لابد من إعادة وضع قضية التنمية على رأس الأجندة الدولية
تاريخ النشر: 16th, October 2023 GMT
مرّت القمة الدولية التي عُقدت مؤخرا بمدينة نيويورك في الثامن عشر والتاسع عشر من شهر سبتمبر المنصرم، مرور الكرام دون أن تثير الكثير من الاهتمام، على الرغم من كونها تهمّ مصير نصف ساكنة هذا العالم التي لا تزال تعيش على هامش التنمية. لقد عُقدت هذه القمة في بداية أسبوع الجمعية العامة للأمم المتحدة، بهدف التقييم المرحلي لحصيلة «أجندة 2030» التي اعتمدتها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في عام 2015، وهي قائمة تضم سبعة عشر هدفا تندرج في إطار التنمية المستدامة، وهمّت مجالات مختلفة مثل إعادة التدوير، والتعليم، ومكافحة هدر المياه، والدفاع عن حقوق الإنسان.
الخبر الأسوأ هو أن العالم متأخر في سيره نحو هذه المطامح. أكثر من نصف الأهداف المنشودة لن يتم بلوغها بحلول عام 2030، حتى أن العالم قد شهد تراجعات فيما يخص ثلث هذه الأهداف. يعيش مليار ومائة مليون إنسان في المناطق الحضرية في ظروف قريبة من تلك التي تعرفها المناطق العشوائية، ولا يزال أكثر من ملياري شخص لا يصلون إلى المياه الصالحة للشرب. وبحلول عام 2030، سيظل 575 مليون شخص يئنون تحت وطأة الفقر المدقع، ما يمثل حوالي 7% من سكان الكوكب، ومعظمهم يعيشون في أفريقيا جنوب الصحراء.
لكن ثمة أيضا خبر جيد. تُظهر التجربة التي روكمت خلال العقود الثلاثة الماضية أنه من الممكن تماما محاربة الفقر. لقد انخفضت نسبة الفقر إلى النصف خلال ثلاثين عاما فقط، فقد انعتق مليار نسمة من الفقر المدقع خلال هذه الفترة، قبل أن تضع جائحة كورونا حدّا لهذا التقدم بشكل مباغت.
وخلافا للاعتقاد السائد، فإن الصين ليست الدولة الوحيدة التي انخفض فيها عدد السكان الذين يعيشون على أقل من دولارين في اليوم. ففي أفريقيا، تراجعت نسبة هذه الساكنة إلى41% في عام 2015 مقارنة بنسبة 54% في عام 1990. كما أن حلولا جديدة قد ظهرت في مجالي التعليم والصحة. فوفقا لمؤسسة بيل وميليندا جيتس، توجد حلول عديدة بسيطة وفي متناول اليد من حيث التكلفة، كتلك التي يمكن اعتمادها من أجل الحد من معدل وفيات النساء الحوامل أثناء الوضع. تموت امرأة كل دقيقتين بسبب المضاعفات المرتبطة بالحمل أو بالولادة.
من الملح أن نعيد وضع قضية التنمية على رأس الأجندة الدولية في وقت تعرّضت فيه البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل لثلاث أزمات متتالية. يتعلق الأمر بدايةً بجائحة كورونا التي كانت لها آثار مدمّرة على التعليم، حيث أدّت إلى تسجيل تأخيرٍ على مستوى التحصيل الدراسي وإلى التسرّب من التعليم. كما عرف تلقيح الأطفال أيضا منذ عام 2019 أكبر انخفاض ثم تسجيله في ثلاثة عقود، وزادت الوفيات الناجمة عن أمراض السل والملاريا مقارنة بالمستويات التي سُجلت في فترة ما قبل الجائحة.
وبعد جائحة كورونا جاءت الحرب في أوكرانيا لتزيد من تكلفة الغذاء وتفاقم أزمة انعدام الأمن الغذائي، مما أجبر المواطنين الأكثر فقرا على تخطي وجبات الطعام أو التضحية بنفقات التعليم أو الصحة من أجل الغذاء. وأخيرا، أدّى الارتفاع الذي عرفته أسعار الفائدة في البلدان الغنية، بهدف مكافحة التضخم، إلى تفاقم أزمة الديون في البلدان النامية، مما أجبر العديد منها على التضحية بإنفاقها الموجّه للقطاعات الاجتماعية.
في عالمٍ يعجّ بالتوترات الجيوسياسية، تعدّ محاربة الفقر واحدا من المواضيع النادرة التي تحظى بالإجماع. لا ريب أن البلدان النامية تطالب الاقتصادات المتقدمة ببذل جهود مالية إضافية، لكنها تريد قبل كل شيء أن يفي الآخرون بالتزاماتهم. لم تتجاوز المساعدة الإنمائية الرسمية في عام 2022 نسبة 0.36% فقط من الدخل القومي الإجمالي للبلدان الغنية، وهو ما يقل كثيرا عن الهدف المنشود المحدّد في نسبة 0.7%. وقد أفادت الزيادة التي شهدتها المساعدة الإنمائية الرسمية خلال هذا العام بشكل أساسي أوكرانيا واستقبال اللاجئين الأوكرانيين. وفي عام 2022، انخفضت التمويلات المخصصة لأفريقيا جنوب الصحراء بنسبة 7.8%.
ترغب البلدان النامية كذلك في أن يُسمع صوتها. عندما رأى البنك الدولي النور في عام 1944 لم تكن ثلاثة أرباع البلدان الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة حاليا موجودة بعدُ. وخلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال دورتها الثامنة والسبعين التي عقدت في سبتمبر المنصرم، أشار لي جونهوا (Li Junhua)، وكيل الأمين العام للشؤون الاقتصادية والاجتماعية في منظمة الأمم المتحدة، إلى أن «إصلاحات الحوكمة العالمية والمؤسسات المالية الدولية أصبحت ملحة».
جوليان بويسو صحفي بجريدة لوموند
عن صحيفة لوموند الفرنسية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی عام
إقرأ أيضاً:
ما هي خطة صنع في الصين 2025 التي أقلقت أميركا؟
الحضور الدائم للصين، في الخطاب السياسي الرسمي الأميركي، مقرونًا بالقلق والنقد والإساءة، وتقديمها بوصفها "قوة صاعدة"، تمثل تهديدًا عسكريًا واقتصاديًا، والإلحاح على هذه الصورة، في الخطابات الشعبوية الأميركية، التي تضمنت مناشدات عاطفية وضخمت من مخاطر التنافس الصيني الأميركي وذلك لحشد الناخبين، ترك ـ هذا كله أو بعضه ـ قناعةً بأن ثمة صراعًا للهيمنة على العالم، بين قوتين وحيدتين؛ هما: واشنطن وبكين، فيما تجلس بقية القوى العالمية الأخرى، في مقاعد المشاهدين، وتنتظر النتيجة النهائية، متوقعة أن تحسمها الصين لصالحها في مباراة "من جانب واحد"!
قبل عشر سنوات، أطلقت الصين ما وصفته بـ" صُنع في الصين 2025″، يهدف إلى دفع الصين إلى طليعة مجموعة من الصناعات التكنولوجية الفائقة، بما في ذلك صناعة الطيران والفضاء، والسيارات الكهربائية، والروبوتات، والاتصالات.
لم تنشر بكين تقييمًا رسميًا لخطة "صنع في الصين 2025″، ومن غير المعروف، ما إذا كان حرصًا منها على عدم استفزاز واشنطن "المتوثبة"، أم نزولًا عند شروط السرية المفترضة. لكن حسابًا أجرته صحيفة واشنطن بوست العام الماضي وجد أن 86% من الأهداف المنصوص عليها في الخطة قد تم تحقيقها.
إعلانوفي جلسة استماع، بالكونغرس الأميركي، حول "صنع في الصين 2025" في فبراير/ شباط الماضي، أعرب خبراء أميركيون، عن انزعاجهم من التقدم السريع، الذي أحرزته الصين، في التصنيع المتقدم، وحذَّروا من أن أميركا تخاطر "بخسارة الثورة الصناعية القادمة"، وذلك مع تواتر التقارير التي تؤكد أن الصين " تستعد لعالم ما بعد الولايات المتحدة".
يتفق قطاعٌ من الساسة المؤثرين، وصناع القرار، في واشنطن في واقع الأمر على أنَّ أحد أهداف الحلم الصيني، هو إزاحة النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، وبالتالي زعامة واشنطن وقوتها العالمية.
والحال أنه لعقودٍ، أدرجت الصين فعلًا، على رأس أشواقها وأحلامها، خططًا لتقويض نفوذ الولايات المتحدة في النظام الدولي، ويُجمع الباحثون الصينيون على أنَّ التنافس الإستراتيجي الأميركي منهجيٌّ، ودائمٌ، ومُحدد لعصر جديد.
يصفه يان ييلونغ، الأستاذ بجامعة تسينغهوا، بأنه "ليس مجرد خلاف بين دولتين ذات سيادة"، بل هو "صراع هيكلي بين التجديد الكبير للأمة الصينية والهيمنة الأميركية".
ويعتقد الفاعلون السياسيون في بكين، أنه بفضل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، باتت الصين أقربَ من أي وقتٍ مضى، إلى تحقيق ما تأمله في هذا الإطار.
وإذا كانت سياسته الخارجية ـ أي ترامب ـ تُمثل عودةً إلى إمبريالية القرن التاسع عشر، فإنه عمل بشكل مذهل أيضًا، وبمفرده، على تفكيك نظامٍ عالميٍّ اعتبرته بكين الأداةَ الأكثر فاعليةً للقوة الأميركية.
بيد أنَّ السؤال الذي، عادةً ما يغيب وسط صخب الأدبيات السياسية، التي تحتفل بصعود الصين ـ أو البديل الصيني لمرحلة ما بعد الولايات المتحدة ـ هو ما إذا كانت الصين، قادرةً فعلًا، على الوفاء بشروط تولي القيادة العالمية، من جهة، وما إذا كانت أميركا ـ في ولاية ترامب الحالية ـ لا تزال تتفوق على كل بدائلها المحتملة، بما فيها الصين، في القدرة على ممارسة هيمنتها على العالم، وفرض هيبتها السياسية والعسكرية والاقتصادية عليه، من جهة أخرى.
إعلانغالبًا ما يُستشهد، بخطاب شي جين بينغ عام 2017، أمام المؤتمر الوطني التاسع عشر، للحزب الشيوعي الصيني، كدليل على نية بكين، تغيير دور أميركا في العالم، وفي ذلك الخطاب، يتصور شي الصين "قائدة عالمية"، بعد أن "اقتربت من مركز الصدارة".
والحال أن الصين عسكريًا، لا تستطيع فرض قوتها عالميًا، فهي لا يربطها سوى تحالف عسكري رسمي واحد، مع جارتها كوريا الشمالية، مقارنةً بحلفاء الولايات المتحدة الـ51 في الأميركتين وأوروبا ومنطقة المحيطين؛ الهندي والهادئ، مما يحدّ من نطاق أنشطة الصين العسكرية.
تفتقر بكين أيضًا إلى شبكة القواعد العالمية الضرورية لبسط نفوذها، وبينما تؤكد الاستخبارات الأميركية، أن الصين تعمل على إنشاء قواعد، في ثماني دول أخرى خارج الترتيبات القائمة، في جيبوتي، وكمبوديا، فإن هذا لن يُمثل فارقًا كبيرًا مقارنة بأكثر من 750 قاعدة عسكرية لواشنطن في 80 دولة.
ناهيك عن أن الصين، تواجه بعض التحديات الداخلية، على رأسها الفساد في الجيش الصيني، فقد أُقيل أكثر من اثني عشر ضابطًا عسكريًا رفيع المستوى، في قطاع الدفاع، من مناصبهم في النصف الثاني من عام 2023، وذلك بسبب مزاعم تورطهم في قضايا فساد، ما أدى إلى عرقلة تقدم جيش التحرير الشعبي، نحو أهداف التحديث المعلنة لعام 2027.
أضف إلى ذلك، أن تكلفة القيادة العالمية، على الطريقة الأميركية، والتي تُقدر بتريليونات الدولارات، باهظة للغاية. وتاريخيًا، أدى التوسع المفرط إلى سقوط دول وإمبراطوريات، تعتَبر الصين الحالية، أقل منها وزنًا وقيمة وقامة.
خلال ولاية ترامب الأولى، حاولت بكين استغلال انعزالية الولايات المتحدة، مُصوّرةً نفسها مدافعةً عن العولمة والتعددية، وهي تسعى الآن، إلى فعل الشيء نفسه.
وفي السياق، صرّح المسؤول الأعلى للسياسة الخارجية الصينية، وانغ يي، خلال مؤتمر ميونخ للأمن، بأن الصين "تُوفّر أكبر قدر من اليقين في هذا العالم المُضطرب".
إعلانوبناءً على الخطاب وحده، لا شك أن الصين، تُعدّ حاليًا طرفًا عالميًا أكثر مسؤولية من الولايات المتحدة، إلا أن نهجها في القيادة العالمية لا يزال انتقائيًا، فالمبادرات التي تقودها الصين، والتي صُممت في الغالب كتصريحات معارضة، لا تُمثّل بعد بدائل موثوقة للمؤسسات التي تقودها الولايات المتحدة.
على سبيل المثال، تُسوّق مبادرة الحزام والطريق، لمجموعة فضفاضة من الاتفاقيات الثنائية، بدلًا من إطار للحوكمة العالمية، حيث تُعرَف المبادرات الصينية- مثل مبادرة الأمن العالمي، أو مفاهيم السياسة الخارجية، مثل "مجتمع المصير المشترك" الذي طرحه شي جين بينغ- بمعارضتها للهياكل الغربية، بدلًا من كونها مقترحات لشيءٍ جديدٍ جوهريًا.
وفي حين أنشأت بكين ووسعت نطاق العديد من المؤسسات الدولية، مثل مجموعة البريكس وبنك الاستثمار في البنية الأساسية في آسيا، فقد تم فتح هذه المؤسسات أمام أعضاء جدد من المرجح أن يعملوا على إضعاف نفوذ الصين.
وبسبب نطاقاتها الأكثر محدودية، فإن المؤسسات التي أنشأتها الصين لا تستطيع أن تحل محل نظام الأمم المتحدة، الذي تعترف بكين بأنه الممثل الأول للنظام الدولي، على حد تعبير جاكوب مارديل في مجلة العامل الصيني.
وإذا كان اختلاف المدخلات سيؤدي إلى اختلاف المخرجات، فإن انخفاض إنتاجية الصين، والأزمة الديمغرافية المتفاقمة، ومحدودية الموارد الطبيعية، تصعب على بكين أن تزعم أنها ستكون مركز القوة العظمى بحلول عام 2050.
وبعيدًا عن أقوال الصين وأفكارها، فإن تصرفات جمهورية الصين الشعبية تُظهر أنها غير راغبة أو قادرة على إزاحة الدور العالمي للولايات المتحدة.
وفي أحسن الأحوال، فإنها تنطوي مجتمعة على رؤية لنظام متعدد الأقطاب تتمتع فيه الصين بمجال نفوذ في شرق آسيا، وتكون القوة العظمى الأكثر احترامًا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
إعلان aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline