بعد نصف قرن.. إليك ما كشفت عنه وثائق الأرشيف الأميركي عن حرب أكتوبر
تاريخ النشر: 6th, October 2023 GMT
واشنطن- قبل 50 عاما، وفي السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1973، شنّت القوات المصرية والسورية هجمات منسقة على قوات الاحتلال الإسرائيلي في سيناء ومرتفعات الجولان، لتبدأ معها ما باتت تُعرف بـ"حرب أكتوبر" أو ما تطلق عليها واشنطن "حرب يوم الغفران".
وانتهت هذه الحرب قبل انقضاء أكتوبر/تشرين الأول عندما فرضت واشنطن وموسكو، من خلال الأمم المتحدة، وقف إطلاق النار على الأطراف المتحاربة.
وتشير وثائق الأرشيف الأميركي المجمّعة من مكتبة الرئيس ريتشارد نيكسون والبيت الأبيض ووزارتي الدفاع والخارجية -إضافة لوكالة الاستخبارات المركزية- إلى تأثير هذه الحرب وبشكل جوهري على العلاقات الدولية، ليس فقط من خلال اختبار متانة الانفراج في العلاقات بين الاتحاد السوفياتي سابقا والولايات المتحدة، ولكن أيضا من خلال إجبار الأخيرة على وضع الصراع العربي الإسرائيلي على رأس أجندة سياستها الخارجية.
ودفعت تبعات الحرب المباشرة، وعلى رأسها خطر عدم الاستقرار الإقليمي، وأزمات الطاقة، وتوتر علاقات القوتين العظميين، لجعل الدور العملي الأميركي بالمنطقة أمرا لا مفر منه في حسابات صانعي السياسة بالبيت الأبيض.
وتوفر المواد الأرشيفية الأميركية -التي رفعت عنها السرية خلال السنوات الأخيرة، والتي تُقدر بآلاف الوثائق- معلومات مهمة وتفاصيل دقيقة حول السياسات والتصورات والقرارات الأميركية خلال أيام حرب أكتوبر.
كما تتطرق هذه الوثائق لزوايا مهمة على شاكلة الأهداف المصرية والسورية، وعلاقات القوى العظمى مع الأطراف المتحاربة، وإخفاقات الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية، ودور موسكو وواشنطن في تصعيد القتال وتخفيفه، وتأثير شخصيات رئيسية -وقتذاك- مثل وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر والرئيس المصري أنور السادات.
الوثائق الأميركية التي رفعت عنها السرية، عكست التالي: فشل الاستخبارات الأميركية في إدراك التهديد الوشيك للحرب، ووفق مسؤول الاستخبارات بالخارجية راي كلاين "كانت الصعوبة التي واجهناها جزئيا أننا تعرضنا لغسيل دماغ من قبل الإسرائيليين الذين غسلوا أدمغة أنفسهم". التحذيرات المسبقة من هجوم مصري سوري محتمل وتلقاها الإسرائيليون، ونصيحة كيسنجر لرئيسة الوزراء الإسرائيلي غولدا مائير لتجنب القيام بهجمات وقائية. الحالة الأولية من الارتباك في مجتمع الاستخبارات الأميركي فور وقوع القتال. قرارات كيسنجر المبكرة بتقديم مساعدات عسكرية لإسرائيل، وفي الوقت ذاته البقاء على اتصال مع القادة العرب، لتعظيم النفوذ الدبلوماسي الأميركي. تقليل كيسنجر في البداية من شأن التهديدات العربية بفرض حظر نفطي وخفض الإنتاج. صدمة كيسنجر ورفضه اتباع تعليمات نيكسون بالتنسيق المشترك مع الاتحاد السوفياتي لفرض تسوية سلمية. السجل الكامل لمحادثات كيسنجر في 20-22 أكتوبر/تشرين الأول 1973 مع السوفيات والإسرائيليين حول قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بوقف إطلاق النار. ضوء كيسنجر الأخضر الافتراضي للانتهاكات الإسرائيلية لوقف النار الذي تم التوصل إليه بوساطة أممية. استخدام الرئيس السوفياتي السابق ليونيد بريجنيف للخط الساخن مع الولايات المتحدة للاحتجاج على انتهاكات وقف النار (الإسرائيلية) ومحاصرة الجيش الثالث المصري. رسالة بريجنيف في 24 أكتوبر/تشرين الأول التي أدت إلى رفع حالة الإنذار النووي الأميركي الأعلى، وتعرف بكود "ديفكون الثالث". غضب كيسنجر من حكومات أوروبا الغربية التي رآها غير داعمة للسياسة الأميركية. قناعة وزير الخارجية الأميركي بأن الحرب وضعت بلاده في "موقع مركزي" بالشرق الأوسط، بينما "هزم" السوفيات. الاتصالات مع منظمة التحرير الفلسطينية خلال الحرب. سجل المحادثات العاطفية بين كيسنجر ومائير حول ترتيبات وقف النار.
وترى الوثائق الأميركية أن حرب أكتوبر نتج عنها انتصارات عسكرية وانتكاسات لجميع الأطراف.
ونجح المصريون في إبقاء القوات على الضفة الشرقية للقناة، لكن هذا تحول إلى كارثة وشيكة حين شنت القوات الإسرائيلية، بقيادة أرييل شارون، هجمات مضادة واستولت على مواقع على الضفة الغربية للقناة، وحاصرت الجيش المصري الثالث، لكن التدخل الدبلوماسي الأميركي أنقذ القوات المصرية.
وبينما استعاد الاحتلال الإسرائيلي السيطرة على مرتفعات الجولان، وحركّ قواته في نطاق ضرب دمشق. وكما يعترف جنرالات الجيش الإسرائيلي، قاتلت القوات المصرية والسورية ببسالة، وكانت الخسائر البشرية هائلة.
وبحلول نهاية الحرب، قُتل 2200 جندي إسرائيلي، وهو ما يعادل 200 ألف أميركي من حيث النسبة المئوية. وكان هذا 4 أضعاف ما كان عليه في حرب الأيام الستة (هزيمة العرب عام 1967) وأصيب 5600 آخرون. في حين قُتل 8500 عربي -كثير منهم سوريون – ولكن أقل بكثير من 61 ألف جندي فقدوا خلال حرب 1967.
بعد فترة وجيزة من بدء القتال، تطورت الحرب إلى أزمة دولية، لأسباب ليس أقلها أن واشنطن وموسكو كان لهما مصالح كبيرة بالمنطقة.
وبالنسبة لكلتا القوتين العظميين، كانت المصداقية اعتبارا مركزيا، وكما قال الرئيس نيكسون، بعد عدة أسابيع من الحرب "لا أحد يدرك تماما حجم المخاطر: النفط وموقعنا الإستراتيجي".
وكانت هاتان الدولتان قد سلحتا بالفعل حلفاءهما العرب والإسرائيليين، وأطلقت كلتاهما عمليات نقل جوي ضخمة للحفاظ على قوة المتصارعين بساحة المعركة.
ورغم أن المصريين والسوريين عانوا انتكاسات بساحة المعركة، فإن تصميمهم على مواجهة الهجوم الإسرائيلي المضاد الحازم أبقى القتال مستمرا. وبسبب غضبها من الجسر الجوي الأميركي، حظرت الدول العربية المصدرة للنفط شحنات النفط إلى الولايات المتحدة، مما أدى إلى أزمة طاقة كبيرة.
وفي حين اعترفت كل من موسكو وواشنطن بخطر المواجهة، ودعمتا بشكل متقطع وقف النار، إلا أن التزاماتهما السياسية جعلتا هذا الدعم ملتبسا مع عواقب مزعزعة للاستقرار.
وتصاعدت توترات القوى العظمى بشأن الانتهاكات الإسرائيلية لوقف النار في 22 أكتوبر/تشرين الثاني 1973 إلى النقطة التي نظمت فيها إدارة نيكسون حالة التأهب النووي، ولكن مع كل الضغوط، حال الانفراج دون حدوث صدام خطير.
وفي أواخر أكتوبر، بدأ كبار الضباط الإسرائيليين والمصريين الاجتماع لوضع تفاصيل وقف النار الذي بلغ ذروته، بعد تورط كيسنجر في اتفاقية فض الاشتباك "سيناء الأولى" في يناير/كانون الثاني 1974.
وتماشيا مع التوجه القومي للسادات، كان الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المصرية هدفه الرئيسي، وقد تحقق إلى حد كبير قبل اغتياله عام 1981.
ومع ذلك، فإن قضايا أخرى من حرب 1967 -كالسيطرة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان وعلى الضفة الغربية- لا تزال محل نزاع ومصدر توتر خطير حتى يومنا هذا.
ونهاية الأمر، تقاطعت أزمة "ووترغيت" بالولايات المتحدة والفضيحة المالية التي أسقطت سبيرو أغنيو نائب الرئيس مع حرب أكتوبر. ودفعت استقالة الأخير والحاجة إلى تعيين نائب رئيس جديد إلى تشتت انتباه نيكسون.
وبينما كانت هيبة نيكسون السياسية تنهار، أصبحت هيبة كيسنجر في نمو أكثر. ومع محاصرة الرئيس، برز وزير الخارجية كصانع القرار الرئيسي بالولايات المتحدة خلال حرب أكتوبر.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: أکتوبر تشرین الأول حرب أکتوبر کیسنجر فی وقف النار
إقرأ أيضاً:
تصاعد تجنيد النساء بالجيش الإسرائيلي لتعويض النقص القتالي في غزة
القدس المحتلة - الوكالات
منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة في 7 أكتوبر 2023، يواجه جيش الاحتلال أزمة غير مسبوقة في القوى البشرية، دفعت القيادة العسكرية إلى التوسع في إشراك النساء بالمهام القتالية. وارتفعت نسبة المجندات في الوحدات القتالية من 14% قبل الحرب إلى 21% حالياً، أي امرأة بين كل خمسة جنود، وهي نسبة تفوق بعض الجيوش الغربية، وفق وول ستريت جورنال.
وتُقدّر الفجوة في القوات القتالية بنحو 10 آلاف جندي، ما أجبر الجيش على بحث سبل لزيادة دمج النساء، خصوصاً مع استمرار عزوف الحريديم عن التجنيد لأسباب دينية، ما عمّق الأزمة البشرية.
وقبل الحرب، اقتصرت مهام النساء على الحراسة والإدارة، لكن بعد 7 أكتوبر، تم إشراكهن في سلاح المشاة والمدفعية والدفاع الجوي، وحتى في عمليات الإنقاذ الميداني. كما تم استدعاء نحو 65 ألف جندية احتياط، وفق يسرائيل هيوم.
بدأ إدماج النساء تدريجياً في المهام القتالية في الثمانينيات، وتسارع بعد قرار المحكمة العليا عام 1995 بالسماح لهن بدخول دورات الطيران. ومع تعديل قانون الخدمة الأمنية عام 2000، توسع نطاق الأدوار القتالية المتاحة لهن، لكن لا تزال 42% من المناصب العسكرية مغلقة أمامهن، خاصة في سلاح المشاة.
ويحاول الجيش تعويض نقص الحريديم بتجنيد النساء، لكن مكتب المدعي العام أقر أن تجنيد 6 آلاف حريدي فقط لا يكفي، رغم صدور 7 آلاف أمر استدعاء لهم. وتطالب منظمات مدنية بتجنيد كل المرشحين البالغ عددهم 80 ألفاً.
ورغم اتساع المهام، تواجه المجندات عقبات كبيرة، أبرزها التحرش الجنسي (400 شكوى سنويًا)، والتمييز الوظيفي، حيث تشغل النساء فعلياً 60% فقط من الوظائف المفتوحة لهن، ناهيك عن المعارضة الدينية العميقة لخدمتهن.
ويبقى المجتمع الإسرائيلي منقسماً: الحركات النسوية تطالب بتكافؤ تام، في حين يرفض المتدينون الخدمة العسكرية للنساء باعتبارها مخالفة للشريعة اليهودية، وهو ما يخلق أزمة مزدوجة بين الحاجة الأمنية والممانعة الثقافية والدينية.