في عالم كرة القدم، تسرق الأضواء منجزات اللاعبين، وتُسلّط الكاميرات على الأهداف والمهارات، والخطط التكتيكية. لكن خلف هذه الصورة المثالية يكمن عالم داخلي معقّد من الانفعالات والمشاعر والضغوط النفسية لا يقل أهمية عن الجاهزية البدنية والتكتيكية. حادثة وفاة اللاعب دييجو جوتا كانت صدمة إنسانية قبل أن تكون رياضية، وأظهرت أثرًا عميقًا على زملائه، خاصة لاعبي الهلال روبين نيفيز، وجواو كانسيلو، اللذين بدت عليهما مشاعر الحزن والانكسار؛ ما أعاد إلى الواجهة موضوعًا غائبًا عن النقاش، وهو التهيئة النفسية، وأثر علم النفس الرياضي في كرة القدم.


اللاعب الإنجليزي داني روز، سبق وأن تحدّث عن اكتئابه، مشددًا على ضرورة وجود دعم نفسي احترافي في الأندية، وهنا تأتي أهمية علم النفس الرياضي، وهو مجال متخصص يُعنى بدراسة الجوانب الذهنية والانفعالية، التي تؤثر على الأداء الرياضي، ويشمل: إدارة التوتر والقلق، وتعزيز الدافعية والتركيز، والتعامل مع الإحباط والفشل، كما يشمل تطوير الذكاء العاطفي في التفاعل مع الزملاء والمدربين، وتجاوز الصدمات والمواقف العاطفية المفاجئة، حيث يعمل المختص النفسي الرياضي جنبًا إلى جنب مع الجهاز الفني والبدني؛ لتقديم الدعم الذهني اللازم للاعبين، سواء في الفترات العادية أو أوقات الأزمات.
الأزمات النفسية لا تحدث فقط أثناء الهزائم أو الإخفاقات، بل يمكن أن تكون نتيجة حوادث خارج الملعب؛ كوفاة أحد الزملاء، أو مشاكل عائلية، أو حتى ضغوط الجمهور ووسائل الإعلام؛ لذلك التهيئة النفسية في هذه السياقات؛ تشمل جلسات تفريغ نفسي بعد الحوادث، واستشارات فردية وجماعية لمساعدة اللاعبين على التعبير عن مشاعرهم، وتقنيات التنفس والاسترخاء للحد من القلق والتوتر، ودعم اجتماعي من الزملاء، ضمن بيئة الفريق.
في حادثة مثل وفاة جوتا، من الضروري أن يتدخل المختصون، ليس فقط لمساعدة الأفراد المتأثرين مباشرة، بل للفريق بأكمله؛ كي لا تتحول الصدمة إلى أزمة جماعية، كما أنها تذكير صادم بأن الحياة والرياضة ليستا منفصلتين، وأن الحزن لا يعرف توقيتًا، ولا يحترم جدول المباريات، وإذا أردنا كرة قدم أكثر إنسانية واحترافًا، فعلينا أن نوقن بأن الصحة النفسية ليست رفاهية، بل هي أحد أهم مفاتيح النجاح والاستدامة في مسيرة أي لاعب.
بُعد آخر.. بعد وفاة والده، سمح ريال مدريد لزين الدين زيدان، بغياب غير محدد عن الفريق، وكان العامل النفسي أساسيًا في اتخاذ القرار.

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: محمد العمري

إقرأ أيضاً:

إستراتيجية صندوق الاستثمارات العامة في القطاع الرياضي.. من الاستثمار إلى التأثير العالمي

البلاد (جدة)
تُواصل الإستراتيجية الاستثمارية لصندوق الاستثمارات العامة في القطاع الرياضي، تحقيق نتائج نوعية تعزز من حضور المملكة على الساحتين القارية والعالمية؛ إذ لم تعد المؤشرات مجرد وعود مستقبلية، بل تحققت على شكل إنجازات بارزة في سجل الرياضة السعودية، كان من أبرزها تتويج النادي الأهلي بلقب دوري أبطال آسيا، والانتصار التاريخي الذي حققه نادي الهلال على مانشستر سيتي، بطل دوري أبطال أوروبا، في بطولة كأس العالم للأندية (2025)، في مواجهة وُصفت بأنها إحدى أهم لحظات التحول في كرة القدم العالمية، وتكمل هذه النجاحات الصورة الأوسع للمكاسب التي حققتها استثمارات الصندوق، بما في ذلك إعادة نادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي إلى واجهة البطولات الكبرى بعد عقود من الغياب، كأحد النماذج الدولية التي تجسد أثر الرؤية السعودية حين تُدار بفاعلية واستدامة. رؤية شاملة ومخرجات نوعية: لا تقف هذه النجاحات عند حدود الملاعب والنتائج، بل تمثل انعكاسًا مباشرًا لمدى التمكين المؤسسي الذي تقوده المملكة، عبر صندوق الاستثمارات العامة، من خلال رؤية شاملة جعلت من الرياضة أداة اقتصادية وإستراتيجية متكاملة، تُسهم في تنويع مصادر الدخل، وتعزيز جودة الحياة، وتوفير فرص عمل، وتحقيق عوائد مستدامة، فضلًا عن دعم حضور المملكة في الساحات العالمية كلاعب رئيس في تشكيل مستقبل الرياضة. تعزيز مكانة المملكة كوجهة رياضية عالمية رائدة: في هذا السياق، يمضي صندوق الاستثمارات العامة بتنفيذ إستراتيجيته الطموحة التي تضع القطاع الرياضي ضمن أولوياتها الاستثمارية، من خلال مبادرات نوعية ومشاريع رائدة، تستهدف بناء قطاع رياضي سعودي حديث، قائم على أفضل الممارسات العالمية، ومؤهل للمنافسة الدولية، وتؤكد استثمارات الصندوق في الأندية السعودية، والرياضات الرقمية، ومنصات البث، وشراكات الاتحادات العالمية، التزامه الراسخ بتعزيز مكانة المملكة كوجهة رياضية رائدة، ومركز إقليمي وعالمي يستقطب البطولات والنجوم والمواهب، ويصدر كذلك النماذج والمعرفة والخبرات. تحولات جوهرية: شهدت الأعوام الأخيرة تحولات جوهرية بقيادة الصندوق، أبرزها إطلاق مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية في يونيو (2023) بالتعاون مع وزارة الرياضة، الذي أسفر عن تحويل أربعة من أكبر الأندية السعودية وهي الهلال، النصر، الاتحاد، والأهلي إلى شركات، تملك فيها الدولة ممثلة بصندوق الاستثمارات العامة حصة قدرها (75%)، مقابل (25%) تمتلكها مؤسسات غير ربحية، هذا التحول مكّن الأندية من الاستفادة من الخبرات الاستثمارية والإدارية للصندوق، وتطبيق أفضل النماذج التشغيلية، بما يُعزز استمرارية الأداء ويُمكّن من استحداث تجارب رياضية فريدة للجماهير، إلى جانب زيادة التفاعل المجتمعي وتوسيع قاعدة الممارسين والمشجعين.
استثمارات دولية: لم تقتصر استثمارات الصندوق على الداخل، بل توسعت إلى الساحة العالمية عبر استحواذه على حصة الأغلبية في نادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي، وهو ما أسهم في استعادة النادي لهيبته التنافسية، وتُوج بتحقيقه لقب كأس رابطة المحترفين الإنجليزية للمرة الأولى منذ سبعين عامًا، كما يُعد الصندوق أحد المساهمين الرئيسيين في شركة LIV Golf العالمية، وهو ما يُبرز تنوع مجالات الاستثمار بين كرة القدم والجولف وغيرها من الرياضات.
التمكين المؤسسي:
وفي إطار التمكين المؤسسي المتسارع، أعلن الصندوق في أغسطس (2023) تأسيس شركة “سرج” للاستثمارات الرياضية، التي تهدف إلى دعم نمو القطاع الرياضي في المملكة ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقد بدأت الشركة منذ انطلاقتها بسلسلة من الشراكات البارزة، من بينها الاستحواذ على حصة أقلية في دوري المقاتلين المحترفين الأمريكي المتخصص في الألعاب القتالية المختلطة، إلى جانب شراكتها مع منصة “DAZN” العالمية الرائدة في مجال البث الرياضي والترفيهي، وذلك في خطوة تسهم في تعزيز محتوى البث وتوسيع قاعدة المشاهدة الجماهيرية حول العالم.
توسع إستراتيجي:
توسعت إستراتيجية الصندوق إلى الرياضات الرقمية، إذ أطلق في يناير (2022) مجموعة “ساڤي” للألعاب الإلكترونية، وهي شركة مملوكة بالكامل للصندوق، متخصصة في تطوير وتنمية صناعة الألعاب والرياضات الإلكترونية، وتطمح “ساڤي” إلى أن تصبح أكبر شركة ألعاب في العالم، والمستثمر الأول في هذا القطاع عالميًا، وذلك من خلال توسعها في عدد من المراكز العالمية، وسعيها إلى أن تكون العاصمة الرياض واحدة من أهم المراكز الدولية للرياضات الإلكترونية، وقد دخلت “ساڤي” في شراكات واستحواذات عديدة، أسهمت في تعزيز قدراتها وفتح آفاق جديدة لنمو القطاع الرقمي، وتمكين المملكة من استضافة فعاليات دولية، كان أبرزها تنظيم نهائيات بطولة الاتحاد الدولي لكرة القدم الإلكترونية “فيفا” في ديسمبر (2024).
شراكات نوعية:
وضمن رؤية الصندوق المتكاملة، التي ترتكز على مفاهيم الشمولية، والاستدامة، والابتكار، وتمكين الشباب، وقّع صندوق الاستثمارات العامة في عام (2024) شراكات نوعية مع اتحادي لاعبي ولاعبات التنس المحترفين، ليصبح شريك التسمية الرسمي لتصنيفات أفضل اللاعبين واللاعبات عالميًا، وتهدف هذه الشراكة إلى دعم مستقبل اللعبة وتوسيع دائرة الاستثمار في اللاعبين والمشاريع والمواهب. ودخل الصندوق في شراكة إستراتيجية مع اتحاد أمريكا الشمالية والوسطى والكاريبي لكرة القدم (كونكاكاف)، لتعزيز رياضة كرة القدم في المنطقة وتوسيع برامجها لتشمل النشء والشباب، وهو ما يعكس حرص المملكة على الإسهام في نمو كرة القدم على مستوى العالم، وتوسيع فرص ممارستها في مختلف البيئات والبلدان. ويمثل انضمام صندوق الاستثمارات العامة مؤخرًا كشريك رسمي لبطولة كأس العالم للأندية “FIFA 2025” إحدى أبرز المحطات في هذه المسيرة، إذ تعكس هذه الشراكة الرؤية المشتركة بين الصندوق والاتحاد الدولي لكرة القدم لتعزيز قطاع الرياضة عالميًا، وتشجيع الابتكار، وفتح فرص أكبر للشباب، ودعم الفيفا في جهودها لإلهام الأجيال الجديدة وتعزيز مشاركتها، كما تُعد هذه الخطوة امتدادًا للدور المتنامي للمملكة في ساحة كرة القدم العالمية، وتجسيدًا لاستعدادها لتنظيم نسخة استثنائية من بطولة كأس العالم (2034). الاستثمار الرياضي كأداة لتحقيق رؤية (2030) وفي المجمل، تمثل الإستراتيجية الاستثمارية لصندوق الاستثمارات العامة في القطاع الرياضي ركيزة أساسية في تحقيق أهداف رؤية المملكة (2030)، خصوصًا ما يتعلق برفع مساهمة القطاع الرياضي في الناتج المحلي الإجمالي، وتعزيز حضوره كمجال اقتصادي مستدام، وتؤكد المبادرات المتنوعة، بدءًا من تحويل الأندية إلى شركات، وصولًا إلى بناء شركات رياضية متخصصة في البث والتقنية والألعاب، أن الصندوق لا يستثمر فقط في الرياضة كمنصة للترفيه، بل كمجال مؤثر في بناء الاقتصاد وتنمية الإنسان، وتحقيق موقع ريادي للمملكة في المشهد الرياضي العالمي.

مقالات مشابهة

  • الثقيل : إدارة الهلال وفرت طائرة لنقل نيفيز وكانسيلو لحضور عزاء جوتا .. فيديو
  • بعد ساعات من انتهاء مباراة الزعيم.. «نيفيز وكانسيلو» يحضران جنازة جوتا
  • شاهد.. نيفيز وكانسيلو ثنائي الهلال يبكيان جوتا ويشاركان في تشييعه
  • نيفيز وكانسيلو يرافقان جثمان جوتا إلى مثواه الأخير
  • لحظة إنسانية مؤثرة في كأس العالم للأندية.. دموع كانسيلو ونيفيز حزنا على رحيل جوتا
  • تفاعل على لقطة بكاء نيفيز وكانسيلو خلال الوقوف دقيقة صمت على روح ديوغو جوتا
  • إنزاغي: حمد الله إضافة قوية.. ورحيل جوتا أثر على نيفيز وكانسيلو
  • وفاة لاعب كرة قدم يصدم الوسط الرياضي ونجوم العالم يرسلون التعازي
  • إستراتيجية صندوق الاستثمارات العامة في القطاع الرياضي.. من الاستثمار إلى التأثير العالمي