وشهدت الأيّامُ القليلةُ الماضية تحَرُّكاتٍ سعوديّةً وأممية وأمريكية جديدة تحت عنوان “تجديد الهُدنة”، حَيثُ دفعت السعوديّة ومن خلال وزير دفاعها خالد بن سلمان بحُكومة المرتزِقة إلى الإعلان عن الموافقة على “خارطة طريق” للتوصل إلى حَـلٍّ “يمني يمني” بحسب زعمهم.

وقد ترافق ذلك مع لقاءات عقدها الممثل الأممي في اليمن، هانز غروندبرغ، مع مسؤولين سعوديّين ودوليين في السعوديّة، قال إنها تأتي بهَدفِ الدفع نحو “تجديد الهُدنة” وإجراء مفاوضات “بين اليمنيين”.

وكان غروندبرغ قد التقى قبل ذلك وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، الذي زعم أنه “يجب التوصل إلى اتّفاق سلام يمني في أسرع وقت ممكن”.

التمسك بمسألة التفاوض بين الأطراف اليمنية يترجم إصرارًا واضحًا على تجنب طريق السلام الفعلي الذي يلزم دول العدوان، وعلى رأسها السعوديّة، بكافة متطلبات الحل المتمثلة بـ: إنهاء الحرب والحصار والاحتلال ودفع التعويضات، ويلزمها قبل ذلك بتنفيذ إجراءات بناء الثقة المتعلقة بالمِلف الإنساني والتي تشمل رفع الحصار عن الموانئ والمطارات ودفع مرتبات الموظفين من إيرادات النفط والغاز، ومعالجة ملف الأسرى، وهي إجراءات كان الرئيس المشاط قد أكّـد مؤخّراً أن دول العدوان تواصل المماطلة فيها، معتبرًا ذلك “تصعيدًا مستفزًّا يعطي الحق في الرد المماثل”.

ويعتبر الإصرار على الدفع بالمرتزِقة إلى الواجهة تحت عنوان “المفاوضات اليمنية اليمنية” مؤشرًا ثابتًا على انعدام جدية دول العدوان في التوجّـه نحو سلام حقيقي وعادل؛ لأَنَّ محاولة فرض المرتزِقة كطرف رئيسي في المفاوضات هي محاولة مكشوفة تماماً لتقديم السعوديّة كوسيط، وبالتالي السماح لها بالتنصل عن أية التزامات.

هذا أَيْـضاً ما تشير إليه بوضوح “خارطة الطريق” المزعومة التي أعلنت عنها صحيفة “الشرق الأوسط” التابعة للمخابرات السعوديّة، بالتزامن مع التحَرّكات الشكلية الجديدة تحت عنوان “تجديد الهدنة” فالخارطة لم تتضمن حتى إشارة لقضية المرتبات التي تمثل جزءًا محوريًّا وأَسَاسيًّا من إجراءات بناء الثقة ومتطلبات التقدم نحو أي حَـلٍّ ثابت.

ويؤكّـد هذا بوضوح أن دول العدوان ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال تحاولُ جَرَّ صنعاء إلى مربع المساومة على الحقوق والمتطلبات الثابتة، وتسعى لتجزئة الحلول؛ مِن أجل استبدال السلام الفعلي بصفقات مؤقَّتة؛ مِن أجل كسب المزيد من الوقت على حساب استمرار معاناة الشعب اليمني.

وتترجمُ التحَرُّكاتُ والدعايات السعوديّة الجديدة إصرارًا مُستمرًّا على التقديرات الخاطئة التي حذرت القيادة الوطنية من عواقبها، حَيثُ كان قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي قد حذر في خطابِ ذكرى المولد النبوي الشريف هذا العام من أن استمرار العدوان والحصار والاحتلال وحرمان الشعب اليمن من ثرواته ستكون عواقبه وخيمة، كما حذر الرئيس المشاط قبل أَيَّـام من “رد مماثل” على استمرار الحصار الذي اعتبره “عملًا تصعيديًّا” وليس فقط مُجَـرّد مؤشر على غياب نوايا السلام.

هذا أَيْـضاً ما يؤكّـدُه استمرارُ الإصرار على تجميد مِلف الأسرى، بحسب ما أكّـد عضو اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى مؤخّراً، إلى جانب مواصلة استخدام الرحلات الجوية من وإلى مطار صنعاء كورقة ابتزاز ومساومة، حَيثُ لا تزالُ دول العدوان ترفُضُ توسيعَ وجهات رحلات المطار ومضاعفة عدد الرحلات، بل إنها لجأت مؤخّراً إلى إيقاف الرحلات المحدودة إلى الأردن ثم إعادتها بعد تحذيرات الرئيس المشاط، في خطوة كشفت بوضوحٍ محاولةً لاستغلال هذا المِلف الإنساني كورقة للمساومة وكسب الوقت ومحاولة امتصاص السخط.

وكانت مؤشراتُ تصعيد عدواني جديد قد برزت مؤخّراً مع زيارة رئيس ما تسمى “هيئة الأركان” التابعة للخونة، المرتزِق صغير بن عزيز إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حَيثُ تلقى هناك تعليماتٍ بالتصعيد ضد القوات المسلحة في حال قرّرت صنعاءُ المشاركةَ في معركة “طوفان الأقصى” لإسناد المقاومة الفلسطينية، بحسب ما كشف عضو المكتب السياسي لأنصار الله، فضل أبو طالب، وهو ما مثّل دليلًا إضافيًّا على أن الولايات المتحدة لا زالت تصر على مواصلة الحرب وتحريك المرتزِقة عسكريًّا لمصلحتها، الأمر الذي يعني أن حديثَها عن السلام، وبالتالي حديث السعوديّة عن ذلك أَيْـضاً، لا يتجاوز محاولةَ كسب المزيد من الوقت لترتيب الأوراق.

المسيرة

المصدر: ٢٦ سبتمبر نت

كلمات دلالية: دول العدوان السعودی ة

إقرأ أيضاً:

اليمن يحسم المعركة .. انكسار أمريكي وتصدّع صهيوني في وجه الصمود اليمني

يمانيون | تحليل خاص
في تطور لافت يعكس تحولات ميدانية واستراتيجية عميقة، باتت اليمن اليوم عنواناً لانكسار الهيبة الأمريكية وتصدّع المشروع الصهيوني في المنطقة. فالمقالات والتقارير التي نشرتها مؤخراً كبرى الصحف العالمية كـ”ذا هيل”، و”هآرتس”، و”الغارديان”، تكشف عن اعتراف غير مسبوق بحجم الفشل الذي مُني به العدوان الأمريكي الصهيوني على اليمن، وتؤكد أن صنعاء لم تكتفِ بالصمود بل تحولت إلى قوة فاعلة قادرة على فرض المعادلات الإقليمية.

هروب أمريكي تحت وقع الصواريخ اليمنية
صحيفة “ذا هيل” الأمريكية، المعروفة بقربها من دوائر صنع القرار في واشنطن، وصفت الاتفاق الأخير لوقف العدوان الأمريكي على اليمن بأنه “تراجع مُغلّف بالتفاخر”، مشيرة إلى أن واشنطن، وتحديداً إدارة ترامب، وجدت نفسها مضطرة للانسحاب من معركة لم تحقق فيها سوى الخسائر. فالطائرات الأمريكية المسيّرة سقطت، والطائرات المقاتلة فُقدت، والمليارات تبخرت دون مكاسب، فيما بَقيت القوة اليمنية أكثر رسوخاً وتماسكاً.

الكاتب “عمران خالد” اعتبر في مقاله بـ”ذا هيل” أن ترامب، الذي بدأ عهده بتهديد اليمنيين بـ”السحق”، اختتمه بوصفهم بـ”الشجعان”، في انعطافة تكشف اعترافاً كاملاً بالهزيمة. ولعل الأكثر أهمية هو ما خلص إليه المقال: أن الولايات المتحدة تخلّت عن الكيان الصهيوني وتركته وحيداً في ساحة المواجهة، ما زعزع ثقة “إسرائيل” وحلفائها العرب بالدور الأمريكي التقليدي كحامٍ وحليف.

اليمن كابوس تل أبيب: الاعتراف الإسرائيلي بالهزيمة
اللافت أن صحيفة “هآرتس” الصهيونية بدورها أطلقت تحذيراً مباشراً: “لا يوجد أي دولة نجحت في إخضاع اليمنيين، فلماذا تستمر إسرائيل في المحاولة؟”. هذا التساؤل لا يحمل فقط نبرة عجز، بل يكشف عن قناعة متزايدة داخل أروقة الكيان بأن الأدوات التي كانت تُستخدم لإخضاع شعوب المنطقة – كالاغتيالات والقصف المركز – لا تنجح مع شعبٍ يرى في معركته قضية وجود لا مساومة فيها.

الصحيفة نفسها أكدت أن الاغتيالات لن تُجدي نفعاً، وأن العدوان على الحديدة لن يُخضع اليمنيين، بل يزيدهم عزماً، مشيرة إلى أن هذه الحرب لم تكشف فقط صلابة اليمنيين، بل عرّت أيضًا محدودية خيارات تل أبيب، التي باتت عاجزة عن مواجهة تهديد يتجاوز حدود غزة والضفة.

وفي سياق متصل، نقلت وكالة “رويترز” أن دوي صفارات الإنذار عاد ليتردد في مستوطنات “نير عام” والضفة المحتلة، بفعل صواريخ انطلقت من اليمن، لتُضيف اليمن إلى قائمة الجبهات التي باتت تشكّل خطراً مباشراً على “العمق الإسرائيلي”.

الغارديان: اليمن يُعيد تشكيل الجغرافيا السياسية
أما صحيفة “الغارديان” البريطانية، فقد ذهبت إلى ما هو أبعد من تسجيل الفشل العسكري، لتؤكد أن العدوان الأمريكي الصهيوني على اليمن أسهم – من حيث لا يحتسب منفذوه – في تعزيز الحضور السياسي والعسكري الإقليمي لصنعاء. فبدلاً من تحجيم اليمن، عزز العدوان من استقلالية القرار اليمني، وعمّق صلته بالقضية الفلسطينية، ووسّع دائرة تأثيره في البحر الأحمر.

تقول الصحيفة إن استراتيجية “القصف الجوي” التي انتهجتها واشنطن وتل أبيب أثبتت عجزها، لأن الخصم اليمني – كما وصفته – يمتلك قدرة عالية على التكيّف، وعلى خوض “حرب استنزاف ذكية” تعتمد الصواريخ والطائرات المسيّرة، وهو ما كسر قواعد الاشتباك التقليدية، وفرض على الخصوم التفكير بطرق جديدة قد تكون أثمانها أعلى.

مفارقة الميدان والسياسة: صنعاء تمسك بزمام المبادرة
رغم الحصار، ورغم القصف المستمر، تؤكد التقارير الغربية الثلاثة أن صنعاء لا تزال صاحبة اليد العليا ميدانياً. فالقدرة على الاستمرار في إطلاق الصواريخ، وتسيير المسيّرات، وضرب الأهداف الحيوية في البحر الأحمر والمحيط الإقليمي، لم تتأثر بأي ضربة جوية، ما يشي بأن اليمن نجح في بناء منظومة دفاع وهجوم مرنة وغير تقليدية.

والأهم من كل ذلك، أن حضور صنعاء لم يعد يقتصر على الميدان العسكري، بل بدأ يتمدد إلى المشهد السياسي الإقليمي، كقوة تُحسب لها الحسابات، لا سيّما بعد أن أصبحت لاعباً أساسياً في معادلة الدفاع عن غزة وفلسطين، وبات صوتها يُسمع في أروقة القرار السياسي العربي والدولي.

تحولات جذرية في العلاقة الأمريكية الصهيونية
ما كشفته “ذا هيل” من “استثناء إسرائيل” من اتفاق وقف إطلاق النار بين اليمن وأمريكا، يكشف تصدعاً في المحور التقليدي (الأمريكي – الصهيوني). فلم تعد المصالح متطابقة، بل أصبحت متضادة في بعض اللحظات، وهذا ما يُقلق تل أبيب التي تشعر بأن واشنطن قد تنسحب فجأة، كما انسحبت من أفغانستان، وها هي تفعل في اليمن.

من جهتها، تتساءل “هآرتس”: هل يدفع ترامب نتنياهو لعقد صفقة مع اليمنيين كما فعل هو؟ في إشارة واضحة إلى أن تل أبيب باتت تفكر بعقلية المضطر لا المنتصر، وبأنها قد تجد نفسها مدفوعة للحوار مع قوة كانت حتى الأمس القريب تُصنفها كـ”عدو هامشي” أو مجرد وكيل إقليمي.

اليمن الجديد: من الضحية إلى صانع التحولات
ما يجري اليوم هو تحوّل عميق في موقع اليمن ضمن الخارطة الجيوسياسية للمنطقة. لم تعد صنعاء مجرد عاصمة تُقصف، بل باتت منصة لإطلاق الرسائل الصاروخية والسياسية على السواء. وهي اليوم تتحدث بلغة المنتصر، فيما يتحدث خصومها بلغة الدفاع والتبرير والخسائر.

هذا التحوّل لم يكن ليحدث لولا استراتيجية الردع المتصاعدة، والصمود الشعبي والسياسي، والقدرة على المزاوجة بين القوة والموقف الأخلاقي الداعم لقضايا الأمة، وعلى رأسها فلسطين.

ويمكن القول إن ما شهده العالم في الأشهر الماضية لم يكن مجرد معركة عابرة، بل محطة فاصلة في تاريخ الصراع الإقليمي. اليمن، الذي اعتقدت واشنطن وتل أبيب أنه الحلقة الأضعف، تحوّل إلى ساحة كسر هيبة. واليوم، تقف أمريكا و”إسرائيل” أمام واقع جديد: لا يمكن كسر اليمن بالقوة، ولا يمكن عزل صنعاء عن محيطها العربي والإسلامي.

لقد أصبحت صنعاء رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه، وربما سيشهد التاريخ هذه المرحلة بأنها اللحظة التي بدأ فيها الانهيار الحقيقي لهيبة الإمبراطورية الأمريكية والصهيونية في قلب المنطقة.

مقالات مشابهة

  • الخارجية: الشعب اليمني لن يتخلى عن الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة
  • حجيرة: خارطة طريق التجارة الخارجية تحقق العدالة المجالية التصديرية و الإمكانات غير المستغلة 120 مليار درهم
  • الحكومة تطلق خارطة طريق التجارة الخارجية لخلق 76 ألف منصب شغل
  • اليمن يحسم المعركة .. انكسار أمريكي وتصدّع صهيوني في وجه الصمود اليمني
  • عاجل | الكرملين: أوروبا ليست على طريق السلام وتحلم بأن تتمكن من الحصول على شيء من روسيا من خلال الضغط
  • كتلة التوافق: نطالب البعثة الأممية بترجمة مقترحات اللجنة الاستشارية إلى خارطة طريق
  • اتحاد غرف التجارة السورية وغرفة تجارة الأردن: وضع خارطة طريق للتعاون والتنسيق المستقبلي
  • السيد القائد والشعب اليمني.. آيةٌ من آيات الاصطفاء الإلهي
  • الخارجية تؤكد استمرار الموقف اليمني المساند لفلسطين بكل الوسائل الممكنة
  • “صمود” في كمبالا- محاولة لخلق طريق مدني ثالث وسط ركام الحرب السودانية