مدرين المكتومية
"حين يفقد الإنسان حريته لا يصبح إنسانًا"، فما بالك أن تفقد دولة بأكلمها حريتها؟ لسان الحال هذا يستنطق واقعا مريرا قاسيا تحياه منذ ثلاث ليال غزة الهُوية والعروبة، تلك البقعة المكلومة، جراء تصعيد غاشم لعدو غاصب محتل، منح نفسه صك القتل والعربدة، فسلب حرية مهد الرسالات، مُمارسًا بكل غطرسة إجراءات عقابية كما زعم ردًا على انتفاضة نسور حماس المقاتلين في عملية "طوفان الأقصى"، محولًا المكان من سجن كبير منذ 1948، ليصبح اليوم بمثابة "الزنزانة الانفرادية" الأكبر في العالم.
زنزانة انفرادية تضم بين جنباتها 2.3 مليون أبيٍّ يتطلعون لحرية مشروعة، تنسموا وتنسمنا معهم رائحتها فجر السبت الماضي مع تلك المشاهد البطولية وهم يفجرون غضبهم الكامن في النفوس لاستعادة حقهم المسلوب، قبل أن يمارس المحتل سوءته، فقصف ودمر، وقطع الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء، وعاثت صواريخه في الأرض فسادا، وكأنَّه صاحب أرض، وهي منه براء، فهو لا يشبهها ولا هي تقبل أن يطأ ترابها الطاهر.
لقد كان للأحداث المتراكمة على مدى عقود وسنوات دور كبير ومؤثر في استعداد المقاومة لعملية "طوفان الأقصى"، سواء في القصف الإسرائيلي بين الفينة والأخرى، أو ما هو أشد مثل الحصار الظالم على أهالي قطاع غزة، وتدنيس المقدسات الإسلامية في القدس المحتلة، ومساعي التهويد والبطش بكل ما هو فلسطيني، وكذلك التوسع الاستيطاني والاستيلاء على الأراضي ومصادرتها، فضلًا عن هدم البيوت على رؤوس ساكنيها. كل هذه الضغوط وكل ذلك الإرهاب الذي تمارسه دولة الاحتلال الإسرائيلي، بجانب انسداد الأفق السياسي في التوصل لحل سلمي للقضية الفلسطينية، دفع بالأحداث لما آلت إليه منذ السبت الماضي.
لكن في المُقابل، اكتشفنا كيف أن إسرائيل التي كانت تتغنى زعمًا وكذبًا بأنها "قوة لا تُقهر"، انهارت في أقل من 6 ساعات، وهرب مستوطنوها مثل الجرذان في غمضة عين، والكثير منهم حمل حقائبه وسارع إلى مطار بن جوريون الذي تحول إلى كتلة بشرية هائلة بسبب العدد المهول من الراغبين في الهروب خارج إسرائيل فرارًا من قصف المقاومة. انهار جيش الاحتلال في ساعات قليلة، واستطاعت المقاومة الباسلة أن تأسر أعدادا كبيرة جدا من الإسرائيليين، ومنهم قادة عسكريون كبار.
هذا يدفعنا إلى التوصل إلى نتيجة مفادها أن إسرائيل لم تتكبد الهزيمة الساحقة فقط على أرض الميدان، لكن أيضًا تجرعت مرارة الهزيمة النفسية بعد فشل منظومتها الاستخباراتية، إذ يزعمون أن جهاز مخباراتهم "الموساد" وجهاز أمنهم الداخلي "الشاباك" من أشرس وأقوى الأجهزة في العالم.. لكن هذه الأسطورة تحطمت بأيدي الأبطال البواسل من المقاومة الفلسطينية المُخلصة لقضيتها مهما كلفها من أرواح.
الآن تنفذ إسرائيل وبكل وحشية غارات همجية على القطاع، متسببةً في استشهاد المئات من الفلسطينيين العُزل، لكن هيهات هيهات أن يُثني ذلك المقاومة عن مواصلة معركتها "طوفان الأقصى"؛ إذ ردت بصواريخ في العمق الإسرائيلي، وتزامن مع ذلك قصف من جنوب لبنان على شمال الأراضي المحتلة، والقادم ما زال يكتنفه الكثير من التفاصيل التي سنراها خلال الأيام المقبلة.
إنني لأبعث برسالة تحية وتقدير إلى كل فلسطيني صابر ومُقاوم ومُحتسِب، يتحمل البربرية الإسرائيلية، ويتمسك أكثر وأكثر بقضيته، ويعمل على استعادة حقه بشتى السبل، حتى وإن كان الثمن حياته فداءً لوطن السلام في أرض السلام..
وأختم بهذه الكلمات من أغنية "زهرة المدائن" التي ألفها الأخوان رحباني وأبدعت في غنائها قيثارة الشرق السيدة فيروز:
البيت لنا والقدس لنا
وبأيدينا سنعيد بهاء القدس
بأيدينا للقدس سلام آتٍ
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مشعل: وجه “إسرائيل” القبيح كُشف أمام العالم بعد السابع من أكتوبر
الثورة نت /..
قال رئيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الخارج، خالد مشعل، الأربعاء، إن القضية الفلسطينية تقف على حضور غير مسبوق استعادة لروحها على الساحة الإقليمية والدولية، بعد أن كانت “مخبأة في الأدراج”.
وأضاف مشعل في مقابلة مع قناة الجزيرة اليوم الأربعاء ، أن القضية اكتسبت أيضا مساحات جديدة إلى جانب المقاومة، ودخلت على شرائح من جيل الشباب الأميركي والأوروبي.
وأوضح أن وجه “إسرائيل” القبيح كُشف أمام العالم بعد السابع من أكتوبر، وأصبح “الإسرائيلي” منبوذا ينتسب إلى كيان قاتل، وارتكب إبادة جماعية في قطاع محاصر.
وأشار مشعل إلى أن الأمة استيقظت واستعادت الروح تجاه القضية الفلسطينية التي تمثل شرفها، وأن العدو “الإسرائيلي” عدو للأمة بأكملها.
وأكد أن قطاع غزة يدفع ثنا باهظا اليوم في مسيرته نحو التحرر، مستدركا أن الذي “يجبر الفلسطينيين على المُر هو وجود الاحتلال على الأرض”.
وشدد مشعل على أن الإدارة الأميركية تحاول عبر مبادراتها لوقف الحرب وإيجاد حلول، أن تقدم صورة في غزة من شكل استقرار ولو جزئي وانتهاء شلال الدم من أجل تسويق ذلك على الساحة الدولية، لإنقاذ سمعة “إسرائيل”، ومن أجل تطبيع بعض دول المنطقة مع العدو.
وبحسب مشعل، فإن الحرب بصورتها التي تمثل حرب إبادة شاملة التي رأيناها عبر عامين كاملين، لا شك أنها انتهت واستنفدت قدرة المجتمع الدولي على تحملها. مستدركا: “نأمل ألا تعود”.
وبيّن أن الحراك العربي والإسلامي يرفض التهجير واستمرار حرب الإبادة في غزة، لكن الجهد المبذول في الفترة الأخيرة من قادة 8 دول عربية وإسلامية خلال اجتماعهم مع ترامب وأركان إدارته، كان نوعا من الخطوة الختماية للوصول إلى إنهاء الحرب.
ولفت مشعل إلى أن “الحرب انتهت، لكن القتل لن يتوقف”.
وتنتهك “إسرائيل” كل القوانين الدولية في قطاع غزة، دون أن يكترث العالم بذلك، وفقا لمشعل الذي أكد أن المسؤولية الآن تتمثل في أن تطبب جراح غزة وتغاث، وأن يعود الشارع العربي والإسلامي إلى دوره الفاعل للضغط على العواصم الغربية و”إسرائيل” لاستكمال متطلبات المرحلة الأولى من وقف الحرب على غزة، للانتقال إلى المرحلة الثانية.
وأردف مشعل أنه منذ أكثر من شهرين تتعامل “حماس” والمقاومة الفلسطينية بمسؤولية ومرونة كافية لإيقاف الحرب على غزة، ولا تزال تتعامل بانضباط من أجل ألا تعود الحرب وأن يتنفس الناس الصعداء، وأن يعودوا إلى حياتهم الطبيعية في غزة.
وتابع أن هناك من يريد أن يفرض رؤيته على المقاومة، مثل نزع السلاح، وهو أمر مرفوض في ثقافة الفلسطينيين.
وقال إن المقاومة تريد ضمانة لطرح فكرة ألا يستعرض بسلاحها في غزة (يتم تجميده)، بعيدا عن فكرة نزع السلاح، لأن نزع السلاح يعني نزع الروح، وألا يأتي أي تصعيد عسكري من غزة، مقابل وقف الحرب ووقف التصعيدات والانتهاكات “الإسرائيلية”، مستدركا أن استراتيجية غزة هي التعافي والانشغال بنفسها.
كما أوضح مشعل أن الفلسطيني يعتبر سلاحه روحه، وذلك يعني أن المقاربة بنزع سلاح الفلسطيني يعني نزع روحه.
وقال رئيس “حماس” في الخارج، إنه جرى التوافق برعاية الإدارة المصرية على أن تسلم إدارة قطاع غزة لحكومة تكنوقراط، تلحق بهم قوات شرطة لحفظ الأمن، لصنع صورة مجتمع مدني حقيقي، لكن “إسرائيل” تعطل ذلك.
وأضاف أن فكرة “مجلس السلام” التي اقترحها ترامب، محفوفة بالمخاطر، لأن تحته مجلس تنفيذي يشكل الحكم الحقيقي في غزة، مؤكدا أن ذلك مرفوض بالنسبة للمقاومة، لأنه شكل من أشكال الوصاية ويذكر بالانتداب البريطاني.
وتابع مشعل، أن الحركة إلى جانب حركات المقاومة، يريدون أن يحكم الفلسطيني الفلسطيني، وتعجيل إعادة إعمار غزة، إلى جانب بقاء وقف إطلاق النار وعدم عودة الحرب.
وارتكبت قوات العدو منذ 7 أكتوبر 2023 -بدعم أميركي أوروبي- إبادة جماعية في قطاع غزة، شملت قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا واعتقالا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.