لا يرى مراقبون تفسيرا لاستهداف الاحتلال الإسرائيلي صحفيين فلسطينيين وأسرهم، منذ استشهاد مراسلة الجزيرة في الأراضي المحتلة شيرين أبو عاقلة، وحتى استهداف أسرة مراسل الجزيرة في قطاع غزة وائل الدحدوح، إلا محاولة لإخفاء جرائمه المختلفة والحقائق على الأرض.

فإن لم يُجْد قتل الشهود نفعا في إخفاء الجريمة، يعمل الاحتلال على قتل زوجاتهم وأطفالهم، بهدف إشغالهم في حزنهم الشخصي العائلي عن واجبهم المهني الإنساني، وذلك -وفقا لتقرير نشرته قناة الجزيرة للصحفي ماجد توبه- ما يمكن استنتاجه من إشارة أحد المحللين العسكريين الإسرائيليين في حديثه لقناة تلفزيونية إسرائيلية عن استهداف أسرة الدحدوح.

حيث نقلت القناة 13 الإسرائيلية عن محرر الشؤون الفلسطينية لديها، تسفي يحزقيلي تأكيده بأن عائلة وائل الدحدوح كانت هدفا لقصف الجيش، مؤكدا أنهم يعرفون ما يضربون بالضبط.

وفي مايو/أيار 2022، كانت شيرين تترصد هجوما عسكريا وشيكا على مخيم جنين شمال الضفة الغربية، حين قرروا إسكاتها برصاصة أصابتها في مقتل، في حين كان الدحدوح ينقل على الهواء مباشرة ويلات حرب وحشية مدمرة يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، حين قرروا محاولة تحييده بصاروخ دمر منزلا لجأت إليه أسرته في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة.

ويبدو أن الإسرائييلين -كما يرى محللون- لم يستطيعوا تحمل تغطية صحفية مختلفة عن تلك التي اعتمدتها كبريات وسائل الإعلام الغربية، حين تبنت رواية الاحتلال التي ثبت زيفها عن إقدام الفلسطينيين على جرائم اغتصاب نساء وقطع رؤوس أطفال لدى تنفيذهم عملية "طوفان الأقصى" نهاية الأسبوع الأول من الشهر الجاري.

وبينما توقفت كاميرات وميكروفونات شاشات أميركية وأوروبية عريقة، عند تاريخ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ولم يعد يشغل مذيعيها ومراسليها سوى السؤال المتكرر عن إدانة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، كان الدحدوح في طليعة مراسلين يكشفون ما ترتكبه قوات الاحتلال في غزة من جرائم قتل جماعي للمدنيين، وتدمير للمستشفيات والكنائس والمساجد والمنازل  والمخابز والمدارس فوق رؤوس سكانها.

وكان جوهر التغطية الإعلامية التي اعتمدتها قناة الجزيرة، ولم تُرض قادة الحرب من جيش الاحتلال الإسرائيلي، هو أن الفلسطينيين ليسوا أقل إنسانية عن غيرهم، وأن مأساتهم لابد أن يراها العالم أجمع رغم الانحياز الأعمى من أغلب وسائل الإعلام الغربية للجانب الإسرائيلي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الاحتلال الإسرائیلی

إقرأ أيضاً:

الإعلام التونسي بين شيطنة الجزيرة والاحتفاء بالدحدوح

رغم حرص قناة الجزيرة -منذ أيام المخلوع- على المهنية والحياد عند التطرق إلى الشأن التونسي، فإن هذه القناة، مثلها في ذلك كمثل كل المنابر الإعلامية المحسوبة على المحور القطري-التركي الداعم للثورات العربية، لم تسلم من حملات التشويه والتخوين المُمنهجة من لدن ما يُسمّى بالنخبة الحداثية بمختلف مرجعياتها البورقيبية والقومية واليسارية. فإعطاء صوت للمعارضين للنظام السابق -خاصة الإسلاميين منهم- والانحياز بعد الثورة للانتقال الديمقراطي ونسف استراتيجيات الدمغجة والتضليل للرأي العام المحلي والأجنبي، كل ذلك كان من "الخطايا" التي عملت أغلب النخب "الحداثية" على أن تدفع "الجزيرة" ثمنها ولو بعد حين.

وقد جاء "تصحيح المسار" ليحقق شيئا من مطالب تلك النخب عندما سارع الجهاز الأمني إلى إغلاق مقر الجزيرة دون إذن قضائي، بل دون علم مصالح رئاسة الجمهورية حسب ما صدر من مواقف رسمية. إنه "منطق التعليمات" الذي كان أساس اشتغال الآلة القمعية في عهد المخلوع، ذلك المنطق الذي يجعل من تحديد المسؤوليات الجزائية أمرا بالغ الصعوبة بحكم عدم وجود أي أثر مكتوب، كما أنه يُعطي للسلطة السياسية إمكانية المناورة بتوصيف ما حدث على أنه تعسف في استعمال السلطة ولا يُمثّل التوجه الرسمي للدولة.

مواقف النقابة ذاتها عند غلق الجزيرة والتضييق على صحفييها لم تتجاوز الحد الأدنى من التضامن؛ على خلاف ما كان من ارتفاع سقفها الاحتجاجي و"النضالي" كلما تعلق الأمر بالمحسوبين على التيار المعادي للجزيرة أو للنهضويين وحلفائهم. ولذلك فإننا نعتبر مواقف نقابة الصحفيين ضربا من تسجيل الموقف أو رفع الملام، كما نعتبرها تجسيدا جيدا لمنطق ازدواجية المعايير والانحياز الأيديولوجي الذي حكم مكوّنات المجتمع المدني بمختلف منظماته "الحداثية"
منذ المرحلة التأسيسية، كانت الحملة على الجزيرة تقوم من جهة أولى على الربط بينها وبين "الإرهاب" و"الإخوان" باعتبارهما ظاهرة واحدة تهدّد النسيج المجتمعي التونسي ومكاسب الدولة الوطنية، كما كانت تلك الحملة تقوم من جهة ثانية على الربط بين الجزيرة وكل منابر الإعلام التي لا تتماهى مع استراتيجية الثورة المضادة؛ وبين مشروع "صهيوني" متخيل مداره تفكيك الدولة التونسية وإلحاقها -عبر بوابة الديمقراطية التي حملت "الإخوان" إلى الحكم- بمحور التطبيع والخضوع للإمبريالية العالمية.

ورغم اتخاذ النقابة الوطنية للصحفيين مسافةً من هذه السردية، فإن أغلب مسؤوليها كانوا أدوات تنفيذ لها، بل إن مواقف النقابة ذاتها عند غلق الجزيرة والتضييق على صحفييها لم تتجاوز الحد الأدنى من التضامن؛ على خلاف ما كان من ارتفاع سقفها الاحتجاجي و"النضالي" كلما تعلق الأمر بالمحسوبين على التيار المعادي للجزيرة أو للنهضويين وحلفائهم. ولذلك فإننا نعتبر مواقف نقابة الصحفيين ضربا من تسجيل الموقف أو رفع الملام، كما نعتبرها تجسيدا جيدا لمنطق ازدواجية المعايير والانحياز الأيديولوجي الذي حكم مكوّنات المجتمع المدني بمختلف منظماته "الحداثية".

بناء على ما تقدم، فإن دعوة نقابة الصحفيين لوائل الدحدوح باعتباره أيقونة إعلامية لا تنفصل عن الجزيرة وقطر والمقاومة "الإخوانية" في غزة -أي أيقونة لا تنفصل عن الثالوث "الرجعي" و"المتصهين" حسب السردية الحداثوية التونسية التقليدية- هي أمر يحتاج إلى قراءة تتجاوز شعارات النقابة والسلطة، من مثل الانحياز للمقاومة الفلسطينية وللحقيقة الإعلامية، وتحاول فهم أسبابها بالبحث عن المكاسب التي ستقدّمها هذه الزيارة لمنظميها وللنظام على حد سواء.

ففي سياقٍ تصرّ فيه السلطة التونسية على مواصلة إغلاق مكتب الجزيرة دون سحب ترخيصها في العمل، وتصر فيه أغلب المنابر الإعلامية على تعويم المقاومة الإسلامية في صيغ "نضالية" عامة تُجنّب ذكرها بالاسم، وفي سياقٍ أسقط فيه مجلس النواب مشروع قانون لفتح مكتب لصندوق قطر للتنمية في تونس، وفي سياقٍ ما زال فيه مكتب المجلس مصرا على تعطيل المبادرة التشريعية لتنقيح المرسوم 54 الخاص بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، فإن زيارة الدحدوح إلى تونس والاحتفاء الرسمي والإعلامي به هو أمر قد يبدو في الظاهر مناقضا للتوجهات العامة للدولة وللخطوط التحريرية لأغلب المنابر الإعلامية العمومية والخاصة.

إذا كان زيارة الدحدوح في الظاهر هي أمر مناقض لتوجهات الدولة والإعلام، فإن التعمق في المسألة كفيل برفع هذا التناقض وإعطائه عقلانية ما. فإغلاق قناة الجزيرة هو أمر أصبح محرجا للنظام المساند بصورة علنية للمقاومة والمنتقد للمشروع الصهيوني وأذرعه السياسية والمدنية، كما أن سردية "تصهين" الجزيرة قد تداعت بعد طوفان الأقصى ولم تعد مقبولة عند غالبية التونسيين. وفي مقابل ذلك، أظهر الطوفان حقيقة الإعلام المتصهين في محور الثورات المضادة (خاصة في مصر والإمارات والسعودية)، وهو ما يجعل النقابة الوطنية للصحفيين محوجةً إلى اتخاذ مسافة من حليفها التقليدي لإنقاذ ما تبقى من مصداقيتها المتآكلة؛ بحكم التقاطعات الكثيرة والالتقاء الموضوعي بين أغلب رموز الإعلام التونسي وبين عرابي التطبيع وممولي الثورات المضادة.

إننا أمام خطابٍ يحكمه نظام تسمية هلامي يحجب أكثر مما يضيء، وهو خطاب يهدف في الظاهر إلى رفع الدحدوح إلى مستوى الرمز الإنساني والكوني ولكنه في الحقيقة يسعى إلى فصله عن حاضنته الإعلامية والأيديولوجيةـ وحجب المعطيات التي قد يستفيد منها خصومُ الإعلام الشيو-تجمعي في تونس
إن إخراج الجزيرة من سردية الوصم باعتبارها راعية للإخوان وللإرهاب وللمشروع الصهيوني في المنطقة وإدخالها إلى مربّع الإعلام المقاوم والمعادي للصهيونية؛ هو خيار تكتيكي لا يعكس أية مراجعات أيديولوجية، بل يُعبّر عن قراءة انتهازية للأحداث. فالهدف من دعوة الدحدوح هو تحسين صورة الإعلام التونسي وتلميع النقابة داخليا وخارجيا، كما أنها تهدف إلى سحب البساط من تحت أقدام الإسلاميين -خاصة النهضويين- قصد منع أي مماهاة بينهم وبين الإعلام المقاوم ومحور المقاومة الإسلامية في الوعي الشعبي. وهو ما يعني أن علينا فهم الدعوة دون فصلها عن تموضع نقابة الصحفيين سياسيا وأيديولوجيا، فهذه النقابة هي جزء من الموالاة النقدية الداعمة لتصحيح المسار والمُشيطنة لعشرية الانتقال الديمقراطي باعتبارها "عشرية سوداء".

وإذا كان الإعلام التونسي يُتابع أحداث غزة بخطاب وموسيقى وأشعار يسارية وقومية لا علاقة لها بالإسلام المقاوم وأشعاره وفنّه، فإن النقابة لم تخرج عن هذا الخط المؤدلج في احتفائها بزيارة الدحدوح. فحسب تصريحات النقابة، فإنه "لا يمكن اليوم أن نتحدث عن الدحدوح خارج التجربة المهنية والإنسانية، حيث يُمثل تجربة مهنية بمعنى الانتماء لمهنة الحقيقة التي تتحدى الاحتلال ومنطق الإبادة والحروب، وتجربة مواجهة الموت من أجل رسالة الأخبار والإعلام ورسالة فضح الجرائم ضد الانسانية والتوحش والانحطاط العالمي". وبصرف النظر عن عبثية الإيحاء بانطباق هذه الصفات على الإعلام التونسي، فإن أي قارئ لهذا الخطاب سيجد صعوبة في تعيين موقع الدحدوح في الخارطة الإعلامية العربية، فلا حديث عن قناة الجزيرة ولا عن المقاومة الإسلامية ولا عن الكيان الصهيوني.

إننا أمام خطابٍ يحكمه نظام تسمية هلامي يحجب أكثر مما يضيء، وهو خطاب يهدف في الظاهر إلى رفع الدحدوح إلى مستوى الرمز الإنساني والكوني ولكنه في الحقيقة يسعى إلى فصله عن حاضنته الإعلامية والأيديولوجيةـ وحجب المعطيات التي قد يستفيد منها خصومُ الإعلام الشيو-تجمعي في تونس (من مثل أن منبر "الحقيقة" هو "الجزيرة" التي يتهمها الإعلام التونسي بـ"التصهين"، وكذلك المرجعية الإسلامية الإخوانية للمقاومة وتاريخ الدحدوح نفسه)؛ كما يحاول هذا الخطاب الهلامي عدم إحراج "الأصدقاء" في الداخل وفي محور التطبيع والثورات المضادة إذا ما هو سمّى "المتصهينين" وأبواقهم الدعائية -أي النقيض المهني والإنساني للدحدوح- بأسمائهم.

تصدّر أعداء "الجزيرة" وخطها التحريري للمشهد الاحتفائي بالدحدوح هو مجرد مظهر من مظاهر هيمنة المنظومة القديمة وحلفائها في اليسار الوظيفي على المشهد الوطني وعلى آليات تشكيل الرأي العام، وهو أمر لا يعكس أي تغير في تموقع النقابة سياسيا ولا أيديولوجيا، إنه مجرد استثمار لرمزية الدحدوح ومحاولة لتوظيفها في تلميع صورة النقابة ومنظوريها أمام الرأي العام

لا شك عندنا في أن تصدّر أعداء "الجزيرة" وخطها التحريري للمشهد الاحتفائي بالدحدوح هو مجرد مظهر من مظاهر هيمنة المنظومة القديمة وحلفائها في اليسار الوظيفي على المشهد الوطني وعلى آليات تشكيل الرأي العام، وهو أمر لا يعكس أي تغير في تموقع النقابة سياسيا ولا أيديولوجيا، إنه مجرد استثمار لرمزية الدحدوح ومحاولة لتوظيفها في تلميع صورة النقابة ومنظوريها أمام الرأي العام. أما الارتفاع إلى مستوى ما يمثله الدحدوح من قيم الانتماء للحقيقة وللمقاومة ولمن هم أسفل؛ فإنه مطلب عزيز لا يمكن لكل التأنقات اللفظية والمشهدية الاحتفالية أن تبرهن على وجوده إلا من باب الدعوى التي لا محصول تحتها

ومن جهة النظام، فإن القبول بدعوة الدحدوح تؤكد للرأي العام انحياز الرئيس للمقاومة وتعطي لسردية مواجهة أذرع الصهيونية والماسونية في تونس مصداقيةً أكبر. كما أن هذه الزيارة قد تعقبها مراجعة لقرار غلق مقر الجزيرة بصورة غير قانونية، وهو أمر -إن حصل- فإنه سيعكس توجها جديدا في السياسة الخارجية التونسية، ومؤشرا على اتساع الشقة بين النظام وبين محور التطبيع والثورات المضادة من جهة أولى، وسيعكس من جهة ثانية تراخي قبضة اليسار الوظيفي على مراكز القرار داخل أروقة السلطة. وهي فرضية لا يمكن استبعادها خاصة بعد إقالة وزير الداخلية ووزير التضامن الاجتماعي، ومهاجمة الرئيس بصورة لا لَبس فيها للكارتيلات العائلية ولمنظومة الاستعمار الداخلي التي مثّل اليسار الوظيفي المعادي للجزيرة -قبل الثورة وبعدها- ذراعها الأيديولوجية والإعلامية الأهم.

x.com/adel_arabi21

مقالات مشابهة

  • عاجل| 10 شهداء جراء استهداف الاحتلال منزلين وسط قطاع غزة
  • الاحتلال يقصف منازل وتجمع مواطنين في أحياء غزة ويوقع عشرات الشهداء
  • حزب الله يستهدف موقعي «الرمثا» و «المطلة» بالأسلحة الصاروخية
  • لماذا يحتكر النظام المصري انتقاد الحرب على غزة ويحرم المواطنين؟
  • استشهاد أربعة فلسطينيين في اعتداءات الاحتلال على قطاع غزة والضفة الغربية
  • اشتباكات في بلاطة وجنين والاحتلال يقتحم مدنا وبلدات بالضفة
  • الإعلام التونسي بين شيطنة الجزيرة والاحتفاء بالدحدوح
  • لماذا لا يدعم محمد صلاح غزة ؟.. الإعلام العبري يجيب (شاهد)
  • قوات الاحتلال تقتحم مدن وقرى في الضفة الغربية (فيديو)
  • استشهاد 12 فلسطينيًا في قصف لقوات الاحتلال الإسرائيلي