أخبارنا تنشر النص الكامل لرسالة الملك محمد السادس إلى أخنوش حول إعادة النظر في مدونة الأسرة
تاريخ النشر: 2nd, October 2023 GMT
أخبارنا المغربية- الرباط
وجه أمير المؤمنين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، رسالة سامية إلى السيد رئيس الحكومة، تتعلق بإعادة النظر في مدونة الأسرة.
وتأتي هذه الرسالة الملكية تفعيلا للقرار السامي الذي أعلن عنه جلالته في خطاب العرش لسنة 2022، وتجسيدا للعناية الكريمة التي ما فتئ يوليها، أعزه الله، للنهوض بقضايا المرأة وللأسرة بشكل عام.
وبموازاة مع تكليف جلالة الملك، حفظه الله، للسيد رئيس الحكومة، من خلال هذه الرسالة، فقد أسند جلالته الإشراف العملي على إعداد هذا الإصلاح الهام، بشكل جماعي ومشترك، لكل من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، وذلك بالنظر لمركزية الأبعاد القانونية والقضائية لهذا الموضوع.
وفيما يلي النص الكامل للرسالة الملكية:
"الحمد لله وحده؛ والصلاة والسلام على مولانا رسول الله، وآله وصحبه.
خديمنا الأرضى
السيد عزيز أخنوش
رئيس الحكــــومة
أمنك الله ورعاك، وعلى طريق الخير والسداد ثبت خطاك،
وبعد، فقد مر على صدور مدونة الأسرة ما يقارب عقدين من الزمن. هذه المدونة التي كانت محل ترحيب مجمع عليه، اعتبارا لما حققته من مكاسب على مستوى النهوض بحقوق المرأة، وصون حقوق الأطفال، والحفاظ على كرامة الإنسان، ودعم دولة الحق والقانون، وبناء المجتمع الديمقراطي، وذلك في احترام تام لشريعتنا الإسلامية الغراء، ومراعاة للتطور الذي عرفه المجتمع المغربي.
ورغم ما جسدته من مميزات، وما أفرزته من دينامية تغيير إيجابي، من خلال منظورها للمساواة والتوازن الأسري، وما أتاحته من تقدم اجتماعي كبير، فإن مدونة الأسرة أضحت اليوم في حاجة إلى إعادة النظر بهدف تجاوز بعض العيوب والاختلالات، التي ظهرت عند تطبيقها القضائي، ومواءمة مقتضياتها مع تطور المجتمع المغربي ومتطلبات التنمية المستدامة، وتأمين انسجامها مع التقدم الحاصل في تشريعنا الوطني.
أجل، ما نطمح إليه من تأهيل للمدونة، يجب أن يستند على المبادئ الأساسية والتوجهات الرئيسية التي أطرت إعدادها، والتي حددنا مبادئها في خطاب جلالتنا المؤرخ في 10 أكتوبر 2003 أمام البرلمان، وجددنا التأكيد عليها في خطاب العرش الموجه إلى شعبنا العزيز في 30 يوليوز 2022.
فنحن حريصون على أن يتم ذلك، في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، وأن يتم الاعتماد على فضائل الاعتدال، والاجتهاد المنفتح، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية.
وبالتالي، فإن التأهيل المنشود، يجب أن يقتصر على إصلاح الاختلالات التي أظهرها تطبيقها القضائي على مدى حوالي عشرين سنة، وعلى تعديل المقتضيات التي أصبحت متجاوزة بفعل تطور المجتمع المغربي والقوانين الوطنية.
ومن هذا المنطلق، فإن المرجعيات والمرتكزات تظل دون تغيير. ويتعلق الأمر بمبادئ العدل والمساواة والتضامن والانسجام، النابعة من ديننا الإسلامي الحنيف، وكذا القيم الكونية المنبثقة من الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب.
وإننا واثقون بأن إعمال فضيلة الاجتهاد البناء هو السبيل الواجب سلوكه لتحقيق الملاءمة بين المرجعية الإسلامية ومقاصدها المثلى، وبين المستجدات الحقوقية المتفق عليها عالميا.
وكما أكدنا أكثر من مرة، فإننا، بصفتنا أمير المؤمنين، لا يمكننا أن نحل ما حرم الله ولا أن نحرم ما أحله جل وعلا.
وطبقا لأحكام الفصل 78 من الدستور، فإن الحكومة، مخولة لاتخاذ المبادرة التشريعية، في هذا الشأن، وهي التي يعود لها أمر القيام بهذه المهمة.
واعتبارا لمركزية الأبعاد القانونية والقضائية لهذا الموضوع، فقد ارتأينا أن نسند قيادة عملية التعديل، بشكل جماعي ومشترك، لكل من وزارة العدل، والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئاسة النيابة العامة.
وفي هذا الإطار، ندعو هذه المؤسسات لأن تشرك بشكل وثيق في هذه العملية الهيئات الأخرى المعنية بهذا الموضوع بصفة مباشرة، وفي مقدمتها المجلس العلمي الأعلى، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة.
واعتبارا للطبيعة الخاصة لقانون الأسرة، الذي يهم جميع المواطنات والمواطنين، وبالنظر لأهمية ما ينطوي عليه الأمر من رهانات، فإنه ينبغي الانفتاح أيضا على هيئات وفعاليات المجتمع المدني، من خلال اعتماد مقاربة تشاركية واسعة.
وعلى هذا الأساس، فإن ما سيتم اقتراحه من تغييرات، وتعديلات، يجب أن يأخذ بعين الاعتبار خلاصات الاستشارات الواسعة، وجلسات الاستماع المحكمة، التي ستنظم على الخصوص مع النسيج الجمعوي المعني بحقوق الإنسان، وحقوق المرأة والطفل، وكذا مع القضاة، والباحثين الأكاديميين، وباقي الممارسين في ميدان قانون الأسرة.
وإننا لننتظر أن تتم بلورة نتائج هذه اللقاءات، في شكل مقترحات تعديلات، يتم رفعها إلى نظرنا السامي، بصفتنا أمير المؤمنين، والضامن لحقوق وحريات المواطنين، في أجل أقصاه ستة أشهر، وذلك قبل إعداد الصيغة النهائية التي سيتم عرضها على مصادقة البرلمان.
وإذ نجدد لك الإعراب عن سابغ رضانا، فإننا نسأل الله جل وعلا أن يمدك بموصول سداده وحسن توفيقه.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
محمد السادس
ملك المغرب"
المصدر: أخبارنا
كلمات دلالية: المجتمع المغربی مدونة الأسرة
إقرأ أيضاً:
التعليم في ميزان المجتمع
بدايةً.. أهنئ الطلبة والطالبات وذويهم والمعلمين والمعلمات وعائلاتهم بإجازة العام الدراسي ١٤٤٦، متمنية للجميع إجازة سعيدة مكللة بالراحة والاستمتاع والسلامة من كل مكروه. بعض الأخوة والأخوات بعثوا لي يطلبون الكتابة عن موضوع التعليم والمعاناة مع بعض القرارات، التي وصفوها (بالمتخبطة والمرتجلة وغير المتناسبة والبعيدة عما يحقق الأهداف المنشودة) ولعل الفصول الثلاثة نموذج لهذه القرارات!! أحدهم وهو تربوي متقاعد مطلع، كتب بالحرف:(ها هو العام الدراسي بكل تخبطات القرارات، وسوء العمل الممنهج، قد انتهى بخيره وشره. متأكد أن في جعبتك مقالات، أو بالأصح رزنامة مقالات يستفيد منها المسؤول والمستثمر في التعليم). وكتبت أخرى، وهي خبيرة سابقة في التعليم، وبالحرف أيضًا: (كم أتمنى أن أجد إجابة شافية من مسؤول في التعليم عن سؤالي.. هل هو راضٍ عن علاقة التعليم بالميدان؟)، وأخرى علقت: (العلاقة بين التعليم والمستفيدين منه على غير ما يرام)، وكتابات أخرى قريبة ومشابهة لتلك!! مع أن وزارة التعليم بدأت مؤخرًا بالأخذ بآراء المجتمع حول القرارات المرتبطة بها، لكنها على ما يبدو من الواقع ليست بالمؤثرة؛ ما يؤكد- كما ذكرت الأخت- أن العلاقة أو التواصل بين التعليم والمجتمع يشوبها التكتم، والمفاجأة، والغموض، والضبابية!! (الله المستعان).
لكن دعونا نشرد بفكرنا بعيدًا عن القرارات، وما وصفت به من تخبطات وعدم عناية؛ لنعود إليها في مقالات لاحقة؛ فمواضيع التعليم شائكة ومؤلمة، ومعالجتها تتطلب إصغاء من الوزارة وإدارات التعليم، إذا كان للإدارات دور إيجابي مستقل! دار نقاش ساخن بيننا، وكنا مجموعة من التربويات المتقاعدات، وأخريات على رأس العمل، تحدثن عن ارتفاع نسب الطلاق!! وعن فشل الزواج!! وعن ضعف المسؤولية لدى الشباب!! وعن عدم احترام قواعد وقيم هامة وسلوكيات عديدة، ينتهجها الشباب والشابات، وإن لم تكن كظاهرة (ولله الحمد) لكنها تستوقف الجميع وتحتاج معالجة!! فاتهم الجميع وحمّل نظام التعليم جل المسؤولية في ذلك؛ فهو مقصر جدًا في تربية وتوعية الأجيال في أهم المراحل، وهي التعليم العام!! مقصر في التركيز على بناء القيم وقواعد الشخصية السوية ومتابعة ذلك، كما يتابعون الأجهزة والأبنية والتقارير؛ فبناء الشخصية السوية المسؤولة هو الأهم، وهو ما يبني الوطن ويرفع دعائمه!! خاصة بعد أن جرد التعليم نفسه من التربية، وانفصل عنها؛ حتى اعتبر البعض، -بل ونادى- بأن المدارس غير مسؤولة عن التربية وإصلاح العيوب الأخلاقية والسلوكية، وهنا المشكلة؛ إذ إن تغييب التربية عن التعليم سبب خللًا واضحًا؛ فمنهج بناء رجال وأمهات للمستقبل يفوق كل المناهج. لا شك أن للأهل دورًا كبيرًا في ذلك، لكن دور المدارس أكبر، وإذا انعدم أو قصر دور المدرسة، فعندها يبني الأهل وتهدم المدرسة؛ لأن الدور بينهما تكاملي يحقق الهدف بالتعاون بينهما، وقد تضطلع المدرسة بالدور كاملاً، فتؤتي الثمار يانعة! هذه حقيقة لا ينكرها إلا جاهل، أو ناكر لدور المدرسة التربوي، ويرى أنها للتعليم فقط، وهنا المفارقة العجيبة (فهل تنفك التربية عن التعليم)؛ فالتربية مع التعليم يندمجان لتشكيل شخصية الفرد الصالح السوي، الذي ينهض بنفسه ووطنه ومجتمعه، وحين يختل هذا الاندماج يختل التوازن وتتأثر القيم والمبادئ وبناء شخصية سوية، إلا ما رحم ربي.
أذكر حادثة منذ زمن.. أحد الآباء رفع قضية على التعليم متهمًا إياه بإفساد تربية ابنه؛ حيث لاحظ أن ابنه بدأ يتلفظ بألفاظ نابية جدًا غير مألوفة في بيتهم وتعاملهم، وأنه اكتسبها من المدرسة!! والحقيقة معه حق؛ فالأهل حين يحسنون تربية أبنائهم وباختلاطهم مع أقرانهم تفسد تربيتهم، خاصة أن الوقت في المدرسة يفوق وقتهم في البيت!! التربية الصحيحة مع التعليم الجيد إذا بدأت منذ الصغر في مراحل رياض الأطفال ثم الابتدائي ثم المتوسط والثانوي؛ فسوف تتشكل شخصيات قوية ناضجة واعية حتى مع صغر سنهم، يقدرون الحياة العائلية والاجتماعية والزوجية، يدركون معنى الوفاء والعطاء يشكرون الله على النعم ويحفظونها! قال الله تعالى: (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) في هذه الآية توضيح جلي لارتباط التربية بالتعليم، وفي الحديث (ما ذكره أبو ثعلبة- رضي الله عنه- قال: لقيت رسول الله- عليه الصلاة والسلام- فقلت: يا رسول الله، ادفعني إلى رجل حسن التعليم يعلمني؛ فدفعني إلى أبي عبيدة بن الجراح- رضي الله عنه- ثم قال: لقد دفعتك إلى رجل يحسن تعليمك وأدبك) ارتباط صريح للتعليم والتربية؛ فبالتربية الصحيحة والتعليم الجاد يتكون جيل واعٍ واسع الأفق؛ دعائم شخصيته صلبة أصيلة، ينهي مراحل تعليمه، وأساسه متين. يتزوج وهو مدرك لماهية الزواج ومسؤوليته. ينجح كزوج أو زوجة وكأم وأب. يبدع كمواطن صالح وابن بار. يميز بين النافع والضار والصح والخطأ. يفرق بين ما يليق وما لا يليق به كمسلم وعربي له تاريخ وجذور ممتدة؛ ولذلك كل ما يعانيه المجتمع من خلل سلوكي وأخلاقي هو مسؤولية التعليم ،وإنها مساءلة عند الله عظيمة. اللهم اصلح تعليمنا واربطه ربطاً وثيقاً بالتربية والتأديب ودمتم.
(اللهم زد بلادي عزاً ومجداً وزدني بها عشقاً وفخراً.