الأسبوع:
2025-10-16@08:12:31 GMT

الوطنية بين الجغرافيا والضمير

تاريخ النشر: 16th, October 2025 GMT

الوطنية بين الجغرافيا والضمير

يقودنا هذا العنوان إلى سؤالٍ فلسفيٍّ عميق: ما هي الوطنية في زمننا هذا؟

أهي مجرد انتماءٍ عاطفيٍّ إلى رقعةٍ جغرافيةٍ تُرسَم حدودُها بالخرائط وتُدافِع عنها الجيوش؟ أم هي التزامٌ أخلاقيٌّ وفكريٌّ ببناء الإنسان والمكان معًا، دون أن تكون الوطنِيّة شعارًا يُرفَع في المناسبات الانتخابية أو صدى يُكرَّر في الخُطب المكرورة منذ ثورة 1919 حتى يومنا هذا؟

لقد تحوّلت الوطنية في وعينا الجمعي إلى كلمةٍ ثقيلةٍ من فرط الاستخدام، كلمةٍ فقدت بريقها الأصلي حين كانت تخرج من أفواه الثوّار والفلاحين والطلبة في الشوارع والميادين، لا من أفواه المترشّحين على المنصّات.

في زمن سعد زغلول، كانت الوطنية موقفًا وجوديًا قبل أن تكون شعارًا سياسيًا، كانت فعل مقاومةٍ ضدّ الاحتلال، وصوت الضمير الجمعي الذي قال: تحيا الأمة، أمّا اليوم، فصارت الوطنية ورقةً يُلوَّح بها كل من أراد مجدًا أو مقعدًا أو حصانة.

لكن الوطن، في جوهره، ليس ورقةَ اقتراعٍ ولا نشيدًا في الطابور الصباحي، بل هو حالة وعيٍ متجذّرة في القلب والعقل معًا.

الوطنية هي أن تُدرِك معنى التراب الذي تمشي عليه، والعرق الذي سقاه أجدادُك، وأن تُكمِل البناء لا أن تهدمه بشعاراتٍ زائفة. إنها ليست حنينًا إلى الماضي، بل مسؤوليةٌ تجاه المستقبل.

في الجغرافيا يُقال: إن الوطن هو المكان الذي تلتقي فيه حدود الأرض بحدود الذاكرة.

وفي السياسة، هو الكيان الذي يضمن الحقوق ويصون الكرامة.

أمّا في الفلسفة، فالوطن هو المعنى الذي يمنح الإنسان سببًا ليبقى.

هذه الثلاثية - الأرض، الدولة، المعنى إن اختلّ أحد أضلاعها، سقطت الوطنية في فخّ التبعية أو الاغتراب.

لقد تغيّر مفهوم الوطنية بتغيّر الأزمنة، كانت في الماضي صراعًا بين المستعمِر والمستعمَر، بين السلاح والكلمة. واليوم، أصبحت صراعًا من نوعٍ آخر: بين الوعي والفراغ، بين من يبني الوطن ومن يبيعه.

فالعدوّ لم يعُد دائمًا يأتي من وراء الحدود، بل من داخل النفوس التي فرّغت الانتماء من معناه.

حين نتأمل خريطة العالم العربي بعد قرنٍ من ثورة 1919، نجد أن الجغرافيا ثابتة، لكن الوعي الوطني أصبح متشظّيًا.

هناك من يرى الوطن في الزعيم، ومن يراه في القبيلة، ومن يراه في الدين، ومن لا يراه في شيءٍ على الإطلاق.

وبين هؤلاء جميعًا تضيع الفكرة الأصلية: أن الوطن ليس ملكًا لأحد، بل مسؤولية الجميع.

الوطن ليس هويةً جامدة، بل كائنٌ حيٌّ يتنفّس بقدر ما نمنحه من صدقٍ وعدل.

والوطن الذي يعلو فيه صوت القهر على صوت القانون، لا يمكن أن يُنبت وطنيين.

والوطن الذي تُختزَل فيه المواطنة إلى بطاقة رقم قومي أو نشيدٍ يُذاع قبل الأخبار، لا يصنع إلا جموعًا بلا وعي.

الوطنية ليست كلماتٍ تُقال، بل فعلٌ مستمرٌّ ضدّ القبح والظلم والتهميش.

الانتخابات الحالية - مثل كل استحقاقٍ سياسي - تُعيد طرح السؤال من جديد:

هل نحن ننتخب من أجل الوطن، أم نستخدم الوطن لتبرير الانتخاب؟

كثيرون يرفعون اللافتات ويتحدثون باسم “المصلحة الوطنية”، بينما الواقع يشهد أن الوطنية أصبحت سلعةً انتخابية تُباع على الأرصفة الإعلامية.

لا نحتاج إلى من “يدّعي حبّ الوطن”، بل إلى من “يُتقن خدمته”.

فالوطنية ليست في الصور والابتسامات أمام الكاميرات، بل في العمل الصامت، في إنقاذ قريةٍ من العطش، أو طفلٍ من الجهل، أو عاملٍ من الفقر.

الوطن ليس في الخرائط وحدها، بل في العيون التي تلمع حين يُذكَر اسمه، في المزارع الذي يصحو قبل الفجر، في المعلمة التي تزرع الأمل في عقل طفلٍ صغير، في الطبيب الذي يسهر في المستشفى الحكومي دون انتظار مكافأة.

هؤلاء هم من يصنعون الوطنية الحقيقية، لا من يتحدثون عنها في البرامج الانتخابية.

وفي المقابل، لا ينبغي أن تتحوّل الوطنية إلى عصا تُهشّ بها السلطة على المعارضين، ولا إلى بطاقة “حسن سلوك” يمنحها الإعلام لمن يرضى.

الوطنية لا تُقاس بالولاء للحاكم، بل بالولاء للحقّ والعدل.

ومن يعارض الظلم حبًّا في وطنه، أكثر وطنيةً ممن يصمت خوفًا أو طمعًا.

إننا بحاجة إلى إعادة تعريف الوطن، لا في كتب الجغرافيا، بل في ضمائرنا.

فالوطن ليس فقط مساحة الأرض، بل مساحة الأخلاق المشتركة التي تجمعنا.

وحين تتآكل القيم، تتفتت الجغرافيا من داخلها، وحين نكذب باسم الوطنية، نفقد القدرة على بنائها من جديد.

فليكن الانتماء إذن فعلًا لا قولًا، ولتكن الوطنية عهدًا لا شعارًا.

نحن لا نحتاج إلى وطنٍ أكبر، بل إلى وطنيين أنقى.

فالوطن لا يُبنى بالأغاني والخُطب، بل بعرقٍ نزيهٍ وضميرٍ حيٍّ، وبإيمانٍ بأن كل لبنةٍ في هذا التراب هي من نصيبنا جميعًا.

وربما آن الأوان أن نسأل أنفسنا بصراحة:

هل نحب الوطن حقًّا، أم نحب ما يمنحنا إياه من امتيازات؟

هل نحافظ عليه لأننا نخاف عليه، أم لأننا نخاف من فقدانه؟

الوطن ليس ما نقوله في العلن، بل ما نفعله في الخفاء حين لا يرانا أحد.

تلك هي الوطنية الحقيقية، وتلك هي الجغرافيا التي لا تُرسَم بالخرائط، بل تُكتَب في القلب.. .!! (كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية)

اقرأ أيضاًرئيس جامعة حلوان: نصر أكتوبر ليس فقط حدث تاريخي بل درس خالد فى الإرادة والعزة الوطنية

محمد العدل ينتقد تغيير لحن «اسلمي يا مصر»: تشويه لذاكرتنا الوطنية

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الوطنية الجغرافيا الرقعة الجغرافية ثورة 1919 الوطن لیس

إقرأ أيضاً:

انتخابات النواب 2025.. أسماء مرشحي القائمة الوطنية في الغربية وكفر الشيخ

انتخابات النواب 2025.. تقدمت القائمة الوطنية من أجل من مصر، بالقائمة النهائية لأوراق مرشحيها في محافظتي الغربية وكفر الشيخ، وذلك ضمن التحالف الحزبي الذي يضم عددًا من الأحزاب السياسية في مصر.

وترصد «الأسبوع» للقراء والمتابعين، أسماء مرشحي القائمة الوطنية من أجل مصر في محافظتي الغربية وكفر الشيخ، من خلال السطور التالية:

أسماء مرشحي القائمة الوطنية في الغربية

وترشح من الأحزاب والمستقلين في محافظة الغربية كل من:

- السيد محمد مرزوق القصير «الجبهة الوطنية».

- على محمد على عز «مستقبل وطن».

-محمد أحمد أحمد زايد «مستقبل وطن».

- إبراهيم محمد مجدى محمود حسين «مستقبل وطن».

- فريد محمد فريد واصل «حماة الوطن».

- أحمد جابر جابر الشرقاوي «الجبهة الوطنية».

- ياسر محمد أحمد الحفناوي «الجبهة الوطنية».

- رشا عبد الفتاح السيد رمضان «مستقبل وطن».

- وفاء أحمد أحمد السرنجاوي «مستقبل وطن».

- هبه نبيل أحمد إبراهيم فسيخ «حماة الوطن».

- سميرة محمود السيد الجنايني «حماة الوطن».

- أية حسن عبد الفتاح مرسى النجار «الجبهة الوطنية».

- سامية محمد نجيب توفيق عبده «الشعب الجمهوري».

- آمال إبراهيم عبد الحميد السيد حسن «الشعب الجمهوري».

- أميرة فؤاد رزق جرجس «المصري الديمقراطي».

مرشحو القائمة الوطنية في محافظة كفر الشيخ

- عبد الحميد بدوى الدمرداش «مستقبل وطن».

- السعيد عبد العظيم عمارة خضر أحمد «مستقبل وطن».

- عاطف بكر بكر عجلان «حماة الوطن».

- أسامة أبو العز عبد عبد الغنى الأتربي «حماة الوطن».

- مارى جرجس يسى جرجس «مستقبل وطن».

- شيرين إبراهيم حسنين محمد «مستقبل وطن».

- غادة جابر سيد النحاس «مستقبل وطن».

- أماني محمد أبو زيد أحمد مبروك «حماة الوطن».

- رانيا رفعت مصطفى الشريف «الجبهة الوطنية».

- سناء أحمد محمد جمال الدين «المصري الديمقراطي».

انتخابات النواب 2025

وتبدأ فترة الدعاية الانتخابية للمرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب 2025 يوم الخميس 23 أكتوبر وحتى الخميس 6 نوفمبر وتبدأ عملية التصويت بالخارج يومى الجمعة والسبت 7 و8 نوفمبر، ويبدأ التصويت بالداخل يومي الاثنين والثلاثاء 10 نوفمبر، فى حين تبدأ فترة الدعاية للمرحلة الثانية يومى الخميس 6 نوفمبر وحتى 20 نوفمبر، ويبدأ التصويت بالخارج يومى الجمعة والسبت 21 و 22 نوفمبر، والتصويت بالداخل يومى 24 و25 نوفمبر.

اقرأ أيضاًانتخابات النواب 2025.. أسماء مرشحي القائمة الوطنية في القاهرة والقليوبية

الوطنية للانتخابات: 2826 مرشحا في انتخابات مجلس النواب 2025

135 مرشح يخوضون انتخابات مجلس النواب في 4 دوائر بقنا

مقالات مشابهة

  • انتخابات النواب 2025.. أسماء مرشحي القائمة الوطنية في الغربية وكفر الشيخ
  • انتخابات النواب 2025.. أسماء مرشحي القائمة الوطنية في غرب وشرق الدلتا
  • خالد أبو بكر: القائمة الوطنية تضمنت زوجات وأقارب أبطال ضحوا بدمائهم من أجل الوطن
  • ننشر أسماء مرشحي القائمة الوطنية لانتخابات النواب في القاهرة والدلتا
  • انتخابات مجلس النواب 2025.. أسماء مرشحي القائمة الوطنية عن شرق وغرب الدلتا
  • عاجل | ننشرأسماء مرشحي القائمة الوطنية بانتخابات مجلس النواب في محافظة الجيزة
  • الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي..رجل الدولة الذي سبق عصره
  • إبراهيم رضا: من لم يشكر القيادة التي حفظت الوطن لم يشكر الله
  • بالأسماء.. القائمة الوطنية من أجل مصر بشرق الدلتا بانتخابات النواب