صراحة نيوز – د . منذر الحوارات
تقاطر زعماء العالم الى إسرائيل بعد عملية طوفان الأقصى التي أدت إلى نتائج عسكرية كاسحة انحدرت بجدار الردع الإسرائيلي إلى الحضيض ووضعت المقولة الإسرائيلية بأنها أقوى دول المنطقة محل شك كبير، وما إن انتهت عملية طوفان الأقصى إلا وطوفان آخر من التعاطف والتأييد تنهال على دولة الاحتلال وربما كان مرد ذلك الكلمات المفتاحية التي تحدث بها رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو مع الرئيس الأميركي جو بايدن والتي ركز فيها على إلغاء طابع الهجوم العسكري على منشأة عسكرية إلى هجوم على قطاع مدني استهدف فقط المدنيين، وكان لذلك أثر هائل على الرأي العام الغربي بالذات عندما قال نتنياهو عن المهاجمين بأنهم قتلوا الأطفال والنساء واغتصبوهن وقطعوا رؤوسهم، كانت هذه الكلمات بمثابة كلمات السرّ التي مكنت نتنياهو من تلويث هذه العملية ووصمها بالإرهابية.
أول الواصلين كان الرئيس الاميركي جو بايدن والذي احتضن بحرارة نتنياهو برغم الود المفقود بينهما، لكن لهذا العناق بين رئيس أعظم دولة ودولة تخرج للتو من هزيمة عسكرية قاسية رمزيته الخاصة والتي تعني التزام أميركا بحماية حليفتها من أي خطر بما فيه خطر الهزيمة، ولسوء حظه فقد قصفت اسرائيل المستشفى المعمداني مما ادى الى استشهاد 500 مريض وطبيب وبين الشهداء اطفال، كان المراقبون يتوقعون من بايدن أن يدين الواقعة لكنه فاجأ الجميع باتهام الطرف الآخر بالقيام بهذا العمل، هذه اللحظة أثبتت تجرد الولايات المتحدة من القيم التي تدعو اليها وانحدارها الى درك متدن من غياب الضمير وأثبت أنها شريكة في هذه الوحشية، بعدها تقاطر زعماء العالم الحرّ يذرفون الدمع بين يدي نتنياهو، فيما عداد الشهداء الفلسطينيين يتجاوز الـ3000، 60 ٪ منهم من النساء والأطفال وبدون اي التفاتة من هؤلاء القادة العظام، ومثل عدد الشهداء كان مطحنة الدمار الإسرائيلية تلقي بالمدينة وبنيتها التحتية والفوقية في دروب النسيان وتمارس عدا ذلك عقاباً جماعياً قل نظيرة للغزيين كل ذلك وغيره الكثير لم يسترع ابداً انتباه هؤلاء القادة الاحرار.
كل أولئك المتباكين على العام الحرّ وقيمه نسوا أن سبب ما يحدث ليس أي أحد سواهم، فقد أوجدوا دولة الاحتلال وألقوا في غياهب النسيان أحلام أهل الأرض الحقيقيين وأبقوهم تحت رحمة آلة البطش الإسرائيلية بدون أي حساب أو عقاب، بعد كل ذلك ماذا ينتظر هذا العالم الحرّ من الفلسطينيين، لقد كان طوفان الأقصى تتويجاً لعمر من الاحتلال والقهر والإذلال مع غياب تام للأمل لدى الفلسطينيين، سبعة عشر عاما من حصار غزة كان لها أن تولد أضعاف ذلك الغضب، غزة زادت من حمل ذاكرة الأغيار عن العالم الحرّ الممتلئة بأحدث القنابل الفراغية والطائرات النفاثة والصواريخ المجنحة تتساقط على رؤوس الأبرياء في العراق وأفغانستان والاستعمار الذي لم يبقِ ولم يذر من خيرات الشعوب والعبودية الكئيبة، بينما سجن ابو غريب لا يغيب عن ذاكرة اي عراقي، فاقم كل ذلك ازدواجية مخزية بين إنسان وإسبان واسير وأسير فبينما تأسر إسرائيل 7000 مواطن فلسطيني منهم الاطفال والنساء ولا ينتبه لذلك أحد، تقوم الدنيا ولا تقعد عندما يؤسر مواطن من العالم الآخر الحرّ.
لقد وقع الرئيس بايدن في زلة أخرى عندما قارن بين روسيا والفلسطينيين بطريقة سخيفة وقلب فاضح للحقائق، ومع كل هذا التعاطف والبكاء على إسرائيل إلا أنها في مأزق وجودي لا بد كي تتجاوزه من الانتصار على حماس حتى تعيد هيبتها وترمم جدار الردع، وحتى تفعل ذلك لابد من اجتياح غزة ولهذا الدخول نتيجتين لا ثالث لهما، أولهما أن تنهزم وتعود بسبب عنف المقاومة، أو أن تنتصر وتفكك حماس، وفي كلتا الحالتين تدخل إسرائيل في مأزق وجودي، وأيضا يتأكد فشل الاحتلال وإفلاسه وكذلك فشل داعميه من العالم الحرّ في تجسيد قيم الحرية والعدالة التي يلبسون قناعها ويخدعون الأغيار من العالم المتخلف الذي هو نحن بشعاراتها البراقة وهم وعالمهم الحرّ يعاني من مرض غياب الضمير والميزان الوحيد الذي يؤمنون به هو ميزان القوة والمصالح وما عدا ذلك لا يعدو عن كونه مجرد أكاذيب والدليل ليس ببعيد فغزة شاهد حيّ على ذلك.
المصدر: صراحة نيوز
كلمات دلالية: اخبار الاردن الوفيات أقلام مال وأعمال عربي ودولي منوعات الشباب والرياضة تعليم و جامعات في الصميم ثقافة وفنون علوم و تكنولوجيا اخبار الاردن الوفيات أقلام مال وأعمال عربي ودولي تعليم و جامعات منوعات الشباب والرياضة ثقافة وفنون علوم و تكنولوجيا زين الأردن أقلام أقلام اخبار الاردن الوفيات أقلام مال وأعمال عربي ودولي منوعات الشباب والرياضة العالم الحر
إقرأ أيضاً:
صالح الجعفراوي.. صوت غزة الحر
سارة البريكية
sara_albreiki@hotmail.com
أخذتني خطواتي لمُواصلة التَّغطية وكنت أوثق الأماكن التي أصبحت كالخراب والأرض التي عاث بها الاحتلال في العامين الماضيين وكأن زلزالا كبيرا مرَّ من هنا إلا أنَّه لم يمر بل هو دمار وحرب طاحنة رحل فيها أكثر من خمسة وثمانين ألف شهيد لم يكن رقما عاديا ولن يكون حيث كانت قوافل الشهداء في كل يوم يمر على غزة ومنذ اندلاع الحرب الطاحنة لم يمر يوم بدون قتلى وبدون مناظر صعبة جثث وأشلاء ووجع وفقد وألم وجوع شديد عشت كما عاش النَّاس هنا في غزة في رعب وخوف وقلق ولم يكن أمامنا خيار إلا أننا بقينا صامدين رغم أنَّ الفرصة أتت كي أخرج منها ولكنني أبيت فلا أخلاقي ولا ديني وحبي للأرض يجعلني أنأى بنفسي واختار الحياة فحياتي هنا ومن هنا وإلى هذا المكان امتد كغصن زيتون لم تزعزعه الرياح العاتية فكنت منها وإليها وبها انتمي.
تسنى لي الوقت قليلاً لالتقاط بعض الصور وبعض الفيديوهات التي نزلتها مباشرة على صفحتي فكان ظهوري الأخير لأفاجأ بعدها بمجموعة غادرة تختطفني عنوة ولم أكن أملك وسيلة للدفاع بها عن نفسي لأن عددهم كبير وديدنهم القذر هو الخيانة فمن تربى عليها لن تهمه وجوه الحق التي تصدح بالحق وكان اليوم الموعود بعد أن هدأت النيران وغادرت قوات الاحتلال الغاشم أرضي كان حتميا أن يدفع الثمن غاليًا وحان ثمن كل ذلك هو صالح!
كنت أنظر إليهم وهم يقومون بشتى أنواع التعذيب علي وأراهم وهم يطلقون عليَّ الرصاص ولكنني لا أحس بها تحسست جسدي فوجدت روحي قد فارقت الجسد حلقت على المكان كي اتأكد فكان الجواب حتميا أنني بت شهيدا حر لكنني لازلت أراهم يطلقون الرصاص واحدة تلو الأخرى على جسدي الطاهر ولا أحس بها أدركت وقتها أن الحياة لم تعد حياة وأنه آن الأوان لي أن أرتاح وأن أسعد سعادة أبدية وأن التوقيت المناسب هو اليوم لكنني لن أتمكن من معانقة أخي الأسير الذي سيخرج اليوم لن احتضنه كاحتضان البشري للآخر لكنني سأراه حتما .
أذيع خبري واستنفر الناس من حولي كل أحد منهم يدلو بدلوه حملوني في غطاء ظنا منهم أنني أشعر بالبرد ولم يعلموا أن شعوري الآن مختلف بعد أن تحرر جسدي الكل مصدوم في لحظة واحده تكلم العالم بأسره عني وما كان إلا أن يتوقف كل شيء لأنها أكبر صدمة بعد وقف إطلاق النار وبعد سلسلة من رحيل الشهداء والصحفيين الذين ينقلون للعالم صورة الحرب بهواتفهم وكاميراتهم ويحلقون في كل مكان ولا يعرفون الكلل أو الملل في سبيل إظهار الحقيقة التي حاول الجميع إسكاتها .
في لحظة ما كدت أشعر بجناحين مكان ذراعي وأشعر أنني أطّير وأن هناك أشخاصا كثر أنا لا أعرفهم حتى يبكون ويترحمون علي لكنني لا أعرفهم إلا أن وجوههم وأسماءهم تمر أمامي وكأنني في فيلم سينمائي مختلف ماذا حدث وكيف يمكن لشخص طبيعي بسيط أن يجعل كل هذا الكم الهائل من البشر يدعون الله أن يرحمه ويحزنون لرحيله ويتألمون ووو .
وفي لحظة خروج أخي الشيخ ناجي من الأسر كان صابرا محتسبا قويا كما عرفته دائماً لكنه سيناريو لا يمكن لعقل بشري أن يتصوره أو حتى يفكر به عامين وأنا أنقل الصورة والأخبار للعالم وفي يوم خروج أخي إلى الحياة من الأسر قرر أن يوارى جسدي الطاهر الثرى فسبحانك ربي على عظيم تقديراتك التي لا يفهمها هذا العقل البشري الضعيف.
رحلت .. لكن بقي وجه الله ونصره وعزته وجبروته التي ستأخذ حقي وستشفي غليل والدي وأهلي في القتل الذي تعرضت له لكن ما يسعد في الأمر أنني أصبحت شهيدا حرا.
رابط مختصر