هل وقع المفوض الأوروبي المكلف بالشؤون الخارجية والأمنية جوزيب بوريل مرة أخرى في فخ التصريحات المتسرعة، والمرتجلة، فبعد واقعة الغابة الشهيرة في أكتوبر(تشرين الأول) 2022، وأوروبا "البستان الجميل" المحاصر بجحافل الغزاة من خارج القارة العجوز، لم ير الرجل حرجاً اليوم الأربعاء، في التعرض لجامع الأزهر، واتهامه بالتحريض.

ونقلت وكالات الأنباء اليوم عن بوريل "سمعت صوتاً من الجامع الأزهر في القاهرة، أقلقني بشدة، لأن هذه الأزمة تؤدي للأسف إلى الدفع نحو صراع بين العالم الإسلامي والعالم المسيحي".

وكان بوريل يتحدث في جلسة عامة للبرلمان الأوروبي عن تطورات الأزمة في الشرق الأوسط بعد اندلاع القتال بين إسرائيل وحماس، في غزة، وقصف المستشفى في القطاع الفلسطيني، قائلاً : "أمن شوارعنا على المحك"، وبذلك ربط بوريل بطريقة مختصرة ولكنها سريعة، بين ردة الفعل المحتملة من بعض الأوساط في أوروبا خاصةً من المهاجرين، أو أبنائهم، أو بعض المنظمات الأوروبية أو الأجنبية على المواقف الرسمية للحكومات والدول الأوروبية، على التطورات الكارثية في غزة، بسبب التأييد الأوروبي الأعمى لإسرائيل في الحرب.

١/٢ #الأزهر: الغرب يقاتل على أرضٍ غير أرضه ويدافع عن عقائد وأيديولوجيات بالية عفا عليها الزمن وأصبحت من المضحكات المبكيات وعليكم أن تواجهوه معتصمين بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وبصمودكم في وجه هجماته الوحشية البربرية وما مقدار الغرب في ميزان الصومال وأفغانستان منكم ببعيد

— الأزهر الشريف (@AlAzhar) October 17, 2023

وكان بوريل يشير على ما يبدو إلى بيان الأزهر، مساء أمس الثلاثاء، الذي حمل دول الغرب جانباً من المسؤولية عن الكارثة الراهنة، بعد قصف المستشفى، وقبل أن يضيف داعياً الدول العربية والمسلمة إلى الرد على الانتهاكات الإسرائيلية الخطيرة.

١/٣ #الأزهر: على الأمة الإسلامية أن تستثمر ما حباها الله به من قوة وأموال وثروات وما تملكه من عُدةٍ وعتادٍ، وأن تقف به خلف #فلسطين وشعبها المظلوم الذي يواجه عدوًّا فقد الضَّمير والشعور والإحساس، وأدار ظهرَه للإنسانيَّة والأخلاق وكل تعاليم الرسل والأنبياء،

— الأزهر الشريف (@AlAzhar) October 17, 2023

 ومرة أخرى، فشل بوريل في قراءة التطورات والأحداث بما يقتضيه المنطق السليم، والتقييم الموضوعي الرصين، فالإشارة إلى "تحريض" الأزهر على الغرب، أو كما قال: "الدفع نحو صراع بين العالم الإسلامي والعالم المسيحي"، مجانبة للصواب والحقائق، فعندما تحرف الحقائق بهذه الطريقة، لإظهار المؤسسة السنية الكبيرة في مظهر المحرض، لا تخدم أبداً الجهود الدولية والإقليمية للسيطرة على الحريق، قبل تمدده إلى كامل المنطقة، بما يهدد بتطورات لا يمكن تخيلها، ولا التكهن بنتائجها، في مثل هذا المناخ العام الذي يسيطر عليه الاحتقان والتوتر،  نموذج للفشل السياسي والدبلوماسي.

فالحديث عن "أمن شوارعنا" بعد يوم من مجزرة المستشفى وبعد يومين من جريمة بروكسال، التي سارع  المفوض الأوروبي نفسه فوراً إلى التنديد بها باعتبارها "اعتداءً إرهابياً دنيئاً" ضرب بلجيكا، ما يدعو إلى التضامن الكامل معها، ضد هذه الهمجية كما جاء في تغريدته، يبدو مقلقاً ومزعجاً في هذه اللحظات الحرجة، التي تطلب إطفاء الحرائق لا إضرامها أكثر بتصريحات لا تخدم أحداً، خاصةً بسبب المقارنة مع رده على مجزرة غزة، الهادئ، والبروتوكولي. 

Toutes mes pensées et mon soutien aux proches des victimes de l’ignoble attentat qui vient de frapper Bruxelles.

Mon entière solidarité avec les forces de l’ordre pour appréhender le suspect dans les plus brefs délais.

Tous ensemble avec la Belgique

— Josep Borrell Fontelles (@JosepBorrellF) October 16, 2023

فبعد الانتفاضة لنصرة بلجيكا، بعد اعتداء إرهابي، اكتفى الرجل بتأكيد ضرورة محاسبة المتسبب في جريمة المستشفى، دون إشارة لا من بعيد ولا من قريب، إلى المتهم الأول بارتكابها.. إسرائيل.

Spoke to @Amirabdolahian on the situation in Gaza. EU position is clear on condemning terrorism. And on the protection of civilians at all times.

It is in everyone’s interest to prevent a regional spillover. Urged Iran to use its influence to avoid regional escalation.

— Josep Borrell Fontelles (@JosepBorrellF) October 16, 2023

إن هذه المواقف الملتبسة التي تهيمن عليها ازدواجية المعايير، ومحاولات تدوير الزوايا، هي التي تدفع البعض إلى المطالبة بتحميل الغرب، مسؤوليته التاريخية عن المآسي الكثيرة التي تعيشها بقاع كثيرة في عالم اليوم، بسبب الكيل بمكيالين، وحجب الشمس بالغربال، مثلما فعل الأزهر أمس بعد فاجعة المستشفى، وسبب الدعوات للقطع مع الخطاب المزدوج الذي طالما ميز تصريحات وأحاديث الزعماء الغربيين عموماً والأوروبيين بشكل خاص، عن قضايا الشرق الأوسط وهموم سكانه الحقيقية، وتحميل المسؤولية الأخلاقية والتاريخية عن خطايا كل سكان الكوكب، ثم اتهامهم بالتحريض، على الصدام والصراع، ذلك أنه لا يمكن الاستمرار في هذه السياسة التي قادت الشرق الأوسط إلى حافة الهاوية، وتكاد تهدد العالم بانفجار عظيم، ستتحمل أوروبا جانباً كبيراً من المسؤولية عنه أمام التاريخ.

 

 

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الأزهر غزة وإسرائيل

إقرأ أيضاً:

إعلامي سعودي: السعودية ترفض استنساخ نموذج الحوثي في شرق اليمن والانتقالي يتحمل المسؤولية

قال الإعلامي السعودي زيد كمي نائب المدير العام لقناتي العربية والحدث إن التحركات الأحادية التي نفذها المجلس الانتقالي في حضرموت قبل أيام محاولة لخلف واقع يتجاوز المجتمع المحلي وتوازناته ويتجاهل الطبيعة الخاصة بهذه المنطقة، التي طالما حافظت على مسافة سياسية عن مراكز التوتر.

 

واعتبر كمي في مقال نشرته صحيفة الشرق الأوسط بعنوان "ماذا يجري في حضرموت" إن تلك التطورات تفسر الحزمَ الذي أظهرته السعودية في بيانها، واعلانها بوضوح رفضها القاطع لسيطرة المجلس الانتقالي على حضرموت، وعدّت ذلك خرقاً مباشراً للمرحلة الانتقالية وتقويضاً لسلطة الحكومة الشرعية، ومحاولة تستدعي مواجهةً سياسية لا تُبنَى على منطق السلاح.

 

وقال الكاتب إن ما يجرِي في حضرموتَ اليومَ لا يمكنُ قراءتُه بمعزلٍ عن تاريخٍ طويلٍ من التشكّل السّياسي والاجتماعي في جنوب اليمن، وأن جنوب اليمن لم يكن يوماً كتلةً سياسية واحدة، بل فضاءٌ واسع من الشَّبكات المحلية والولاءات والمراكزِ المتعددة، معتبرا هذه الخلفية تجعلُ أيَّ محاولةٍ لفرض السَّيطرة عَنْوَةً على محافظةٍ بحجم حضرموتَ مجردَ اصطدامٍ بتاريخ لا يقبل الهيمنةَ المفاجئةَ ولا التحولات القسريَّة.

 

وأكد أن الموقف السعودي وإصراره على إخراج قوات درع الوطن ليس مجرد إجراءٍ عسكري، بل محاولةٌ لقطع الطّريق أمام تكرار نماذجِ انفلاتٍ مشابهة شهدها اليمنُ خلالَ العقد الماضي، ولمنعِ انزلاقِ حضرموتَ إلى فوضَى لا طاقة لها بها.

 

وقال إن اختزالَ القضية الجنوبية في شخصٍ أو فصيل واحد لا ينسجم مع تاريخِ الجنوب ولا مع طموحاتِ شعبه، والقضية ـ كما تراها الرياض ـ تخصُّ أبناءَ الجنوب بكلّ تنوّعهم، ومن غيرِ المقبول تحويلُها إلى ذريعةٍ لفرض السّيطرةِ أو تغيير الوقائعِ بالقوة.

 

وحمل الكاتب السعودي المجلس الانتقالي مسؤوليةَ التجاوزات التي ارتكبتها قواتُه خلالَ الأيام الماضية في حضرموت، وما حدثَ من اعتقالات أو إخفاء قسري ونهبٍ وإخلاء للمنازل بالقوة، وقال بأنها أفعالٌ مقلقة وتتقاطع مع ممارساتِ جماعة الحوثي، ما يجعلُ رفضَ الرياض قاطعاً لأي محاولة لاستنساخِ هذا النموذج في الجنوب أو الشرق.

 

واعتبر كمي ما حدثَ في حضرموتَ ليس مجردَ تنازعٍ على السيطرة، بل اختبارٌ حقيقي لمدى قدرةِ اليمنيين على احترام رواسب تاريخهم، ولقدرتهم على بناءِ استقرار لا يقوم على فرض القوة، والعمل على منع تكرار أخطاء الماضي، وإعادة اليمن إلى مسار سياسي يضمن للجميع شراكةً عادلةً تحفظ الأمنَ، وتعيد رسمَ مستقبلٍ لا مكان فيه للمغامراتِ العسكريةِ ولا لمحاولات إعادةِ هندسةِ الجغرافيا السياسية عَنوَةً.


مقالات مشابهة

  • نائب بالشيوخ: غزة تعيش كارثة إنسانية متعمدة.. والمجتمع الدولي يتحمل المسؤولية
  • الغرب يعالج مشاكله... على حساب الآخرين!
  • شاهد / جديد المبدع عيسى الليث .. مساعي الغرب
  • البنك الأهلي يستعرض مبادرات المسؤولية الاجتماعية والابتكار المجتمعي
  • البرهان يناور بذكاء ويتوعد الدعم السريع
  • العمالة للغرب وعواقبها الكارثية على العرب
  • واشنطن تحمّل إسرائيل المسؤولية الكاملة لإزالة الدمار في غزة
  • إعلامي سعودي: السعودية ترفض استنساخ نموذج الحوثي في شرق اليمن والانتقالي يتحمل المسؤولية
  • تواكُلُ المعارضة التونسية على الغرب.. إعادة إنتاج العجز في خطاب جديد
  • هند الضاوي: الإخوان جماعة وظيفية تخدم مصالح الغرب