شيخة الجابري تكتب: حَرفٌ وأثر
تاريخ النشر: 2nd, October 2023 GMT
ننشدُ السكينة، نكرهُ الضوضاء الفارغة، نُحب الآخرين ليس كلّهم إنما أولئك الذين تعلو البشاشة وجوههم، وتملأ الطيبة أرواحهم، الذين لا تغادر وجوههم الابتسامة، ولا يُشكّلون أذىً للآخرين، أولئك الذين يؤمنون بالأحلام ويحققونها حتى داخل الحلم نفسه، هم المنتمون للحب، للدفء، للأمان، للحياة الفارهة أماناً وبساطة.
إننا نفقد الكثير من خواصنا كبشر، حين ننسلخ عن براءتنا ورهافة مشاعرنا، وطيبة قلوبنا، حينما نتصنّع شعوراً آخر لا ينتمي لنا، أو يعكس دواخلنا النّديّة والحالة التي نعيشها كمن يرتدي قناعاً يخفي خلفه روحاً ثانية، تعرف كيف لها أن تنجوَ من لحظة زيفٍ أو ضعف، التمثيل مهنة مجنونة، محفوفة بالمخاطر، ونحن في داخل كلّ واحد منّا ممثل فاشل بكل أسف يسقط حالاته على دواخلنا، يجرّدنا منّا ومعهُ نصلُ إلى مرحلة نهرب فيها من لحظاتنا الحلوة، كأن هذه الحالة تتكرر في سيناريو تستحدثه دوامة الحياة الراكضة بنا نحو طرقٍ بعضها شديد الوعورة في زمن التحديات الإنسانية الكبيرة.
الشعور بالفراغ امتلاء، كالاحتواء حين يقاسمنا رغيف اللحظة، وينام قرير الطهر كملاك، يتوسد أحلامه لتطير، كأنها لم تهيأ له، كأنها ترسم خدعة من وهمٍ تدور، وتدور حولنا، وحوله، لنصحو على صمت العتمة وامتداد البياض، ندنو منها تتماهى كسراب، بكَ تحيط تنبّرُ في الروح كنصلٍ أجوف أولهُ وجعٌ، وآخرهُ جفاء.
حينما تباغتني اللحظة، وأدنو منك إلي، حينها أشعر أن هذا الكون يتلون بألوان الحياة، ويتعطر بروح الورد ويتنفس الحب، وعندما يصبح الحب حالة خاصة تغدو الحياة أكثر رحابة وألقاً.
تبدو المسافات أكثر مقدرة على صنع الحواجز، وأكثر الطرق جمالاً تلك التي لم نقطعها بعد ولم نكتشف لغتها الخاصة العابرة نحو المسافات الأكثر دفئاً، وارتباطاً بما تنأى عنه من حكايات وأمنيات.
العطر الذي يعيد إلينا أنفسنا هو ذاك الذي لم نتنفّسه بعد، ولم تعلق رائحته بنا، ولم نسبر سرَّه الخاص، ولم نكتشف سحره المخضب بأريج الياسمين، ونفح الورد.
أتعطش دوماً للحظات تورق معها الدنيا وتزهر، وتتمازج فيها أنغام الخطوة الأولى، والنظرة الأولى، واللهفة التي على حين لقاء كانت ضيف قلب.
أشعر أن اليأس نهاية المطاف لكل فعل جميل، نحن نقتل انتصاراتنا باليأس والاستسلام والخنوع إلى الظرف والوقت والفعل السلبي، هل نيأس لضياع حلم أم نستعد لعبور درب جديد، نحو حلم أجمل، أحسبُ أن الثاني هو التحدي الحقيقي. أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: أحوال شيخة الجابري
إقرأ أيضاً:
الجعفراوي قبل استشهاده: أنا الآن في الجنة مع رفاقي الذين سبقوني
شارك على عامر الجعفراوى، شقيق صالح الجعفراوى، الذي استشهد أمس في غزة، وصية مؤثرة كتبها أخوه قبل مفارقته الحياة عبر منشور على مواقع التواصل الاجتماعى، عبّر فيها صالح عن ثباته وإيمانه بطريق المقاومة حتى اللحظة الأخيرة من حياته.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، القائل: “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا، بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ.” أنا صالح. أترك وصيتي هذه، لا وداعًا، بل استمرارًا لطريقٍ اخترته عن يقين.
يعلم الله أنني بذلت كل ما أملك من جهدٍ وقوة، لأكون سندًا وصوتًا لأبناء شعبي، عشتُ الألم والقهر بكل تفاصيله، وذُقت الوجع وفقد الأحبة مرارًا، ورغم ذلك لم أتوانَ يومًا عن نقل الحقيقة كما هي، الحقيقة التي ستبقى حجة على كل من تخاذل وصمت وأيضا شرف لكل من نصر ودعم ووقف مع أشرف الرجال وأعز الناس وأكرمهم أهل غزة.
إن استشهدت، فاعلموا أنني لم أغب…
أنا الآن في الجنة، مع رفاقي الذين سبقوني؛
مع أنس، وإسماعيل، وكل الأحبة الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
أوصيكم أن تذكروني في دعائكم، وأن تُكملوا المسير من بعدي.
تذكروني بصدقاتٍ جارية، واذكروني كلما سمعتم الأذان أو رأيتم النور يشقّ ليل غزة.
أوصيكم بالمقاومة…
بالطريق الذي سرنا عليه، وبالنهج الذي آمنا به.
فما عرفنا لأنفسنا طريقًا غيره، ولا وجدنا معنى للحياة إلا في الثبات عليه.
أوصيكم بأبي.. حبيب قلبي وقدوتي، من كنت أرى نفسي فيه ويرى نفسه في.. يا من رافقتني وقت الحرب بكل ما فيها .. أسأل الله أن نلتقي في الجنان وأنت راض عني يا تاج رأسي
أوصيكم بأخي ومعلمي ورفيق دربي ناجي،
يا ناجي… قد سبقتُك إلى الله قبل أن تخرج من السجن،
فاعلم أن هذا قَدَرٌ كتبه الله،
وأن الشوق إليك يسكنني،
كنت أتمنى أن أراك، أن أضمّك، أن نلتقي،
لكن وعد الله حق، ولقاؤنا في الجنة أقرب مما تظن.
أوصيكم بأمي…
يا أمي، الحياة بدونك لا شيء.
كنتِ الدعاء الذي لا ينقطع، والأمنية التي لا تموت.
دعوتُ الله أن يشفيك ويعافيك،
وكم حلمت أن أراكِ تسافرين للعلاج، وتعودين مبتسمة.
أوصيكم بإخوتي وأخواتي،
رضا الله ثم رضاكم غايتي،
أسأل الله أن يسعدكم، وأن يجعل حياتكم طيبة كقلوبكم الرقيقة التي طالما حاولت أن أكون مصدر سعادةٍ لها.
كنتُ أقول دومًا:
لا تسقط الكلمة، ولا تسقط الصورة.
الكلمة أمانة، والصورة رسالة،
احملوها للعالم كما حملناها نحن.
لا تظنوا أن استشهادي نهاية،
بل هو بداية لطريقٍ طويلٍ نحو الحرية.
أنا رسول رسالةٍ أردت أن تصل إلى العالم - إلى العالم المغمض عينيه، وإلى الصامتين عن الحق.
وإن سمعتم بخبري، فلا تبكوا عليّ.
لقد تمنّيتُ هذه اللحظة طويلًا، وسألت الله أن يرزقني إياها
فالحمد لله الذي اختارني لما أحب.
ولكل من أساء إلي في حياتي شتماً أو قذفاً كذباً وبهتاناً أقول لكم ها أنا أرحل إلى الله شهيدا بإذن الله وعند الله تجتمع الخصوم
أوصيكم بفلسطين…
بالمسجد الأقصى…
كانت أمنيتي أن أصل فناءه، أن أُصلّي فيه، أن ألمس ترابه.
فإن لم أصل إليه في الدنيا،
فأسأل الله أن يجمعنا جميعًا عنده في جنات الخلد.
اللهم تقبّلني في الشهداء، واغفر لي ما تقدّم من ذنبي وما تأخّر، واجعل دمي نورًا يُضيء درب الحرية لشعبي وأهلي.
سامحوني إن قصّرت، وادعوا لي بالرحمة والمغفرة، فإني مضيتُ على العهد، ولم أُغيّر ولم أُبدّل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أخوكم الشهيد بإذن الله، صالح عامر فؤاد الجعفراوي.