لماذا تبقى روسيا محايدة إزاء الحرب في الشرق الأوسط؟
تاريخ النشر: 15th, October 2023 GMT
نشرت صحيفة "فزغلياد" الروسية تقريرا استعرض الموقف الروسي من الحرب في غزة.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن فلاديمير بوتين أكد على ضرورة إنشاء دولة فلسطين المستقلة كأساس لحل الصراع في الشرق الأوسط، وفي الوقت ذاته، اعترف الرئيس الروسي بحق إسرائيل في الدفاع عن النفس، ما يعكس الموقف المحايد الذي تتخذه روسيا من القضية".
وأضافت، أن "موقف بوتين، الذي أعلن عنه في قمة رابطة الدول المستقلة المنعقدة في بيشكيك، يستند إلى اعتقاد روسيا بأنه لا بديل عن الحل التفاوضي للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي".
وترى الصحيفة، أن "بوتين يعتقد بتعرض تل أبيب لهجوم وحشي ولها الحق في الدفاع عن نفسها، لكن التسوية الحقيقية للوضع لا يمكن تحقيقها إلا من خلال إنشاء دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية".
وبرأي بوتين فإن "هدف المفاوضات ينبغي أن يكون تنفيذ صيغة الدولتين الأممية، ولا بديل عن ذلك، كما أنه يرى أن الصراع نتيجة مباشرة لسياسات الولايات المتحدة الفاشلة في الشرق الأوسط".
و حذر الرئيس الروسي تل أبيب من شن عملية برية في قطاع غزة.
وتابعت الصحيفة، بأن "حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي يثير قلق المجتمع الدولي برمته، وبالعودة إلى سنة 1967، بعد انتهاء حرب الأيام الستة، فقد أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار رقم 242 الذي يدعو تل أبيب إلى سحب قواتها من القدس الشرقية التي ضمتها أثناء القتال".
وفي تموز/ يوليو من سنة 1980، أعلن مؤتمر قادة دول عدم الانحياز أن المدينة المقدسة "جزء لا يتجزأ من فلسطين المحتلة" وينبغي التخلي عنها بالكامل وتسليمها دون قيد أو شرط إلى السيادة العربية.
وأردفت الصحيفة: "ردا على ذلك، أقرت تل أبيب قانون القدس، الذي تم بموجبه إعلان المنطقة واحدة وغير قابلة للتجزئة ومنحها مكانة عاصمة إسرائيل".
وذكرت الصحيفة، أنه "على خلفية المحاولات المستمرة التي يبذلها المجتمع الدولي للتوفيق بين الأطراف المتصارعة، قامت روسيا بتشييد علاقات قوية مع كل من فلسطين وإسرائيل، وبناء عليه، أصبحت تل أبيب ومدن أخرى مركز جذب للمهاجرين من الاتحاد السوفييتي وروسيا".
وأشارت إلى أن "السلطات الإسرائيلية تجنبت التورط في الصراع في أوكرانيا، بالنظر إلى العلاقات الشخصية الممتازة التي تجمع بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وفلاديمير بوتين".
وبينت، أن "روسيا تعد شريكا موثوقا منذ مدة طويلة للعديد من الدول الإسلامية والعربية، خلال الفترة السوفييتية، كانت موسكو صديقة للفلسطينيين، العامل الذي ضمن تواصل صداقة الطرفين حتى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. وبالتوازي مع ذلك، تجري بنجاح عملية بناء العلاقات مع إيران، التي لديها أيضاً وجهة نظرها الخاصة بشأن الصراع الحالي".
وبالإضافة إلى ذلك، فقد بنت روسيا علاقة قائمة على المنفعة المتبادلة مع تركيا، اللاعب المهم في المنطقة، كما تضم روسيا العديد من المسلمين، وهو ما يخدم مصلحة موسكو عند بناء شراكات وعلاقات موثوقة مع الدول الإسلامية.
وأوردت الصحيفة أن مجتمع الخبراء يرى أن الموقف الذي اتخذته روسيا هو الصواب في ظل الظروف الحالية، بحيث تدرك موسكو أهمية إنشاء دولتين مستقلتين في المنطقة وتصر على الحل السلمي للصراع، ولا ترغب في رؤيته يتوسع ليشمل الشرق الأوسط بأكمله.
ونقلت الصحيفة عن البروفيسور بجامعة سان بطرسبورغ الحكومية، ستانيسلاف تكاتشينكو قوله: "تستمر موسكو في الدفاع عن الأطروحة الكلاسيكية للعلاقات الدولية التي تقول إن الصراع المسلح هو وسيلة غير مقبولة لحل التناقضات القائمة، وهذا ما يفسر موقفها المحايد من الأحداث الجارية".
ويضيف: "الموقف الذي اتخذته روسيا هو الأمثل، فنحن ندرك بوضوح أن هذه الحرب لا تؤثر على المصالح الرئيسية لموسكو، وبالتالي، فهي لا تستحق إهدار رأس المال الدبلوماسي والدفاعي رغم أن الدول الغربية تنتهج نهجا مختلفا تماما في سياساتها".
وتابع تكاتشينكو: "لقد انحازت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشكل شبه كامل إلى تل أبيب، الأمر الذي يقلص من حدود المساحة المتاحة أمامهما للمناورة، علاوة على ذلك؛ فإن الحاجة إلى تقديم دعم هائل لإسرائيل يصرف انتباه واشنطن وبروكسل عن ما يحدث في أوكرانيا، العامل الذي يخدم مصلحة روسيا".
ويرى تكاتشينكو، أن "موسكو لا تريد توسع الصراع الى الشرق الأوسط بأكمله كون هذا السيناريو لا يخدم مصالح أي دولة ومع ذلك، من الناحية النظرية، إذا بدأت الدول الغربية في زيادة حجم المساعدة لإسرائيل، فإن مثل هذا السيناريو غير مستبعد".
ويشير تكاتشينكو إلى أنه "في هذه الحالة، يمكن لروسيا استخدام علاقاتها القوية مع كل من فلسطين وإسرائيل للعمل كوسيط في حل الصراع".
من جانبه، أيد مدير مركز الدراسات الأوروبية الشاملة بالمدرسة العليا للاقتصاد، تيموفي بورداتشيف الموقف الذي اتخذته روسيا قائلا: "في الصراع الحالي، تدعم روسيا القانون الدولي القائم على الحاجة إلى إنشاء دولتين مكتملتين، وهما إسرائيل وفلسطين. ومع ذلك، لا نلاحظ تقدم عملي في هذا الاتجاه".
ويضيف بورداتشيف: "لقد اتخذنا موقف الحياد الواضح والمؤكد، في الوضع الحالي، يناسب هذا النهج مصالح موسكو".
وأردفت الصحيفة بأن الصراع الحالي يخدم مصالح روسيا، ووفقا للعالم السياسي الألماني ألكسندر راهر، فإن روسيا قادرة على تقديم المساعدة المباشرة لحل المواجهة بين حماس وإسرائيل.
وتابع بورداتشيف، بأنه: "في الوضع الذي يقف فيه العالم الغربي بأكمله دون قيد أو شرط إلى جانب تل أبيب، يمكن لموسكو من الناحية النظرية العمل كوسيط كبير في الصراع، وفي حال طال أمد القتال في قطاع غزة تخاطر واشنطن وبروكسل بفقدان ثقة الدول الإسلامية".
في هذا الصدد تنقل الصحيفة عن راهر قوله: "تستفيد روسيا من الأحداث الجارية عن طريق تحويل انتباه الدول والاتحاد الأوروبي من أوكرانيا نحو الشرق الأوسط. كما يقدم الوضع الحالي على الساحة الجيوسياسية لموسكو عددا من الفرص، من أجل نيلها ينبغي اقتراح أساليب بناءة لحل الوضع وبذل جهود دبلوماسية كثيفة".
وبحسب راهر؛ فإنه "مع مرور الوقت، يمكن لروسيا استخدام نفوذها في الشرق الأوسط لمنع خطر نشوب حرب بين إيران وإسرائيل نظرا لإمكانية محاولة تل أبيب الانتقام من طهران لدعمها حماس".
وفي المقابل، ينتقد الباحث الإسرائيلي، الرئيس السابق لجهاز ناتيف الاستخباراتي، ياكوف كيدمي، حياد موسكو بشكله الحالي، معتبرا أن موقفها غير صحيح ولا يعود عليها بفائدة.
وقال كيدمي: "أتفهم رغبة الكرملين في الحفاظ على علاقات جيدة مع تركيا وإيران. ونظرا لعيش العديد من المسلمين داخل روسيا تحاول موسكو عدم الانحياز إلى جانب أحد الأطراف".
وأضاف كيدمي: "أعتقد أن روسيا قادرة على دعم السلطة الشرعية في فلسطين والمساهمة في عودة قطاع غزة تحت سيطرتها".
من جهته، يتبنى خبير مجلس الشؤون الدولية الروسي، كيريل سيمينوف موقفا مغايرا، إذ يقول، إن موسكو تعتبر إنشاء دولة فلسطين المستقلة أمرا في غاية الأهمية، رغم أن تل أبيب ترفض بناء مستقبل المنطقة في هذا الاتجاه.
وبحسب سيمينوف، فإن "موسكو تولي أهمية إلى تطوير علاقات محايدة مع إسرائيل، بحيث يسمح الوضع الجيوسياسي الحالي لكلا البلدين بتخفيف المخاوف، مع العلم أن حياد روسيا بمثابة نوع من الضمان لتل أبيب بعدم إرسال الأسلحة بكميات كبيرة إلى إيران".
وفي ختام التقرير نقلت الصحيفة عن السكرتير الصحفي للرئيس الروسي دميتري بيسكوف قوله إن روسيا تحافظ على اتصالات مع طرفي الصراع، والأولوية الأولى في هذا الشأن لمصالح مواطني البلاد الذين يعيشون في كل من فلسطين وإسرائيل.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة غزة روسيا حماس حماس غزة قصف روسيا الاحتلال صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی الشرق الأوسط فی الصراع من فلسطین تل أبیب فی هذا
إقرأ أيضاً:
الصين القطب الاقتصادي والسياسي الصاعد
على الرغم من الاهتمام الكبير لإدارة ترامب بملف الشرق الأوسط واعتبار إسرائيل ثكنه عسكرية متقدمة لأمريكا في المنطقة، إلا أن العيون الأمريكية شاخصة على الدوام باتجاه الصين وتطورها المتسارع على المستوين الاقتصادي والعسكري؛ لتصبح قطبا في نظام دولي بدأ بالتشكل.
استثمار العوائد من أمريكا
ترتبط الصين وأمريكا بعلاقات اقتصادية متشعبة، وثمة فوائد مالية كبيرة تجنيها بكين؛ حيث اتهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الصين باستخدام المكاسب المالية من تجارتها مع الولايات المتحدة في بناء وتطوير قدراتها العسكرية حيث قال خلال مشاركته في مؤتمر ماكدونالدز في العاصمة الأمريكية واشنطن: "لقد بنوا قواتهم المسلحة بالأموال التي قدمناها لهم على مر السنين"، في إشارة إلى الفائض التجاري الضخم الذي حققته بكين على حساب واشنطن.
وبالأرقام، أشار ترامب إلى أن الصين حصلت على نحو 722 مليار دولار من الولايات المتحدة خلال السنوات الماضية، مبينا أن هذه الأموال ساعدت في تمويل برنامجها العسكري المتسارع، ما يشكل تهديدا لموازين القوة الإقليمية والعالمية. ولهذا تقوم أمريكا وحلفائها بمناورات عسكرية في مناطق قريبة من الصين للحد من تمدد النفوذ الصيني؛من خلال الدبلوماسية الناعمة؛ حيث تستخدم بكين نفوذها الاقتصادي في أفريقيا والشرق الأوسط وغيرهما لتعزيز مصالحها السياسية والأمنية في ذات الوقت.
ومن نافلة القول أن تصريحات ترامب وتخوفاته أتت بعد فترة قصيرة من لقاء جمعه بالرئيس الصيني شي جين بينغ في قاعدة جيمهاي الجوية في بوسان بكوريا الجنوبية، في 30 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حيث تم التوصل إلى اتفاقية تجارية لمدة عام، تضمنت خفض الرسوم الجمركية الأمريكية على السلع الصينية من 57 في المائة إلى 47 في المائة؛ في مقابل موافقة الصين على شراء منتجات زراعية أمريكية واستمرار توريد المعادن الأرضية النادرة بشكل حر. ويعتبر ذلك صراعا ناعما على القطبية في العالم.
الصراع على القطبية
في تسارع مع الزمن، تسعى إدارة ترامب الى اللحاق بالصين في إنتاج الدرونات (وهي طائرات يتم التحكم بها عن بعد دون طيار)، بل العمل على تجاوزها في أقرب وقت ممكن، في مؤشر على السباق المستمر بين القوتين في المجالات الاستراتيجية العسكرية والصناعية.
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الصين هي قطب اقتصادي عالمي ضخم وثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد أمريكا، تعتمد على قوة صناعية هائلة وصادرات سلعية ضخمة، وتستثمر في التكنولوجيا والبنية التحتية ضمن استراتيجيات طويلة الأجل مثل "مبادرة الحزام والطريق" التي تهدف لتوسيع نفوذها سياسيا، وتسعى لتغيير النظام الدولي نحو تعددية الأقطاب بدعم من الأمم المتحدة، مع التركيز على مبادئ التعايش السلمي وعدم التدخل العسكري المباشر، بينما تستخدم نفوذها الاقتصادي لتعزيز دورها الإقليمي والعالمي وتأمين مصادر الطاقة، متجنبة المواجهة المباشرة مع القوى التقليدية في أي نزاع دولي، في وقت تعتبر فيه الصين أكبر مصدر للسلع في العالم، بحصة كبيرة من الصادرات العالمية، كما اتضح خلال عام 2023 في تقارير دولية؛ جنبا الى جنب مع استثمارات صينية ضخمة في التكنولوجيا المتقدمة، مثل الرقائق الإلكترونية ومشاريع البنية التحتية الضخمة.
اللافت أن نشاط الصين وادائها في إطار العلاقات الدولية وخاصة مع أمريكا؛ إنما هدفه الاستراتيجي خلق نظام دولي متعدد الأقطاب وليس حكرا على أمريكا فقط.
ولهذا تعتبر إدارة ترامب ملف العلاقات مع الصين أولوية أمريكية من العيار الثقيل؛ رغم اهتمامها بملف الشرق الأوسط ودعم عصابة إسرائيل بغرض استمرارها كخنجر لأمريكا في الشرق الأوسط على حساب الشعب الفلسطيني ووطنه الوحيد فلسطين.