بمناسبة اليوم العالمي للإقلاع عن التدخين، الذي يُحتفل به سنويًا في 31 مايو برعاية منظمة الصحة العالمية (WHO)، أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر تقريرًا شاملًا، يتناول فيه أبرز المؤشرات الصحية العالمية والمحلية المرتبطة بالتدخين. التقرير يرسم صورة دقيقة عن حجم الظاهرة وتأثيرها على المجتمع المصري، ويُسلّط الضوء على الجهود المبذولة للتصدي لها والنتائج المتحققة حتى الآن.

الموت الأسود.. أرقام مفزعة عالميًا

وأبرز التقرير حقيقة صادمة وهي أن التبغ يتسبب في وفاة أكثر من 8 ملايين شخص سنويًا حول العالم، معظمهم في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، وهي فئة تعاني بالفعل من تحديات صحية واقتصادية متعددة. لا يقف ضرر التدخين عند حدود الإصابة بالأمراض القلبية والرئوية، بل يمتد ليشمل أكثر من 20 نوعًا مختلفًا من السرطان.

كما أن التدخين السلبي، أو ما يُعرف بالتعرض غير المباشر للدخان، يشكل خطرًا كبيرًا، إذ يؤدي إلى وفاة 1.2 مليون شخص سنويًا، من بينهم 65 ألف طفل يفقدون حياتهم بسبب أمراض ناتجة عن استنشاق الدخان في بيئات مغلقة أو من مدخنين في الأسرة. وكشف التقرير أن نصف أطفال العالم تقريبًا يتعرضون بانتظام لهواء ملوث بدخان التبغ، ما ينذر بعواقب صحية وخيمة على الأجيال القادمة.

السجائر الإلكترونية.. الخطر الخفي

وتناول التقرير أيضًا المخاوف المتزايدة من السجائر الإلكترونية، التي غالبًا ما يُروّج لها على أنها أقل ضررًا. إلا أن الحقيقة، كما أكدها التقرير، هي أن هذه المنتجات لا تخلو من المخاطر، بل قد تكون أشد ضررًا بسبب احتوائها على مواد كيميائية مجهولة التأثير طويل الأمد، خاصة مع تزايد استخدامها بين فئة الشباب.

التدخين في مصر.. بين تراجع الأرقام واستمرار التحدي

وعلى الصعيد المحلي، سجلت مصر تراجعًا ملحوظًا في نسب التدخين، حيث أظهرت النتائج الأولية لمسح الدخل والإنفاق والاستهلاك لعام 2023/2024 أن نسبة المدخنين بلغت 14.2% من إجمالي السكان البالغين (15 سنة فأكثر)، ما يعادل حوالي 10.3 مليون فرد، مقارنة بـ17% في المسح السابق لعام 2021/2022.

ويعكس هذا الانخفاض تطورًا إيجابيًا، لكنه لا يزال يطرح العديد من التحديات، خاصة أن ظاهرة التدخين لا تزال ذكورية بالأساس، إذ تبلغ نسبة المدخنين من الذكور 28.5%، مقابل 0.2% فقط من الإناث.

الأسرة.. بيئة الخطر الصامت

كشف التقرير أن ثلث الأسر المصرية (33.5%) تحتوي على فرد مدخن على الأقل، ما يعني أن هناك ما يقرب من 26 مليون شخص غير مدخن يتعرضون للتدخين السلبي داخل منازلهم. ويُعد هذا الرقم مؤشرًا مقلقًا، خاصة في ما يتعلق بصحة النساء والأطفال الذين لا خيار لهم في تجنب هذه البيئة الضارة.

كما جاءت الفئة العمرية (35-44 عامًا) على رأس قائمة المدخنين بنسبة 19.2%، تليها فئة (45-54 عامًا) بنسبة 18.5%، ما يدل على أن التدخين لا يزال شائعًا بين الفئات الأكثر إنتاجية في المجتمع.

فاتورة مكلفة.. التدخين واستنزاف موارد الأسر

أوضح التقرير أن متوسط الإنفاق السنوي للأسرة المصرية على التدخين يبلغ 12.9 ألف جنيه، مع تفاوت واضح بين الشرائح الاقتصادية. فقد سجلت الشريحة الأعلى إنفاقًا معدل 16.2 ألف جنيه سنويًا، بينما سجلت الشريحة الأدنى إنفاقًا 8.5 ألف جنيه.

المفارقة اللافتة أن الشرائح الأفقر تُنفق نسبة أكبر من دخلها على التدخين، حيث بلغت نسبة الإنفاق عليه من إجمالي الإنفاق الكلي 10.2% للشريحة الأدنى، مقابل 9.2% فقط للشريحة الأعلى. هذا يعني أن التدخين لا يُثقل كاهل الصحة العامة فقط، بل يُشكل عبئًا اقتصاديًا مضاعفًا على الفئات الهشة.

أثر إيجابي على الصحة العامة

وفي هذا السياق، أكد الدكتور محمد حنتيرة، أستاذ أمراض الصدر، أن هذا الانخفاض يحمل في طيّاته دلالة صحية مهمة، خصوصًا في ما يتعلق بأمراض الجهاز التنفسي المزمنة مثل الانسداد الرئوي المزمن وسرطان الرئة، وكذلك أمراض القلب. وأوضح أن التدخين يُعد السبب الأول في هذه الأمراض، ما يجعل تراجع نسبته مؤشرًا واعدًا على تقدم جهود الوقاية والتوعية الصحية في المجتمع المصري.

دور التشريعات وحملات التوعية

أشار حنتيرة إلى أهمية القوانين التي تُقيّد التدخين في الأماكن العامة والمغلقة، إضافة إلى فرض الغرامات على المخالفين، مؤكدًا أن هذه الإجراءات ساهمت في خلق بيئة أقل تشجيعًا على التدخين. كما شدّد على أهمية استمرار حملات التوعية الصحية، وتوسيع برامج التثقيف حول أضرار التدخين النشط والسلبي، مع التركيز على الفئات الأكثر عرضة للتأثر مثل الشباب والنساء.

برامج الدعم والإقلاع عن التدخين

وأكد حنتيرة على ضرورة تعزيز برامج الإقلاع عن التدخين، من خلال توفير الدعم الطبي والنفسي للمدخنين، وتقديم بدائل علاجية فعالة مثل العلاجات البديلة للنيكوتين. وأشار إلى أهمية مراعاة الجانب النفسي في مراحل الإقلاع، مما يُزيد من فرص النجاح في التخلص من هذه العادة الضارة.

السجائر الإلكترونية.. خطر صاعد

كما حذّر من الانتشار المتزايد لاستخدام السجائر الإلكترونية، خاصة بين الشباب، مطالبًا بضرورة مراقبتها عن كثب وزيادة التوعية بمخاطرها المحتملة، التي لا تقل ضررًا عن السجائر التقليدية، بل وربما أكثر غموضًا من حيث تأثيراتها طويلة الأمد.
 

يرى الخبراء أن تراجع نسبة التدخين في مصر يُعتبر إنجازًا ملموسًا، لكنه لا يعني نهاية المعركة. فالنجاح الحقيقي يتطلب مواصلة حملات التوعية، وتكثيف البرامج الوقائية، وتوسيع رقعة الدعم للمُقبلين على الإقلاع، بالتوازي مع رقابة صارمة على بدائل التدخين الحديثة. إن بناء مجتمع صحي يبدأ من قرارات فردية مدعومة بسياسات وطنية رشيدة، وهو ما بدأ يتحقق على أرض الواقع، ولكنه بحاجة إلى استمرارية وتكامل الجهود.

طباعة شارك الجهاز المركزي للتعبئة السجائر الإلكترونية التدخين مصر النساء

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الجهاز المركزي للتعبئة السجائر الإلكترونية التدخين مصر النساء السجائر الإلکترونیة أن التدخین التدخین فی سنوی ا فی مصر

إقرأ أيضاً:

زمن الأزمات والحروب.. كيف تحمي نفسك من الأمراض النفسية؟

في ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة في العالم العربي، تبرز قضية الصحة النفسية كأحد التحديات الكبرى التي تواجه الأفراد والمؤسسات معا.

فقد باتت الاضطرابات النفسية وما يرتبط بها من آثار اجتماعية واقتصادية تشكل هاجسا متصاعدا لدى شريحة واسعة من سكان المنطقة العربية، خصوصا في ظل ظروف العمل الضاغطة، وتغير أنماط الحياة، والتأثر بالأحداث السياسية والحروب المتواترة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2نانسي فقدت توأميها على طريق النزوح وتخشى أن تفقد ابنتها الأخيرة في غزةlist 2 of 28 علامات تحذيرية لمحتوى سام على الإنترنت قد يصيب عقلكend of list

الرفاهية النفسية

تعرّف منظمة الصحة العالمية الصحةَ النفسية بأنها "حالة من الرفاهية التي يتمتع فيها الفرد بقدرة على إدراك إمكاناته، والتكيف مع الضغوط العادية للحياة، والعمل بشكل مثمر، والمساهمة في مجتمعه".

أما في السياق العربي، فتزداد أهمية هذا المفهوم بالنظر إلى التحولات الديمغرافية، وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، وانتشار أنماط الحياة العصرية التي ترافقها الضغوط النفسية المتزايدة، ناهيك عن النزاعات المسلحة والحروب التي تشهدها بعض البلدان.

وقد أظهرت تقارير إقليمية، مثل تقرير المجلس العربي للطفولة والتنمية لعام 2024، أن واحدا من كل 5 شباب يعاني من أعراض اضطرابات نفسية متفاوتة الشدة، تبدأ غالبا بالقلق وتنتهي بالاكتئاب أو الاحتراق النفسي الوظيفي.

دراسة: الموظفون ممن تلقوا دعما نفسيا مؤسسيا استطاعوا تجاوز ضغوط العمل والحفاظ على إنتاجيتهم (شترستوك)أسباب تفاقم المشكلات النفسية عدم كفاية الوعي المجتمعي: لا تزال ثقافة ربط الأمراض النفسية بالوصمة والعزلة سائدة في عدد من المجتمعات العربية، مما يدفع الكثيرين إلى إخفاء معاناتهم وتجنب طلب المساعدة. الضغوط الاقتصادية والاجتماعية: تشير دراسة للجامعة الأميركية في بيروت عام 2023 إلى أن ارتفاع معدلات البطالة وتدني الدخل يلعبان دورا رئيسيا في نشوء مشاكل القلق والاكتئاب بين فئة الشباب. الاضطرابات السياسية والصراعات: يعيش الملايين من العرب في بيئات تتسم بعدم الاستقرار السياسي والنزاعات المسلحة، مما يزيد من نسب التعرض لصدمات نفسية مزمنة. غياب السياسات الصحية المتكاملة: بحسب منظمة الصحة العالمية، لا تتجاوز ميزانية الصحة النفسية في كثير من الدول العربية 2% من إجمالي الإنفاق الصحي، وهو ما ينعكس على ضعف الخدمات المقدمة. العالم يحتفل الجمعة باليوم العالمي للصحة النفسية (الأناضول)أساليب الوقاية النفسية

ترتكز الوقاية على عوامل عدة، منها:

إعلان تعزيز حملات التوعية المجتمعية: تقول أستاذة الطب النفسي بجامعة قطر، الدكتورة سعاد المنصوري، إن "كسر حاجز الصمت حول الصحة النفسية يبدأ بتكثيف الحملات الإعلامية، وإدراج مفهوم الصحة النفسية في المناهج الحكومية، لينشأ جيل ممتلك لأدوات الوقاية والتكيف". دعم الأسر وتمكين المؤسسات التربوية: تشير الدراسات إلى أن بيئة الأسرة والمدرسة هي الحاضن الأول للطفل والشاب، ويسهم إهمال الصحة النفسية في هذين المجالين في تراكم الأزمات النفسية لاحقا. تطوير برامج الدعم النفسي في أماكن العمل والجامعات: أظهرت دراسة مصرية لعام 2024 أن 65% من الموظفين ممن تلقوا دعما نفسيا مؤسسيا استطاعوا تجاوز ضغوط العمل والحفاظ على إنتاجيتهم، مقارنة بـ38% فقط في بيئات تفتقر لمثل هذا الدعم. تعزيز ثقافة الرياضة والأنشطة الجماعية: الرياضة لا تعتبر ترفا، بل أداة وقائية ضد الاكتئاب والقلق. وقد أثبتت أبحاث مركز الصحة النفسية السعودي أن ممارسة الرياضة الجماعية ترفع مؤشرات السعادة وتخفض معدلات المشكلات النفسية بنسبة تصل إلى 30%.

أثر التحولات الرقمية

لا يمكن إغفال أثر الوسائط الرقمية على الصحة النفسية، فقد خلصت دراسة حديثة لجمعية علم النفس الأردنية إلى أن "الإفراط في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي أصبح أحد عوامل ارتفاع معدلات القلق والعزلة الاجتماعية بين المراهقين والشباب".

ومن هنا ترى الدراسة أنه من الضرورة تعزيز الوعي الرقمي، والتوجيه نحو الاستخدام الصحي للتقنيات الحديثة، بما يضمن بناء علاقات فعلية ومستقرة، ويحد من الانزلاق نحو الإدمان أو التنمر الرقمي.

والجدير بالذكر أن مسألة السلامة والصحة النفسية بالعالم العربي اليوم باتت تحديا حضاريا، فهي لا تتصل فقط بالفرد بل تنعكس على قوة المجتمعات وقدرتها على مواجهة الأزمات وتحقيق التنمية. ومن هنا يجب أن تتحول هذه القضية من هامش السياسات الصحية إلى مركز اهتمام الحكومات والمؤسسات، وأن يبدأ التغيير من الأسرة والمدرسة، ويمتد ليشمل كل مؤسسة وجزء من المجتمع.

وبحسب خبير الصحة النفسية الدكتور طارق الكردي فإن "المجتمع المتماسك يبدأ من عقل سليم وروح مطمئنة، والصحة النفسية ليست رفاهية بل حق لكل إنسان".

إن الاستثمار في الوقاية والدعم النفسي، ونشر ثقافة الاستشارة والمشاركة والتضامن، هو الطريق لبناء بيئة عربية سليمة ومعافاة نفسيا، قادرة على الإبداع والعطاء في عالم يتغير بسرعة غير مسبوقة.

مقالات مشابهة

  • صحة تطلق حملة التوعية بسرطان الثدي تحت شعار أكتوبر الوردي شهر من أجلها
  • جولة لوكيل مديرية الصحة القليوبية لتفقد مستشفيات الخانكة وشرق شبرا وشبين
  • خبيرا سموم وطبيب شرعي يواجهان "دفاع دلجا": الخبز المسموم احتفظ بـ 60% من السم القاتل رغم حرارة الفرن
  • أسعار السجائر بعد خفض الدولار .. شعبة الدخان تكشف مفاجأة
  • التقرير الأسبوعي لوزارة التربية والتعليم والتعليم الفني
  • زمن الأزمات والحروب.. كيف تحمي نفسك من الأمراض النفسية؟
  • كيف تؤثر السجائر الإلكترونية على عمل الرئتين لمكافحة النزلات وكوفيد؟
  • حماس تدعو الوسطاء لتحمل مسؤولياتهم تجاه جرائم الاحتلال المستمرة
  • كيف يُؤثر التدخين الإلكتروني على عمل الرئتين ويضعف مكافحتهما للنزلات وكوفيد؟
  • 50% اختراقات و72% أعطال.. سايبر أرك تطلق جيلاً جديدًا من حلول أمن الهويات لتقليل المخاطر