أيهما الأسبق.. المشاركة الاجتماعية أم التهيئة الاجتماعية؟
تاريخ النشر: 14th, October 2023 GMT
ثلاثة مفاهيم أساسية في دورة صنع السياسات العامة تأخذ حيزها من النقاش الموسع في أوقات الإصلاحات وتبني السياسات الجديدة أو الانتقال إلى نماذج تنموية جديدة. وهذه المفاهيم هي (المشاركة الاجتماعية Community participation) و(التهيئة الاجتماعية Community preparation) و(إدماج المجتمع Community integration). تحدد هذه المفاهيم الضمانات الأساسية التي يمكن من خلالها أن يتحقق القبول (الفهم والاستيعاب) العمل بالنسبة للمجتمع في إطار أي سياسة عامة أو مقاربة تنموية جديدة.
في أدبيات التنمية فإن (تخطيط المجتمع) يعني عنصرين متكاملين:
أ. من وجهة نظر صانع السياسات، أي كيفية استخدام عملية التخطيط الاجتماعي لإنشاء سياسة تحقق أهدافها بأفضل النتائج الإيجابية لكل فرد في المجتمع، وكذلك لصانعي السياسات أنفسهم.
ب. من منظور القاعدة الشعبية، كيفية التعامل مع صانعي السياسات في بداية العملية، حتى يتمكن الأشخاص في المجتمع المتأثرين بتغيير السياسة من المشاركة في التخطيط لها وتنفيذها.
وفي تقديرنا فإن الاستخدام الجيد لأدوات (تخطيط المجتمع) يعني بالضرورة تصميم منهجية جيدة ومعتبرة بالنسبة (للمشاركة الاجتماعية)؛ وهذه المنهجية في ذاتها تضمن جزءا من (التهيئة الاجتماعية) الجيدة لقبول السياسات العامة والاندماج فيها. إذن كلا العنصرين المشار إليهما هما رهن التخطيط الجيد لفهم المجتمع. وأولى أسئلة (تخطيط المجتمع) هو: هل المجتمع مندمج بشكل واسع في المشاركة المدنية؟ في مقالة سابقة على هذه المساحة بعنوان: «محركات المشاركة المدنية» اقترحت وضع سجل وطني للمشاركة المدنية؛ يشمل رصدًا لأوجه مشاركة الأفراد مدنيًا في الحياة العامة من المشاركة الانتخابية بأوجهها المتعددة إلى الانتساب إلى مؤسسات المجتمع المدني والأندية الأهلية والرياضية وغرف التجارة والصناعة إلى الإسهامات الطوعية الرسمية. واقترحت كذلك أن يرتبط هذا السجل ببعض التفضيلات التي يمكن منحها للفرد سواء في الفرص الدراسية أو الفرص الوظيفية أو فرص الترقي المهني أو مجمل الفرص الاقتصادية. في تقديري سيشكل هذا السجل «أداة» لفهم المجتمع، ومعرفة الأوجه التي ينخرط فيها الأفراد في الحياة المدنية، وكذلك حجم تلك المشاركة وصعودها وهبوطها. إن الحياة المدنية في المجتمع العُماني هي تعبير عن أصل المجتمع؛ ذلك أنها مرتبطة بالأساس بالمؤسسات والأنشطة التي تستهدف فعل التنمية في المقام الأول، من جمعيات خيرية ومهنية وجمعيات مرأة عُمانية إلى فعل التطوع والثقافة، ومشاركة مؤسسية في الانتخابات للمجالس البلدية ومجلس الشورى. وهذه كلها تكوينات تعضد الفعل التنموي من ناحية، وتجعل الأفراد منخرطين في المجال العام من ناحية أخرى. وبالتالي بالنسبة لي -كمختص في العلوم الاجتماعية- فإن هذا الفعل المدني هو معبر عن مدى انخراط المجتمع في المجال العام. ولا يكفي هنا الإشارة إلى نشاط مؤسسات المجتمع المدني والتكوينات الموازية بدون التنبه إلى مستوى التغير في إقبال أفراد المجتمع عليها، وكيف يتفاعلون مع أنشطتها، وينخرطون في أعمالها، وتتزايد مع السنوات وتيرة المنتسبين إليها.
إن وجود مجتمع مدني فاعل وممكن (في كافة الأشكال المشار إليها) هو ضامن أساس لفهم المجتمع وتخطيطه في المقام الأول، ويمكن من معرفة مداخل التهيئة الاجتماعية المناسبة التي يمكن لصانع السياسة التنموية انتهاجها. هذا يقتضي أسئلة مهمة ودقيقة، فإذا أخذنا على سبيل المثال جمعيات المرأة العُمانية كأحد أشكال المشاركة المدنية؛ يمكن تتبع ثلاثة أسئلة حيالها: كيف تغير إقبال المنتسبات لها خلال أمد زمني معين (10 سنوات مثالًا) ؟ - كيف تغير حجم الطلب والإقبال على أنشطتها خلال أمد زمني معين مع مراعاة النمو السكاني في الولاية التي تقع فيها الجمعية؟ - ما طبيعة ونوعية الفئات المنتسبة والمشاركة في الأنشطة من ناحية (المستوى التعليمي - المستوى الوظيفي - المستوى العمري)؟ وهل تغير خلال أمد زمني معين؟ هذه الأسئلة هي مداخل لفهم المشاركة المدنية في عنصر واحد من أشكالها؛ يمكننا لاحقًا من فهم تغير المشهد الكلي وبالتالي معرفة ما إذا كان المجتمع منخرطًا في الحياة المدنية العامة. على الجانب الآخر؛ فيما يتصل بالمشاركة الاجتماعية، نعتقد أن المشاركة الاجتماعية -متى ما كانت منهجية وموسعة وممثلة للمجتمع/ القطاع- متى ما كانت إحدى الأدوات والعتبات الأساسية لتهيئة المجتمع. يمكن التفكير في إيجاد منصة وطنية على سبيل المثال تستخدم لاستطلاع رأي المجتمع في بعض الجوانب التي يعتزم تنظيمها وتأطيرها في القوانين المتصلة بالشأن الاجتماعي. وليس بالضرورة هنا أن يعرض نص مشروع القانون بالكامل، وإنما تستخدم ما يعرف بأسئلة قياس الاتجاهات Attitude measurement questions لفهم الكيفية التي يفكر فيها المجتمع تجاه الخيارات والبنود التي يمكن أن يحتويها مشروع القانون. سيمكن ذلك من فهم المواقف والاتجاهات وتوقعها، وبالتالي إيجاد أدوات التهيئة المناسبة، والشروحات الدقيقة التي تمكن المجتمع من فهم سياق ومسار هذه القوانين والسياسات وآثارها.
نرى أن هناك اتصالًا وثيقًا بين (تخطيط المجتمع لغرض فهمه وإشراكه وبالتالي تهيئته في دورة صنع السياسات العامة والمشروعات التنموية). وتحقيق هذه الأغراض لا يمكن أن يكون في كيانات مؤسسية منفصلة. المرحلة الراهنة في تقديرنا تتطلب جمع هذه العناصر الثلاثة في سياق مؤسسي واحد مركزي وممكن، يستثمر في أحدث ما توصلت إليه الدراسات والأدلة في علوم الاجتماع والاتصال والنفس والسلوك والاستراتيجيات لتخطيط هذه المنظومة، ويكون مدعومًا بأذرع بحثية ترصد بشكل مستمر التغيرات الطارئة على توقعات المجتمع بحيث تكون عمليات التهيئة مواءمة ومتواكبة مع تلك التطورات. هناك فرص كبيرة لتحقيق هذا الجمع المؤسسي خصوصا في ظل عمليات المراجعة التشريعية التي بدأت في عام 2020 وفي ظل الانتقال التنموي، وكذلك في ظل الانتقال لتفعيل وحدات الإدارة المحلية وتمكينها.
مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المشارکة الاجتماعیة السیاسات العامة التی یمکن فی دورة
إقرأ أيضاً:
السياسات المتوازنة تمكن سلطنة عمان من الحفاظ على استقرار إنتاج النفط والغاز
رغم التحديات العالمية التي شهدتها أسواق الطاقة من تقلبات في الأسعار وتغيرات في مستويات الطلب، فقد مكنت التوجهات الاستراتيجية والسياسات المتوازنة لسلطنة عمان من الحفاظ على مستويات إنتاج مستقرة في قطاع النفط والغاز، وتعزيز مساهمة القطاع في تحقيق المستهدفات الوطنية لدعم التوظيف وتحفيز المؤسسات الصغيرة والمتوسطة, وقد بلغ معدل التعمين في قطاع النفط والغاز 89 بالمائة مع تحقيق نسب مرتفعة في شركات كبرى مثل شركة تنمية نفط عمان التي تجاوزت نسبة التعمين فيها 90 بالمائة, كما تم إطلاق برنامج مجد كإطار موحد لتعزيز المحتوى المحلي في قطاعي الطاقة والمعادن وتحويل التحديات إلى فرص، وتحفيز التصنيع المحلي، وتمكين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. وقد بلغت نسبة الإنفاق على هذه المؤسسات في قطاع الطاقة 692 مليون ريال عماني أي ما يعادل نحو 1.8 مليار دولار أمريكي، وهو ما يمثل 17.2 بالمائة من حجم الإنفاق الكلي للقطاع.وأشارت إحصائيات وزارة الطاقة والمعادن إلى أن عدد الحقول المنتجة في سلطنة عمان في نهاية العام الماضي بلغ 475 حقلا منها 400 حقل نفطي و75 حقل لانتاج الغاز, كما قامت الشركات الاستكشافية بحفر واختبار وتقييم 73 بئراً استكشافيا موزعة على 19 بئر للغاز و54 بئرا للنفط وقد أسفرت نتائج التحاليل البتروفيزيائية واختبارات إنتاجئة الآبار عن مؤشرات إيجابية في عدد منها, وسجل إجمالي احتياطي سلطنة عمان من النفط الخام والمكثفات في نهاية عام 2024 نحو 4.8 مليار برميل ويشــكل الاحتياطــي لدى شــركة تنميــة نفــط عمــان حوالــي 62 بالمائة مــن اجمالــي احتياطــي النفــط الخــام والمكثفــات النفطيــة لعــام 2024, فيما وصل احتياطي الغاز الطبيعي إلى 23.3 تريليون قدم مكعب, كما أشارت وزارة الطاقة والمعادن إلى أن المعدل اليومي لصادرات النفط الخام والمكثفات بلغ نحو 843 ألف برميل، بإجمالي صادرات سنوية قدرها 308.4 مليون برميل, وكان الإنتاج اليومي للنفط الخام والمكثفات خلال العام الماضي نحو 992.6 ألف برميل يوميا، مقابــل حوالــي 1.05 مليـون برميـل فـي اليـوم في عام 2023 مشـكًلا انخفاضا بنسـبة 5.3 بالمائة, وذلك ضمن التزام سـلطنة عمان بالاتفاق المبــرم مــع دول من منظمــة الــدول المصـدرة للبتـرول "أوبـك" ودول أخـرى مـن خـارج المنظمة، بهدف تحقيـق التـوازن بيـن العـرض والطلـب العالمـي علـى النفـط. وفي أنشطة الغاز الطبيعي، فقد بلغ المعدل اليومي للانتاج نحو 149.2 مليون متر مكعب، في حين بلغ معدل إنتاج غاز البترول المسال نحو 3.7 ألف طن متري، مع تسجيل معدل يومي لصادرات الغاز الطبيعي المسال يبلغ 32.7 ألف طن متري.وأكدت الوزارة على الاهتمام البالغ بتطوير الصناعة التكريرية والبتروكيميائية عبر دعم مستمر لشركائها في القطاع، حيث تم تصدير 122 مليون برميل من المنتجات البترولية في عام 2024، أبرزها زيت الغاز ووقود الطائرات والنافثا، في حين بلغ حجم المنتجات المستوردة حوالي 2 مليون برميل فقط، ما يعكس تنامي الاعتماد على الإنتاج المحلي وتزايد الكفاءة في سلسلة القيمة. كما بلغ إجمالي المنتجات البترولية المنتجة من شركة المصافي والصناعات البترولية التابعة لشركة أوكيو نحو 209 مليون برميل، مما يعكس الأداء التشغيلي القوي للقطاع. حيث بلغ إنتـاج مصفـاة مينـاء الفحـل حوالـي 34 مليـون برميـل، وبلـغ إنتـاج مصفـاة صحـار نحـو 85 مليون برميـل، في حين بلغ إنتـاج محطة صلالة لإنتـاج غـاز البتـرول المسـال حوالـي 4 مليـون برميـل، بالإضافـة إلـى مصفـاة الدقـم التي بلـغ انتاجهـا حوالـي 86 مليـون برميـل, وبلغـت نسـبة انتـاج زيـت الغـاز (الديـزل) حوالـي 34 بالمائة مـن اجمالـي انتـاج شـركة المصافـي والصناعـات البتروليـة التابعـة لشـركة اوكيـو لعـام 2024.