شيخة الجابري تكتب: التنشئة والذكاء الاصطناعي
تاريخ النشر: 26th, May 2025 GMT
نعيش زمناً تتقاطع فيه الكثير من المغريات والتحديات، الفرص والصعوبات، الاتصال والانفصال، التشارك والتعارك، مصطلحات متعددة بعضها يغريك بالدخول في تفاصيله، وبعضها يضعك أمام خيارات لا قِبل لك إلا أن تجاريها أو تقتنص منها ما يناسب ثقافتك وهويتك وتنشئتك وتربيتك الأسرية والقيميّة، في ظل ما يصلنا من جديد في التقنية والذكاء الاصطناعي والابتكارات، إن جاز التعبير «المؤذي» بعضها، والذاهب بنا نحو تعقيدات نحتاج زمناً لاستيعابها والتعامل معها.
لقد أصبح للتكنولوجيا بمختلف تصنيفاتها وخدماتها، تأثير عميق على العلاقات والتفاعل بين الأفراد، ووفقاً لما نراه من تغيرات، يبدو أن الذكاء الاصطناعي ستكون لهُ اليد الطولى في المستقبل، وسوف يكون أحد الأدوات التي تعيد تشكيل أنماط التنشئة الاجتماعية، حيث أصبح الأفراد يعتمدون على التطبيقات الرقمية والخوارزميات في التواصل والتفاعل اليومي بينهم، ما يؤثر في العلاقات الاجتماعية، ويرفع من درجة خطورة الاعتماد عليه.
اليوم أصبحت تلك العلاقات افتراضية كما يقولون، لكنها واقعاً تقترب إلى أن تكون هي الواقعية ونحن الذين نعيش في الزمن الافتراضي كما يحلو للشباب وصفه، ففي الوقت الذي تزداد فيه وتيرة التواصل عبر القنوات والوسائط الجديدة بين الجيل الشاب، يسير الجيل الذي لم يواكب هذه المتغيرات، بعد نحو عزلة اختيارية ينأى فيها بنفسه عن الحرج أمام ما يعاصر من تحولات جذرية في بنية التنشئة والتواصل الإنساني الواقعي.
لقد تغيرت مفاهيم العلاقات الاجتماعية مع انتشار الوسائل الرقمية، وصار التواصل الشخصي مع الآخر مرهوناً بالوقت، والفرصة السانحة، وربما الرغبة الحقيقية لدى من يسعى للتواصل، كما أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي يسير بنا نحو متغيرات سوف تضع الأسر أمام تحديات تربوية حقيقية، فالأبناء الذين يملكون الهواتف والأجهزة اللوحية، يجهل الوالدان الكيفية التي يتعاملون بها مع تلك الأجهزة، من يحاورون، ماذا يبتاعون، ماذا يستخدمون من أدوات قد تشكل خطراً عليهم وعلى مستقبلهم.
هناك صعوبات عديدة ستواجه الأسر وهم يتعاملون مع أبنائهم، ذلك أنهم لم يعودوا وحدهم الذين يقومون بهذه العملية، فهناك شركاء افتراضيون يدسون أنوفهم في كل ذلك، ما عاد للأجداد ذاك الدور التربوي القيمي والأخلاقي الذين يساهمون به في التنشئة، فقد أضمحل هذا الدور لدى بعض الأسر، ولذا صار من المهم أن تضع الأسر أمامها هذه التحديات وتأخذها على محمل الجد، فهناك من يستطيع اختراق عقول الأبناء وأخذهم إلى طرق وعرة يتعرضون فيها إلى الاستغلال والتلاعب والتحايل الإلكتروني الذي لم يتم توعيتهم باتجاهه التوعية الصحيحة بَعد. أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: شيخة الجابري أحوال
إقرأ أيضاً:
إيمان كمال تكتب:عادل إمام..حلم لا يشيخ
-خاف من "الزمن" لكن الزعامة التي صنعها أصبحت حالة متفردة لا يمكن تكرارها
-لم يخطط ليصبح الزعيم لكنه حافظ على النجاح والنجومية وحب الجمهور
-"دسوقي أفندي"..الانقلاب الأول الذي منحه فرصة الانطلاق بعد اعتذار محمد عوض والهجرسي
- غامر بحياته في مواجهة طيور الظلام في أسيوط فمنح شعبية هائلة بجدارة
- يخاطب بأدواره بشرًا يبحثون عن شخص يُسعدهم، يُخفّف عنهم شدة الأيام وقسوة الأزمات
سأل الكاتب والصحفي عادل حمودة الفنان عادل إمام عن ما الذي يخفيه؟ فأجاب:الزمن كان ذلك في سنوات لم يكن فيها الزعيم قد بلغ الخمسين بعد، لا يزال يعتلي عرش النجومية بلا منازع. ورغم ذلك، لم يكن عادل إمام غافلًا عن مرور الوقت.
كان حلمه أن يرحل وسط الضوء، في "لوكيشن" تصوير، كما رحل النجم القدير محمود المليجي. أن تكون اللحظة الأخيرة داخل المساحة التي منحته الحياة، وجعلته يمنح الحياة لغيره، أن يودّع الدنيا من حضن الكاميرا لا من عزلة الشيخوخة.
لكن ربما لم يتحقق الحلم كما أراد، بابتعاده عن الفن واعلان ذلك رسميا قبل عامين في حفل الجوى آوورد بالرياض، لرغبته في التفرغ لعائلته وأحفاده.
هذا الابتعاد لم يبعده عن جمهوره فلا يزال حاضرا بمئات الشخصيات التي قدمها، فالزعامة التي صنعها لم تكن ظرفا زمنيا، بل حالة متفردة لم يستطع أحد أن يكررها.
وصار الحلم الذي أراده امتدادا لا نهاية له.. حلم لا يشيخ.
لِمَ هو الأكثر نجومية؟
السؤال الذي ما دام تردّد: ما السر وراء نجومية عادل إمام؟ أو لِمَ هو الأكثر نجومية؟
يجيب الكاتب الصحفي عادل حمودة في كتابه "عادل إمام الذي لا تعرفه: سنوات الصداقة وأسرار القطيعة" الصادر عن دار "ريشة" للنشر، بأن السر يكمن في بساطته كممثل.
هو لا يتكلّف ولا يتصنّع. يؤدي بأسلوب سهل، يخاطب بشرًا يبحثون عن شخص يُسعدهم، يُخفّف عنهم شدة الأيام وقسوة الأزمات... ولو لبعض الوقت.
ورغم اختلاف البعض حول تقييم موهبته — فهناك من يرى أنه حصل على أكثر مما يستحق، أو أن حظه فاق موهبته — إلا أن الحقيقة البسيطة تبقى: لا يمكن خداع المتفرج.
لن يشتري أحد تذكرة سينما أو مسرح بالإكراه.
يقول حمودة: "لم يحمل جرسًا ويتجوّل في الشوارع داعيًا الناس إلى مشاهدة أعماله... الناس هي التي كانت تركض وراء الأفلام والمسرحيات، لا العكس".
انقلابات فنية في حياة الزعيم
يتضمن الكتاب تفاصيل من مسيرة نجم كبير، كان الكاتب الصحفي عادل حمودة شاهدًا عليها منذ بداياته الأولى، منذ أن نطق بجملته الأولى على خشبة المسرح، وحتى وصوله إلى الزعامة التي كان حمودة أول من تنبأ بها.
مسيرة طويلة شهدت الكثير من التحولات والانقلابات الفنية، لكنها في النهاية رسّخت مكانته كزعيم للفن المصري والعربي لأكثر من ستة عقود ممتدة.
الإنقلاب الأول
يقول الكاتب الكبير محمود السعدني في كتابه "المضحكون الجدد" إن الفضل في ظهور جيل الكوميديانات الجدد يعود إلى مسرح التلفزيون، الذي فتح لهم الباب وأتاح لهم فرصة الظهور.
عادل إمام، الذي بدأ مسيرته الفنية وهو لا يزال طالبًا جامعيًا، لم يسأل عن جدول المحاضرات بقدر ما سأل عن فريق التمثيل.
و كان شغوفًا بالمسرح من اللحظة الأولى، ونصحه صديقه المقرب صلاح السعدني بالبحث عن فرصة للانضمام إلى إحدى الفرق المسرحية.
لكن نقطة التحول الأولى جاءت حين اختاره الكوميديان الكبير فؤاد المهندس لتقديم دور ثانوي في مسرحية "سري للغاية" عام 1960 — وهي من المسرحيات التي لم يُسلَّط عليها الضوء كثيرًا.
بعد ثلاث سنوات، شارك بدور لا يتجاوز الدقيقة في مسرحية "ثورة قرية" التي أعدها للعرض عزت العلايلي وأخرجها حسين كمال. وكانت أول جملة نطق بها على المسرح: "حلاوة عسلية بمليم ورقية"، حيث أدى دور بائع حلوى.
أما الانقلاب الحقيقي في مسيرته فجاء بالصدفة، بعد اعتذار كل من محمد عوض ونبيل الهجرسي عن دور "دسوقي أفندي"، سكرتير المحامي في مسرحية "أنا وهو وهي". رشّحه فؤاد المهندس، وعندما شاهده قال:
"مين الواد المفعوص ده؟... هو ده دسوقي أفندي!"
يعلق عادل حمودة على هذه اللحظة الحاسمة بقوله: "التقط عادل إمام الفرصة بيديه وأسنانه وعقله وكيانه. راح يرسم الشخصية التي اعتبرها فرصته لإثبات وجوده، أو نهايته قبل أن يبدأ".
بحث في مخزن الفرقة عن ملابس قديمة مخططة، ارتدى طربوشًا كبسه على رأسه، وجلس لساعات على رصيف "محكمة نور الظلام" القريبة من منزله، يراقب سلوك كُتّاب المحامين، الذين يتصرفون كما لو كانوا أكثر دراية بالقانون من المحامين أنفسهم.
ومن أحدهم التقط جملة "بلد شهادات، صحيح!" ورددها في المسرحية، فانتقلت إلى ألسنة الناس فيما بعد.
كان دورًا ثانويًا صغيرًا، لكنه أدّاه بكل ما يملك من اجتهاد وتركيز، حتى أصبح علامة فارقة في تاريخه الفني.
الانقلاب الثاني
منذ تلك اللحظة وحتى ثماني سنوات تالية، ظل عادل إمام يؤدي أدوارًا ثانوية في مسرحيات "أنا فين وأنتي فين"، "البيجاما الحمرا"، و"حالة حب".
لكنّ مرحلة الانتشار الحقيقي وتحقيق حلم النجومية بدأت عام 1971، حين وقعت المعجزة... أو ما يمكن اعتباره الانقلاب الثاني في مسيرته، عبر شخصية "بهجت الأباصيري" في مسرحية "مدرسة المشاغبين".
نجحت المسرحية نجاحًا غير مسبوق، وسجّلت رقمًا قياسيًا في نسب المشاهدة. سواء على المسرح أو عبر الفضائيات والإنترنت، يكاد لا يوجد إنسان عربي لم يسمع بها أو يشاهدها.
الانقلاب الثالث
في هذه المرحلة، أصبح عادل إمام نجمًا مسرحيًا، لكنه لم يتحول إلى نجم شعبي إلا في صيف 1988، بعد نجاحه الكبير في "مدرسة المشاغبين" التي أهلته ليخوض البطولة منفردًا في "شاهد ما شافش حاجة"، ثم في "الواد سيد الشغال".
كانت هذه المسرحية هي التي قرر عادل إمام السفر بها إلى أسيوط وعرضها هناك، تضامنًا مع فرقة فنية محلية في مواجهة التطرف والإرهاب.
لم يتردد عادل في المغامرة، لأنه كان يدرك أنها ستضيف إلى رصيده الفني وجماهيريته الكبيرة.
سافر عادل متفقًا مع وزارة الداخلية ووزير الداخلية آنذاك، زكي بدر، الذي قال له الزعيم:"أنا أعرف أن الموقف صعب وخطر، لكن لا بد من المغامرة، حتى بحياتنا، حتى لا ينتصر أنصار الظلام".
الناس في الصعيد لم تصدق أن نجمًا كبيرًا سيأتي إلى هناك، لكن ما ضاعف من حيوية المشهد هو جرأة عادل إمام في اختياره أسيوط — تلك المنطقة التي كانت تُعتبر منطقة رعب، وكان يمكن وضع علامة الموت إلى جانب اسمها".كان هذا المشهد بمثابة نقطة تحوّل منحته شعبية هائلة، بجدارة.
في النهاية يعترف عادل إمام في حوار جماعي له في روز اليوسف في منتصف التسعينات أنه لم يخطط يوما أن يصبح سوبر ستار، ويقول: "ابدا لم اخطط لذلك في حياتي الناس هى التي جعلتني كذلك وكل دوري انني حافظت على ذلك".