الضفة وطوفان الأقصى.. حراك غابت عنه العمليات النوعية وحاربته إسرائيل
تاريخ النشر: 25th, October 2023 GMT
لم تكن الضفة الغربية منطقة هامشية في الخطاب الذي ألقاه القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف في 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، والذي أعلن فيه انطلاق عملية "طوفان الأقصى"، بل كانت في القلب منه.
فالضيف يعلم الأهمية الإستراتيجية التي يمنحها انخراط الضفة في المعركة، لذا دعا شبابها بكل وضوح لينخرطوا في العملية ويكونوا في صميمها، وقال "يا شباب الضفة الغربية، يا أهلنا على اختلاف تنظيماتكم، اليوم يومكم لكنس المحتل المستوطنات عن أرضنا".
وعلى إثر ذلك انطلقت مسيرات عارمة شاركت فيها مجموعات المقاومة المنتشرة في مدن وبلدات الشمال، كما اندلعت مواجهات واشتباكات في عدة نقاط تماس مع قوات الاحتلال.
نرصد في هذا التقرير أهم العمليات وأبرز فعاليات المقاومة في الضفة، كما نحاول أن نتعرف على مآلات هذا الحراك، ومدى نجاحه في إشغال الاحتلال ومنعه من الاستفراد في غزة.
شهداء وأسرىحتى اليوم الأربعاء أشار "مركز معلومات فلسطين (معطى)" المختص برصد أعمال المقاومة والمواجهات المختلفة في الضفة الغربية إلى أن المقاومين نفذوا أكثر من 1337 عملا مقاوما وشعبيا منذ بداية معركة "طوفان الأقصى"، من بينها 384 عملية إطلاق نار و60 عملية نوعية.
وقد أسفرت المواجهات في الضفة والقدس المحتلتين منذ انطلاق المعركة عن استشهاد 109 فلسطينيين توزعوا على مختلف المحافظات في 316 منطقة مواجهة، كما تجاوز عدد الأسرى 1350، بينهم قيادات فصائلية ومجتمعية وأسرى محررون.
وقالت مؤسسات الأسرى إن مخابرات الاحتلال حولت معظم المعتقلين الجدد إلى الاعتقال الإداري، وهو القانون الذي يسمح للاحتلال باحتجاز الفلسطيني لشهور دون أن توجه له تهمة واضحة أو حتى دون الكشف عن سبب اعتقاله بما يسميه "الملف السري".
نقاط التماس
تركزت المواجهات في نقاط التماس المعروفة في الضفة الغربية انطلاقا من الشوارع الاستيطانية والمواقع العسكرية في محيط جنين وطولكرم.
واصلت مجموعات المقاومة استهداف المستوطنات والمواقع العسكرية، وفي قلقيلية التي تصدرت فيها عزون المواجهة كالعادة، وفي المناطق المحيطة بنابلس وريفها، وكذلك قرى رام الله القريبة من المستوطنات وعلى مدخلها الشمالي.
كما اندلعت المواجهات في أحياء القدس المحتلة، خاصة أبو ديس والعيساوية وجبل المكبر والبلدة القديمة ووادي الجوز، وحضرت بقوة في بيت لحم ومخيماتها وقراها في المنطقة الغربية، مثل حوسان ونحالين والخضر، وفي الخليل تصدرت بيت أمّر ومخيم العروب وباب الزاوية ومخيم الفوار مشهد المواجهة مع امتدادها إلى مناطق أخرى.
وتزامنا مع المواجهات واصلت مجموعات المقاومة في شمال الضفة ومناطق أخرى في الوسط والجنوب عمليات إطلاق النار بوتيرة أعلى، وعلى الشوارع الالتفافية ارتفعت معدلات استهداف مركبات المستوطنين.
الجمعة والمعمدانيوكان ليومي الجمعة حضورهما الخاص في تصاعد الحراك الشعبي في الضفة، من ناحية ارتفاع عدد المشاركين في المسيرات الشعبية التي انطلقت من مراكز المدن، واتساع نقاط المواجهة مع جيش الاحتلال والمستوطنين وعمليات إطلاق النار.
كما فجرت مجزرة المستشفى المعمداني في غزة في 17 أكتوبر/تشرين الأول الجاري هبّة واسعة على طول الضفة والقدس المحتلتين، واندلعت المواجهات في مختلف نقاط التماس مع قوات الاحتلال والمستوطنين، ونفذت مجموعات المقاومة عمليات إطلاق نار واسعة.
المسيرات التي انطلقت عقب المجزرة اصطدمت مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية في مدن عدة، مثل جنين ونابلس ورام الله والخليل، وتحولت إلى مواجهات واشتباكات حاول خلالها متظاهرون اقتحام مقرات المقاطعة، وأطلقوا هتافات تنادي بـ"إسقاط الرئيس" و"حل السلطة" وإنهاء اتفاقيات التسوية مع الاحتلال، حسب تعبيرهم.
معركة مخيم نور شمس
نفذ الاحتلال منذ فجر الخميس الماضي 19 أكتوبر/تشرين الأول الجاري عملية عسكرية واسعة على مخيم نور شمس في مدينة طولكرم استمرت حتى صباح اليوم التالي، وقد امتدت الاشتباكات التي اندلعت مع الاقتحام إلى مخيم طولكرم ومواقع مختلفة في المدينة.
ودفع جيش الاحتلال بجرافات عسكرية لتجريف الأحياء الضيقة، خاصة في حارة المنشية التي وقع الجنود فيها في كمائن عدة خلال مواجهات سابقة، إضافة إلى استخدام قوة كبيرة من الجنود والآليات العسكرية المدعومة بوحدات تكنولوجية ومخابرات وتجسس مختلفة.
وقد استخدمت المجموعات المسلحة ما توفر معها من أسلحة خفيفة في التصدي، بالإضافة إلى العبوات الناسفة المصنعة محليا، وحققت إصابات في صفوف قوات الاحتلال الذي اعترف بمقتل ضابط وإصابة 9 آخرين.
وعلى إثر ذلك استهدف الاحتلال بطائرة مسيرة مفخخة مجموعة من سكان المخيم الموجودين في الطرقات، مما أدى لاستشهاد 13 وإصابة العشرات، بينهم أطفال.
سلاح الجو يدخل المواجهةاستهدف الاحتلال بصاروخ فجر اليوم الأربعاء مجموعة من الفلسطينيين في مخيم جنين فاستشهد 4 شبان، كما قصف طيران الاحتلال في 22 أكتوبر/تشرين الأول الجاري مسجد الأنصار في مخيم جنين، مما أدى لاستشهاد مقاومين اثنين.
وزعم جيش الاحتلال أن القصف جاء لمنع خلية من حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" من تنفيذ عملية في الساعات المقبلة، وقد تعرض المسجد في يوليو/تموز الماضي للقصف خلال عملية عسكرية للاحتلال على مخيم جنين.
بعد قصف المسجد بساعات نفذ جيش الاحتلال عمليات عسكرية خاطفة تقوم على اقتحام قوة خاصة ثم دعمها بقوات أكبر محمولة بالآليات، وذلك في قباطية وجبع وبيت لحم لاعتقال مطلوبين، وقد تزامنت الاقتحامات في هذه المناطق مع اشتباكات مسلحة أسفرت عن شهداء وإصابات.
وأعلنت "عرين الأسود" (المجموعة المسلحة في البلدة القديمة في نابلس) عن يوم عصيان مدني وإضراب حتى توقف القصف على قطاع غزة.
وأحد التطورات المهمة في سياق تطور عمل المقاومة كان تفجير عبوة ناسفة بقوة من جيش الاحتلال قرب بلدة برقة شمال نابلس وإطلاق النار عليها، مما أدى لإصابة عدد من الجنود.
غياب العمليات النوعية
رغم كل هذه الفعاليات فإن دخول الضفة في المعركة لا يبدو أنه حقق "المأمول" بالنسبة للمقاومة في غزة، وإن كانت وتيرة المواجهات وعمليات إطلاق النار قد ارتفعت لكن المحللين والمراقبين يشيرون إلى غياب "العمليات النوعية" على النمط الذي نُفذت فيه خلال الشهور السابقة للمعركة.
ويشير كل ما سبق إلى إحدى سمات المرحلة التي تمر بها الضفة، وهي الصعود والهبوط في العمل المقاوم إثر غياب الجسم التنظيمي الذي عرفته التجربة النضالية الفلسطينية السابقة، فالنمط الفردي الذي غلب على العمل المقاوم في الضفة والقدس المحتلتين في السنوات الأخيرة -خاصة منذ "هبّة القدس" التي اندلعت عام 2015- يجعل الأجهزة الأمنية والعسكرية لدى الاحتلال دائمة التأهب من عملية قد تزيد اشتعال الأوضاع في الأرض المحتلة، وتشكل إلهاما لشبان آخرين كما حصل في عمليات أخرى، خاصة مع وجود مجهودات لفصائل المقاومة لتثوير الضفة.
وعلى الصعيد المقابل، فإن مليشيات المستوطنين دخلت في المعركة بقوة من خلال الهجمات المستمرة على القرى، خاصة في ريف نابلس، والتي استشهد في قرية واحدة فيها -هي قصرة- 6 شهداء.
وبالتالي، فإن هذه الهجمات قد تكون أحد عوامل تفجير المواجهة وتثوير المجتمع الفلسطيني الذي شاهد القوة العدوانية لمليشيات المستوطنين المدعومة من جيش الاحتلال.
ويؤكد واقع الضفة الحالي على مركزية التنظيمات في الحالة النضالية الفلسطينية، إذ إن غيابها يحرم المجتمع الفلسطيني من استثمار أي حدث في بناء عمل دائم وموجه نحو الاحتلال.
وفي الوقت ذاته، فإن الأجسام التنظيمية لعدد من الفصائل التي نجت حتى اللحظة من الضربات الأمنية والعسكرية لجيش الاحتلال يرى محللون أنها لم تلتقط حتى الآن الحالة التي تعيشها فلسطين، وتتطلب حراكا خارج ما اعتادت عليه من مظاهرات في قلب المدن.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: أکتوبر تشرین الأول الجاری الضفة الغربیة عملیات إطلاق جیش الاحتلال المواجهات فی إطلاق النار فی الضفة
إقرأ أيضاً:
كيف تضع العمليات اليمنية العدو الصهيوني بين فكي كماشة وتمنح المقاومة الفلسطينية فرصة الانتصار؟
يمانيون | تحليل
في خضم حرب الإبادة التي يشنها كيان الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة، تتجلى أهمية الدور اليمني المحوري في تغيير قواعد الاشتباك، وتحويل مسار المعركة من محيط غزة إلى عمق كيان العدو ومفاصله الاقتصادية والعسكرية. ومع اتساع رقعة العمليات اليمنية المساندة للمقاومة الفلسطينية، تظهر بوضوح الفوائد الاستراتيجية المباشرة وغير المباشرة التي تجنيها قوى المقاومة في غزة من هذا الدعم المتعدد الأبعاد، وبالأخص من العمليات العسكرية النوعية التي تنفذها القوات المسلحة اليمنية.
إن أكثر ما يربك العدو اليوم هو أن الصواريخ والطائرات اليمنية لا تنطلق من حدود فلسطين، ولا يمكن حصارها ضمن جغرافيا المعركة، بل تأتي من آلاف الكيلومترات، لتحلق فوق منظومات الدفاع الجوي الأمريكية والصهيونية، وتصل إلى مطارات الاحتلال، وموانئه، وقواعده الجوية، ومراكزه الاقتصادية في العمق المحتل. هذا التطور الميداني لا يربك العدو فحسب، بل يشتت حساباته ويكسر تفرّغه لحسم المعركة في غزة.
وبحسب الخبير العسكري اليمني العميد مجيب شمسان، فإن العلاقة بين العمليات اليمنية وبين الواقع الميداني والإنساني في غزة باتت علاقة تكامل استراتيجية، حيث كل تصعيد صهيوني يقابله ردع يمني، وكل خطوة عنصرية على الأرض في غزة، تترجم إلى تصعيد بحري أو جوي أو صاروخي من صنعاء.
منع التهجير وكسر أهداف الحرب
من أبرز الفوائد التي جنتها المقاومة الفلسطينية من الموقف اليمني المساند، هو إفشال مخطط التهجير الجماعي للفلسطينيين من قطاع غزة، وهو المخطط الذي كان نتنياهو يعوّل عليه لتحقيق نصر استراتيجي يعيد به التوازن السياسي الداخلي لكيانه المهتز. لكن مع وجود تهديد حقيقي على منشآت العدو الحيوية، أصبح تنفيذ هذا المخطط محفوفًا بتكلفة باهظة، بل وغير ممكن في ظل انكشاف الجبهة الداخلية لكيان الاحتلال.
ويذهب العميد شمسان إلى القول بأن الصواريخ اليمنية حين تضرب ميناء إيلات أو مطار اللد أو ميناء حيفا، فهي لا تُلحق الضرر بالبنية التحتية فحسب، بل تحرم العدو من فرصة تنفيذ أجندته في غزة بأقل كلفة ممكنة، لأن كل تصعيد في القطاع يُقابله تصعيدٌ أشدّ على جبهة البحر الأحمر أو البحر المتوسط أو حتى في الموانئ المحتلة.
توسيع الجبهة.. وإرباك الحسابات
أحد أبرز أوجه الدعم اليمني للمقاومة هو توسيع رقعة المعركة، وتحويلها من صراع محصور في حدود غزة إلى حرب إقليمية متعددة الجبهات. هذا التوسيع أربك الحسابات الصهيونية والأمريكية، ومنع العدو من إحكام الطوق الكامل على القطاع. بل إن العدو بات يواجه معركة استنزاف تتوزع بين البحر الأحمر، والضفة الغربية، وجنوب لبنان، وسوريا، والعراق، والآن اليمن.
أبو عبيدة، الناطق العسكري باسم كتائب القسام، لم يُخفِ أهمية هذا الدعم، واعتبر أن “إخوان الصدق في اليمن” يصرّون على شلّ قلب الكيان الصهيوني، رغم الثمن الباهظ الذي يدفعه اليمن من دماء أبنائه ومن مقدراته. هذا الاعتراف يعكس مدى التقدير الذي توليه المقاومة للفعل اليمني، بوصفه رافعةً استراتيجية تمنحها هامشًا أكبر للمناورة والمقاومة والصمود.
شلل اقتصادي وتفكك داخلي
العمليات اليمنية لا تنحصر في البعد العسكري فقط، بل إن لها أثرًا اقتصاديًا ساحقًا على الكيان، وهو ما يصبّ مباشرة في مصلحة المقاومة الفلسطينية. فمع كل تهديد جديد تطلقه القوات المسلحة اليمنية ضد ميناء أو سفينة صهيونية، ترتفع أسعار التأمين، وتتعطل سلاسل الإمداد، وتتهاوى مؤشرات الثقة بالاقتصاد الصهيوني.
وقد أكدت تقارير إعلامية عبرية متخصصة أن القطاع الصناعي الصهيوني بات يتلقى ضربات مباشرة جراء الحصار الجوي والبحري المفروض من صنعاء، وأن موانئ مثل حيفا باتت مهددة بفقدان مكانتها كمراكز لوجستية رئيسية في المنطقة، بسبب الاستجابة المتزايدة من شركات الشحن العالمية للتحذيرات اليمنية.
رسائل مركّبة من صنعاء: دعم لا مشروط… وتهديد مفتوح
الرسالة التي ترسلها صنعاء للعالم هي أن دعم فلسطين لا يقتصر على الشعارات، بل على الفعل، وأن كلّ من يظن أنه يمكنه سحق غزة دون أن يدفع الثمن، مخطئٌ في الحسابات. لقد أصبحت المقاومة في غزة أكثر ثقة بقدرتها على الصمود، ليس فقط بفضل قدراتها الذاتية، بل بفضل توافر جبهة إقليمية حقيقية تحوّل الدعم النظري إلى نيران مشتعلة في قلب الكيان.
وفي حين تواصل الولايات المتحدة تغذية آلة الحرب الصهيونية بالسلاح والغطاء السياسي، فإن اليمن يرد على هذا التواطؤ بضرب حاملات الطائرات الأمريكية، وإخراج السفن الصهيونية من البحر، وفرض معادلات جديدة في البحر الأحمر، حيث باتت القوة اليمنية تمثل حاجز الردع الأكثر تأثيرًا على الطموحات العدوانية للصهاينة في الإقليم.
ولا شك أن العمليات اليمنية غيّرت موازين الصراع، وأثبتت أن دعم فلسطين لا يعني فقط إرسال المساعدات، بل فتح الجبهات وربط الساحات وضرب العدو حيث لا يتوقع. ومن دون هذا الدعم، لكانت غزة أمام مجازر أشد، ولربما نجح العدو في تمرير أجندته القذرة.
لكن ما دامت صنعاء على عهدها، تقصف وتمنع وتردع، فإن المقاومة ستبقى صامدة، وستنتقل من مرحلة الدفاع إلى معادلة الردع، وربما ما هو أبعد.