RT Arabic:
2025-06-01@04:19:12 GMT

لماذا يمحون دور موسكو الساطع في حرب أكتوبر؟

تاريخ النشر: 6th, October 2023 GMT

لماذا يمحون دور موسكو الساطع في حرب أكتوبر؟

ألحت عليه أن يجرب شوربة "البورش" قبل أن تبدأ بعرض مطالبها عليه.

 

والبورش، طبق أوكراني شهير، حفظت غولدا مائير طريقة تحضيره حين هاجرت مع أسرتها من أوكرانيا إلى فلسطين لتصبح في غضون سنوات أحد أبرز زعماء الحركة الصهيونية. 

لم يكن ضيف غولدا مرتاحا للالحاح فقد أكل وجبة  أدسم من البورش في موسكو قبل أن يطير منها إلى تل أبيب، في أول رحلاته المكوكية أثناء الأيام التاريخية لحرب الغفران وفق التوصيف اليهودي ورمضان العنوان العربي لحرب أكتوبر 1973.

 

ابتلع هنري كيسينجر ملعقتين من  المرق الأحمر وكأنه يؤدي طقس المناولة من الحاخام مائير، قبل أن يعرض على السيدة الحديدية "التماس" البيت الأبيض لإسرائيل بالموافقة على وقف إطلاق النار بناء على التفاهم مع السوفيت.

قال كيسينجر: "أرجو أن تفهمي سيدتي بأني أولا أمريكي وثانيا وزير خارجية الولايات المتحدة وثالثا يهودي.

لم يهتز حاجب المدمنة على التدخين أو يتهدج صوتها. فردت بهدوء: "كما تعلم هنري نحن في إسرائيل نقرأ من اليمين الى اليسار"! 

هذا مشهد من الفيلم الذي يعرض في دور السينما الروسية وفي العالم بعنوان "غولدا مائير  يوم الغفران" يعتبر من وجهة نظري جوهر التلاحم بين تل أبيب وواشنطن منذ أن قامت إسرائيل بدعم غير مسبوق من الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين لكن ذلك لم يمنع غولدا مائير من نعت روسيا بأقذع العبارات أمام هنري بعد صحن البورش. 

يتزامن عرض الفيلم الروائي التسجيلي مع الذكرى الخمسين لحرب أكتوبر المصنفة في الأدبيات السياسية العربية على أنها نصر مجيد. 

استخدم صنّاع المادة الأرشيفية براعتهم لتظهر غولدا مائير بطلا قوميا، تحملت المسؤولية عن عدم تصديق التقارير الاستخبارية المتواترة حول استعداد مصر وسوريا لشن حرب تحرير الأراضي المحتلة إثر هزيمة 1967 المريرة. 

ويرد اسم أشرف مروان على أنه مصدر المعلومة عن موعد الحرب، وتبدو غولدا مائير مترددة ولا تثق بالعميل المصري، أو هكذا يقول الإسرائيليون.

وبغض النظر عما إذا كانت الحوارات في الفيلم بدعة روائية أو تستند الى محاضر اجتماعات؛ فهي لا تبتعد عن الحقائق والمعطيات التي تؤسس لعلاقة الزواج الكاثوليكي بين واشنطن وتل أبيب منذ البداية ولغاية اليوم. 

يركز الفيلم على التقصير الإسرائيلي في الاستعداد للحرب كما ورد في كتاب (المحدال) أي التقصير الذي صدر بالعبرية وهو شهادة عن حرب 1973 وفق رواية إسرائيليين خدموا كمراسلين عسكريين أو ضباط احتياط خلال الحرب. ويركز على أخطاء الجيش الإسرائيلي وعيوبه دون تذويق وإن كان يقلل من حجم قتلى الجيش الإسرائيلي الذين وصل عددهم لنحو 2500 قتيل وعدة آلاف من الجرحى. 

تنفتح كاميرا الفلم على جنود خائفين لا يريدون الموت وعلى قادة مدنيين يحضون جنودهم على التقدم مهاجمين معهم رغم جحيم نيران العدو. 

ولأن أهم أهداف الفلم إظهار إسرائيل على أنها الضحية دوما، فإن واضعيه، وظفوا بحبكة البعد السياسي للعلاقة الحميمة بين "الدولة الصغيرة المسالمة" والعملاق النووي الولايات المتحدة. فيما يظهر الاتحاد السوفيتي بصورة العدو المبين. 

يحفظ الإسرائيليون للحلفاء الود ويحرصون على إبداء الوفاء لدولة الجسر الجوي المفتوح بين القواعد العسكرية الأمريكية في العالم والمطارات والموانيء الإسرائيلية الأمر الذي لا نعثر عليه في الفيلم التسجيلي المنتج من قبل الندوة التثقيفية للقوات المسلحة المصرية بمناسبة مرور 50 عاما على حرب أكتوبر الذي تجاهل تماما الدور السوفيتي في تدريب وإعداد القوات المسلحة المصرية وصولا الى العبور وتحطيم خط بارليف؛ وغفل بشكل مطلق جهود موسكو لوقف إطلاق النار بعد ان انتزعت القوات الإسرائيلية المبادرة في اليوم التاسع للحرب عبر ما يعرف بثغرة الدفرسوار وتطويقها الجيش المصري الثالث وصولا الى الكيلو 101. وتهديد القاهرة. 

لقد أبلى الجنود والضباط المصريون بلاء أشاد به العدو وهم يعبرون قناة السويس ويوقعون بالعدو خسائر كبيرة بالأرواح والمعدات لم تتوقعها غولدا مائير ولا أركانها. 

كانت حرب أكتوبر ستحقق نصرا مؤزرا لولا حسابات أنور السادات الخاطئة الغريبة وتجاهله لخطط الضباط المصريين الأبطال أمثال سعد الدين الشاذلي وضربه عرض الحائط بمشورة الخبراء السوفيت وعددهم بضعة آلاف في مصر قبل طردهم.

حدثني سفير الاتحاد السوفيتي المرحوم  فلاديمير فينوغرادوف في مصر آنذاك انه كان قد شارك في اجتماعات القيادة المصرية أثناء سير المعارك وكان يتمنى على الرئيس السادات التقدم في العمق متجاوزا الخط المرسوم لتحرك القوات المصرية في سيناء مستفيدين من تقهقر الإسرائيليين ونكوصهم بفعل الصدمة وبسالة الجنود المصريين المندفعين كالسهام وهم يكبرون. 

وحدثني بلهجة مصرية أحبها وتعلم بعض مفرداتها رغم أنه لم يكن مستعربا:

 ⁃ كنت أقول ليه ياريس توقف الزحف. خليهم يفوتوا يفوتوا كتير!

لم يستمع السادات لا للسفير فينوغرادوف ولا لمشورة الخبراء السوفيت؛ لكنه في اليوم العاشر للحرب وبعد أن تمكن الاسرائيليون من ثغرة الدفرسوار، أخذ يتوسل موسكو باستخدام ثقلها في مجلس الأمن الدولي لوقف الحرب. 

وقف العالم على شفا المواجهة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة أثناء حرب أكتوبر 1973 فقد كان المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي يعقد اجتماعات يومية منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب ولم يغادر العسكريون المعنيون ومثلهم الدبلوماسيون مكاتبهم ليل نهار. وعلى حد قول أحدهم فإن كمية القهوة السادة التي تناولها خلال تلك الأيام تكفي لعشر سنين ولعشرة أشخاص. أما الزعيم السوفيتي ليونيد بريجنييف فقد كان على اتصال مستمر مع القادة العسكريين ووزير الدفاع آنذاك أندريه غريشكو المعروف بمواقفه المتشددة والصلبة في التعامل مع إسرائيل والولايات المتحدة خلافا لموقف وزير الخارجية أندريه غروميكو الذي أطلق الإسرائيليين اسمه على أحد شوارعهم تثمينا لدوره في إنشاء الدولة حين كان مندوب الاتحاد السوفيتي الدائم في الأمم المتحدة عام 1948. 

درست القيادة السوفيتية مختلف الاحتمالات بما في ذلك قيام اسرائيل بتدمير سد أسوان العالي وإغراق مصر. ووضعت خططا طارئة من بينها تحريك قطعات الأسطول البحري السوفيتي إلى البحر الأبيض المتوسط وبلغت مع تصعيد إسرائيل تهديداتها 95 قطعة بحرية بينها طراد يحمل رؤوسا نووية الأمر الذي رصدته أقمار التجسس الأميركية. 

ليلة 25 أكتوبر لم تطفأ أضواء المكتب البيضاوي في البيت الأبيض فقد استدعى الرئيس ريتشارد نيكسون وزير الدفاع جيمس شليسنغر ورئيس هيئة الأركان المشتركة الأميرال توماس مورير  والجنرال الكسندر  هيغ نائب مستشار الأمن القومي ومدير سي آي إيه وليام كولبي اضافة الى مستشار الأمن القومي (العزيز) هنري كيسينجر.

كان نيكسون تلقى رسالة تحذير شديدة اللهجة من ليونيد بريجنيف، يدعو فيها الزعيم السوفيتي الرئيس الأمريكي ردع إسرائيل عن القيام بأعمال تهدد المنطقة؛ قد تدفع موسكو إلى اتخاذ خطوات أحادية للدفاع عن استقلال مصر وسوريا. 

وتزامنت رسالة بريجنيف مع مناورات عسكرية واسعة للقوات السوفيتية في منطقة القوقاز المحاذية للشرق الأوسط. 

في نفس الوقت قامت طائرة ( ميغ 25 ) الحديثة وتفوق سرعتها سرعة الصوت ثلاث مرات بالتحليق فوق تل أبيب على ارتفاع لا تصله الدفاعات الأميركية الصنع، في إشارة واضحة بأن موسكو لا تترد عن التدخل إن اقتضى الأمر ردا على الجسر الجوي الأمريكي لإسرائيل. 

في تلك الأثناء وصلت برقية مشفرة من وزارة الدفاع السوفيتية الى وزارة الخارجية يأمر فيها وزير الدفاع أندريه غريشكو الملحق العسكري السوفيتي في مصر، السماح للقوات المسلحة المصرية إطلاق صاروخ( ام 17) أو ما يسمى في الغرب صاروخ سكود ومداه 300 كيلومترا وضرب ميناء في سيناء تصله الإمدادات الأمريكية لإسرائيل. 

تنبه موظف الشفرة لخطورة الرسالة فاتصل على الفور بالوزير أندريه غروميكو عبر الخط الساخن. 

صمت الوزير الذي اشتهر بلقب "مستر نيت" أي (السيد لا) لدقيقة، ثم رد بصوت خفيض: 

لا تبعث بالرسالة الى القاهرة. 

كان غروميكو يدرك خطورة انطلاق صواريخ سكود  السوفيتية نحو أهداف في اسرائيل ما يعني الدخول في مواجهة مباشرة مع حليفتها الأميركية. بيد أن الإجراءات السوفيتية ذات الطابع الاستعراضي المصحوب برسائل التحذير الجدي ، حققت هدفها بإجبار الإدارة الأمريكية على إرسال هنري كيسينجر الى موسكو ومنها إلى تل أبيب وبدء ما عرف بعدها بجولات (العزيز) هنري المكوكية وصولا الى رحلة السادات  الصادمة إلى القدس وخطابه المدوي في الكنيست يوم 20 نوفمبر / تشرين الثاني 1977 بحضور موشي دايان و غولدا مائير التي لم تولم للرئيس المصري  حساء البورش كما للعزيز هنري، فقد كانت  طبخة التطبيع مع الكبيرة مصر، قد أعدت على نار هادئة وقودها طرد الخبراء السوفيت وقلب ظهر المجن لموسكو وإغفال الدور السوفيتي الحاسم في وقف الحرب ومنع زحف القوات الإسرائيلية نحو القاهرة ودمشق بدبلوماسية القوة. 

لعل المصريين الذين ترفض غالبيتهم الساحقة التطبيع مع العدو الإسرائيلي؛ يحفظون في الذاكرة الجمعية الوفاء للشعوب السوفيتية التي قدمت تضحيات كبيرة دفاعا عن استقلال ومناعة مصر وسوريا في حرب أكتوبر 1973. 

سلام مسافر

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب

المصدر: RT Arabic

كلمات دلالية: كورونا حرب أكتوبر 1973 الاتحاد السوفييتي موسكو أخبار سوريا أخبار مصر اليوم الاتحاد السوفیتی غولدا مائیر حرب أکتوبر تل أبیب

إقرأ أيضاً:

لماذا الحديث عن أمن الهوية الثقافية؟

في نشاطه الجاد والمستمر، خصص النادي الثقافي إحدى جلساته في الأيام الماضية لمناقشة موضوع: «الأمن الثقافي ودوره في الحفاظ على الهوية الوطنية»، واستضافت عددًا من المتحدثين والنشطين ثقافيًا وأكاديميًا في الدراسات الثقافية والحضارية، وصناعة المحتوى الثقافي. قيمة هذه الجلسة في طرحها للأسئلة أكثر من تأطيرها للإجابات القاطعة؛ ولا يستغرب متابع إن خرج منها دون إحاطة دقيقة بتعريف المفاهيم الرئيسة التي تناولتها بما في ذلك مفهومها الأساس «الأمن الثقافي»، ورغم تحفظنا على دقة المفهوم باعتبار أن المكون الثقافي مكون واسع، وفيه من المضمون المادي والمعنوي متباينات شتى، وإحاطته بمفهوم الأمن قد يتناقض مع بعض مكوناته الأساسية، ونرى أن مصطلح «أمن الهوية الثقافية» هو المصطلح الأقرب للدقة – في تقديرنا – باعتبار سعي المجتمع ومكونات النظام السياسي والثقافي للحفاظ على المكونات الفريدة والمميزة التي تسم ثقافة ما ومحاولة استدامتها عبر الأجيال، والحفاظ عليها من تأثير عوامل الخارج في أن تفككها أو تغير مضامينها الرئيسة أو تبدل معانيها الاجتماعية. وقد شدني في الجلسة مداخلتين مهمتين طرحتا من قبل الحضور؛ الأولى أكدت على أهمية تحديد عوامل الخطر التي تواجه هويتنا الثقافية حقًا، والنقاش حولها بطريقة محددة وتشخيصها بشكل منهجي. أما الثانية فكانت تتعلق بضرورة تحديد المفاهيم – وهو ما أخذ حيزًا واسعًا من التداخلات – ولكن السائل كان ينبه حول ضرورة استنبات مفاهيم من الداخل ذات خصوصية اجتماعية وتتسق مع طبيعة السياق الثقافي للمجتمع في عُمان، يمكن أن ننطلق منها ونحدد حولها هواجسنا واستفهاماتنا الرئيسة.

ماذا نريد للهوية الثقافية في عُمان؟ - حسب تقديرنا – فإن السياسات التعليمية والثقافية والإعلامية – باعتبارها أكثر السياسات تأثيرًا وصنعًا لمسارات الهوية الثقافية – ينبغي أن تكون أكثر تناغمًا انطلاقًا من الهواجس الرئيسة حول الهوية الثقافية، وفي كل الأحوال فإن المجتمع المراد هو المجتمع الذي ينظر إلى الحداثة بمفهومها وتطبيقاتها الواسعة بطريقة ناقدة، ويتفاوض بشكل مستمر حول تأثيرها، ويشكل فيه التعليم والانتماء وسيلتان لحماية أفراده وخاصة في الأعمار المبكرة من التقليد والانسياق الأعمى، وتمكن فيه المؤسسات التعليمية الأفراد من امتلاك الحدس النقدي تجاه التيارات الثقافية الصاعدة والمتواترة، دون انقطاع عن حركة الثقافة العالمية. وهو في الآن ذاته مجتمع لا ينظر إلى الاستثمار في الثقافة بوصفها عبء اقتصادي أو مكون جمالي من مكونات الدولة، بل هي امتداد للمعنى المراد ترسيخه، وللقيم المراد تأصيلها، وللموروثات المراد نقلها عبر الأجيال، فتكون في هذه الحالة مؤسساته الثقافية متفاعلة مع حركة المجتمع، جاذبة لكل فئاته وأطيافه، وموجهة أطروحاتها ومنتجاتها بما يتسق مع حفظ النسق الثقافي من ناحية، وإكساب الأفراد روح الثقافة من ناحية أخرى.

وما نريده أيضًا للهوية الثقافية في عُمان هو احتفاؤنا بالتنوع الذي أوجدته عوامل التاريخ والجغرافيا، وهذا الاحتفاء ينطلق من تعزيز المحتوى المبتكر حولها على منصات الإعلام التقليدية والحديثة وفي وسائط التعلم والفضاء العام، واعتبار ذلك التنوع واحترامه قيمة مركزية في بقاء وديمومة المجتمع. وأن تكون القيم والممارسات الأصيلة للهوية الثقافية حاضرة ومجسدة في تجديدنا الحضري، احتفالاتنا ومهرجاناتنا، وأن نخصص الأيام والمناسبات الرسمية للاحتفاء بعناصر ثقافية معينة، وأن نوجد التشريعات والنظم الضامنة لاندماج العناصر الثقافية في حياة الأفراد بشكل مستمر، ففي علم الاجتماع تؤكد نظرية التفاعل الرمزية أن الهوية الثقافية ترتبط بشكل رئيسي بكيفية أداء الأفراد لها والتعامل معها في الحياة اليومية. «ويعتمد ضمان الهوية الثقافية على إدراك الرموز الثقافية (مثل: اللباس، واللغة، والطقوس) وإثبات صحة أداء الهوية في التفاعلات الاجتماعية». وهو ما يؤكد ضرورة نقلها بشكل سليم عبر الأجيال، وتعليمها وتعميق مفاهيمها لديهم بشكل جيد.

إذن ما هي الهواجس الرئيسة التي تواجه أمن هويتنا الثقافية؟ وهنا لابد من التأكيد منهجيًا على ضرورة التفريق بين الهواجس المتخيلة/ المتصورة وبين الهواجس الحقيقية، فالطبيعي أن كل مجتمع لديه متخيلات من المهددات التي تواجه ثقافته دون أصل لها في الواقع، وهذه المتخيلات تنشأ نتيجة التفسير غير الدقيق للتحول الاجتماعي أو نشوء بعض المشكلات الاجتماعية. لكن ما يعنينا هنا هي الهواجس الحقيقية التي تقترن بوجود دلائل تأثيرها على الهوية الثقافية، وهي خمسة حسب تقديرنا: أولها ضمور التواصل بين الأجيال واختلاف اللغة الاجتماعية بين جيلين (المفاهيم/ المعتقدات/ التصورات/ رؤية الحياة..)، وثانيها كفاءة النظام التعليمي في تعزيز ملكة النقد تجاه أدوات الحداثة، وثالثها ضعف التفاعل بين منتج المؤسسات الثقافية وبين حركة المجتمع، ورابعها سهولة التعرض للمحتوى الثقافي المعولم مع ضعف وجود المحتوى الثقافي المحلي (المبتكر / المتنوع)، فهل وصلنا فعليًا لمنصات إعلامية جاذبة في محتواها ترتكز على الثقافة العُمانية في إنتاج المحتوى وقادرة على خلق ميزة تفضيلية لدى المتلقي؟، وهل طورنا صناعة الألعاب الإلكترونية بناء على المعطى الثقافي المحلي مثلًا؟، وهل لدينا صفحات على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة قادرة على تغذية الملتقي ثقافيًا ومعرفيًا بشكل مبتكر؟ هذه أمثلة على الطريقة التي يمكن أن يتفاعل فيها المحتوى مع تحولات ذائقة المجتمع وفي نفس الوقت يؤدي دوره في الحفاظ على الثقافة. أما خامس الهواجس فهو في رؤية الهوية الثقافية كـ(مهدد) وليس كـ(فرصة)، وذلك يرتبط بقدرتنا على توسيع نطاق الصناعات الثقافية الإبداعية واعتبارها استثمارًا اقتصاديًا من ناحية، وحافظة ثقافية من ناحية أخرى، ويمكن المؤسسات والدولة والأفراد على حد سواء من تداول العناصر الثقافية رمزيًا وضمنيًا وظاهريًا عبر أدوات الإنتاج وتقنياته الحديثة.

إشارة أخيرة أود أن أقف عليها، وقد أخذت حيزًا واسعًا في نقاشات الجلسة التي أشرت لها، وهي القول بأهمية وجود مراكز وطنية للدراسات الثقافية والحضارية، ورغم عدم اختلافنا على أهمية ذلك في رصد الحركة الثقافية، وإجراء الدراسات والبحوث الدقيقة على تحولات الثقافة وعلى موقفنا الحضاري، إلا أنه لا ينبغي أن يكون الحل السهل والمباشر لكل تحدياتنا ومشكلاتنا هو التوصية بإيجاد مراكز للبحوث والدراسات، قبل أن نسائل الجامعات والكليات القائمة بتنوعها واختلافها عن دورها المركزي في تفعيل هذا الشق المهم، وفي إنجاز برامج بحثية واستراتيجية تعنى بالقضية المطروحة، وفي تتبعها بشكل مستمر، فالمُكن البشرية والمادية واللوجستية تكاد تكون متوفرة، واستدامة المؤسسة في ذاتها تتيح لها أداء هذا الدور، وهو ما سيؤسس لاحقًا في تقديرنا لاستقلالية هذه المراكز بخبراتها ونتاجاتها وكفاءاتها.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان

مقالات مشابهة

  • حسابات سعودية تشن هجوما لاذعا على الأكاديمي القطري نايف بن نهار.. لماذا؟
  • لماذا الحديث عن أمن الهوية الثقافية؟
  • طلب إحاطة: لماذا الارتفاع الكبير في أسعار اللحوم قبل عيد الأضحى؟
  • لماذا لن يُفقدنا الذكاء الاصطناعي وظائفنا؟
  • فوق السلطة: لماذا طرد بشار الأسد مرافقه الشخصي في موسكو؟
  • رغم ضغط ترمب .. لماذا لا تستطيع «أبل» تصنيع «آيفون» في أميركا؟
  • قراءة في زيارة الرئيس إلى موسكو
  • استغلال وكوتا.. لماذا تميل النساء في العراق لانتخاب الرجال؟
  • رويترز: ترامب لم يحسم أمره بعد بخصوص فرض عقوبات على موسكو
  • كتاب ومحللون إسرائيليون: لماذا لم ننتصر بعد 600 يوم من الحرب؟