1955)، و(شياطين الجو/ 1956)، و(وداع فى الفجر/ 1956)، و(أرض السلام)، و(رد قلبي/ 1957)، و(نهر الحب/ 1960)، و(طريق الأبطال/ 1961).
للعدوان الثلاثى نصيب مهم كذلك فى تاريخنا السينمائى، فهناك مثلا: فيلم (سجين أبوزعبل) و(بورسعيد 1957) و(نور الليل/ 1959)، و(عمالقة البحار/ 1960)، و(غدًا يوم آخر)، و(لا تطفئ الشمس/ 1961)، و(الباب المفتوح)،و(منتهى الفرح/ 1963).
هذه أبرز الأفلام المصرية التى استعرضت الحرب بشكل أو بآخر، وما زال فى جعبة السينما الكثير.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الحرب السينما المصرية مرور 50 عام ا جميع الحروب الافلام المصرية
إقرأ أيضاً:
حين تصفق السينما للنجم.. فرسان ألتو تكريم لروبرت دي نيرو قبل أضواء كان
يلجأ الكثير من المبدعين في خريف العمر إلى تكرار أنفسهم عبر إعادة تقديم أنجح تجاربهم للجمهور في محاولة لاستدعاء حالة سابقة أو على الأقل الاحتفاظ بمساحة جماهيرية تمكنهم من العيش تحت الأضواء لسنوات إضافية. والممثل والنجم صاحب التاريخ المزين بالجوائز والنجاحات ليس استثناء من هؤلاء الذين كانوا يوما ملء السمع والصبر، لكن أحكام الزمن سرت عليه كما تسري على الجميع دون استثناء.
في فيلمه الجديد "فرسان ألتو"، والذي يلتقط أنفاسه الأخيرة في دور العرض، بالتوازي مع تكريم بطله روبرت دي نيرو في مهرجان "كان"، يحاول النجم العجوز استدعاء تلك التيمة التسعينية الشهيرة التي التقطها مع صديقه ومخرجه المفضل سكورسيزي حول رجال العصابات ذوي الأصل الإيطالي، والتي قدمها في عدد كبير من الأفلام، وكان آخرها "الأيرلندي" 2019 (The Irishman).
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2بعد وثائقي الجزيرة.. كوثر بن هنية تحوّل مأساة هند رجب إلى فيلم عالميlist 2 of 2محكمة الطفل تقرر إيداع نجل محمد رمضان إحدى دور الرعاية على خلفية واقعة اعتداءend of listينسى أو يتناسى النجوم وصناع السينما أن العصابات التي وجدت أو ظهرت على الشاشة في نهاية القرن الماضي تغيرت، غالبا، كما تغير كل شيء في عالمنا خلال السنوات الـ20 السابقة، ورغم اللمسة الإنسانية والدرامية الفاقعة التي طرحها كل من المخرج باري ليفينسون وكاتب السيناريو نيكولاس بيليغي لرصد تطور الصداقة التاريخية بين رجُلي العصابات فرانك كوستيلو وفيتو جينوفيزي، اللذين جسدهما دي نيرو في العمل، والتحولات التي مرت بها، لكن ذلك لم ينجح في منع المشاهد للعمل من الشعور بالعودة إلى التسعينيات، والغريب أن دي نيرو قدم شخصيتي الصديقين العدوين بصورة جيدة، لكنها تحمل قدرا من التشتيت.
إعلان العيش في الماضيتدور أحداث "فرسان ألتو" حول منافسة بين اثنين من أخطر زعماء الجريمة المنظمة في مدينة نيويورك للسيطرة على شوارع المدينة. كان الرجلان صديقين حميمين، لكن الغيرة البسيطة وسلسلة من الخيانات تدفعهما إلى مسار تصادم مميت. تركز القصة المأخوذة عن أحداث وشخصيات حقيقية على محاولة اغتيال كوستيلو الفاشلة عام 1957، التي يُزعم أن جينوفيزي هو من أمر بها، والتي أدت إلى إبعاد كوستيلو عن المافيا. ويصور الفيلم أيضا اجتماعا لزعماء المافيا تم تأجيله بعد تسرب موعده ومكانه إلى السلطات، وهو ما كشف عن الصراعات الداخلية للمافيا للجمهور في ستينيات القرن الماضي.
يُعيد هيكل الفيلم، بمشاهد "الفلاش باك" وتعليقه الصوتي، إلى الأذهان كلاسيكيات دي نيرو، ومنها "الأصدقاء الطيبون" 1990 (Goodfellas)، و"الأيرلندي" 2019 (The Irishman)، وبينما تهدف هذه الأدوات إلى إحياء مشاعر الحنين لدى المشاهد، إلا أنها تسبب اضطرابا في الإيقاع السردي، كما تؤدي إلى مقارنة يصعب الخلاص منها والتركيز في الفيلم بشكل حاسم. ورغم المبرر الموضوعي لاستخدام مشاهد "الأبيض والأسود" في العمل باعتبارها تعيد القصة موضوع الفيلم إلى سياقها ضمن التاريخ الاجتماعي، إلا أنها بدت احتفالا وتكريما لنجم أفلام العصابات التاريخي في هوليود، ليبدو الفيلم احتفالا مبكرا بتكريم مهرجان "كان" للممثل المخضرم.
ليس من المنطقي أن يقصد صناع العمل تقديم دي نيرو كممثل عبر تجسيده لشخصيتي فرانك كوستيلو الهادئ وفيتو جينوفيزي المتقلب، فهو لا يحتاج دليلًا على براعته التمثيلية، وإن كان قد أثبتها في المشاهد التي تواجه فيها الشخصيتان بعضهما البعض، مثل دردشتهما المتوترة على المائدة، تتجلى قدرة دي نيرو على التمييز بينهما. ومع ذلك، فإن هذا التجسيد المزدوج للشخصيتين يعيد إلى الذاكرة أدوار توم هاردي في فيلم "أسطورة" 2015 (Legend)، يبدو أحيانًا أشبه بخدعة فنية منه، فقط، وليست ضرورة سردية.
إعلانفي "الأصدقاء الطيبون"، حيث كان دي نيرو هو "جيمي كونواي"، مجرد جزءٍ من نسيج الجريمة، ولكنها نجح نجاحا مبهرا. وفي "العراب الجزء الثاني" 1974 (The Godfather Part II)، كان فيتو كورليوني الشاب، الذي جسده دي نيرو، بمثابة توازن لمايكل الذي جسده آل باتشينو، وليس عالمًا مستقلًا بذاته. أما في فيلم "فرسان ألتو"، فكلا البطلين هما دي نيرو، وهما بمثابة انعكاس في المرآة لبعضهما البعض، باستثناء اختلاف الأداء.
مرحلة التطبيع مع الشر وحب الأشرارولم تكن أفلام الثلاثي الأشهر دي نيرو وآل باتشينو وسكورسيزي عن المافيا الأميركية بنجاحها السينمائي إلا جسرا عبرت عليه القيم المرتبطة بالإجرام والدماء إلى الجمهور وإلى صناع السينما معا، وتحولت نجاحاتهم إلى موجة سينما انتشرت وعبرت عن نفسها فيما بعد بأشكالها مختلفة رافقت التحولات الاجتماعية والتطور التكنولوجي، وإذا كان النجاح السينمائي هو الجانب الإيجابي، فإن الجانب السلبي لهذا النجاح سيبقى تأثيره لسنوات في مجتمع تلهمه الأفلام السينمائية أكثر مما تلهمه الكتب المقدسة.
يحاول "فرسان ألتو" استدعاء تلك الأجواء دون أدنى محاولة لتحديث الرؤية وقياس المسافة الزمنية بين القصة وتوقيت تحويلها إلى فيلم، وإذا كان "الأيرلندي" قد جاء على هيئة مذكرات لبطله، فإن "فرسان ألتو" لم ينل هذه الفرصة، واختطف المشاهد من لحظة إلى عالم العصابات في الستينيات من القرن الماضي دون مبرر أو "متكئ" درامي.
الغريب في الفيلم هو تلك الحجج الأخلاقية التي يسوقها صناعه على لسان دي نيرو ودفعه لتبني مواقف "أخلاقية" وهو أمر قد يبدو مقبولا في "الأب الروحي" لفرنسيس فورد كوبولا، أو حتى في "الأيرلندي"، الذي كان بطله قد اعتزل وبدأ في مرحلة الندم على مشواره كمجرم، ولكن بدا الأمر في "فرسان ألتو"، كما لو كان "الشيطان" يلقي موعظة، لا تكتفي بالحديث عن أخلاق العصابات، ولكنها تعطي دروسا للجمهور الذي لا يملك أدنى علاقة بعالم الجريمة.
إعلاننجح الفيلم في جذب انتباه الجمهور خلال سرده السينمائي في مشاهد وأحداث محددة، خاصة اجتماع زعماء العصابات الأشهر، إذ يجد المشاهد كاميرا رشيقة وتتابعا سلسا وشيقا، وأداء رائعا مغرقا في أجواء عصابات الستينيات من فريق التمثيل في العمل وخاصة "كاثرين ناردوتشي" في دور آنا جينوفيزي، الذي جاء حيويا وملهما.
نجح روبرت دي نيرو في إقامة حفل سينمائي في صورة فيلم لتكريم مشواره السينمائي في عالم سينمائي العصابات، وظهر الفيلم كما لو كان تمثالا لتخليد دي نيرو أكثر منه فيلما سينمائيا عن زعيمين ذهبا بكل ما يرمزان إليه إلى أعماق التاريخ.