استهداف مدنيين واحتجاز رهائن خطفوا على يد "حماس" في إسرائيل يقابله قصف الأخيرة لأحياء سكنية في قطاع غزة المحاصر، أفعال ثير تساؤلات حول القوانين التي تحكم الصراع ونطاق تطبيقها على أرض الواقع، بعيدا عن الأسباب التي أوصلت الأمور إلى حد الحديث عن جرائم حرب محتملة. 

ويعتمد القانون الدولي الإنساني على مبدأ أساسي في الحروب وهو أن "صوابية النزاع أو عدمها لا تنزع وجوبية الالتزام بمبادىء ونصوص القوانين مرعية الإجراء"، بحسب خبراء تحدثوا لموقع "الحرة".

ما القوانين التي تحكم حرب إسرائيل وغزة؟

تندرج الحرب بين إسرائيل وحماس تحت نظام عدالة دولي معقد نشأ منذ الحرب العالمية الثانية، بحسب "رويترز".

وانبثقت قواعد الصراع المسلح المتفق عليها دوليا من اتفاقيات جنيف لعام 1949، والتي صادقت عليها جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وتم استكمالها بأحكام أصدرتها محاكم دولية معنية بجرائم الحرب.

وتنظم سلسلة من المعاهدات معاملة المدنيين والجنود وأسرى الحرب في نظام يعرف إجمالا باسم "قانون النزاعات المسلحة" أو "القانون الإنساني الدولي". 

وبغض النظر عما إذا كانت هناك أسباب مشروعة لاستخدام القوة، أم لا، فلا يزال من المتوقع من جميع أطراف النزاع اتباع القوانين الإنسانية التي تحكم سير الحرب نفسها، والمعروفة باسم "قانون الحرب"، وهو القانون الذي ينظم سير الأعمال العدائية، وفق صحيفة "نيويورك تايمز".

والقانون الدولي الإنساني عبارة عن مجموعة من القواعد، إما منصوص عليها في معاهدات أو معترف بها من خلال العرف، وتحد من السلوك المسموح به لأطراف النزاع، وفق "منظمة العفو الدولية".

هل تخضع "حماس" للقانون الدولي؟

في تصريحات لموقع "الحرة"، يؤكد خبير القانون الدولي، أيمن سلامة، أن "قانون النزاعات المسلحة" يطبق في كافة النزاعات المسلحة سواء الدولية مثل الحرب الروسية الأوكرانية أو غير دولية مثل الحرب بين إسرائيل وحماس.

ويطبق القانون الدولي فور اندلاع العمليات العدائية العسكرية المسلحة وبغض النظر عن شرعية النزاع المسلح من عدمه، وفق سلامة المساهم في التحديثات الأخيرة للجنة الدولية الصليب الأحمر بشأن اتفاقية أسري الحرب.

ينطبق القانون الدولي الإنساني على القوات الحكومية والجماعات المسلحة المنظمة، ومن بينهم مقاتلو حماس، وفق وكالة "رويترز".

ويشير سلامة إلى أن القانون الدولي يطبق على كافة أطراف النزاع المسلح سواء الدول ذات السيادة أو الفاعلين من غير الدول مثل "الحركات والجبهات المسلحة"، مثل حالة حماس والجهاد الإسلامي وأي تنظيمات وفصائل أخرى مسلحة داخل قطاع غزة.

وإذا كانت إسرائيل كطرف في النزاع المسلح مسؤولة "مسؤولية دولية تعويضية مدنية" حال ارتكاب جنودها وقواتها "جرائم ضد الإنسانية"، فالقانون الدولي يطبق على المجموعات والمليشيات المسلحة في حال ارتكابها جرائم أثناء النزاع المسلح، حسبما يوضح سلامة.

ومن جانبه،  يشير المحامي المتخصص في القانون العام، محمد صبرا، إلى أن "القانون الدولي العرفي بكل ما يتضمنه من قواعد مكتوبة أو شفهية هو الواجب التطبيق في الحرب الحالية وعلى إسرائيل وحماس".

والمادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف إضافة للبروتوكولين الملحقين بهذه الاتفاقيات تنص صراحة على أن قواعد القانون الدولي الإنساني تنطبق على الجماعات المسلحة غير التابعة للدولة، وفق تصريحات صبرا لموقع "الحرة".

واتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية معاهدات دولية تضم أكثر القواعد أهمية للحد من "همجية الحروب"، وفق "اللجنة الدولية للصليب الأحمر".

ما موقف القانون من احتجاز الرهائن؟

شنت إسرائيل غارات على قطاع غزة وأعلنت فرض حصار عليه، عقب الهجوم الأكثر دموية على المدنيين في التاريخ الإسرائيلي والذي نفذته حماس، السبت الماضي.

وأسفر الهجوم الذي شنته حماس واستهدف مدنيين بالإضافة إلى مقرات عسكرية عن مقتل المئات واختطاف العشرات، أغلبهم مدنيون وبينهم أطفال ونساء.

وبلغ عدد الرهائن الذي اختطفتهم حركة حماس حوالى 150، وفقا لـ"فرانس برس".

واحتجاز هؤلاء "الرهائن" واستخدامهم المحتمل في مناطق النزاع لتجنب العمليات العسكرية "محظور" بموجب القانون الدولي.

ويؤكد سلامة أن تهديد حماس بإعدام هؤلاء "جريمة حرب"، سواء كانوا "معتقلين، مختطفين، رهائن"، وبمعزل عن أي تسمية أخرى.

ويشدد على أن التهديد بقتلهم يعد انتهاكا لاتفاقية جنيف الثالثة الصادرة في أغسطس 1949 عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

ويتفق معه صبرا الذي يؤكد أن أخذ الرهائن المدنيين وتعريضهم للخطر بوضعهم في أماكن للقتال "جريمة حرب"، بموجب اتفاقيات جنيف ولا سيما المادة الثالثة المشتركة وبموجب النظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية.

جنود إسرائيليون يروون تفاصيل اللحظات الأولى من هجوم حماس كشفت شهادات لجنود وحرس حدود إسرائيليين عن بعض تفاصيل اللحظات الأولى للهجوم الذي شنه مسلحون من حركة حماس على مناطق إسرائيلية السبت الماضي، بعد أن اخترقوا "الجدار الحديدي" الإسرائيلي حول قطاع غزة وفي مواقع متعددة.

وتحظر المادة 3 من اتفاقية جنيف الثالثة "اعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب" ضد الأشخاص "الذي لا يشاركون مباشرة في الأعمال العدائية". 

وتنص المادة 34 من اتفاقية جنيف الرابعة على وجه التحديد على أن "أخذ الرهائن محظور"، بينما تصفه المادة 147 بأنه "انتهاك جسيم" للاتفاقية. 

وكذلك ينص نظام روما الأساسي على أن "استغلال وجود مدني أو أي شخص آخر محمي لجعل نقاط أو مناطق أو قوات عسكرية معينة في مأمن من العمليات العسكرية" يعد جريمة حرب بحسب صبرا. 

هل يمكن استهداف المناطق السكنية لـ"وجود مجموعات مسلحة"؟

تقول إسرائيل إن غاراتها الجوية تستهدف البنية التحتية العسكرية لحماس ومستودعات الأسلحة في غزة. 

ويؤكد الجيش الإسرائيلي أنه يشن ضربات دقيقة تستهدف قادة المتشددين أو مواقع العمليات، وإنه لا يستهدف المدنيين، لكنه أيضا يتحدث عن زرع المسلحين في المناطق المدنية في جميع أنحاء قطاع غزة، وفقا لوكالة "أسوشيتد برس".

واتهم المسؤولون بحماس والجماعات المسلحة الأخرى بالاختباء والعمل بين المدنيين في غزة، حيث يعيش حوالي مليوني شخص في منطقة تبلغ مساحتها حوالي ضعف مساحة واشنطن العاصمة.

وقود ينفد وأسر تكافح للنجاة.. كيف يواجه أهل غزة "ثنائية القصف والحصار"؟ على مدار الأيام الماضية شن الجيش الإسرائيلي غارات جوية متواصلة على قطاع غزة، ردا على هجمات حركة حماس ضد بلدات إسرائيلية متاخمة للقطاع، بجانب فرض حصار كامل تم فيه قطع إمدادات الكهرباء والمياه والغذاء عن القطاع المحاصر بالفعل منذ سنوات طويلة.

ويحاول القانون الإنساني الدولي الحد من نطاق وشدة العمليات العسكرية في المناطق المدنية، والتي تشمل معظم أنحاء غزة. 

وتحظر المادة 51 من البروتوكولين الإضافيين الهجمات "العشوائية" على منطقة تضم عسكريين ومدنيين، نظرا لخطر أن الهجوم قد يلحق الضرر بهؤلاء.

وحسب سلامة، فإن قصف المناطق المدنية والسكنية "محظور" وفق "مبدأ التمييز" والذي يعد من المبادئ العامة للقانون الدولي الإنساني وهو يميز بين الأهداف المشروع استهدافها وغير المسموح استهدافها.

ويعني هذا المبدأ أنه "يتعين على أطراف النزاع التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين، أي المدنيين، حتى لا يتضرر هؤلاء الذين لا ذنب لهم".

ويشير الخبير بالقانون الدولي إلى أن إسرائيل تقول إن الأهداف التي تستهدفها من أبراج ومباني سكنية "يتحصن بها" مقاتلي حماس، والضرورة العسكرية وفق القانون الدولي "ترخص" للجيش الإسرائيلي استهداف الأعيان المدنية نتيجة احتماء العناصر المحاربة بها.

وفي حالة لجوء أي من الطرف المحارب للأعيان المدنية واستخدامها والاحتماء بها ومباشرة العدائيات العسكرية أثناء النزاعات المسلحة، فلا يرخص القانون الدولي الإنساني للطرف المحارب المهاجم أن "يقصف هذه الأهداف قصفا عشوائيا"، وقبل "إنذار المدنيين بإخلاء تلك الأعيان المدنية"، حسبما يوضح سلامة.

وفي سياق متصل، يشدد صبرا على أن "القصف العشوائي للأحياء المدنية هو جريمة حرب وفق تعريف اتفاقيات جنيف والنظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية".

ويجب أن تلتزم الأطراف المتحاربة بمراعاة "مبدأ التناسب" أي أهمية تحقيق الهدف العسكري قياسا بإمكانية إحداث أضرار جانبية في المنشآت المدنية، وفق صبرا.

ويوضح المحامي المتخصص في القانون العام، أن "تحذير المدنيين هو جزء من الالتزامات الواقعة على عاتق الطرف المهاجم، لكن هذا التحذير بحد ذاته لا يعني إعفاء هذا الطرف من باقي الالتزامات القانونية بموجب القانون الدولي".

وفي خطوة تقرب أكثر من التكهنات المتعلقة بساعة انطلاق الهجوم البري، طلب الجيش الإسرائيلي، الجمعة، من السكان إخلاء مناطق شمالي قطاع غزة، بالتزامن مع حملة قصف جوي مكثفة يشهدها القطاع الذي تسيطر عليه حركة حماس.

وخلال الأيام الماضية التي تلت تنفيذ مسلحي حماس هجوما مباغتا على مدن إسرائيلية في غلاف غزة، السبت الماضي، حشدت إسرائيل نحو 300 ألف من جنود الاحتياط ودبابات ومدرعات وآليات عسكرية مختلفة على الحدود مع القطاع.

ومن شأن أوامر الإخلاء الإسرائيلية أن تشمل أكثر من مليون مدني طلب منهم التوجه لجنوب القطاع، الجمعة، عبر "شارع صلاح الدين خلال 24 ساعة". 

الجيش الإسرائيلي يدعو "كافة سكان مدينة غزة" لترك منازلهم و"الاتجاه جنوبا" أعلن الجيش الإسرائيلي، الجمعة، أنه سينفذ عمليات عسكرية في مدينة غزة خلال الأيام المقبلة، داعيا "جميع سكان المدينة" إلى ترك منازلهم. استهداف المستشفيات أو المدارس أو المباني الدينية؟

تتضمن اتفاقيات جنيف العديد من الأحكام التي تحظر الهجمات على المستشفيات أو المدارس أو المباني الدينية مثل المساجد أو المعابد اليهودية.

ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن تكون "المستشفيات المدنية المنظمة لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى والعجزة والأمهات هدفاً للهجوم"، كما تنص المادة 18 من اتفاقية جنيف الرابعة.

 في حين تنص المادة 53 من البروتوكولين الإضافيين على أنه يحظر "ارتكاب أية أعمال عدائية موجهة ضد المعالم التاريخية أو الأعمال الفنية أو أماكن العبادة التي تشكل التراث الثقافي أو الروحي للشعوب".

لكن الاتفاقيات تحظر أيضا استخدام هذه المباني لأغراض عسكرية، وتستثني بعض الاستثناءات إذا تم استخدام المبنى في "أعمال ضارة".

وتقول المادة 19 من اتفاقية جنيف الرابعة: “إن كون المرضى أو الجرحى من أفراد القوات المسلحة يتلقون العلاج في هذه المستشفيات، أو وجود أسلحة صغيرة وذخائر مأخوذة من هؤلاء المقاتلين ولم يتم تسليمها بعد إلى الخدمة المناسبة، ولا تعتبر من الأفعال الضارة بالعدو.

ومن جانبه يشير صبرا إلى أن التدمير الواسع النطاق للممتلكات والأعيان المدنية والمنشآت الطبية والتعليمية ودور العبادة، يعتبر "جريمة حرب" لا يستطيع أي طرف تبريرها بذريعة تحقيق أهداف عسكرية من وراء ذلك.

من يحاسب على قتل المدنيين؟

شنت إسرائيل غارات على قطاع غزة وأعلنت فرض حصار عليه، عقب الهجوم الأكثر دموية على المدنيين في تاريخ إسرائيل والذي نفذته حماس، السبت الماضي.

وأسفر الهجوم الذي شنته حماس واستهدف مدنيين بالإضافة إلى مقرات عسكرية عن مقتل المئات واختطاف العشرات، أغلبهم مدنيون وبينهم أطفال ونساء.

وقالت هيئة البث الإسرائيلية العامة إن عدد القتلى الإسرائيليين جراء هجوم حماس المصنفة إرهابية ارتفع إلى أكثر من 1300 شخص.

كما أسفر الرد الإسرائيلي الذي استهدف مناطق واسعة من غزة عن مقتل المئات، أغلبهم مدنيون وبينهم أطفال ونساء.

والسبت، قالت وزارة الصحة الفلسطينية، إن ما لا يقل عن 2269 فلسطينيا قتلوا وأصيب 9814 جراء الهجمات الإسرائيلية في قطاع غزة والضفة الغربية.

وعن موقف القانون الدولي من قتل المدنيين، يوضح صبرا أن الاستهداف المتعمد للمدنيين "محظور" بموجب المبادئ الأساسية للقانون الإنساني الدولي، على النحو المنصوص عليه في "اتفاقيات جنيف لعام 1949، ولاحقا، بمزيد من التفصيل، في البروتوكولين الإضافيين لعام 1977.

وتنص المادة 51 من البروتوكولين الإضافيين لاتفاقية جنيف على أن المدنيين "لا يجوز أن يكونوا هدفا للهجوم" وأن "أعمال العنف أو التهديد بها التي يكون غرضها الأساسي نشر الرعب بين السكان المدنيين محظورة".

بدورها، أشارت منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان وتتخذ من نيويورك مقرا إلى جرائم حرب محتملة تتمثل في استهداف الجماعات المسلحة الفلسطينية المتعمد على ما يبدو للمدنيين والهجمات والعشوائية واتخاذ المدنيين رهائن، وكذلك الضربات الإسرائيلية في غزة والتي أدت إلى مقتل مئات الفلسطينيين.

وقال عمر شاكر، المدير المسؤول عن إسرائيل والأراضي الفلسطينية في المنظمة "القتل المتعمد للمدنيين واحتجاز الرهائن والعقاب الجماعي هي جرائم شنيعة لا مبرر لها".

واحتجاز الرهائن والقتل والتعذيب محظورة صراحة بموجب اتفاقيات جنيف، كما أن الرد الإسرائيلي قد يكون موضع تحقيق في ارتكاب جرائم الحرب.

وانتقد مسؤولون في الأمم المتحدة وجماعات مدافعة عن حقوق الإنسان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت بعد إعلانه تشديد الحصار لمنع وصول الغذاء والوقود إلى قطاع غزة الذي يقطنه 2.3 مليون نسمة، وفقا لـ"رويترز".

وعن الجهة المسؤولة عن المحاسبة، فيمكن من الناحية النظرية أن توجه المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي الاتهامات إذا اشتبهت في ارتكاب جرائم حرب من قبل أي من الطرفين، وفق "رويترز".

وإسرائيل ليست طرفا في نظام روما الأساسي الذي أسس المحكمة. 

انضمت الأراضي الفلسطينية إلى المحكمة الجنائية الدولية في عام 2015، مما أعطى المحكمة ولاية قضائية على الجرائم المرتكبة هناك، بما في ذلك في غزة، أو من قبل مواطنين فلسطينيين في مناطق أخرى.

ولكن من الناحية العملية، نادرا ما تخلو الدعوات الدولية لتحقيق العدالة من الجدل، خاصة في سياق الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، حسبما تقول "رويترز".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: القانون الدولی الإنسانی الجیش الإسرائیلی النزاعات المسلحة النزاع المسلح السبت الماضی جریمة حرب حرکة حماس قطاع غزة على أن إلى أن فی غزة

إقرأ أيضاً:

مركز عمليات الوعي قسم الحرب النفسية باستخبارات إسرائيل العسكرية

مركز عمليات "تشكيل الوعي"، ويُسمى اختصارا "ملات"، هو قسم التأثير على الخصوم في شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) بالجيش الإسرائيلي، تناط به قيادة عمليات الحرب النفسية ضد الخصوم، خاصة أثناء الحروب.

وأثناء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، التي انطلقت بعد عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، كثّف المركز استخدام تكتيكات مختلفة لشن حرب نفسية ضد المقاومة الفلسطينية وسكان القطاع، بالتزامن مع حرب الإبادة الجماعية التي كان يمارسها جيش الاحتلال.

النشأة والتأسيس

قبل عام 2005 كانت مهمة بث الدعاية في الجيش الإسرائيلي منوطة بقسم المتحدث باسم الجيش وجهاز الاستخبارات، وبعدها تأسس مركز عمليات "تشكيل الوعي" ضمن هيئة العمليات في الجيش الإسرائيلي، بتوجيه من وزير الجيش الإسرائيلي آنذاك موشيه يعالون.

وصرّح يعالون لصحيفة هآرتس في 25 يناير/كانون الثاني 2005 أنه مع الحروب المتكررة مع الفلسطينيين، نشأ إحباط كبير في الجيش الإسرائيلي نتيجة صعوبة التأثير على مواقف الفلسطينيين، أو حتى إيجاد طرق للتواصل معهم، وهو ما دفع قيادته إلى إنشاء "مركز عمليات تشكيل الوعي".

ومنح يعالون المركز مكانة قسم في الجيش، ووضع على رأس قيادته ضابطا مخضرما من المخابرات برتبة مقدم، ومنحه صلاحية تجنيد عدد كبير من الضباط والجنود في المركز، خاصة من الناطقين باللغة العربية، وكان ذلك جزءا من مساعيه لـ"تشكيل الوعي وبناء الإمكانات التنظيمية التي تدعم رؤية الجيش".

وكان المركز في البداية جهة للتخطيط والتنفيذ، هدفه تركيز وتطوير مجال الوعي، وتنسيق جهود التأثير الإدراكي داخل الجيش الإسرائيلي ضمن حملة وعي متكاملة.

وبعدها بعام نقل المركز إلى شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، وأصبح جهة تنفيذية فقط، وترتكز مهمته في التأثير على الخصوم، وأصبحت نشاطاته تتسم بالسرية.

منشور رمته الطائرات الإسرائيلية على غزة يحرّض ضد المقاومة الفلسطينية (الجزيرة) الأهداف والوسائل

يناط بالمركز العمل على تغيير المواقف والمشاعر والسلوك لدى الجمهور المستهدف، ببث الدعاية والحرب النفسية وتمارين الخداع.

إعلان

ووضع الجيش الإسرائيلي خطة متكاملة للتأثير في الخصوم وتغيير وعيهم، وهدف من وراء إنشاء المركز إلى:

وضع تصورات لشن حملات على الوعي لدى أعداء إسرائيل. تطوير الأدوات التكنولوجية وتدريب الأفراد الملائمين وبناء الأطر التنظيمية التي تدعم الرواية الإسرائيلية. توجيه رسالة مباشرة إلى المجتمعات المستهدفة في الدول المعادية.

ولتحقيق أهداف مركز عمليات "تشكيل الوعي"، استخدم وسائل عدة، أبرزها:

توزيع المنشورات. السيطرة على بث الإذاعات والتلفزيونات التابعة للخصوم والتشويش عليها. إنشاء مواقع إنترنت وهمية للتشويش على الخصوم واغتيالهم معنويا. إدارة صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي لتشوية الخصوم. أبرز الحملات

قاد المركز حملة معنوية ضد الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصر الله أثناء الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006، ألقت فيها الطائرات الإسرائيلية على لبنان رسومات لأشجار الأرز -الرمز الرسمي للبلاد- وشعار العلم الوطني للبنان أيضا، ويظهر خلف الشجرة نصر الله مختبئا، بهدف زرع فكرة لدى اللبنانيين بأن "مشاكلهم سببها حزب الله، وأنه يستخدم لبنان لمصالحه الشخصية ويختبئ خلفها".

كما ألقت الطائرات الحربية الإسرائيلية منشورات، كشفت فيها عن أسماء أعضاء الحزب وحجم خسائره، ومدى سيطرتها على قنوات الاتصال التابعة لحزب الله.

وبث المركز منشورات كان الغرض منها تشجيع اللبنانيين على التعاون مع إسرائيل، عبر موقع إلكتروني أنشأه لهذه الغاية، كما وفر رقما هاتفيا يمكن عبره الاتصال بممثلي الجيش الإسرائيلي باللغة العربية.

كما بث منشورات جاء فيها "ندعو المواطنين إلى رفع أصواتهم ضد تصرفات حزب الله التي تتسبب في استمرار الضربات الإسرائيلية".

وكان للمركز دور مركزي في الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة، ففي حرب "الرصاص المصبوب" التي شنتها إسرائيل على القطاع عام 2008 استهدف قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عبر إلقاء منشورات على الغزيين من الطائرات الحربية، والسيطرة على محطات إذاعية وتلفزيونية تابعة للحركة، وإنشاء حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي وبث مقاطع فيديو عليها.

وأنتج المركز نشرات إخبارية، وأعاد بثها أكثر من مرة عبر الإذاعات التي استولى عليها، كما سيطر على بث قنوات فضائية، وأجرى مكالمات هاتفية مع سكان غزة لحثهم على الإبلاغ عن عناصر حماس.

وفي حرب عمود السحاب التي شنتها إسرائيل على القطاع عام 2012، وبعدها حرب "الجرف الصامد التي اندلعت صيف 2014، ركّز المركز على تشويه حركة حماس وقادتها، وعلى رأسهم رئيس مكتبها السياسي وأعضاء المكتب وأعضاء المجلس العسكري لكتائب عز الدين القسام الجناح العسكري للحركة، بهدف إضعاف معنويات عناصرها والتأثير على وعي السكان تجاهها.

وحسب دراسة لمعهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب نشرت يوم 15 ‏فبراير/شباط 2021، بعنوان "حملات المعلومات الإسرائيلية في غزة: العصر الرقمي ميدانا للحرب"، فإن من بين الأدوات التي استخدمها المركز، "المكالمات الروبوتية"، أي المكالمات الهاتفية التي يتلقاها المدنيون في غزة، وتحمل رسالة آلية يريد جيش الاحتلال نقلها إليهم، مثل "هذا ليس حلما، هذا كابوس حماس".

إعلان

كما استخدم -حسب الدراسة نفسها- أحد الأساليب المتمثلة في نشر أسماء عناصر حماس الذين استشهدوا أثناء الحرب، وعرض صورهم مع علامة "إكس" حمراء عليها وساعة رملية في الخلفية، مما يشير إلى أن "الوقت ينفد أمام حماس".

فشل في تحقيق الأهداف

وقال معهد "دراسات الأمن القومي" إن مركز "عمليات تشكيل الوعي" أعدّ -من أجل تحقيق أهدافه- حملة بمساعدة مستشارين مدنيين، تضمنت مقاطع فيديو ومنشورات، كما طوّر قدرات لإنتاج محتوى سريع أثناء الحرب، لكنه فشل في تحقيق ذلك.

وحاول الجيش الإسرائيلي تعزيز الانطباع بأن حماس تعرضت لضربات قاسية، واختار لذلك عدم تركيز أنشطته النفسية على قيادة حماس، بسبب الاعتقاد أن "الهجمات الشخصية لن يكون لها تأثير مرغوب فيه على السكان، بل ربما تتسبب بحشد التأييد الشعبي لقادة حماس".

ووجد المركز "صعوبة في اكتساب زخم حقيقي لأي رواية تضر بالدعم الشعبي لحماس، إضافة إلى صعوبة قياس مدى الإنجاز في هذا المجال، بحيث يصعب إظهار النجاح الفعلي في تحقيق هذا الهدف"، حسب الدراسة.

معركة طوفان الأقصى

بعد معركة طوفان الأقصى التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية ضد المستوطنات الإسرائيلية على غلاف غزة فجر 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، عمل المركز على تشويه المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس، بهدف:

تهجير السكان من مناطقهم. إضعاف معنويات المدنيين. نشر الرعب. تأليب السكان على المقاومة الفلسطينية، في محاولة لإحداث شرخ بينها وبينهم، وتحميلها مسؤولية ما يجري من قتل ودمار على صعيد الأرواح والممتلكات. التركيز على سياسة العقاب الجماعي.

ومن بين المزاعم التي تعمّد نشرها بين الغزيين، بالتعاون مع مؤسسات إسرائيلية أخرى، أن "قادة حماس فروا وتخلوا عن المدنيين، وحماس تستخدم المدنيين دروعا بشرية، وتسرق المساعدات الإنسانية المخصصة لهم"، وحمل أحد هذه المنشورات اسم "صحيفة الواقع"، وتضمن تحريضا مباشرا على حماس.

كما تضمن أحد المنشورات مثلا شعبيا يقول "حماس مثل البومة ما بتلف إلا على الخراب"، ومنشور آخر احتوى على عبارة مأخوذة من سورة العنكبوت في القرآن الكريم وهي "فأخذهم الطوفان وهم ظالمون" (آية 14)، في محاكاة للتسمية التي أطلقتها المقاومة على معركة 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

كما اختُتم العديد من المنشورات بعبارة "قد أعذر من أنذر". وفي منشورات أخرى طبعت أسماء وصور تزعم إسرائيل أنها لأعضاء من جهاز الاستخبارات العسكري التابع لحركة حماس، ووضعت في منشورات أخرى أرقام هواتف وعناوين لبريد إلكتروني تحث الغزيين على الاتصال عبرها للإدلاء بمعلومات عن الأنفاق وأماكن الأسرى الإسرائيليين.

وشملت بعض المنشورات رسوما وصورا لمنازل مدمرة بغزة، وكُتبت على بعضها عبارات تسخر من المقاومة الفلسطينية، مثل "هل بات النصر على الأبواب أم ليس بعد؟"، وعلى أخرى "حلل يا دويري"، في إشارة ساخرة إلى الوضع الميداني جراء حرب الإبادة.

وظهرت عبارة "انتصار جديد للمقاومة" مرفقة برسومات تصور أطفالا وشيوخا ونساء يبكون فوق أنقاض منازل دمرتها إسرائيل في العدوان على غزة.

وإلى جانب ذلك، اخترق المركز موجات الإذاعات الفلسطينية وبث رسائل تحريضية ضد المقاومة، وأنشأ صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي لتشويه المقاومة.

وفي كل مرة تلقي الطائرات الإسرائيلية المنشورات على غزة، كانت تحرص على إسقاطها بالقرب من مقرات الصحافيين في غزة، حتى "تتمكن الصحافة المحلية من نشرها".

وفي ديسمبر/كانون الأول 2023، نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تقريرا للصحفي ينيف كوفوفيتش، كشف فيه أن الجيش الإسرائيلي كان المسؤول، بشكل مخالف للقانون، عن إدارة قناة في "تليغرام" باسم "72 حورية-بدون رقابة".

‏وأوضح تقرير "هآرتس" أن وحدة الجيش الإسرائيلي المسؤولة عن عمليات الحرب النفسية، هي التي تدير القناة، وتستهدف فيها الإسرائيليين مع "المحتوى الحصري من قطاع غزة"، وتعرض جثث مقاتلي حركة حماس بوعد "تحطيم خيال الإرهابيين".

إعلان

وتشجع القناة متابعيها البالغ عددهم أكثر من 5 آلاف متابع على مشاركة محتواها "الحصري من قطاع غزة" وفيه أكثر من 700 منشور وصورة وفيديو لفلسطينيين يقتلون ويدمرون في القطاع، حتى "يرى الجميع كيف أننا نحطمهم".

واضطر الجيش الإسرائيلي للاعتراف بأن "قسم التأثير" في قسم العمليات يشغل أيضا قناة "72 عذراء بلا رقابة".

مقالات مشابهة

  • جوتيريش ينتقد تجويع المدنيين وقتل عشرات الآلاف في غزة
  • سيناتور أميركي: إسرائيل ستفعل بغزة ما فعلناه في طوكيو
  • سيناتور أميركي: إسرائيل ستفعل في غزة ما فعلناه في طوكيو وبرلين
  • سيناتور أميركي: إسرائيل ستفعل في غزة ما فعلناه في طوكيو
  • استراليا:إسرائيل تنتهك القانون الدولي “بكل وضوح” في غزة
  • أستراليا: إسرائيل تنتهك القانون الدولي في غزة
  • رئيس وزراء أستراليا: إسرائيل تنتهك القانون الدولي "بكل وضوح"
  • أستاذ سياسة: التجويع الممنهج سلاح تستخدمه إسرائيل لإخضاع المدنيين
  • موت الصحفيين في غزة جوعاً.. انهيار قواعد القانون الدولي
  • مركز عمليات الوعي قسم الحرب النفسية باستخبارات إسرائيل العسكرية